الملوِّثات وتأثيرها السلبي في الأحياء والبيئة البحرية… التلوث البيئي النفطي ومخلفات السفن والصيد الجائر من أخطر أنواع الملوِّثات البحرية
صوت الأمل – منال أمين
“ أن من أهم الملوثات البيئية في اليمن التي يتسبب بها الأنسان وتدمِّر البيئة البحرية وتقتل أحياءها البترول ومشتقاته، والمواد الكيميائية غير العضوية, والفلزات الثقيلة, و أنواع المبيدات، ومخلفات السفن من قمامة وصرف صحي، والتلوث الحراري، والمخلفات العضوية، والمخلفات ذات النشاط الاشعاعي” . وفقًا لما أوضحه كتاب ( نظرة عامة حول تنمية القطاع السمكي في اليمن ـ سبتمبر 2014 ) التي أعدته الهيئة العامة لأبحاث علوم البحار والأحياء المائية.
تلوثات نفطية
محمد عبدالله سعد (متخصص في علوم البحار، واستشاري بيئة بحرية في الهيئة العامة لحماية البيئة بعدن) يؤكد لـ»صوت الأمل» أن التلوث البيئي النفطي ومخلفات السفن تعدُّ من أخطر أنواع الملوثات التي تضر بالأحياء البحرية ضرًّا كبيرًا، حيث تتألف من مواد طيارة ومواد شبه طيارة، والمواد الطيارة لا تسبب ضررًا كبيرًا على الأحياء البحرية بعكس المواد الشبة طيارة التي تترسب فوق أنسجة الكائنات البحرية، وقد تسبب السرطان .
حيث أوضح، أن من أسباب حدوث الملوثات البيئية النفطية على الشواطئ اليمنية تسرب كميات نفطية في أثناء عملية مَيْل بعض السفن عن خط سيرها الطبيعي، وتصادمها مع مسطحات جبلية أو جزر.
كما بيَّن أن هناك معلومات أوليَّة عن نسبة الملوثات الموجودة في المياه اليمنية خصوصًا في أنسجة بعض الكائنات البحرية، والتي تعد مرجع فيما لو تعرضت إلى تلوث آخر، ويتم تنفيذ قياس لنسبة التلوث مرة أخرى لمعرفة نوعية التلوث الجديد والمسؤول عليه، للقيام بمحاسبته وتقديم التعويضات اللازمة للجهات المتضررة.
من جانبه أوضح الأستاذ والباحث عبد الحكيم محمد سعيد أختصاصي علم المحيطات والتلوث البحري (مدير مرکز دراسات البيئة البحرية والتلوث «هيئة علوم البحار») أن من أهم الملوثات التي أثرت في الشريط الساحلي في اليمن خلال الفترة القليلة الماضية التلوث البکتيري والبايلوجي الناجم عن صب مياه المجاري مباشرة على الشواطئ من دون معالجة مسبقة, حيث برز هذا التلوث على شواطئ مدينة عدن وساحل أبين وبعض السواحل اليمنية، وذلك نتيجة لعطل وانهيار منظومة أحواض المعالجة لمياه المجاري في أغلب المحافظات اليمنية، وعدم الاهتمام والرقابة من الجهات المعنية خلال الفترة الأخيرة.
وشرح «لصوت الأمل” فقال: إنه نتيجة الإهمال وعدم صيانة البواخر الراسية في ميناء عدن أدَّى إلى غرق عدد من السفن الراسية منذ سنوات عديدة، وتسرب النفط المتبقي بداخلها، وهذا أثر سلبًا في البيئة البحرية، بالإضافة إلى ذلك عمليات الغسيل وتبديل مياه التوازن التي تحدث للسفن العابرة على الخط الملاحي الدولي أو الداخلة إلى ميناء عدن وبقية المواني اليمنية، ورمي المخلفات الصلبة والسائلة مباشرة إلى البيئة البحرية.
وأكد ، أن عدم الرقابة على المنشاءات النفطية وخاصة التي تطل على الموانئ أو القريبة من الشواطئ من قبل الجهات المعنية تسهم في زيادة التلوث البحري ، فهناك زيادة في عمليات التلوث البيئي لتلك الشواطئ خاصة خلال الفترة الأخيرة .
الصيد الجائر والصرف الصحي
وحول تأثير الاصطياد الجائر في البيئة البحرية، يقول الباحث عبد الحكيم: إن الاصطياد الجائر واستخدام وسائل الاصطياد الممنوعة التي تتكون شباكها من فتحات صغيرة ورديئة الصنع، تعد من الأسباب الرئيسة التي تنتج ملوثات غير طبيعية على الأحياء البحرية، حيث يُعَاد رمي بعض الأسماك الصغيرة أو غير المرغوب فيها إلى البيئة البحرية مباشرة بعد اصطيادها، الأمر الذي يوثر في البيئة البحرية ويلوثها.
وأكد عبد الحكيم، أن ضعف دور الجهات المعنية ـ اليوم ـ في معالجة الملوثات البحرية يعد سببًا في تفاقم مشكلة الملوثات البحرية تفاقمًا واسعًا، وانتشار عملية الصيد الجائر انتشارًا واسعًا.
في السياق ذاته يقول المتخصص في علوم البحار محمد سعد: إن تلوث مياه البحار بسبب الصرف الصحي ليس بخطورة الملوثات النفطية التي تهدد الأحياء البحرية. والمناطق التي وقعت عليها الملوثات النفطية هي شواطئ مدينة حضرموت ومنطقة رأس العارة في خليج عدن.
“هناك بعض الظواهر الطبيعية التي تصيب الأحياء البحرية، مثل موت بعض الكائنات البحرية الناتجة عن ارتفاع درجة الحرارة داخل البحر, ولكن هناك عوامل بشرية أخرى قضت على الكثير من الأسماك والأحياء البحرية؛ وذلك بسبب الصيد الجائر وغير النظامي، واستخدام شباك غير قانونية من بعض الصيادين والسفن الكبيرة التي تتحمل طاقة تخزينية معينة من الأسماك وترمي ما تبقى من الأسماك على الشواطئ”. وفقًا للمتخصص محمد سعد.
خور المكلا
صبري محمد لجرب (مدير عام هيئة أبحاث البحار والأحياء المائية في حضرموت) يقول “لصوت الامل”: إن مدينة حضرموت تطل على بحر مفتوح، ولهذا فإن جميع الملوثات الخاصة بمحطات الصرف الصحي تصب في البحر مباشرة، و يكاد يكون تأثيرها يسيرًا جدًا، كما أن مخلفات البناء والنفايات البلاستيكية وغيرها تُرمى على الشواطئ، وهذا يؤثر سلبًا في البيئة البحرية.
وأوضح، أن في الآونة الأخيرة ضربت الكثير من الأعاصير منطقة البحر العربي، وأثرت بدرجة سلبية في المناطق القريبة من سواحل البحر العربي، وبخاصة في حضرموت التي تأثرت بيئتها البحرية عامة وكذا المجتمعات الساحلية. كما أثرت التغيرات المناخية في مياه البحر كارتفاع دراجة حرارة البحر وانخفاضها اللذين أدَّيَا إلى نفوق الكثير من الأسماك والأحياء الأخرى.
وأردف صبري قائلًا: إن خور المكلا الذي هو عبارة عن قناة مفتوحة على البحر من جهة واحدة، تُصرَّف فيه مياه الصرف الصحي بصورة مستمرة، وهذه المياه تأتي من مصادر ملوثات صناعية كالورش الصناعية، ومغاسل السيارات الموجودة في المنطقة، ومجاري المنازل.
و أشار إلى أن الملوثات التي تصب في القناة تحمل موادًا كيميائية تؤثر تأثيرًا مباشرًا في الأسماك والأحياء البحرية الأخرى التي تعيش في الخور وتأتي من البحر أساسًا، كما تقوم تلك الملوثات بتغيير لون مياه الخور ورائحتها ما يسبب انبعاث الروائح الكريهة منها، وهكذا فإن كل هذه الملوثات تضر بالبيئة البحرية ومواردها.
ويحدثنا عن المعالجات التي ينبغي أن تنفذ للحفاظ على البيئة، فيقول: إن الهيئة تنفذ تقارير وتطرح مقترحات وتوصيات للجهات التنفيذية من أجل القيام بدورها في حماية هذه البيئات الساحلية، والعمل على إعادة تدوير مياه المجاري والاستفادة منها، أما النفايات ومخلفات البناء فلابد من تحديد مواقع رميها أو دفنها بعيد عن البيئة الساحلية.
جهات معنية بالبيئة
“إن مركز أبحاث وعلوم البحار والاتحاد الأوروبي نفَّذا مسحًا أوليًّا لمعرفة نوعية الملوِّثات البيئية الموجودة في الشريط الساحلي اليمني عام 1995, وفي عام 1996 نفذ المركز والهيئة العامة لحماية البيئة وجامعة صنعاء وجامعة عدن مسحًا آخر, كما عُمِل مسحٌ يتعلق بالتلوث النفطي استهداف الشواطئ في منطقة الشحر، وذلك لمعرفة نوعية التلوث ورصد حجم الأضرار”. و ذلك وفقًا للمتخصص في علوم البحار محمد سعد.
ويتابع صبري قائلًا: إن من أنشطة الهيئة الإقليمية للحفاظ على البيئة في خليج عدن والبحر الأحمر إنشاء منظمة تابعة لها تعمل على عملية تصفية الشواطئ إذا وقع عليها إنسكاب نفطي ضمن إجراءات محددة, وتُلزم السفن المتسببة بالانسكاب النفطي بعمل حاجز حول المنطقة الملوثة، ومعرفة نوعية التلوث للقيام بعملية الشفط أو التشتت، والتخلص من الطبقة الموجودة على سطح البحر، وعند وصول الملوثات إلى الشاطئ تُنفَّذ عملية التصفية.
واستمرَّ في تصريحه بقوله: من ضمن نشاط الهيئة الإقليمية نُفِّذت دورات تدريبية لفريق مختص من مختلف دول العالم في عملية ترصد الملوثات البحرية النفطية في 2021, وذلك بهدف إنشاء فريق يعدُّ نواة في معالجة تصفية الشواطئ من الانسكاب النفطي والتعامل مع المشتتات, وفي العام 2021 نزل الفريق المشارك في الدورة لمعالجة التسرب النفطي لأحد السفن الموجودة في ميناء عدن.
وعن دور مركز دراسات وتلوث البيئة البحرية يستعرض عبد الحكيم نشاط المركز الذي أنشئ في عام 1992م، ويعد أحد المراكز التي تتبع الهيئة العامة لأبحاث علوم البحار والأحياء المائية، ويهدف إلى دراسة الملوثات بأنواعها ومراقبة التغيرات الاكيانوجرافية، والحفاظ على التنوع الحيوي في البيئة البحرية، ودراسة الموائل والبيئات البحرية التي تتأثر تأثرًا مباشرًا أو غير مباشر بهذه الملوثات، والتأكد من سلامتها؛ لأنها تكوِّن بيئات حاضنة للحلقات الغذائية الأولية في السلسلة الغذائية والأساسية لتكاثر الأحياء والأسماك في البيئة البحرية.
وقال مدير مركز دراسات البيئة البحرية والتلوث عبدالحكيم: إن المركز يقوم بوضع المعالجات والمقترحات الهادفة إلى الحدِّ أو التقليل من الأضرار الناتجة عن الأنشطة البشرية المسببة لتلوث البيئة البحرية، وتحديد مستويات التلوث ومصادره المختلفة التي تسهم في الحفاظ على الموارد السمكية ومناطق تجمعاتها.
وحول نشاط هيئة أبحاث البحار والأحياء المائية في حضرموت يستعرض المدير العام للهيئة صبري لجرب ما تقوم بها الهيئة من دراسات علمية وبحثية مستمرة تخدم القطاع السمكي على سواحل خليج عدن والبحر العربي ( شبوة، وحضرموت، والمهرة، وأرخبيل سقطرى ) كونها من أغنى المناطق بالموارد البحرية في اليمن.
وأوضح لـ»صوت الأمل» أن الهيئة نفَّذت دراسة في منطقة خور المكلا في شهر يناير 2019 لمعرفة التغيرات البيئة التي ظهرت في الخور بسبب الملوثات المختلفة منها الصرف الصحي والصناعي وغيرها، وقد تبيَّن من نتيجة الدراسة أن هناك ارتفاعًا في نسبة الملوثات من المعادن الثقيلة والميكروبات في الأسماك والمحار مقارنة بالأعوام السابقة، وهذا الأمر يؤثر في صحة المواطنين عند تناولهم الأسماك غير المطبوخة جيدًا، كما يؤثر في صحة الأطفال عند استحمامهم بالقرب من تلك الملوثات.
تحديًّا كبيرًا
وجاء في تقرير وزارة التخطيط والتعاون الدولي 2020 ( المستجدات الاقتصادية والاجتماعية في اليمن)، أن اليمن يتمتع بشريط ساحلي يبلغ طوله 2500 كيلومتر ولمواردها البحرية أهمية بالغة على مستويات الأمن الغذائي والصحة والتغذية والدخل وسبل العيش وتخفيف وطأة الفقر، ومن جهة أخرى تسهم في حماية السكان الذين يعيشون بالقرب من المناطق الساحلية، لذا وجب على الجهات المعنية تقدم الاهتمام الكافي للحدِّ من التلوث البحري والتهديدات والمخاطر المتعلقة بتسرب النفط ومخاطر الاحتباس الحراري، والحد من الصيد المفرط وغير القانوني .
كما أشار التقرير إلى أن التجارة البحرية عبر البحر الأحمر وخليج عدن تمثل تحديًّا كبيرًا أمام حماية البيئة البحرية والحفاظ عليها، في ظل عدم الاهتمام بالحفاظ على المقدرات البحرية من الأسماك والشعاب المرجانية وغيرها، التي تعد مصدرًا رئيسًا للغذاء ورافدًا رئيسًا للقطاع السمكي الواعد وعاملًا مهمًا للتوازن البيئي.
استطلاع.. ازدياد نسبة التلوث في البيئة بنسبة 89 %
صوت الأمل – رجاء مكرد أوضحت نتائج استطلاع رأي عام أجراه يمن انفورميشن سنتر بداية شهر …