قضايا المرأة في القضاء: مسار طويل ومعاناة لتحقيق العدالة والميراث والعنف الأسرى والمشكلات الزوجية أبرز قضايا المرأة في المحاكم
صوت الأمل – علياء محمد
من المعروف أن المرأة في المجتمع اليمني تواجه جملة من التحديات في جميع مجالات الحياة، خصوصًا أنها تعيش في مجتمع ذكوري تحكمه العادات والتقاليد التي تقلل من قيمة المرأة وتزيد من معاناتها، هذه العادات التي تجعل الرجل أداة ووسيلة تستخدم في ممارسة العنف بمختلف أشكاله ضد المرأة.
قضايا تطفو على السطح
“تتعرض المرأة اليمنية للجور والظلم” بهذه العبارة اختصر عبد الإله الحكمي (دكتوراه في العلاقات الدولية والدبلوماسية والتعاون الدولي) ما تعانيه المرأة اليمنية في مختلف المحافظات اليمنية، التي مازال يمارس ضدها شتَّى أنواع الظلم والانتهاك.
مضيفًا:” تتعرض المرأة للاضطهاد والعنف في مختلف القضايا في المجتمع اليمني, ولعل أبرز القضايا التي تطفو على السطح بوضوح (قضية الميراث والعنف الأسرى والمشكلات الزوجية) وهذا ما لاحظنا انتشاره في الآونة الأخيرة”.
مشيرًا إلى أنه “في أغلب الأوقات تتعرض النساء للتشوية الجسدي من بعض الأزواج, وبعضهن يتعرضن للقتل وللاغتصاب, ويحدث هذا ـ على وجه الخصوص ــ في المجتمع الفقير والأشد فقرًا(المهمشات)، كما أن هناك قضايا ثانوية قد تكون قضايا عارضة ولكنها مهمة منها الإقصاء والتهميش في نيل حقها في التوظيف وتولِّى مناصب قيادية والتمثيل السياسي ومراكز اتخاذ القرار”.
وحول دور القضاء في معالجة وإنصاف المرأة يحكي الحكمي: “نحن نمرُّ بوضع استثنائي وظروف صعبة أسهمت إسهامًا كبيرًا في عرقلة سير العمل القضائي, مما أثر سلبًا في عدد من القضايا ومنها قضايا المرأة التي تستغرق وقتًا طويلًا لحسمها فيضيع بذلك حقها.
ابتزاز واستغلال
وقد أشارت منظمة العفو الدولية في تقريرٍ لها عام2019م بعنوان “اليمن: من أسوأ بلدان العالم للنساء” إلى أن اليمن يحتل المرتبة الأخيرة في المؤشر العالمي للفجوة بين الجنسين، الذي وضعه المنتدى الاقتصادي العالمي للسنة الـ 13 على التوالي، حيث تعاني النساء من عدم المساواة في النوع الاجتماعي المترسخ بشدة في مجتمع موغل في النزعة الذكورية وذي مواقف صارمة بين الجنسين.
بنبرة صوت مرتجف يملؤه الإحباط والخوف والألم بسبب ما تعانيه في المحاكم بحثًا عمن ينصفها من زوجها، تروي (ح . ع . أ ) قصتها قائلة: “سنوات طويلة وأنا في ممرات المحكمة ولم ينصفني أحد, حيث رفعت دعوة لطلب الطلاق من زوجي الذي بدوره رفض أن يطلقني, فلجأت إلى المحكمة لرفع قضية خلع ضده والتخلص من عذابه, ولكن إلى الآن لم أكسب الدعوة, كما تعرضت للابتزاز والاستغلال من بعض المحامين والوكلاء وغيرهم , من دون مراعاة لوضعي النفسي”.
وفي السياق نفسه تقول (ا. ع .أ ) البالغة من العمر 20 عامًا :” تزوجت قبل خمسة أشهر, وفي الشهر الأول من زواجي تعرضت للتعنيف والضرب، وعندما طلبت الطلاق قال لي عددٌ من المحامين أنه لا يحق لي رفع دعوة إلا بعد مرور سنة كاملة على زواجي, الأمر الذي زاد من حجم معاناتي”.
هنا تُعرب أمل رضوان (طالبة في كلية الحقوق) عن رأيها في القانون، فتقول:” إن القانون اليمني لا يحقق العدالة للمرأة, وفي أغلب الأحيان لا يحترمها أو ينصفها, بل إنها تلمس من بعض القضاة استهتارًا بالقضية التي ترفعها, وكأنه يرى المرأة عبارة عن أداة لا قيمة لها، وُجدت في الحياة لخدمة الذكور فقط وليس من حقها أن تعبِّر عن رأيها”.
ضعف تطبيق القوانين
تؤكِّد هدى عون (عضو اللجنة الوطنية للمرأة)”أن هناك ضعفًا في تطبيق القوانين الخاصة بالمرأة ماعدا قضايا (الطلاق والخلع والزواج)، يُفصَل فيها في المحاكم, أما بالنسبة إلى القوانين الخاصة بقضايا العنف الذي تتعرض له النساء، فلا يوجد إطلاقًا قانون يحمي المرأة من العنف الأسري والمجتمعي”.
مضيفة: “ومع اجتهاد بعض المنظمات والنساء القياديات في صياغة هذا القانون وإثرائه في ورش عمل من مهتمين قانونيين على مستوى الداخل والخارج إلا أنه ظل حبيس الأدراج , ولم يخرج إلى النور ولم يجرِ إقراره في حكومات اليمن المتعاقبة”.
ثقافة العيب تسلب الحقوق
عن النظرة القاصرة وثقافة العيب تقول المحامية والناشطة الحقوقية “عتاب العمودي” : “مع أن للنساء في اليمن الحق في طلب العدالة واللجوء إلى المحاكم إلا أنهن يواجهن صعوبات كثيرة تقف عائقًا أمام وصولهن إلى العدالة, نتيجة النظرة السائدة في المجتمع والمتمثلة في أن المحاكم أماكن لا ينبغي أن تدخلها النساء وأنه من العيب أن تتحدث في ظل وجود الأب أو الزوج”.
وحول الجهات المعنية بحقوق المرأة وإنصافها، توضح العمودي: “أن هناك مراكز خاصة تقوم بمساعدة ومؤازرة المرأة قضائيًّا وبدون دفع أي مبالغ مادية, على سبيل المثال مركز (اتحاد نساء اليمن ــ اللجنة الوطنية للمرأة) التي أسهمت في خلق وعي لدى النساء بالمطالبة بحقوقهن وفقًا للقانون والدستور”.
ميراث المرأة.. بين القضاء والعرف القبلي
إن السلطة المتحكمة في القوانين والتشريعات في اليمن هي سلطة العادات والتقاليد, حيث إن أكثر من 90% من أعضاء مجلس النواب هم من مشايخ القبائل الذين أسهموا في سَنِّ القوانين غير المنصفة للمرأة والمنبثقة عن ثقافتهم, مع ادعائهم المساواة بين جميع المواطنين.
يرى عبدالإله الحكمي “أن مسألة الميراث من أكثر القضايا انتشارًا على مستوى المحاكم, بخاصة في بعض المجتمعات القبلية والريفية التي تعاني من ظلم قائم في هذه الجزئية ضدّ المرأة, حيث تُحرم من الميراث, وإن طالبت بذلك يَتبرَّأ منها أهلها أو تتلقى التهديدات التي تُجبر بسببها على التنازل عن حقها لضمان البقاء على قيد الحياة”.
وفي السياق نفسه تقول هدى عون (ناشطة): “لا يوجد أيُّ مصوغ قانوني في قضايا الميراث ينصف المرأة, حيث تُترك مثل هذه القضايا للعادات والتقاليد والأحكام القبلية التي تحرم أغلب النساء من ميراثهن, ويجري تجاهل ما ورد في الشريعة الإسلامية عند أغلب الأسر اليمنية”.
الأسباب
وكشف القاضي عادل الميري عن أبرز الأسباب التي أدَّت إلى زيادة عدد القضايا المرتبطة بالمرأة، قائلًا: “إن تردِّي الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والفقر والنزوح والتشرد وضعف الوازع الديني أثر تأثيرًا كبيرًا في علاقة الرجل بالمرأة, الأمر الذي زاد من حدة الخلافات الأسرية, التي وصلت إلى أروقة المحاكم للمطالبة بتحقيق العدالة”.
حلول ومعالجات
ترى الناشطة هدى عون “أن المرأة اليمنية في القضاء والمحاكم تحتاج إلى الحماية القانونية ودور إيواء للحصول على الخدمات الصحية والطبية والرعاية النفسية والاجتماعية، هذا بالنسبة إلى المعنفات والأشد عنفًا اللاتي أصبن باضطرابات نفسية، بالإضافة إلى توفير محاميات تترافعن عن قضاياهن”.
وأضافت: “بالنسبة إلى المتضررات النازحات الأكثر فقرًا والأشد احتياجًا فهن بأمسِّ الحاجة إلى مساحات آمنة وإقامة برامج التمكين الاقتصادي لتعزيز مهارتهن وبناء قدراتهن حتى يصبحن قادرات على اتخاذ القرار”.
كما ترى: “أنه من المهم أن تُوفَّر خطوط ساخنة في المحاكم لتقديم الإجابات التي تستفسر عنها النساء حول أهم القوانين الخاصة بهن؛ بالإضافة إلى تشكيل لجنة لمتابعة القضايا حتى بعد الصلح أو الفصل لمعرفة النتائج المترتبة عن ذلك”.
66% من المواطنون يثقون بالتحكيم القبلي أكثر من القضاء الرسمي
أظهرت نتائج استطلاع الرأي العام التي نُفذت من قبل وحدة المعلومات والاستطلاع التابع لمركز (…