‫الرئيسية‬ الأعداد السابقة القضاء في اليمن القضاء القبلي العرفي تاريخ عريق وحضور كبير في الساحة اليمنية: دوره في حلِّ النزاعات، أهميته وتأثيره في المجتمع، تأثيره في السلطة القضائية وتعارضه مع القوانين

القضاء القبلي العرفي تاريخ عريق وحضور كبير في الساحة اليمنية: دوره في حلِّ النزاعات، أهميته وتأثيره في المجتمع، تأثيره في السلطة القضائية وتعارضه مع القوانين

القضاء القبلي العرفي هو قضاء مستقل عن القضاء الرسمي وهو تشريع متكامل له قواعد لا تتغير بتغير الزمان والمكان، ويمتاز القضاء العرفي بالسرعة في فصل القضايا بين الناس وله ضوابط وروادع كفيلة بأن تجعل المجتمع صالحًا وملتزمًا بتعاليم الدين وبتثبيت كل الأخلاق الحميدة التي تسهم في بناء الإنسان بناءً سليمًا ومتكاملًا. مستمدًّا كل قواعده من التعاليم الإسلامية.

يقول الشيخ أحمد صالح مفتاح: “إن الأحكام العرفية  البحتة لا تستأنف في القضاء الرسمي في مختلف الظروف كما يعتقد بعضهم فكما توجد للقضاء الرسمي مرحلتان لاستئناف الأحكام ، أيضًا توجد في التشريع العرفي العام أربع مراحل استئنافات عرفية، تبدأ هذه المراحل باستئناف حكم المحكِّم أو المحكّمين لدى “المراغة القصرة” (وهو أكثر رجل معرفة بالتشريعات القبلية في قسم أو عزلة من القبيلة) وعند عدم اقتناع أي من الأطراف بالحكم في هذه المرحلة ينتقل الحكم إلى يد “المراغة الغصاب” (وهو مراغة القبيلة العام) فاذا طعن في الحكم ينقل مباشرة إلى يد “المراغة غصاب الغصاب” (وهو مراغة الداعي الكبير مثل مراغة بكيل أو حاشد أو مذحج) وكل قبيلة تجتمع مع بعض القبائل تحت الداعي الكبير. وهناك مراغة عام لكل القبائل يُنتَخب من كل القبائل يسمى “مراغة النقض والإقرار” (وهو أعلى درجة الاستئناف العرفي) ويكون حكمه نهائيًّا وواجب التنفيذ.

      ويضيف: “يجري دخول هذا القضاء بواسطة الرضا من طرفي النزاع فمن ارتضى القضاء العرفي للفصل في قضيته فهو ملزم بإكمال التقاضي عبر مراحل القضاء العرفي ومن طلب فصل قضيته عبر القضاء الرسمي فله الحق في ذلك ولا يحق لأحد إرغامه على اختيار القضاء العرفي للفصل في فضيته.

      يقول القاضي عبد الوهاب الفقيه: “إن العرف القبلي ليس وليد اليوم أو الأمس القريب، بل هو حصيلة تجارب سياسية تمتدُّ لآلاف السنين عن طريق الدول اليمنية القديمة التي كانت تحكم اليمن وتنتهج الأعراف القبلية. كما كان اتصال الملكة بلقيس بسليمان ــ عليه السلام ــ له دور في الاستفادة من التعاليم السماوية التي جاء بها سليمان، وما كانت تنتهجه الملكة بلقيس مع قومها من أحكام وقوانين، وهذا من باب التواصل الحضاري بين الحضارات المختلفة، ومما لا شك فيه أن العرف في أي مجتمع خاضع لتراضي المجتمع عليه، وأحيانًا عندما تتأخر أمة من الأمم تنتهج أعرافًا متخلفة يكون لها تأثير سيِّئ في تقدم وازدهار هذه الأمة وهنا يبعث الله الرسل والأنبياء لتصحيح هذه التصورات والأفكار”.

      يقول الشيخ محمد علي صياد (رئيس مجلس القضاء القبلي اليمني): “الأعراف القبلية والتحكيم القبلي يعدُّ جهة غير إلزامية، فلا يُلجأ إليها إلا عندما تخرج الأمور عن سيطرة الجهات المختصة، وفي بعض القضايا يتراضى المتخاصمون على محكمين من المشايخ في قضايا كبيرة عجزت عنها المحاكم، فالعرف القبلي يقوم بحل كثير من القضايا، وتكون أحكامه بحسب الاشتراط والتحكيم. والنوع الأول من التحكيم القبلي هو التحكيم المطلق وفيه لا يجوز للمتخاصمين أن يخالفوا الأحكام الصادرة عن المشايخ أو يخرجوا عنها، ويكونون ملتزمين بتنفيذها وليس لهم الحق في استئنافها.  والنوع الثاني من التحكيم القبلي يشترط فيه المتخاصمون أن يكون لهم حق استئناف الأحكام الصادرة عن المشايخ عند “المنهى” (المنهى اسم يطلق على فئة معينة من المشايخ ولكن بدرجة أكبر ويعدُّ مرجعًا ويسمى المراغة في الحكم القبلي)، وفي هذه الحالة يخضع الحكم الصادر عن المشايخ لموافقة المنهى أو لتعديله في الحكم”.

أما فيما يخص حقوق المتخاصمين وصلاحيات المشايخ يقول الشيخ صياد: “العرف القبلي يمنح الخصوم حق اختيار المرجع الذي يثقون في الرجوع إليه بعد الحكم، فهو يمنحهم الضمانات المرضية للجميع وهذا يكفل بلوغ القدر الأوفر من العدالة ، كما أن الأدلة والبراهين في العرف القبلي تماثل القضاء تمامًا غير أنها في العرف القبلي أكثر تشديدًا فهناك في بعض القضايا ما يستلزم أكثر من يمين المنكر حيث يتطلب في بعض القضايا التي لا تهم شخصًا بعينه وإنما تهم قبيلة كاملة، يتطلب خمسة أشخاص يحلفون أو حتى عشرة أو اثنين وعشرين أو أربعة وأربعين، وتكون الأخيرة في حالة القتل حيث إن جسامة الجريمة تقتضي مزيدًا من التحري ، أما في حالة السرقة فتتطلب اثنين وعشرين حلافًا والعشرة والخمسة فيما دون ذلك”.

  ولهذا في ظل هذه الاحتياطيات والإجراءات المشددة ستُضْبط الجريمة ولا نُخْطأُ في الاتهام ولا تثبت الحادثة إلا إذا كانت في غاية الوضوح.

       ويوكِّد المحامي سامي شريان أن الأعراف والتقاليد القبلية فيما يخص التقاضي تعبِّر عن أصالة هذا الشعب العظيم الزاخر بهذا التراث الكفيل بأن ينعم الناس فيه بالأمن والاستقرار، والتعايش، فعندما تناسى الناس هذه الأعراف برزت كثير من الأمور التي لا تمثل هذا الشعب، ولا يمكن أن تصدر من يمني يحمل هذا الإرث الحضاري الذي يجب أن يخرج للعالم ليروا مقومات وأسس الحضارة.

      يرى عبدربه محسن (محاسب) أن قرار الذهاب إلى التحكيم القبلي أو القضاء الرسمي يتوقف على مكانة الشخص ومستواه الاجتماعي ومحيطه الاجتماعي حيث إن المواطن المنتمي إلى قبيلة وله من يسانده من أبناء قبيلته يفضل اللجوء إلى التحكيم القبلي لأنه يعلم هنا أن المسؤولية ستكون تضامنية وأنه سيشاركه أبناء قبيلته في حالة ما إذا كان الحكم ضده سواء في تنفيذ الحكم أم في مصاريف التحكيم نفسها عن طريق ما يسمى بالغرم.

    لكن المواطن المتمدن الذي لم يعد يعتمد على قبيلته أو أنه غير منتمٍ إلى قبيله فإنه بالتأكيد سيلجأ إلى القضاء الرسمي لأنه ربما لا تتوفر له بعض متطلبات التحكيم القبلي مثل طرح أسلحة أو جنابي كضمانة لتنفيذ الأحكام القضائية.

      في حين يقول إبراهيم الحاشدي (سائق): “إن التحكيم القبلي كان في الماضي هو السائد بين الناس لأن المشايخ كانوا يبادرون إلى الصلح بين الناس طوعيَّة وبدون أتعاب مالية أو أتعاب رمزية لا تكلف الناس لكن الآن أصبح اللجوء إلى التحكيم القبلي يتطلب الكثير من المتطلبات المادية كأجور المشايخ وتكاليف الطروحات وأتعاب الوكلاء وغيره وأيضًا ما يعرف بالطروحات حيث يطلب المشايخ من المتخاصمين طرح أسلحة تكلف مبالغ كثيرة وسيارات و ما إلى ذلك”.

      يقول وليد السدرة: “إن التحكيم القبلي أسهم في الماضي ويسهم اليوم ـ إلى حدٍّ كبيرـ في حلِّ كثير من القضايا العالقة بين المواطنين وأنه الأكثر تأثيرًا بسبب طول فترة التقاضي في المحاكم الرسمية التي تصل إلى سنوات طويلة في قضايا يمكن أن يحسمها التحكيم القبلي في فترة وجيزة”.

     أحمد صالح الحاشدي يقول: “إن العرف القبلي هو الأفضل في قضايا الأحوال الشخصية لأن التحكيم القبلي يلزم أهالي الزوجين بأعراف قبلية لمصلحة الأسرة ولما فيه مصلحة الزوجين بدون فروقات وأن عامل الضغوط القبلية تلزم الزوجين وأهاليهم بالالتزام بالاتفاق خوفًا من العيب القبلي أو الملامة من الناس والمحكمين”.

      فاطمة الهمداني (محامية) تؤكد أن المرأة اليمنية بحكم العادات والتقاليد نادرًا ما تذهب في قضاياها إلى المحاكم الرسمية كون ذلك عيبًا بحقها وبحق أهلها ولذلك فإنها توكل أبوها أو أخوها أو زوجها أو ابنها أو أحد أقاربها للترافع عنها أمام التحكيم القبلي الذي غالبًا ما يكون في مصلحتها إذا كان الطرف الآخر في الخصومة هو الرجل.   وتوضِّح أن معظم القضايا التي تكون المرأة طرفًا فيها هي إما قضايا طلاق أو قضايا ميراث.

      وتقول: “إنه في الفترة الأخيرة بدأت المرأة بخاصة في المدن اليمنية تلجأ إلى المحاكم الرسمية التابعة للدولة نظرًا لعوامل عديدة منها انحسار دور القبيلة ومفاهيمها في المدن وتزايد عدد المحاميات الإناث اللاتي تلجأ إليهن النساء للترافع عنهن أمام القضاء الرسمي”.

مصطلحات الأعراف القبلية

العرف هو ما تعارف عليه الناس واستحسنوه وتراضوا عليه، والعرف إذا كان موافقًا للعقل والدين ومصالح الناس فأنه يتسم بالإجماع من أهل الاختصاص.

      الإخاء: يعبِّر عن انتماء شخص ما إلى قبيلة معينة له حقوق وعليه واجبات معينة، وهو ثابت بين أبناء القبيلة الواحدة، طارئ فيما يتعلق بمن أراد أن يلجأ إليهم من أبناء قبيلة أخرى نتيجة لخوف أو ظلم أو إيذاء أو انعدام من ينصره، وهو يشابه الأحلاف بين القبائل العربية فالإخاء بين الفرد والقبيلة والحلف بين قبيلتين مختلفتين، وهو لازم من لوازم القرابة بين القبائل التي تنحدر إلى جد واحد، لكن القبيلة لا تقبل مؤاخاة المخطئ بل تقبل إخاءه (له وعليه) فلا يمكن لأحد أن يطلب الإخاء هربًا من عقاب أو صاحب باطل.

     العيب: وهو القصد في تعمد الخطأ، ويعبَّر عنه أحيانًا بالغدر، وهو محظور ومجرم في كل الأعراف والديانات والقبيلة تربي أبناءها على عدم اقتراف العيب وغلظت في عقوبته، ويعدُّ كل ما نهى عنه الشارع عيبًا وكل منكرٍ عيبًا مع تفاوت في درجته.  فمثلا في قضايا القتل، فالعرف القبلي غلظ في ديات القتل ووصف ملابسات القتل بالعيب مثل إخفاء الجثة أو التمثيل بها أو قتل الأخ الوافد لمن آخى عنده الذي نصره واحتضنه، وهنا نرى العرف عادلًا ورادعًا لمثل هذه الممارسات التي أصبحت نادرة الحدوث لجسامة عقوبتها.

      الأماكن المهجرة: وهي الأماكن التي يحرم فيها القتال أو الاعتداء نتيجة لاكتظاظها بالناس ولكون الاعتداء فيها قد يقود إلى فتنة كبرى مثل الأسواق والطرق العامة والمساجد والساحات العامة، والمحلات التجارية.

    والعلق العرفية هي العلاقات والروابط الاجتماعية التي بموجبها أصبح الاعتداء من صاحبها يستحق العقوبة المقررة عرفيًا كونه لم يحترم هذه العلاقة.

الغرم هو مورد اقتصادي تسد به القبيلة نفقات القضايا العامة وتدافع عن مقدرات القبيلة كما أنه بمنزلة التأمين أو التكافل وهو يتناسب مع مصرف الغارمين في الزكاة.

الطروح هي الضمانات التي تجبر المتخاصمين على تنفيذ الأحكام القبيلة والطروح تكون إما جنابي (وهو السلاح الأبيض)

الرجاء تسجيل الدخول للتعليق.

‫شاهد أيضًا‬

66% من المواطنون يثقون بالتحكيم القبلي أكثر من القضاء الرسمي

أظهرت نتائج استطلاع الرأي العام التي نُفذت من قبل وحدة المعلومات والاستطلاع التابع لمركز (…