حرمان الفتيات من التعليم
أبرز أنواع التمييز القائم على النوع الاجتماعي
صوت الأمل – علياء محمد
عدم المساواة وعدم تكافؤ الفرص بين الجنسين في التعليم أحد أنواع التمييز القائم على النوع الاجتماعي الذي يُمارس في بعض المناطق اليمنية وبوضوح تام، حيث نجد الكثير من الأسر تفضل تعليم الذكور على الإناث بالرغم من صدور القانون رقم (٤٥) الذي يقر أن التعليم حق مكفول لكل فرد من أفراد المجتمع.
“عندنا البنت لا تدرس”، هذا ما جاء في حديث أم لؤي البالغة من العمر سبعة عشر عاما التي منعت من التعليم، واختير لها الزواج في عمر مبكر، وتقول: “ليتني تعلمت على الأقل الآن أعرف اقرا واكتب لكن للأسف في قريتنا ممنوع دراسة البنت ولو درست تدرس للصف الرابع وبعدها يمنعوها”.
حنان عبد الله البالغة من العمر تسعة عشر عامًا هي الأخرى منعت من إكمال دراستها الجامعية بسبب رفض والدها فكرة الجامعة والاختلاط، وأكدت أنها حاولت مرارا وتكرارا إقناع والدها بتعليمها لكن محاولاتها جميعًا باءت بالفشل، وهي الآن تواجه فراغًا كبيرًا في حياتها وتشعر بالإحباط.
النظرة السائدة
تؤكد جمعة محمد علي -أخصائية اجتماعية- أن العادات والتقاليد هي أحد أهم أسباب حرمان الفتاة من التعليم؛ فهناك ثقافة سائدة لدى أولياء الأمور عن أن المرأة لا تحتاج إلى التعليم نظرًا للاهتمامات والمسؤوليات الأخرى المكلفة بها، من أعمال منزلية وتربية للأبناء، بالإضافة إلى أعمال الرعي والزراعة.
مضيفة: “نجد الكثير من أولياء الأمور يرفض تعليم الفتاة لأسباب تتعلق بالنوع الاجتماعي منه، مثلاً إنها ستصل إلى سن البلوغ وبعدها ستتزوج، ومن ثم فلا داعي لتعليمها، والبعض الآخر يرفض تعليم بناته بحجة الاختلاط بالشباب؛ فتصل الفتاة إلى مرحلة الصف الرابع الأساسي ومن ثم تمنع من الذهاب إلى المدرسة كونها أصبحت فتاة بالغة ولا يصح اختلاطها بالذكور”.
يؤكد الأستاذ ناصر محمد – وكيل إحدى المدارس الحكومية المختلطة في محافظة المحويت- قائلاً: “إن عدد الطالبات في المرحلة الثانوية يقل بشكل كبير مقارنة بعدد الطلاب الذكور، ونواجه مشاكل عدة نتيجة معارضة أولياء الأمور في إكمال فتياتهم التعليمَ، ونجد الكثير منهم يقوم بتسجيل بناته بنظام الانتساب، وهو نظام يسمح للطالبة الحضور في وقت الاختبارات النهائية فقط”.
مضيفا: “لا توجد معلمات في المدارس الموجودة في القرى، وإذا وجدت فبنسبة بسيطة نتيجة إهمال الجهات الرسمية وقلة الوعي ونظرة المجتمع لتعليم الفتاة”.
الزواج المبكر يزيد فجوة التعليم بين الجنسين
وفقًا لمختصين ولتقارير محلية ودولية، فإن الزواج المبكر إحدى المعوقات الرئيسة لمنع الفتاة من الحصول على حقها في التعليم. وتمارس هذه الظاهرة بشكل مستمر وتتصاعد بوتيرة عالية في مختلف أنحاء البلاد وتلقي بآثارها المباشرة على الفتاة خاصة وعلى المجتمع بشكل عام.
ويشير التقرير السنوي للمنتدى الاقتصادي العالمي حول التكافؤ بين الجنسين، أو ما يُعرف بالفجوة العالمية بين الرجل والمرأة، إلى احتلال اليمن ذيل قائمة الدول العربية برصيد نقاط (155) في عام ٢٠٢٠.
تقول كلثوم صالح: ” كنت أحب المدرسة وكنت متفوقة بشكل ملحوظ مقارنة بزملائي الذكور ولكن والدي فاجأني بقرار عدم مواصلتي الدراسة؛ لأنه قد تمت خطبتي على شاب من أصحاب القرية وقد حدد موعد زواجي. حاولت إقناع والدي بأن أواصل التعليم لكنه رفض ذلك. تدخلت والدتي لكن دون جدوى وحدد حينها موعد زواجي”.
تقول الناشطة الحقوقية غادة حسن: “ما زالت بعض الفتيات في بعض المناطق اليمنية تعاني من ظاهرة الزواج المبكر؛ ونتيجة لذلك تجبر على ترك المقاعد الدراسية”، مشددة على الحاجة إلى زيادة الوعي في أوساط المجتمع بأهمية التعليم للفتاة وأهمية دوره في بناء شخصية كل امرأة، الأمر الذي سينعكس إيجابًا على الأسرة والمجتمع.
وتضيف غادة: “المرأة الأم وربة الأسرة هي اللبنة الأساسية في تقويم سلوك الأجيال فما بالكم بـأم غير متعلمة وجاهلة بأبسط الأشياء بالتأكيد سينشأ جيل غير سوي، وللأسف هذا ما أصبحنا نراه الآن”.
الجهل بدور المرأة
سهام محمد- معلمة في مدرسة حكومية بصنعاء- تقول: “هناك جهل كبير بدور المرأة في المجتمع وبأهميته، ويتعامل عدد كبير من أفراد المجتمع على أن المرأة عنصر لا يمكنه أن يتخذ إجراءً أو قرارًا معينًا بدون استشارة الرجل ومساعدته، الأمر الذي يضعف من شخصيتها ويجعلها تابعة للرجل في كل شؤونها، وألا مكان لها إلا المنزل، ولا دور لها إلا أعمال البيت والأطفال.
مؤكدة أن المجتمع بكل مكوناته يساهم في تكريس هذا الجهل للتقليل من شأن المرأة ولعب دور كبير في زيادة نسبة العنف القائم على النوع الاجتماعي.
آثار سنوات الصراع
أدى الوضع الراهن والصراع القائم في البلاد منذ سنوات إلى زيادة فجوة التعليم بين الجنسين؛ فكثير ممن انقطعت رواتبهم وصُرفوا عن أعمالهم قد أوقفوا أبناءهم عن الدراسة، وبعضهم دفع بأبنائهم نحو سوق العمل وممارسة الأعمال الخطرة، وآخرون يسمحون للذكور بالدراسة ويمنعون الفتاة من إكمال دراستها.
نجمة محمد –فتاة، 13 عامًا- تأتي في الصباح الباكر لتقوم بتنظيف القاعات الدراسية والمكاتب في إحدى الكليات الجامعية، وتتعاون هي وأمها وأختها البالغة من العمر (١٥) عامًا التي تعمل نادلة في إحدى بوفيات الجامعة.
تقول في حديثها: “لم أستطع إكمال تعليمي؛ لأن والدتي لا تستطيع تغطية كل تكاليف الدراسة لي ولإخواني، ولذلك اضطررنا إلى العمل معها ومساعدتها في تدبير مصاريف المنزل”.
الفقر الذي كرسه الصراع في المجتمع اليمني أفرز نتائج سلبية على الفتاة بسبب النوع الاجتماعي، حيث دفعت المرأة اليمنية الجانب الأكبر من ثمن تلك النتائج لصالح أخيها الرجل.
وفي السياق نفسه تقول أسرار يحيى -٢٥ عاما-: “لم أستطع إكمال دراستي الجامعية نظرًا لارتفاع الرسوم الدراسية بشكل مهول، ولعدم قدرة والدي على دفعها فاكتفيت بدراستي إلى الثانوية فقط من أجل يكمل أخي دراسته، ولو كان الوضع الاقتصادي أفضل لكنت أكملت دراستي، لكن الصعوبات والتحديات كانت أكبر من الجميع”.
التعليم سلاح الفتاة
أكد ناصر أحمد -معلم في مدرسة ريفية- أن أسرة واحدة أو اثنتين من بين عشرات الأُسر في الأرياف اليمنية قد تسمح لفتياتها بالتعليم، في حين ترفض بقية الأسر ذلك رفضًا تامًا، وذلك –بالطبع- لأسباب تتعلق بالنوع الاجتماعي وبمعتقدات المجتمع حول الأدوار المناطة بكل من المرأة والرجل.
يقول ناصر أحمد: “أنا من الأشخاص الذين رضخوا في فترة من الفترات لعادات وتقاليد المجتمع، وكنت أرى أن الفتاة طالما تعلمت القراءة والكتابة فيجب أن تكتفي بذلك وتهتم بالأسرة ومتطلباتها، ولكن مع الوقت تغيرت نظرتي وأيقنت أن الفتاة لا بد أن تتعلم لأن التعليم هو السلاح الذي يضمن حقها ويوفر لها الحماية في حياتها”.
مضيفا: “ها أنا الآن وبعد فترة طويلة سمحت لابنتي بإكمال تعليمها، ونظرًا لبعد الجامعة عن القرية أدخلتها سكن الطالبات وبقناعة تامة أن هذا هو الشيء الذي يجب أن يتبعه جميع الآباء”.
حلول ومعالجات
ترى الناشطة الحقوقية في مجال المرأة ميسون عبد الله أن القضاء على الأسباب التي تمنع الفتاة من التحاقها بالتعليم هي أولى خطوات القضاء على المشكلة وبعد ذلك تبدأ الخطوة التالية التي تحتاج إلى تكاتف الجميع من أفراد ومن مؤسسات ومنظمات مختصة في ضمان حق الفتاة حصولها على أعلى المراتب التعليمية.
وأوضحت في حديثها لـ”صوت الأمل” أن نشر الوعي بأهمية الدور الذي يمكن للمرأة أن تؤديه وفقا للنوع الاجتماعي، والتخلص من نظرات المجتمع السائدة سيلعب دورًا كبيرًا في تفاعل أولياء الأمور مع أهمية تعليم الفتاة.
وأشارت الدكتورة إنصاف قاسم -رئيس دائرة البحوث بمركز البحوث والتطوير التربوي- في دراستها التي أجرتها حول تعليم الفتاة في اليمن إلى عوامل تحسين تعليم الفتاه، أبرزها إيجاد حلول جذرية لتلك المعوقات عن طريق قيام كلٍ من الحكومة والمجتمع المدني بمهامهم ومسؤولياتهم المحددة في الدستور، وأن تركز الحكومة على التوسع في بناء المدارس المخصصة للبنات لكل المراحل الدراسية، بالإضافة إلى إقرار مجانية التعليم طبقًا للدستور، وإلغاء الرسوم الدراسية في مراحل التعليم العام، وتخفيض الرسوم الجامعية، ورسوم الدراسات العليا، والتوسع في دعم الأُسَرِ الفقيرة بصورة مستمرة عبر مشروع التغذية المدرسية، بما يسهم في زيادة التحاق الفتاة بالتعليم، وتفعيل مجالس الآباء والأمهات وتطبيق القوانين التي تمنع الزواج المبكر، وتشديد العقوبات على مخالفيها.
استطلاع: العنف القائم على النوع الاجتماعي في اليمن موجه نحو المرأة بنسبة %69.9
صوت الأمل – رجاء مكرد أوضحت نتائج استطلاع إلكتروني أجراه يمن انفورميشن سنتر، بداية شهر ينا…