تــأثيـــــــر الفقــــر والصــــــــراع في واقــــع الأطفــــــال ومستقبلهـم
صوت الأمل – منال أمين
“ اشترِ مني المنديل، وأعطني مائة ريال أشتري بها طعامًا لإخوتي لأنهم جائعون». بهذه الكلمات يعبر الطفل الهزيل ذو العشرة أعوام (أ .ع) ــ 211 في إحدى جولات مدينة عدن ـ عن حاجته إلى النقود لشراء ما تيسر له من أكل لعائلته.
هذا الطفل النازح من محافظة الحديدة إلى عدن منذ 2017م يعاني الكثير من المشكلات والصعوبات بعد وفاة والده ومرض والدته، أجبرته قسوة الظروف على الخروج إلى الشارع وامتهان بيع المناديل الصغيرة منذ الصباح وإلى المساء. حسب قوله.
يشق الطفل (أ.ع) وأخوه البالغ ستة أعوام طريقهما إلى إحدى الجولات في مديرية المنصورة، التي تبعد مسافة طويلة عن مكان نزوحهم في مديرية البريقة، تحت حرارة أشعة الشمس الحارقة، متقاسمين عددًا من علب المناديل بالتساوي لمحاولة بيعها واستعطاف الناس لشرائها.
يؤكد هذا الطفل أنه في أغلب الأيام يعود إلى البيت خالي الوفاض، لا يملك إلا قيمة وجبة واحدة، تكفي لسد جوعه مع إخوته الأربعة ووالدته المريضة؛ وفي معظم الأوقات يقوم الجيران بإعطائهم القليل من الأكل، لمعرفتهم بحاجتهم إلى الأكل أكثر من أي شيء آخر.
تقارير وإحصائيات
يشير تقرير الوضع الإنساني (2020) الصادر عن منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسيف) إلى أن (12،2) مليون طفل يمني بحاجة ماسة إلى المساعدات الإنسانية في بلد أصبح يصنف ضمن أسوأ البلدان مراعاة لحقوق الأطفال في العالم.
وبيَّن التقرير، أن اشتداد وتيرة الصراع الدائر في البلد أثر في أكثر من (4،4) مليون نازح، منهم (1،71) مليون من الأطفال أصبحوا بحاجة ماسة إلى الصحة والغذاء والتعليم.
ويعد معدل سوء التغذية لدى الأطفال في اليمن من أعلى المعدلات في العالم، ومازال الوضع الغذائي في تدهور مستمر، كما أن ثلث الأسر تقريبًا تعاني من فجوات في نظمها الغذائية، وتكاد لا تستهلك أيَّ أطعمةٍ من البقوليات والخضراوات والفاكهة ومنتجات الألبان واللحوم. وذلك وفقًا لتقرير وزارة التخطيط والتعاون الدولي أغسطس 2020م ( المستجدات الاقتصادية والاجتماعية في اليمن).
كما بيَّن تقريرٌ عن مجموعة البنك الدولي (مذكرة المشاركة القطرية بشأن الجمهورية اليمنية، لفترة السنتين الماليتين 2020 – 2021م ) أبريل 2019م، أن معدلات سوء التغذية بين النساء والأطفال في اليمن تظل من بين أعلى المعدلات على مستوى العالم، حيث تحتاج أكثر من مليون امرأة و2 مليون طفل إلى العلاج من سوء التغذية الحاد، ويمثل هذا العدد زيادة بنسبة 57 % منذ أواخر عام 2015م ،وهو ما يهدد حياة هؤلاء الأطفال ومستقبلهم.
حياة معيشية صعبة
علي محمد 11 عامًا، طفل في عمر الزهور، أجبرته الظروف على العمل في بيع البطاط على المارة في محافظة تعز، بعدما توقف راتب والده منذ أكثر من أربعة أعوام بسبب الصراع، وخروجهم من منزلهم حين رفع صاحب البيت الإيجار، وأصبحت الحياة المعيشية صعبة للغاية.
كان علي يدرس في المرحلة الابتدائية، ولكنه للأسف خرج من المدرسة ليقف مع والده على عربة البطاط ويساعده في بيعها، من أجل توفير قيمة الإيجار لبيت صغير يأوي أخواته الأربع ووالدتهم في ظروف معيشية صعبة.
الطفلة (ع .ح) ذات الـ 11عامًا تقريبًا من صنعاء، تقف في إحدى الجولات حاملة بيدها ماءً ومسَّاحة (قطعة قماش) تعمل بها على مسح زجاج السيارات في أثناء وقوفها في الجولة.
وبعد أن تكمل مسح زجاج السيارة تمدُّ يدها باستيحاء وبصوت خجول طالبة مائة ريال قائلة: «أريد أن أشتري طعامًا”.
الصراع والوضع الاقتصادي
في استطلاع للرأي العام نفَّذته وحدة المعلومات واستطلاع الرأي العام التابعة لمركز (يمن إنفورميشن للبحوث والإعلام) حول وضع الأطفال في اليمن، ومدى تأثرهم بالصراع بيَّن أن من أسباب استمرار تسرب الأطفال من المدارس ضعف الدخل الأسري الذي تأثر نتيجة الوضع الاقتصادي المتدهور في اليمن بنسبة (62.6%).
الدكتورة رضية يسلم (أستاذ علم الاجتماع ) تقول لـ “صوت الأمل “: إن عمالة الأطفال انتشرت كثيرًا في كل المحافظات اليمنية خلال هذه المرحلة، وذلك بسبب الأوضاع الاقتصادية الصعبة التي تمر بها البلاد، واستمرار النزوح وصعوبة الظروف الاجتماعية المتمثلة في التفكك الأسري المتفاقم بسبب الوضع الاقتصادي، بالإضافة إلى وفاة ربِّ الأسرة.
مضيفة: أن الطفل يجد نفسه في أغلب الأوقات مجبرًا على مغادرة مقاعد الدراسة والاتجاه إلى سوق العمل والتسول، بحكم أن التسول أقصر طريقة لتوفير المال.
كما تقول: في أغلب الأوقات يتعرض الطفل في الشارع إلى ظروف قاسية ومهينة تُسبب له حالة نفسية سيئة، للأسف تتولّد لديه هذه الحالة وتتطور تطورًا سلبيًّا، وتنعكس على نمط حياته في المستقبل.
وأردفت متابعة: قد يتعرض الطفل لظروف عملٍ صعبة لا تتناسب مع حالته الجسمية والعقلية، ويكتسب بعض العادات والظواهر السيئة مثل التدخين والمخدرات، ويتعرض إلى انتهاكات عديدة تنتج تصرفات عدوانية منه على الأخرين.
توافقها الرأي منى البان (مديرة وحدة مكافحة عمالة الأطفال في وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل بعدن)، حيث تقول: إن من أهم الأسباب التي أدت إلى انتشار عمالة الأطفال في بلادنا خلال الفترة الحالية زيادة نسبة الفقر، وتدهور الوضع الاقتصادي، ونزوح الكثير من الأسر، الأمر الذي دفع الكثير من الأطفال إلى ترك مقاعدهم الدراسية والبحث عن عمل، وعدم وعي المجتمع بخطورة عمل الأطفال في سن مبكرة.
كما يشير صلاح دبوان (الأمين العام للاتحاد الوطني لتنمية الفئات الأشد فقرًا، عدن وأبين ولحج) إلى أن الفقر يعدُّ في مقدمة المشكلات التي تعاني منها الفئات الفقيرة والمهمشة في البلد، لحاجتها الدائمة إلى المال والغذاء والدواء والصحة والمسكن والأمن، بالإضافة إلى الجهل والأمية والبطالة التي أدَّت إلى انتشار ظاهرة عمالة الأطفال في الشوارع، وتضاعف الأعباء، وانتشار الجريمة.
محاولات للتخفيف
ولمحاولة معالجة هذه الظاهرة التي أصبحت منتشرة وبقوة في المحافظات اليمنية، وتدق ناقوس الخطر على تدهور جيل كامل، تؤكد البان لصوت الأمل “أهمية تعزيز الشراكة مع المنظمات المجتمعية ( المحلية، والدولية ) لتقديم الدعم اللازم للأطفال الفقراء والنازحين، وتنفيذ برامج توعية بمختلف المجالات للتخفيف من ظاهرة انتشار عمالة الأطفال بخاصة في الشوارع العامة، وإعادة الأطفال إلى مقاعدهم الدراسية”.
في السياق ذاته يؤكد دبوان “أهمية إنشاء مراكز تدريب ودعم للمشروعات التنموية الصغيرة للأسر الفقيرة، وعمل صندوق يقوم على دعم تمكين الأطفال الفقراء والأشد فقرًا من مواصلة التعليم، واحترام حق المواطنة».
استطلاع.. ازدياد ظاهرة التسول في اليمن سببه الفقر 87 %
صوت الأمل – رجاء مكرد أوضحت نتائج استطلاع رأي عام أجراه يمن انفورميشن سنتر منتصف شهر سبتمب…