التعليم الفني والتدريب المهني المورد المهدور… الصراع أوقف تنفيذ خطة كانت تهدف إلى رفع نسبة الالتحاق بالتعليم الفني إلى 15%
صوت الأمل – أرواد الخطيب
ألقى الصراع بظلاله على كل القطاعات في اليمن إلا أن قطاع التعليم الفني ربما يكون أكثر قطاعات التعليم تضررًا، سواء أكان من جهة الدمار الذي لحق بمنشآت التعليم ونهب تجهيزاتها أم من جهة التراجع الكبير في عدد الملتحقين به من الذكور والإناث. كما أدى توقف صرف الرواتب إلى تسرب أعداد كبيرة من الكوادر التعليمية والبحث عن مصادر أخرى للدخل، وزاد من عمق المشكلة الانقسام الحاصل في الإطار الإداري لهذا القطاع والانهيار الاقتصادي وتوقف خطط التنمية.
وفي لقاءات مع مسؤولين من هذا القطاع في كلٍّ من عدن وصنعاء نُلقي الضوء على الآثار المدمرة التي أصابت قطاع التعليم الفني والمهني الذي كان يراهن عليه في تحقيق التوازن بين مخرجات التعليم واحتياجات سوق العمل، والنهوض بالمشاريع الصغيرة التي تعد الرافعة الفعلية للتنمية, فقد مرَّ سوق العمل بمتغيرات عديدة, وأصبحت المخرجات التعليمية التي لا تواكب سوق العمل من أهم التحديات التي تعمل علي رفع معدلات البطالة في اليمن، وقد بلغت وفقًا لآخر إحصائية صادرة عن الأمم المتحدة نسبة 57% إلى جانب الفساد وما تمر به البلاد من صراع، وكان التعليم الفني والتدريب المهني من أهم المعالجات التي تعمل علي إيجاد كوادر ملائمة لمتطلبات السوق.
يقول سعيد الخليدي (الوكيل المساعد لوزارة التعليم الفني لقطاع المعايير والجودة): يفترض أن يتوسع التعليم الفني والمهني توسعًا كبيرًا لأن مخرجاته تذهب مباشرة إلى سوق العمل لتلبية احتياجاته، ويشير إلى أنه -على سبيل المثال- في ألمانيا واليابان تجد أن 60% من الطلاب يذهبون إلى التعليم الفني والمهني، فيما يذهب البقية إلى التعليم العام، ولكن الأمر لدينا على العكس من ذلك فلا تتجاوز مدخلاتنا 2% فقط من مخرجات التعليم.
وأضاف: أن السياسة العامة للبلد لا تولي التعليم الفني والمهني الأهمية المطلوبة، فالتعليم الفني والتدريب المهني مكلِّف جدًا، لأن الطالب يجب أن يقضي من 60-70% من وقت الدراسة والتدريب في الورشة ما يعني أنه بحاجة إلى مواد تشغيلية، إضافة إلى أنه كان في السابق يوجد لدى الطالب سكن وبدل تغذية لهذا السبب كانت نسبة الملتحقين من الطلاب لاباس بها، لكنَّ تردي الوضع الاقتصادي والأوضاع الحالية غير محفزة للالتحاق بالتعليم الفني والمهني, ولهذا نجد أن هناك تراجعًا كبيرًا جدًا في أعداد الملتحقين بالتعليم الفني والمهني.
آثار الصراع:
واستنادًا لما جاء عن الخليدي كان لدى وزارة التعليم الفني استراتيجية وطنية من 2005- 2014م عشرية تهدف إلى التوسع في التعليم الفني ورفع نسبة الملتحقين به إلى 15% من مخرجات التعليم العام ولكن هذا لم يحدث، بل تراجعت النسبة عما كانت عليه بسبب الظروف التي تعيشها البلاد وانقطاع المميزات والمحفزات التي تعطى للطالب.
يؤكد الخليدي أن الوزارة كانت بصدد عمل استراتيجية شاملة وكان من المفترض أن تبني الاستراتيجية على المستوى الوطني ولكن الظروف التي فرضها الصراع حالت دون المضي في استكمال الخطة ناهيك من تطبيقها في الفترات اللاحقة.
ولفت الوكيل الخليدي النظر إلى أنه في الوقت الحالي تقوم هيئة الزكاة بعمل دورات تدريبية عبر معاهد التعليم الفني على أساس أن تستوعب أكبر عدد من الخريجين أو ممن ليس لديهم أعمال بحيث تقوم الهيئة بدعم الخريجين ماديًّا لينشئوا أعمالهم الخاصة.
وبخصوص تأهيل المرأة، يقول: إنهم كانوا يسعون إلى وجود المرأة في التعليم الفني والمهني بنسبة 25%, وأن الأمر له علاقة بالوعي المجتمعي، وهناك تخصصات خاصة بالمرأة كالقبالة والديكور والخياطة أيضًا، ومعاهدٌ متخصصة مثل معهد نقم للتدريب على الخياطة، كما أنشئ قطاع خاص بالمرأة.
وفي قطاع السياحة يوضح وكيل وزارة التعليم الفني أن هناك معهدًا متخصصًا في عدن، وكانت مخرجات المعهد تذهب مباشرة إلى سوق العمل، لأن قطاع السياحة كان نشطًا، كما أن هناك معهدًا وطنيًّا للفندقة والسياحة في صنعاء، ولكن لا يوجد إقبال عليه في السنوات الأخيرة وتجمد على الرغم من وجود تجهيزات كبيرة وسكن للطلاب.
وتمنى الخليدي أن تستعيد هذه المعاهد نشاطها في الوقت القريب وتنتهي هذه الأزمة التي نالت من كل شيء حتى السياحة، لأن السياحة تعدُّ موردًا مهمًا من دون تكاليف يجب استثماره والعمل عليه، فاليمن تتميز بتاريخ عريق ومناطق أثرية موجودة في كل مكان.
المشكلات والعوائق
وبخصوص أبرز المشكلات والعوائق التي يواجهها قطاع التعليم الفني والتدريب المهني ذكر وكيل الوزارة أن الموارد المالية من أهم الصعوبات التي تعترض قطاع التعليم الفني.
يقول: على سبيل المثال نجد أن كادر التعليم الفني والتدريب المهني محروم من صرف المستحقات المالية حتى إن كانت رمزية تقتصر على توفير بدل المواصلات كحافز كما هو حاصل في القطاع التربوي، وحتى المعونات الغذائية التي تقدمها المنظمات لا يحصلون عليها إلا نادرًا؛ وهذا أدي إلى تسرب عدد كبير من كادر التعليم الفني والتدريب المهني الجيد، منهم من هاجر ومنهم من عمل لنفسه مشروعه الخاص.
مقترحات وحلول:
وعن الحلول المقترحة من أجل تطوير قطاع التدريب في الفترة المقبلة، يقول الخليدي: إنهم كانوا يأملون من المنظمات الداعمة أن تولي اهتمامًا بقطاع التعليم الفني والمهني، ولكن دورها اقتصر على عقد اجتماعات بلا فائدة”. وأضاف: وجدنا أن توجه هذه المنظمات لا ينصب على موضوع التعليم سوأ أكان فنيًّا أم غيره، وأن توجهها واهتمامها يتجه نحو برامج الإغاثة لأنهم يرونها أولوية في الفترة الراهنة بسبب ما خلفه الصراع في البلد.
وعلى الصعيد الرسمي تمنى الخليدي أن يخصص جزء من واردات المعاهد الفنية لإداراتها أو على الأقل منحهم صلاحية توريد ما يصنعوه وبيعه في السوق؛ لأن ذلك سيخلق مردودًا لكن القانون المالي حجز هذا المردود وجعله تابعًا لوزارة المالية.
موضحًا: الآن لدينا معاهد خاصة تورد مبالغ غير عادية في الشهر الواحد يكون الإيراد مئات الملايين من رسوم وتراخيص وغيره. هذه فقط إذا نظمت وصرفت لصالح التعليم الفني والتدريب المهني ستكون كفيلة بإحداث تطور نوعي في مخرجات هذه المعاهد، ولكنهم مجبرون وفقًا للقانون المالي على إعادتها لوزارة المالية، ومن المفترض أن يرجع للمعهد جزء من هذه الإيرادات على الأقل لتوفير المواد التدريبية أو تصرف حوافز للكادر نفسه.
أما عيدروس القباطي (مدير عام الإعلام والعلاقات العامة في وزارة التعليم الفني والمهني في عدن) فيؤكد أن الوزارة أسهمت عبر مؤسسات التعليم والتدريب المهني المختلفة وعبر الدورات القصيرة المختلفة والموجهة لتغطية احتياجات سوق العمل بكل التخصصات وتزويد المتدربين بالمعارف الكافية حتى ينخرطون في سوق العمل.
ويقول: إنه عن طريق التنسيق ومساعدة المنظمات لمؤسسات التعليم الفني يُزوَّد المتدربون في الدورات القصيرة بأدوات ومواد للعمل يمكنهم الاستفادة منها في سوق العمل، إلا أنه يتحدث بأسف عن غياب أي دعم من قطاع سوق العمل داخل الوزارة، “للأسف قطاع سوق العمل لدينا لا يقدم أيَّ دعم سوى ما تقدمه المنظمات عن طريق الدورات القصيرة”.
ويشير إلى أن سنوات الصراع أثرت سلبًا في مؤسسات التعليم المختلفة حيث تعرضت بعضها للاقتحام وسرقة محتوياتها ونهبها مما جعلها خارج الجاهزية لأداء دورها التعليمي.
ويتحدث عن أبرز المشكلات والصعوبات التي تواجه العمل في وزارة التعليم الفني والمهني بعدن ويحددها في إعادة تأهيل المعاهد المتضررة من الصراع وتجهيزها، والحاجة إلى رفدها بالكوادر المؤهلة؛ لأن الكثير من الخبرات والكفاءات بلغوا أحد الأجلين بالتقاعد، وكذلك الحاجة إلى كوادر في الجوانب الإدارية والمساعدة كالحراسات وعمال الخدمات.
وحسب ما ذكر القباطي فإن المشكلات امتدت إلى إغلاق كثير من التخصصات في الهيئات التعليمية والتدريبية والإدارية إلى جانب عدم حصول الموظفين على مستحقاتهم المالية لسنوات، كما أن عدم تحديث القوائم المالية وارتفاع الكلفة المالية للمواد المستخدمة في التدريب تجعل من الصعوبة شراءها، ذلك أن هذه المواد لا تزال في القوائم المالية بالأسعار القديمة، ولهذا يمكن القول إن التدريب والتأهيل يكاد يكون منعدمًا.
أما بخصوص المقترحات اللازمة لتجاوز هذا الوضع وتحسين أداء التعليم الفني والمهني يرى مدير عام الإعلام والعلاقات العامة أن الأمر يتطلب أن تتوجه الحكومة للاستفادة من المنظمات المانحة لإعادة تشغل ما رُمِّم وتجهيز ما دُمِّر من مباني وتجهيزات ومنح منتسبي التعليم الفني والتدريب المهني مزايا مالية خاصة لهذا النوع من التعليم لتشجيع منتسبيه وتطوير قدراتهم.
هكذا ويظل قطاع التدريب الفني والمهني من أهم قطاعات الدولة التي بالإمكان استغلالها ودعمها للدفع بعجلة التنمية، ولإيجاد حلول للمشكلات الاقتصادية التي تعانيها العديد من الأسر اليمنية.
58.3% حاجة سوق العمل لمخرجات التعليم الفني والمهني كبيرة جدًا
صوت الأمل – رجاء مكرد أوضحت نتائج استبانة إلكترونية أجراها يمن انفورميش…