الوضع العام لشبكة الطرقات البرية في اليمن
صوت الأمل – رجاء مكرد
“قف أمامك مطب! تمهل أمامك حفرة!” بهذه العبارة استهل هايل حديثه عن وضع الطرقات في اليمن، مشيرًا إلى أن القلق والهمَّ يسيطران على فكر المسافر قبل أن يبدأ السفر لوعورة الطرقات الرابطة بين المحافظات اليمنية.
هايل الهتاري (مواطن من وصاب العالي- ذمار، وحاليًّا يسكن في صنعاء) يقول: إن المسافة التي كان اليمنيون يقطعونها قبل عشرات السنين في ساعتين أصبحوا يجتازونها في ساعات عديدة، والأصل أن يكون الحال عكس ذلك، بحسب قوله.
ويسرد الهتاري قصص المعاناة التي تحدث بسبب تدمير الطرقات، قائلًا: قد تكون الضحية امرأة تعسرت ولادتُها في منطقة نائية فاضطرّ أهلها إلى إسعافها؛ ولصعوبة الطريق يحصل التأخُّر، فيموت الجنين في بطنها، أو يموت الجنين والأم معًا قبل أن تصل إلى المستشفى.
وأضاف مثالًا آخر لرجل تلتهبُ زائدته فيُسعف، ولوعورة الطريق ومشقتها والعراقيل التي يواجهونها تنفجر زائدته قبل أن يصل إلى الطبيب المعالج. والضحية الأخرى شاب اجتهد وصبر وباعت والدته كل ما تملك لترى ابنها طبيبًا، وحين أكمل دراسته وقرر العودة من الخارج والرجوع إلى حضن أمه بعد غياب سنوات يكون ضحية الطريق الوعر، فيموت قبل أن تحظى والدته بتقبيله.
ويحكي هايل فيقول: إن نتائج المعاناة التي تحدثها وعورة الطرق هي أنها قد تتسب في إعاقات دائمة لبعض الناس، فهناك مغتربٌ غاب عن عائلته ثلاث سنوات، وعانى مرارة الاغتراب، جهز لابنته الصغيرة دميتَها، ولطفله الوحيد بدلته الأنيقة، زوجته تنتظره بفارغ الصبر، وأبواه بمنتهى الشوق، يعود إلى وطنه فتخطف الطريقُ سيارتَه لوعورتها ويتردَّى فيصبح جثة هامدة، تنتهي أفراحُه وأفراحُ عائلته بسبب الطرقات القاتلة ويتضرر كلُّ من معه بإعاقات دائمة.
فاطمة نصر أمٌّ في الأربعين من عمرها، تسكن صنعاء، فاطمة لم تنسَ زيارتها لتعز قبل سنة، إذ استمرت رحلتها يومين كاملين، عانت بسببها آلامًا في الظهر والقدمين، وصداع في الرأس بسبب طول الرحلة، التي كان سببها وقوع أضرار في الطريق الرئيس للمدينة بسبب الصراع وشق طرق فرعية وعرة وطويلة.
الأسباب
ويرجح هايل أن أسباب تدمير شبكةِ الطرقات الصراع الحاصل في اليمن، والكوارث الطبيعية كالسيولِ، والإهمال من الجهات ذات العلاقة، أضف إلى ذلك ضعف الوعي لدى أفراد المجتمع بأهمية الحفاظ على الطرقات، والرفع إلى جهات الاختصاص والمتابعة لإصلاحها وترميمها.
مصدر مسؤول ـ طلب عدم ذكر اسمه ـ في الإدارة العامة للمؤسسة العامة للطرق والجسور التابعة لوزارة الأشغال العامة والطرق، يقول: إن وضع الطرقات في اليمن متدهور جدًا؛ نتيجة توقف الصيانة والتمويل، وكثافة حركة المركبات، والكوارث الطبيعية المتمثلة في السيول والأمطار، والحمولة الثقيلة وتجاوزات المواطنين.
وعند سؤال “صوت الأمل” حول دورية الصيانة تحدث قائلًا: إن الصيانة نوعان: أحدهما: صيانة روتينية، مثل فتح عبارة، فتح مصارف، أو قص أشجار… وتكون دوريتها فصلية، والنوع الآخر: صيانة دورية كبيرة، تعمل على تحسين الطرقات، والترميم وعمل طبقات، ودوريتها من 15 – 20سنة.
أرقـام
وفقًا لبيانات الجهاز المركزي للإحصاء مارس 2021م، حصلت “صوت الأمل” على نسخة منه تبيَّن أن إجمالي الطرق في اليمن بلغ 58.200 كيلو متر مربع عام 2020م، وأن إجمالي الطرق المعبدة بلغ 17.330 كيلو متر مربع إلى نهاية عام 2020م على مستوى الجمهورية، والتي تشكل 29.8% من إجمالي شبكة الطرق في اليمن. وأن إجمالي الطرق غير المعبدة في اليمن 40.870 كيلو متر مربع، حتى نهاية عام 2020م، والتي تشكل 70.2% من إجمالي شبكة الطرق.
كما أشارت الأوتشا OCHA، في تقرير آخر المستجدات الإنسانية – اليمن مارس 2021م إلى أن ترتيب اليمن في مؤشرات أداء الخدمات اللوجستية للنقل في العام 2018م (140) من إجمالي (169دولة) مقارنة بالمرتبة 63 عام 2012م. والتقييم الصادر عن البنك الدولي في 2020م أشار إلى أن هناك حاجة عند انتهاء الصراع مباشرة في اليمن إلى صيانة وإعادة تأهيل مالا يقل عن 5.000 إلى 6.000 كيلو متر من الطرق ذات الأولوية العالية.
حجم الأضرار
شهدت شبكة الطرق تدهورًا ملحوظًا في الفترة الأخيرة، خصوصًا مع استمرار الصراع، الأمر الذي أثر تأثيرًا سلبيًّا على الخدمات اللوجستية للنقل البري وأحدث تغيرًا كبيرًا في الطرقات؛ بسبب الإغلاق واتِّخاذ المسافرين طرقًا بديلة وعرة تستغرق وقتًا أطول من سابقتها.
وللتعرف على وضع الطرقات اليوم والأثر الحاصل عليها جراء الصراع، والبدائل المطلوبة، توجهت “صوت الأمل” إلى قطاع الدراسات والتوقعات الاقتصادية- وزارة التخطيط والتعاون الدولي ـ وحصلت على نتائج آخر تقرير المسح الصادر في بداية 2021م وهو كما يلي:
(خط صنعاء – مأرب)، وضعه محفوف بالألغام وهو خارج عن الخدمة كليًّا، والطريق البديلة عنه (صنعاء – الجوف – مأرب) عبر أرحب أو حرف سفيان، ويستخدم أيضًا للوصول إلى منفذ الوديعة الحدودي، ومن ثم العودة إلى (مأرب – البيضاء) عبر حريب، وشبوة، والبيضاء، ورداع، وذمار وصنعاء، ويزيد هنا إجمالي وقت السفر بأكثر من أربعة أضعاف.
جميع الطرق المستخدمة لربط صنعاء بالمحافظات الشرقية عبر مأرب وهي (المهرة، وحضرموت وشبوة) مغلقةٌ بسبب المعارك البرية في نهم وإغلاق طريق (صنعاء- مأرب) والطريق البديل: طريق (مأرب- البيضاء- صنعاء) عبر حريب، وشبوة، والبيضاء، ورداع، وذمار وصنعاء، أو طريق (عدن- تعز- صنعاء) وهو طريق إلتفافي طويل جدًا.
خط (الحديدة – صنعاء) مغلق بسبب الأضرار التي خلفها الصراع، وهو غير مناسب لمرور الشاحنات الثقيلة، الطريق البديل: طريق (الحديدة – آنس (ذمار) – صنعاء) وهو طريق جانبي بديل للطريق المعتاد من صنعاء إلى الحديدة عبر مناخة. ومع ذلك فإن هذا الطريق البديل طويل وليس آمنًا وغالبًا ما تحصل فيه مواجهة لقطاع طرق خطيرين.
(خط عدن- تعز) عبر كرش، الراهدة، أصيبت الجسور والوصلات بفعل الصراع، بما في ذلك “جسر عفان”، وعلى الرغم من عمل ردوم مؤقتة خلال عام 2015م، لم تتمكن الشاحنات الكبيرة من المرور عبرها، واستخدمت شاحنات صغيرة بدلًا من ذلك لنقل البضائع إلى الجانب الآخر من الجسر المتضرر منذ بداية عام 2016م، وأصبح هذا الطريق مغلقًا تمامًا؛ بسبب المعارك المستمرة والألغام المزروعة في الطريق، والطريق البديل: طريق (عدن – هيجة العبد – حيفان – تعز)، أو المقطع الذي يصل حتى التربة ومن ثم الدخول إلى تعز عبر الحوبان، وكان يُستخدم طريق بديل يربط عدن ببقية المحافظات، ولكن في الآونة الأخيرة أصبح ساحة معركة ويُغلق في كثير من الأحيان.
طريق (عدن – تعز – صنعاء) مغلق، الطريق البديل عبر هيجة العبد (حيفان)، (عدن – الضالع – صنعاء)، طريق (الضالع – قعطبة – الفاخر – إب – صنعاء) وطريق (الضالع – دمت – إب – صنعاء) هما أقصر الطرق بين عدن وصنعاء، والطريق البديل: طريق (عدن – لحج – البيضاء) ولكن هذا الطريق غير مؤهل لمرور عدد كبير من المركبات، طريق (حرض – الحديدة – صنعاء) مغلق، والطريق البديل: عبر حجة.
طريق (صنعاء – صعدة)، الطريق من خمر إلى صنعاء مغلق. البديل: يتم استبدال الطريق من خمر إلى صعدة بطريق الملاحيض، وأصبح من المستحيل السفر عن طريقه بسبب الصراع الدائر في المنطقة، ويمكن الوصول إلى صعدة عبر عمران. الطريق إلى تعز ـ وبخاصة مدينة تعزـ يعدُّ أمرًا في غاية الصعوبة والخطورة، وغالبًا ما يكون مستحيلًا لاسيما عند نقل البضائع.
حلول ومقترحات
(س م) مصدر مسؤول آخر – طلب عدم ذكر اسمه – في المؤسسة العامة للطرق والجسور، يرى أن من الحلول التي يجب العمل بها: توفير التمويل الكافي، وأن تفعِّل وزارة النقل والمواني قانون الأوزان المحورية، والحرص على جودة الأسفلت وجودة المواصفات والالتزام بالمواصفات العامة.
ومن المقترحات التي يراها أيضًا أن يعمل صندوق صيانة الطرق على إعداد دراسة عن حالة الطرقات، والبحث عن مصادر تمويل محلية متمثلة بالبنك المركزي، والبند الاستثماري المتوقف حاليًّا بسبب النزاع، فمصادر التمويل الخارجية كالمنظمات لا يمكن أن تدعم بنية تحتية. مؤكدًا، أنه ما دام أن الصراع مستمر فإعادة الإعمار في اليمن أمر صعب، وأن أولى خطوات إعادة الإعمار هي إيقافه.
وعن جسر “مذبح” الذي توقف بناؤه لسنوات، يقول: إن مشروع الجسر كان تمويله محليًّا، والموازنة توقفت بسبب الصراع، وأمانة العاصمة نسَّقت مع الصندوق العربي على تمويل المشروع والبدء في العمل لكن نتيجة لعدم قدرة الحكومة على تسديد القروض توقف المشروع مرة أخرى.
وعن السياسات والمقترحات لتحسين قطاع النقل، كشف تقرير مارس 2021م قطاع الدراسات والتوقعات بوزارة التخطيط والتعاون الدولي عبر مسؤول الإعلام والتواصل كمال الخامري؛ أن هناك معالجات ذات أولوية عاجلة في إعادة إعمار قطاع الطرق في اليمن كإحلال السلام، وتعزيز مجالات التنسيق عبر الوزارة والجهات ذات العلاقة مع المنظمات الدولية والإنسانية؛ لضمان توفير خدمات النقل البري، كما أن هناك سياسات على المدى المتوسط والبعيد، منها التوسع في تنفيذ مشاريع خدمات النقل البري، والطرق الريفية للإسهام في تحقيق التنمية للمناطق الريفية في اليمن.
ومن ضمن المعالجات التي ذكرت في التقرير السنوي لمشروع الأشغال العامة (وحدة إدارية مستقلة) الصادر في 2020م، أن إجمالي عدد المشاريع التي أنجزها المشروع في مجال الرصف للفترة يناير – ديسمبر 2020م بلغ (68) مشروعًا بتكلفة إجمالية بلغت (8.6) مليون دولار، استفاد منها نحو (282) ألف مستفيد، وفرت قرابة ثمانية آلاف فرصة عمل مؤقتة في الشهر.
92.9% اللُّحمة المجتمعية أولوية لإعادة الإعمار في اليمن
صوت الأمل – رجاء مكرد أوضحت نتائج استبانة إلكتروني أجراها ي…