‫الرئيسية‬ الأعداد السابقة إعادة إعمار اليمن - الجزء الثاني محاولات متواضعة لإخراج القطاع الصحي من الوضع المتردي

محاولات متواضعة لإخراج القطاع الصحي من الوضع المتردي

صوت الأمل – حنين الوحش

     “أضرار وتدهور في الخدمات والمرافق، وخسائر في أرواح تزهق يوميًّا”. هذا هو حال قطاع الصحة في اليمن الذي بات عرضة للانهيار، الأمر الذي سبب معاناة كبيرة للمواطنين جراء انعدام الخدمات الطبية اللازمة في المستشفيات والمرافق الصحية، وذلك مع استمرار الصراع في مختلف المحافظات اليمنية.

     هُناك ضرورة ملحة تستدعي إعادة إعمار القطاع الصحي أو تأهيله بسرعة؛ للتخفيف من معاناة المواطنين التي زادت مع تزايد وتيرة الصراع وتدهور الأوضاع المعيشية في مختلف الجوانب والقطاعات.

معاناة

        يعاني المواطنون من ضعف في الخدمات الصحية، ونقص في الرعاية بمختلف الأشكال، هذا ما أوضحه محمد عيسى ( 23 عامًا من تعز) الذي يحكي معاناته مع المرافق الصحية التي تفتقر إلى أبسط الخدمات في قريته الواقعة بمديرية التربة، وتأثير الصراع الذي تسبب في هدم المنازل والمدارس والمستشفيات وتشرد الناس وانتشار الأوبئة والأمراض.

     ويقول محمد: إنه خلال السنوات الست الماضية لم يكن لدى قريتهم بمديرية التربة مستشفى يمتلك كل الأجهزة الحديثة، حيث إن أخاه قبل عامين أصيب بطلق ناري عشوائي، وعندما نقل إلى المرفق الصحي بالقرية، عجز الأطباء عن عمل التدخل الجراحي السريع؛ لعدم توفر الإمكانات اللازمة والضرورية، واضطر إلى نقله إلى مكان آخر ولكن بعد أن فات الأوان حيث مات أخوه في الطريق.

      من جانبه هيثم عمر (55 عامًا من تعز، أبٌ لستة أطفال) يتحدث أن الوضع الصحي المتردي – حسب وصفه- أثر في المواطنين، حيث أصبح الناس يتخوفون من الذهاب إلى المستشفيات بسبب نزوح معظم الأطباء ذوي الكفاية والخبرة العالية، وعدم توفير الأجهزة والأدوية والمتطلبات اللازمة لعمل الفحوصات والكشف وغيرها، بسبب استمرار الصراع  وأيضًا الحصار.

    ويضيف عمر: “ذهبت بابني (علي) إلى مستشفيات عديدة، وفي كل مرة توصف حالته بطريقة مختلفة، وصُرفت له أنواع من الأدوية ضاعفت من مرضه، فتدهورت حالته الصحية؛ الأمر الذي اضطرَّني  إلى السفر ومعالجته في الخارج”.

    رانيا نجيب (مواطنة) تحكي قصة والدها الذي توفي إثر جلطة في الدماغ، بسبب عدم توفر الخدمات والأجهزة اللازمة للعلاج في المرافق الصحية القريبة منهم بمحافظة تعز مديرية المظفر.

     تبدأ رانيا حديثها، فتقول: “لقد كانت الساعة الثانية ليلًا، عندما مرض أبي، فذهبنا به إلى المستشفى القريب من المنزل، ولم يكن هناك سوى طبيبين مناوبين، ولا يوجد ما يمكن فعله لإجراء أي تدخل جراحي، وبسبب ذلك الإهمال توفي والدي ولم يستطع الأطباء عمل شيء”.

    وتابعت قائلة: إن الأطباء قد أخلوا مسؤوليتهم بعد أن عملوا له التدخل الأولي، بسبب عدم توفر الإمكانات اللّازمة والضرورية لإجراء تدخل جراحي لحالته، وكل ذلك بسبب الحصار.

    وتشير نجيب إلى أن هناك الكثير من المواطنين اليمنيين الذين عانوا من الخدمات الصحية والإمكانات الضعيفة التي تمتلكها المستشفيات وما لحق القطاع من تدمير؛ ولذا يجب العمل على ترميم ما دمِّر وإعادة إعماره وإعطائه كامل الاهتمام لإنقاذ أكبر قدر ممكن من الأروح البشرية.

وضع الصحة في اليمن

      الدكتور راجح المليكي (المدير العام لمكتب الصحة والسكان – تعز) يفيد أن الجهات الرسمية تبذل قصار جهدها لإعادة إعمار المؤسسات والمرافق الصحية وتشغيلها حسب الإمكانات المتاحة، وأن هناك بوادر وخططًا مستقبلية لإعادة الإعمار وتقديم تدخلات طارئة لقطاع الصحة في اليمن خصوصًا في الوقت الراهن، فالقطاع يمر بمراحل صعبة وأزمات متعددة يعاني منها الأفراد.

       وحول التحديات يوضح المليكي لـ”صوت الأمل” أنه لا توجد لديهم اعتمادات مالية في مكتب الصحة لمواجهة التحديات أو توفير بعض المستلزمات الطارئة بخاصة في المرافق الصحية الحكومية، الأمر الذي قد يجبر المواطن على الاعتماد على القطاع الخاص الذي – مع الأسف – أصبح بعضه يهدف إلى الربح بدرجة رئيسة، ولا يقدم العون الحقيقي والصحي للمرضى، بل يزيد من الأعباء على كاهلهم.

          من جانبه منصور الحبيشي (المدير العام للطوارئ والإسعاف بوزارة الصحة- عدن) يقول: إن القطاع الصحي يعمل في اليمن بجهود معظمها ذاتية محلية، وإن الإمكانات شحيحة لا تفي بالغرض، ولا تقدم الخدمات على المستوى المطلوب.

       وأضاف: إن للمنظمات الداعمة في اليمن دورًا في تقديم يد العون والإسهام في إخراج القطاع الصحي من الوضع المتردي الذي يمر به اليمن منذ بداية الصراع وإلى اليوم.

     كما وكَّد الحبيشي لـ”صوت الأمل” أن القطاع الصحي في اليمن بحاجة إلى الكثير من الاهتمام في تحسين خدماته الطبية، وإعادة التأهيل لمنشآته الصحية، وتوفير الأجهزة والمعدات الطارئة التي تسهم في التخفيف من معاناة المرضى بدرجة رئيسة، والذي يعد توفيرها من أهم الأساسيات لعملية إعادة الإعمار في اليمن.

تقارير وإحصائيات

        أوضح “موجز السياسات التابع للبنك الدولي للعام 2021م” الذي تناول الوضع الصحي في اليمن؛ أن القطاع يعاني من التدهور الاقتصادي والانهيار المؤسسي، وكل ذلك مستمر منذ فترة طويلة بسبب الصراع المستمر.

وفي الموجز تبيَّن أن أكثر من 80% من السكان اليوم يواجهون تحديات كبيرة في الحصول على الغذاء ومياه الشرب وعلى خدمات الرعاية الصحية.

      كما أشار الموجز إلى أن التمويل الخارجي لقطاع الصحة شهد انخفاضًا كبيرًا عن السنوات السابقة، ما جعل النظام الصحي في اليمن عرضة لمخاطر وخيمة، فانخفاض التمويل الخارجي لقطاع الصحة، أدَّى إلى حالة من عدم الاستقرار بشأن مستقبل الخدمات الصحية في اليمن.

       وتبعًا لتقرير خاص بـ (الأوتشا، خطة الاستجابة في اليمن، يونيو- ديسمبر 2020) أن عدد الأشخاص المحتاجين إلى المساعدة الصحية في اليمن ارتفع من 8.4 مليون شخص في ديسمبر 2014 إلى 19.7 مليون شخص عام 2020.

       ووفقًا للتقرير أيضًا فأن نتائج نظام مراقبة المرافق الصحية توكِّد أن من أصل 4,974 مرفقًا صحيًّا قُيِّمت كان 51 % فقط من المرافق الصحية تعمل بطاقتها الكاملة، في حين أن النسبة المتبقية كانت إما تعمل جزئيًّا بنسبة  35%، أو متوقفة كليًّا بنسبة 14 %، وذلك لتأثرها بالأضرار، ونقص العاملين الصحيين والأدوية والمعدات، وشحة نفقات التشغيل أو غيابها.

      كما أوضح التقييم المستمر للاحتياجات في اليمن (DNA) المرحلة الثالثة للبنك الدولي 2018م أن 15% من المستشفيات في اليمن لا تعمل ( 11% حكومية و 22% خاصة , و 11% غير معروف)، بالإضافة إلى 7% من مكاتب الصحة.

     وبيَّن التقييم أن 73% من المنشآت الطبية في صنعاء البالغ عددها 240 منشأة لم تتعرض لأي أضرار، في حين أصيب 29% منها بأضرار جزئية. وفي تعز لم تتعرض 50% من المنشآت الصحية البالغ عددها 72 منشأة لأي أضرار، في حين أشارت التقارير إلى تعرض 38% منها إلى أضرار جزئية و 12.5% منها إلى التدمير. وفي عدن أُبلِغ عن 10 منشآت فقط أي ما نسبته ( 10.75% ) متضررة أو دمِّرت، في حين أن المنشآت الـ 83 المتبقية (89.25%) لم تتضرر.

     وأشار التقييم إلى أن قيمة الأضرار المادية للمنشآت الصحية في 16 مدينة يمنية، بلغ أكثر من  544.2 ـ 665.1 مليون دولار أمريكي. وقد كانت صنعاء وعدن وتعز المدن الأكثر تضررًا،  حيث قدرت تكاليف الأضرار بمبلغ 191.0 ـ 233 مليون دولار أمريكي و 56.9 ـ 69.6 مليون دولار أمريكي  و 121.0 ـ 147.9 مليون دولار.

      واستنادًا إلى التقييم فأن احتياجات التعافي وإعادة الإعمار للبنية التحتية على المدن المستهدفة من التقييم -على مدى خمس سنوات- بلغ ما بين 952.3 ـ 1.164.0 مليون دولار أمريكي.

نقص الرعاية والخدمات

      الدكتور محمد اليوسفي (طبيب عام) يرى أنه في السابق كانت الخدمات غير مكتملة، ولكنها كانت تقدم هذه الخدمات بجودة أكبر لوجود كوادر متخصصة، ولكن في الوقت الراهن خسر القطاع الكثير من المنشآت الصحية والأجهزة والمعدات والكوادر الطبية المؤهلة بسبب الصراع.

    يقول اليوسفي لـ”صوت الأمل”: “في الوقت الحالي هناك العديد من المشكلات التي تتمثل في ارتفاع أسعار الخدمات في المستشفيات، ونقص كبير في الأدوية وعدم القدرة على توفيرها وإغلاق الكثير من المراكز والوحدات الطبية؛ بسبب عدم تزويدها بالمعدات وعدم وجود الكوادر المؤهلة”.

     موكِّدًا أن الطاقة الاستيعابية للمستشفيات أصبحت ممتلئة بضحايا الصراع الذين شغلوا مساحات واسعة، ولم تُستَحدث الطاقة الاستيعابية في المرافق الصحية حتى الآن.

    وحول المعالجات يقول الدكتور اليوسفي: إنه لابد من تقديم التسهيلات اللّازمة للمستثمرين في القطاع الصحي؛ لفتح مشاريع طبية تساعد على التخفيف من الضغط القائم على القطاع الصحي وتسهيل عملية الاستيراد للمعدات الطبية، لأنه في أغلب المستشفيات هناك معدات إذا ما تأثرت في أثناء فترة الصراع فإن زمنها الافتراضي قد انتهى ولم تتجدد حتى الآن.

     ويتابع الدكتور محمد اليوسفي: لإعادة إعمار القطاع الصحي، لابد من استحداث المستشفيات التعليمية وعدم حصر التخصصات الطبية وفتح باب البحث العلمي والدراسات لأغلب الجامعات والمستشفيات.

مؤسسات مشاركة في مجال الإعمار

       أسهمت المؤسسات إسهامًا ملحوظًا في دعم الجانب الصحي، بحسب الإمكانات المتوفرة لديها فكان لاتحاد التمويل الأصغر دور مهم وفعال في هذا الجانب، عن طريق مساعدة أصحاب المشاريع الصحية في فتح مشاريعهم، وتزويدهم بالمعدات اللّازمة بأقل التكاليف، وتقديم التسهيلات اللّازمة لهم.

       عبد الله أنعم (مدير فرع اتحاد التمويل الأصغر- عدن) يقول: “نحن بصفتنا اتحاد للتمويل نقدم التمويلات اللّازمة لأصحاب المشاريع الصحية، عبر توفير كل احتياجاتهم ومتطلباتهم في المشروع مقابل التزامهم بتسديد المبلغ بأقساط مريحة تتناسب مع الجميع”.

     ووكَّد أنعم، أن الاتحاد يسعى إلى تقديم التسهيلات اللازمة في تنفيذ الإجراءات الخاصة بالمشروع، ورفع سقف التمويلات للجانب الصحي بالذات؛ لأنه يعدُّ من أهم أولويات إعادة الإعمار في اليمن، ومن أكثر المنشآت تضررًا.

    ويشير إلى أن هناك برامج وخططًا مستقبلية مخصصة للجانب الصحي في المؤسسة، تتضمن فصل المنتج الصحي عن بقية المنتجات الخدمية والاستثمارية؛ وذلك للاهتمام بالقطاع الصحي والمساعدة في التخفيف من الأضرار القائمة والثقيلة على كاهل هذا القطاع.

رؤية مجتمعية

     وحول تقييم المقترحات الخاصة بعمليات إعادة الإعمار يقول صدام الجابر (مواطن من تعز): إن هناك إعادة إعمار وتأهيلًا نسبيًّا لبعض المنشآت الصحية بالمناطق التي تأثرت بالصراع من قبل المؤسسات الخاصة، أما فيما يخص الحكومية فلم تقم حتى اللّحظة بإعادة إعمار الجانب الصحي ولم تعره الاهتمام اللّازم.

      ويوضح الجابر أن هناك مشكلات يمر بها القطاع الصحي مع استمرار الصراع في اليمن منها: تدمير بعض المنشآت والمباني الصحية والمستشفيات في المناطق التي حدثت فيها اشتباكات بين أطراف الصراع، كذلك نقص بعض الأدوية وانعدام بعضها الآخر.

       أما حمزة صادق من تعز فيرى أن إسهام المؤسسات الحكومية والخاصة في إعادة إعمار الجانب الصحي ضعيفة، ولا تقوم بالدور اللّازم في تنمية القطاع الصحي الذي يفتقر إلى العديد من الأجهزة الطبية المهمة، كذلك ضعف أداء الكوادر المتخصصة، وقلة الأيدي العاملة بالقطاع، وانقطاع الدعم الحكومي الذي كان يساعد في تغطية التكاليف العلاجية اللازمة للمرضى نسبيًّا.

      وأضاف قائلًا: إن من الحلول التي ستسهم في إعادة إنعاش الجانب الصحي وبنائه تفعيل دور منظمات المجتمع المدني؛ للاهتمام بهذا الجانب والقيام بعملية التوعية المكثفة لأفراد المجتمع، وتفعيل الأدوار الرقابية للدولة على المجمعات الصحية، وعلى المناهج الدراسية للكليات الطبية سواء الخاصة أم الحكومية، وتطوير التعليم العملي وتطوير البحوث العلمية في المجالات الطبية.

الرجاء تسجيل الدخول للتعليق.

‫شاهد أيضًا‬

92.9% اللُّحمة المجتمعية أولوية لإعادة الإعمار في اليمن

صوت الأمل – رجاء مكرد       أوضحت نتائج استبانة إلكتروني أجراها ي…