كيف تناولت التقارير الدولية مشكلة الفقر في اليمن؟ منهجيات مختلفة ومصادر متعددة تفتقر إلى الجانب المحلي
ينبغي التعامل مع التقارير الدولية بدرجة عالية من الفهم والاستفادة منها في ضوء خصوصية ومتطلبات المرحلة التي تمر بها اليمن
المطلوب إعداد وتنفيذ مصفوفة سياسات وإصلاحات شاملة في الجوانب الاقتصادية والاجتماعية والمؤسسية والسياسية، ومحاربة الفساد بناء على وضع اليمن في المؤشرات الدولية
احتلَّ موضوع الفقر في اليمن أهمية خاصة في أجندات (جدول أعمال) الهيئات الأممية والمنظمات الدولية المهتمة، وشغل حيزًا كبيرًا من تقارير هذه المنظمات والهيئات، واستعرضت هذه التقارير المشكلة من مختلف الجوانب والزوايا بالبحث والتحليل، والتفاصيل المختلفة المتعلقة بالموضوع وفقًا لمنهجيات علمية ونظرية متعددة.
ومع استمرار ظروف الصراع في اليمن منذ 2015م وإلى الآن احتدمت أزمة الفقر في اليمن وزادت حدَّته ازديادًا كبيرًا وامتدت أفقيًّا ورأسيًّا لتشمل معظم السكان على امتداد الجغرافيا اليمنية.
«وقبل البدء بالحديث علينا التنبيه على أن هذه التقارير تستخدم منهجيات مختلفةً نسبيًّا وتستقي بياناتها ومعلوماتها من مصادر متعددة بعضها محلية وأخرى خارجية، بعضها قد لا تكون ذات ثقة عالية أحيانًا نتيجة للتباين في طرائق الرصد والتحليل والتقييم، الأمر الذي يتطلب التعامل معها بدرجة عالية من الفهم والحذر والاستفادة منها في ضوء خصوصية ومتطلبات المرحلة التي تمر بها الدولة» . هذا ما أشارت إليه سميرة صالح حسين (مديرة الإحصاء في وزارة التخطيط والتعاون الدولي).
ووفقًا لما سبق، هنا رصد سريع لعدد من التقارير والمؤشرات الدولية الأكثر أهمية من الناحية العملية التي تعطي نظرة شاملة عن رؤية المجتمع الدولي لليمن، وما يشهده من تطورات وما يعتريه من إشكالات واقتراح الحلول لتحسين وضع اليمن.
الغرض والهدف أن يُصوَّب الخطأ وتُرشَد الرؤى ويُساعد صانعو السياسات ومتخذو القرار وأصحاب المصلحة من المؤسسات الحكومية والقطاع الخاص والمجتمع المدني وشركاء التنمية عامة.
البنك الدولي
يقدر البنك الدولي أن الناتج الاقتصادي اليمني قد انخفض بنحو 50% منذ 2015م. وقد أدَّى انخفاض إنتاج النفط والغاز إلى انخفاض الإيرادات الوطنية، مما ترك الحكومة غير قادرة على توفير الخدمات الأساسية مثل التعليم والصحة والمياه والصرف الصحي؛ و زاد التضخم المفرط من تكلفة الغذاء والوقود بنسبة 150 ـ 200 % على التوالي؛ هذا إلى جانب ارتفاع معدلات البطالة مما جعل البقاء على قيد الحياة صعبًا للغاية بالنسبة لمعظم اليمنيين. حيث يحتاج قرابة 80 % منهم إلى المساعدات الإنسانية.
وحذر البنك الدولي من أن نحو 70% من سكان اليمن البالغ عددهم 30 مليون نسمة يواجهون خطر المجاعة في بلد يعد بين أكثر بلدان العالم معاناة من انعدام الأمن الغذائي.
وقال البنك في تقرير نشره على موقعه الإلكتروني: إن الصراع الدائر في اليمن منذ أكثر من 6 سنوات خلَّف ما لا يقل عن 24.1 مليون شخص بحاجة إلى المساعدات الإنسانية، بينهم 12.3 مليون طفل و3.7 ملايين نازح داخليًّا.
وفقًا لتقديرات البنك الدولي فإن:
30 مليون نسمة عدد السكان في اليمن (تقديريّ).
%47.8 من السكان في فقر متعدد الأبعاد (تقرير التنمية البشرية 2018م).
1،239 إجمالي الدخل القومي للفرد (تعادل القوة الشرائية 2011م).
452 مؤشر التنمية البشرية (المرتبة 178 عالميًّا).
70% يواجهون خطر المجاعة.
80% يعيشون تحت خط الفقر.
50% يعيشون على أقل من دولارين في اليوم.
برنامج الأمم المتحدة الإنمائي في اليمن
يقول برنامج الأمم المتحدة الإنمائي في اليمن على موقعه الإلكتروني: إن الصراع الذي بدأ عام 2015م أدَّى إلى أزمة إنسانية غير مسبوقة، حيث إن ما يقرب من 80 في المائة من اليمنيين بحاجة إلى المساعدة الإنسانية والحماية، و10 ملايين شخص على شفا المجاعة، وأكثر من 3 ملايين مشردون حاليًّا وغير قادرين على العودة إلى ديارهم.
ويحتل اليمن الآن المرتبة 178 على مؤشر التنمية البشرية – مقارنة بـ 153، قبل عام 2015م.
وذهب التقرير في توقعاته إلى القول: «إنه إذا استمر الصراع حتى عام 2030م، فسيعيش أكثر من 78% من اليمنيين في فقر مدقع، وسيعاني 95% من سوء التغذية، و84% من الأطفال سيعانون من التقزيم.”
تقرير التنمية البشرية 2019م
أصدر البرنامج الإنمائي للأمم المتحدة تقرير التنمية البشرية لعام 2019م تحت عنوان: (ما وراء الدخل والمتوسط والحاضر: أوجه عدم المساواة في القرن الحادي والعشرين) حيث يصنف التقرير اليمن ضمن الدول ذات التنمية البشرية المنخفضة، وبلغت قيمة دليل التنمية البشرية التي حصلت عليها اليمن نحو ( 0.463 ) نقطة محتلة المركز 177 من بين 189 دولة مقارنة بالمركز 160 في العام 2014م؛ نتيجة تعرضها لصدمات اقتصادية ومالية وسياسية عديدة جراء ظروف عدم الاستقرار واستمرار الحرب التي أثرت في المؤشرات التنموية والاجتماعية عامة.
تقرير وزارة التخطيط والتعاون الدولي في سبتمبر 2020م
لم تختلف تقديرات وزارة التخطيط والتعاون الدولي اليمنية كثيرًا عن التقارير الدولية، فيما يخص المؤشرات الرئيسة للفقر في اليمن، حيث ذكر تقرير صادر عن الوزارة في سبتمبر 2020م أن 47.7% من اليمنيين يعيشون في فقر متعدد الأبعاد، مضيفًا أن 53% من السكان (15.9 مليون شخص) يعانون من انعدام الأمن الغذائي الحاد مع وجود المساعدات الغذائية (الأسوأ على مستوى العالم) وترتفع النسبة إلى 67 % من السكان في حال غياب المساعدات الغذائية.
وتذهب الإحصائيات الرسمية اليمنية إلى القول: “إن متوسط الحد الأدنى لتكلفة السلة الغذائية في عموم البلد يصل إلى 63 دولارًا».
وبخصوص خطة الاستجابة الإنسانية في اليمن تقول الوزارة في تقريرها: “إن حجم التمويل المطلوب للخطة هو 3.23 مليار دولار أمريكي حتى تاريخ صدور التقرير، وإن ما وُفِّر للخطة هو مبلغ 1.28 مليار دولار أمريكي بنسبة (39.6 % ( من إجمالي المبلغ المطلوب، في حين أن العجز في متطلبات التمويل بلغ 1.92 مليار دولار؛ أي بنسبة (59.4%) من إجمالي المبلغ المطلوب لتنفيذ خطة الاستجابة الإنسانية في اليمن”.
مؤشر الجوع العالمي ( 2019م )
يعد مؤشر الجوع العالمي مقياسًا كميًّا لتتبع الجوع عالميًّا وإقليميًّا ومحليًّا، حيث يسلط الضوء على المناطق الأكثر جوعًا في العالم، ويقيِّم المؤشر مدى التقدم أو التراجع في مكافحة الجوع في هذه الدول والمناطق وتُصنَّف وفقًا للفئات ودرجة المؤشر.
واستنادًا إلى نتائج تقرير مؤشر الجوع العالمي 2019م فإن اليمن تصنف ضمن أسوأ الدول في المؤشر محتلة المرتبة 116 من أصل 117 دولة في التقرير، وتعيش ضمن الفئة المنذرة بالخطر، تليها جمهورية أفريقيا الوسطى حيث بلغت نسبة مؤشر الجوع الكلي 45.9 درجة مئوية.
ويشير تقرير مؤشر الجوع العالمي إلى أن اليمن يعاني من نسب مرتفعة في نقص التغذية بين السكان للفترة 2016 – 2018م وتصل إلى 38.9 %، وانتشار التقزم عند الأطفال دون سن الخامسة ليصل إلى 17.9 %، وانتشار الهزال لدى الأطفال دون سن الخامسة بنسبة 61.1 %، وارتفاع معدل الوفيات للأطفال دون سن الخامسة بنسبة 5.5% .
التقرير العالمي لأزمة الغذاء 2020م
كشف التقرير العالمي لأزمة الغذاء في ظل جائحة كوفيد ــ الذي تصدره سنويًّا الشبكة العالمية لمكافحة الأزمات ــ أن 55 دولة في العالم من بينها اليمن يعاني فيها 135 مليون شخص من انعدام الأمن الغذائي الحاد الشديد ( المرحلة الثالثة( IPC3/CH وأعلى من التصنيف المتكامل لمراحل الأمن الغذائي، وتبعًا للتقرير الصادر في 2020م أن ارتفاع مؤشرات الأمن الغذائي الحاد يعود إلى أسباب عديدة منها:
النزاعات التي رفعت عدد الأشخاص الذين يعانون من انعدام الأمن الغذائي الحاد إلى 77 مليون شخص، وبينما أجبرت الظروف المناخية المتطرفة 34 مليون شخص، والاضطرابات الاقتصادية 24 مليون شخص، ومن المتوقع ـ وفقًا للتقريرـ ارتفاع عدد الأشخاص في ظل تداعيات جائحة كوفيد 19 مع نهاية العام 2021م بخاصة في الدول الهشة التي أثرت في الأنظمة الصحية والوضع الصحي للسكان، ويظهر ذلك بوضوح على المستضعفين الذين يعملون في القطاع الزراعي غير الرسمي والقطاعات الأخرى، إضافة إلى تأثر واردات الغذاء من القيود المفروضة في حرية التنقل.
صنف التقرير أزمة الغذاء في اليمن مقيمةً بعدد الأشخاص في المرحلة الثالثة IPC3/CH أو أعلى كأسوأ أزمة غذاء على مستوى العالم، حيث بلغ العدد 15.9 مليون شخص يعانون من أزمة غذائية حادة؛ أي ما نسبته 53 % من عدد السكان الإجمالي، بينما يصنف 8.9 مليون من الأشخاص ضمن المرحلة الثانية IPC 2 ؛أي ما نسبته 30 % ويعد اليمن وفقًا للتقرير من بين أعلى ثماني دول في هذا التنصيف.
ويحتل اليمن المرتبة الرابعة عالميًّا من حيث عدد النازحين IDPs والمقدرة بنحو 3.6 مليون شخص، كما صنف التقرير اليمن من بين أعلى 11 دولة من حيث عدد النازحين واللاجئين، ولذا فهذا يعد أحد العوامل التي تدفع ملايين الأشخاص إلى الدخول في حدة الأزمة الغذائية.
وأوضح التقرير أنه «مع وجود المساعدات الإنسانية إلا أن مؤشرات انعدام الأمن الغذائي الحاد في اليمن لا تزال عند مستويات مرتفعة، وتنذر بالخطر بسبب الصراع المستمر والتدهور الاقتصادي وتعطل سبل العيش، وأزمة الاقتصاد الكلي، والظروف ذات الصلة بالمناخ وآفات المحاصيل، ومن المتوقع أن يؤدي الجراد الصحراوي ودودة الحشد الخريفية والفيضانات إلى زيادة مستويات انعدام الغذاء الحاد وانعدام الأمن الغذائي في ظل جائحة كوفيد 19، ومن المتوقع أيضًا أن يصل عدد الأشخاص الذين يعانون من أزمة غذاء حادة شديدة إلى ما يزيد عن 17 مليون خلال الفترة يوليو – سبتمبر 2020م وخطر المجاعة يتزايد.
التوصيات
خرج فريق الخبراء في وزارة التخطيط والتعاون الدولي اليمنية بالعديد من التوصيات العامة لتحسين وضع اليمن في التقارير والمؤشرات الدولية، ومن أهم هذه التوصيات وفقًا لما جاء في تقرير الوزارة :
إعداد وتنفيذ مصفوفة سياسات وإصلاحات شاملة في الجوانب الاقتصادية والاجتماعية والمؤسسية والسياسية، ومحاربة الفساد بناء على وضع اليمن في المؤشرات الدولية، بحيث تراعي ثلاثة أبعاد: يتعلق الأول بالمؤشرات التي تراجع فيها اليمن وهي أغلبها من خلال تنفيذ معالجات وإصلاحات تحسن من وضع اليمن، وإن كان تدريجيًّا. والبعد الثاني يتصل بالمؤشرات التي حافظ اليمن على مستويات جيدة فيها عبر مزيد من الإصلاحات، والثالث يتعلق بتحسين المركز العام لليمن في التصنيف العالمي لأبرز القضايا المرتبطة على وجه الخصوص برفع رأس المال البشري وتحسين بيئة الأعمال وتحسين مؤشر السعادة والأمن الغذائي.
تأسيس قاعدة بيانات موثوقة تساعد صانعي القرار في التخطيط ورسم السياسات والاستراتيجيات ذات الصلة مما يسهم في وضع الحلول المناسبة للتغلب على الصعوبات المرتبطة بقضايا ومؤشرات هذه التقارير أو تحسينها وتطويرها إن كانت في وضع مقبول.
اليمن بحاجة ـ في ظل الظروف الاستثنائية التي يعانيهاـ إلى أن يُسلَّط الضوء عليه باستمرار في هذه التقارير، وهنا يأتي دور ـ الذي أشرنا إليه قبلًاــ المؤسسات الوطنية ومكاتب المنظمات والهيئات الدولية والأممية للتركيز في بعض التقارير الدولية التي تأتي بطابع عالمي وإقليمي فقط، غير أنها تتضمن تخصيص شرح لبعض الدول منفردة.
الاستفادة من تجارب الدول الأخرى الناجحة، وكذا التوصيات التي تتضمنها التقارير والمؤشرات، وتبني سياسات وإجراءات ملائمة لظروف اليمن في إطار هذه المؤشرات ضمن مصفوفة إصلاحات وطنية تركز على الأبعاد المختلفة بخاصة الاقتصادية والإنسانية والاجتماعية.
تقييم
هنا تقيِّم سميرة صالح (مديرة الإحصاء في وزارة التخطيط والتعاون الدولي) التقارير الدولية عن اليمن المتصلة بظاهرة الفقر بالقول: هناك تقارير تصدر عن منظمات دولية وأممية منها تغطي مؤشرات مهمة مثل: مواضيع التوظيف، والبطالة، والأجور، أو مواضيع حالية كفيروس كورونا وما يرتبط به من قضايا مهمة خاصة باليمن، مثل موضوع الحماية الاجتماعية؛ ولكن نلاحظ عدم تغطيتها للمؤشرات والإجراءات المتصلة باليمن أو أنها تغطى تغطية عابرة في إطار إقليمي فقط، مما يتطلب ضرورة تكاتف المؤسسات والهيئات الوطنية مع هذه المنظمات وبخاصة التي لديها مكاتب في اليمن لتسليط الضوء أكثر على قضايا ومؤشرات هذه التقارير لأهميتها ومعنوياتها العالية.
استطلاع.. ازدياد ظاهرة التسول في اليمن سببه الفقر 87 %
صوت الأمل – رجاء مكرد أوضحت نتائج استطلاع رأي عام أجراه يمن انفورميشن سنتر منتصف شهر سبتمب…