توطين العمل الإنساني في اليمن تحديات ومخاوف
صوت الأمل – أرواد الخطيب
تواصل العشرات من منظمات المجتمع المدني العمل منذ عدة شهور لانتزاع موافقة أممية بتوطين العمل الإنساني في ظل الأوضاع التي تعيشها البلاد وتزايد معاناة الملايين من المحتاجين للمساعدات وكثرة الشكاوى من عدم وصول المساعدات إلى مستحقيها من خلال التحول نحو تنفيذ وقيادة محلية للعمل الإنساني كحل بين الفاعلين المحليين المطالبين بإصلاح النظام والشركاء الدوليين.
وفي خضم النقاشات الجارية حول هذا المفهوم الذي مضى على ظهوره نحو ستة أعوام كان لابد من مناقشته وعرض ما يمكن أن يحققه، ومناقشة المخاوف المرتبطة به، ولهذا كان لقاءنا مع الاستشاري
د. عبد القوي حاجب، استشاري تطوير برامج حاليا (مدير برنامج توطين وتحسين الاستجابة في اليمن ـ مؤسسة تمدين شباب)
خلفية تاريخية
في البداية كان لابد من توضيح لماهية توطين العمل الإنساني ويوضح حاجب ذلك بقوله: مصطلح “توطين” هو ترجمة حرفية للكلمة الإنجليزية “localization” ولكن الدلالة الصحيحة يمكن أن تكون”يمننة” في السياق المحلي وقد عرف قديما قبل العام 2014م في النظام العالمي للاستجابة الإنسانية بمعاني مختلفة مثل “بناء قدرات الفاعلين المحليين في الاستجابة” أو “تعزيز دور الفاعلين المحليين” أو “تعزيز الشراكة مع الفاعلين المحليين” وهناك العديد من البرامج والمبادرات في هذا الإطار سوءا على المستوى المحلي أو الدولي قبل إن يأتي هذا المفهوم في الصفقة الكبرى.
الصفقة الكبرى:
وقعت عشرات الدول المانحة وعشرات المنظمات الإنسانية على “الصفقة الكبرى” في مايو 2016 بمناسبة انعقاد مؤتمر القمة العالمي للعمل الإنساني، إذ تعهدت بتحويل ممارساتها في 10 مجالات (تديرها “الفرق العاملة”) سعياً إلى جعل نظام بيئة العمل الإنساني أكفأ وأكثر فعالية وأكثر تركيزاً على الناس. وتقديم المزيد من الدعم للجهات المستجيبة المحلية والوطنية وتعزيز آليات التمويل لديها.
بعد ذلك ظهرت العديد من الأصوات التي تطالب الفاعلين الدوليين بإعادة النظر في نظام الاستجابة وبأن نظام وبنية العمل الإنساني بشكله الحالي يحتاج إلى تغيير جذري واستراتيجي حتى يستطيع العالم بشكل أفضل مواجهة التحديات الإنسانية الراهنة والمستقبلية ولذلك برزت العديد من الرؤى والأجندة لإعادة بناء هذا النظام العالمي ومن أبرزها التالي:
1. أهداف التنمية المستدامة العام 2015م
2. القمة العالمية للعمل الإنساني 2016م
3. الميثاق من اجل التغيير 2016م
4. الصفقة الكبرى 2016م
هذه المبادرات في مجملها هدفت إلى معالجة الاختلالات في النظام العالمي للاستجابة واحد توصياتها في الصفقة الكبرى كان توطين العمل الإنساني كمنهجية واضحة وتكاملية تهدف إلى تحسين الاستجابة من خلال تعزيز قدرات ودور الفاعلين المحليين وتشمل جوانب تعزيز القدرات عدد من المكونات الرئيسية مثل بناء القدرات المؤسسية والفنية ـ تعزيز الدور القيادي ـ تحسين الشراكات ـ تحسين كمية ونوعية التمويل ـ السياسات ـ المناصرة وتحسين الشراكات الخ للفاعلين المحليين.
توطين العمل الإنساني في اليمن
وحول مفهوم توطين العمل الإنساني في اليمن، يقول حاجب: في اليمن لازال هذا المفهوم حديث ومن خلال النقاشات والاستشارات واللقاءات التي أجرتها منظمة تمدين شباب خلال الفترة السابقة مع فاعلين دوليين ومحليين في مجال الاستجابة ومع أعضاء المنتدى الذين أطلقوا مبادرة توطين وتحسين آليات الاستجابة في اليمن في شهر أغسطس 2021م يتضح أنه لازال هناك غياب لتعريف محدد لمفهوم توطين العمل الإنساني وذلك لعدم وجود توافق أو استيعاب في اليمن لمفهوم التوطين سوءا فيما بين الفاعلين الدوليين من جهة وبينهم وبين الفاعلين المحليين أو أوساط الفاعلين المحليين من جهة أخرى.
ويبدو هذا واضحا بالنظر في آليات التوطين الحالية لبعض الفاعلين الدوليين، حيث نجد غياب الرؤية لمنهجية وطنية مبنية على أساس تشاركي مع جميع الفاعلين لتوطين العمل الإنساني في اليمن بالرغم من مرور ست سنوات على ظهور هذا المفهوم في العالم في الصفقة الكبرى ومرور أكثر من سبع سنوات على أكبر استجابة إنسانية في العالم في اليمن.
وعموما ظهر هذا المفهوم “توطين” أو “localization” بهذا الشكل في العام 2016م في أدبيات الصفقة الكبرى “Grand Bargain”بمعنى التحول نحو تنفيذ وقيادة محلية للعمل الإنساني ويكون الدعم من قبل الفاعلين الدوليين حسب الضرورة “محليا بقدر الإمكان ودوليا بحسب الضرورة” كحل بين الفاعلين المحليين المطالبين بإصلاح نظام العمل الإنساني والفاعلين الدوليين وهذا التعريف يمكن أن ينطبق أيضا على مفهوم توطين العمل الإنساني في اليمن وعلى الأقل من خلال مبادرة مؤسسة تمدين شباب وأعضاء المنتدى وبحسب ما جاء في أدبيات مبادرة توطين وتحسين آليات الاستجابة للمؤسسة وأعضاء المبادرة.
وهنا يجدر الإشارة إلى أن المقصود بالفاعلين المحليين ليس فقط منظمات المجتمع المدني وإنما كل من له علاقة ومصلحة بعمليات الاستجابة مثل الجهات الرسمية الوطنية والقطاع الخاص والمجتمعات المحلية المستفيدة من الاستجابة وكذلك المستفيدين المباشرين من الاستجابة. إضافة إلى ذلك فان الفاعلين الدوليين يقصد بهم الدول المانحة والمنظمات والوكالات الأممية والمنظمات والوكالات الدولية.
ويرى حاجب ان اليمن بحاجة ماسة لتوطين العمل الإنساني لأسباب عديدة منها:
• توطين العمل الإنساني يمكن أن يشكل فرصة لإعادة تصميم نظام الاستجابة وتلافي الفجوات والأخطاء في النظام الحالي في مختلف الجوانب (القدرات ـ والسياسات ـ الشراكات ـ الدعم والجوانب المالية الخ)
• يشكل فرصة لمنظمات المجتمع المدني للانخراط بشكل بناء مع الفاعلين الدوليين والحكومة والجهات المانحة
• من شأن توطين العمل الإنساني في اليمن أن يعالج جوانب الضعف لدى مؤسسات المجتمع المدني اليمنية وأيضا الجهات الحكومية حيث سوف يوفر فرصة لقياس التحديات في جانب القدرات واقتراح الحلول المناسبة
• يوفر فرصة حوار بين الفاعلين الدوليين والمحلين.
• منهجية التوطين تعزز نهج الشراكة المجتمعية في التخطيط والمساءلة الاجتماعية في عمل منظمات المجتمع المدني المحلية والدولية، بما في ذلك زيادة مشاركة منظمات المجتمع المدني في رصد وتقييم أداء الفاعلين الدوليين، وخاصة جانب تعزيز القدرات والدعم وغيرها من جوانب توطين العمل الإنساني
• يمكن أن يمثل نقطة تحول للفاعلين المحليين في آليات قيادة وتنسيق العمل الإنساني
• لان توطين الاستجابة يهدف إلى تحليل وتعزيز العلاقة بين منظمات المجتمع المدني المحلية والحكومة والفاعلين الدوليين سينعكس هذا إيجابا على الجوانب الأخرى الهامة مثل التنمية وبناءة وبناء السلام
ويؤكد حاجب ان هذه الاسباب تشكل أهمية لمنظمات المجتمع المدني المحلية اليمني بجانب ان هناك فوائد من وراء توطين العمل الإنساني للجهات الحكومية والمانحين والمنظمات الدولية وأيضا و ان الأهم من ذلك أن توطين العمل الإنساني سينعكس إيجابا على عملية الاستجابة ككل وعلى المستفيدين المباشرين من الاستجابة بالإضافة إلى إن هذا مهم لردم الفجوات بين الاستجابة الإنسانية وجهود التنمية وبناء السلام.
آليات التوطين
وعن ماهي آليات التوطين أجاب حاجب قائلا: على الرغم من إن هناك جهود نحو توطين الاستجابة وآلياتها في اليمن ولكن لازالت هذه الجهود فردية غير إستراتيجية وفي غالبها آليات داخلية وأحيانا شكلية حسب أراء عدد من الفاعلين المحليين.
يوجد عدد من المانحين والمنظمات الدولية طوروا آلية خاصة بهم لتوطين العمل الإنساني لكن كل آلية مختلفة عن الأخرى ولا يوجد ترابط بينها وبين الاحتياجات المحلية لتوطين العمل الإنساني لأنه لم يتم تطويرها بالشراكة مع الفاعلين المحليين. علاوة على ذلك لا تستند إلى منهجية دولية مثل منهجية المجلس الدولي للوكالات الدولية (ICVA )International Council for Voluntary Agencies و المجموعة الاستشارية الإنسانية Humanitarian Advisory Group (HAG) و شبكة تمكين الاستجابةNEAR .
“هناك جهود تطوير آلية وطنية خاصة باليمن ضمن مبادرة مؤسسة تمدين شباب وبالتشاور مع الجهات الدولية المتخصصة في منهجيات قياس التوطين بشكل عام في اليمن وأيضا منهجيات قياس الأداء لتنفيذ الإستراتيجية والخطط التنفيذية وسوف تؤطر هذه الآلية بالشراكة مع جميع الفاعلين المحليين بما فيهم الجهات الحكومية وأيضا الفاعلين الدوليين”
ويسرد مجموعة من الآليات التي تم مناقشتها خلال الفترات الماضية والتي شملت جوانب متعددة منها:
في جانب تعزيز الشراكة والعلاقات:
• تحسين نوعية العلاقات بين الفاعلين المحليين والدوليين
• الانتقال من شراكات تركز على المشاريع إلى شراكات إستراتيجية
• إشراك الأطراف المتشاركة خلال دورة المشروع
في الجانب المالي وآليات التمويل:
• زيادة كمية التمويل
• إعادة النظر في نوعية التمويل
• تحسين آليات الوصول إلى التمويل “المباشر”
• تعزيز الإدارة المالية وتقليل المخاطر
في جانب بناء القدرات:
• تحسين إدارة اﻷداء
• دعم البناء المؤسسي والتنظيمي للشركاء المحليين
• توحيد معايير الجودة والتقييم وقياس الأداء
• إعادة النظر في سياسات التوظيف
في جانب قيادة وتنسيق العمل الإنساني:
• تعزيز دور الفاعلين المحليين في قيادة العمل الإنساني
• تحليل سياق التنسيق العمل الإنساني وتعزيز جوانب الضعف
• تعزيز جوانب الاستجابة التعاونية والتكميلية
في جانب السياسات والمناصرة:
• تحليل السياسات الحالية وتعزيز جوانب القصور والمناصرة ووضع المعايير
• تحسين الحوار والتواصل المباشر بين المانح والفاعلين المحليين
في جانب المشاركة المجتمعية:
• تعزيز جانب الشفافية والمسائلة ومشاركة المعلومات مع المجتمع والمتضررين في الاستجابة الإنسانية
• تعزيز مشاركة المجتمعات والأشخاص المتضررين في تطوير السياسات الإنسانية ووضع المعايير
المبادرات والصعوبات
وعن أهم المبادرات الموجودة حاليا يقول: حاليا يتم العمل ضمن مبادرة مؤسسة تمدين شباب لتوطين وتحسين آليات الاستجابة وهذا العمل يتم مع عدد الفاعلين المحليين وبالشراكة مع شركاء دوليين مثل ICVAو HAG لتطوير آلية قياس وطنية خاصة باليمن وكذلك ضمن المشروع تطوير إستراتيجية وطنية وخطط تنفيذية بالشراكة مع جميع الفاعلين.
زعن التجارب المماثلة في البلدان الأخرى والتي يمكن الاستفادة منها بالتجربة اليمنية يقول حاجب: لا نستطيع القول إن التجربة اليمنية أصبحت تجربة ألا بعد إجراء القياس وعمل آلية وطنية وقياس الأداء سنويا وبعد ذلك يمكن إن نعتبرها تجربه يمكن مقارنتها بتجارب أخرى في العالم.
هناك تجارب كثيرة نفذت في دول عديدة غير اليمن مثل الأردن وبنجلادش ورواندا ودول افريقية عديدة على الرغم من سياق العمل الإنساني في اليمن معقد ومختلف جدا لكننا نعمل بالشراكة مع فاعلين آخرين لإنجاح مبادرة توطين وتحسين آلية الاستجابة في اليمن وجعلها تجربة تفيدنا وطنا الحبيب أولا ويحتذى بها في العالم ونتمنى تعاون الجميع وأولهم منظمات المجتمع اليمني في الوصول إلى ذلك ولما فيه الصالح العام.
وعن أهم المعوقات التي تواجه عملية التوطين يقول مدير برنامج توطين وتحسين الاستجابة في اليمن، ان غياب الرؤية الوطنية لعملية التوطين هي أبرز هذه المعوقات، ويشرح قائلًا: عملية التوطين لازالت حديثة في اليمن وتحتاج إلى تضافر الجهود من قبل كافة الأطراف الفاعلة في المجتمع اليمني والمتمثل في المجتمع المدني والسلطات القائمة والقطاع الخاص. حيث أن وجود رؤية وطنية سوف يكون له دور في توحيد آليات توطين العمل الإنساني وتوحيد جهود التوطين التي تقوم بها بعض الجهات المانحة حالياً.
استطلاع.. الغذاء أهم الاحتياجات الإنسانية لليمنين في ظل الصراع بنسبة %36.9
صوت الأمل – رجاء مكرد أوضحت نتائج استطلاع إلكتروني أجراه يمن انفورميشن سنتر، منتصف شهر ينا…