الـخدمات الصحية: تجــارةٌ، أم واجـبٌ مهْنـــي وإنســاني؟
صوت الأمل – منى الأسعدي
“أرجوك، أخبري الدكتور: أنني لا أستطيع دفع هذا المبلغ (الكبير) لورقة المعاينة، وجهاز التلفزيون فقط ضروري يعمل لي تخفيضًا” بهذه العبارة تحدثت (انتصار صالح: 26 ستة وعشرين عامًا) مع سكرتارية إحدى العيادات النسائية الخاصة بصنعاء، لكن رجاءها سرعان ما قوبل بالرفض.. إذ ردت السكرتارية بحزم: العفو منك: الدكتور ما يعمل تخفيضًا لأي شخص!
بدا لي الموقف صادمًا وغريبًا في بداية الأمر، لكن بعد جلوسي – بين المريضات، والاستماع لسخطهن – شعرت أنه أمر روتيني، يحدث في أغلب المستشفيات والعيادات الخاصة.
تُعبّر انتصار عن استيائها الشديد من ارتفاع أسعار الخدمات الصحية فتقول “(10 عشرة آلاف ريال) مبلغ كبير جدًّا لمجرد (ورقة معاينة وجهاز تلفزيون) وأنا لا أستطيع دفعه” وهذا ما اضطرها لمغادرة العيادة حزينة، ومتعبة في آنٍ واحد.
تُعلق على الموقف إحدى المريضات في صالة الانتظار بقولها: كلما ازدادت شهرة الطبيب، ارتفعت أسعار الخدمات الصحية التي تقدمها عيادته، أو المستشفى الخاص الذي يعمل فيه… وتقول مريضة أخرى: المشكلة ليست في ارتفاع أسعار المعاينة فقط، بل إن الفحوصات، والأدوية، وأجهزة التلفزيون الدورية، وكذا تكاليف العمليات القيصرية، وعمليات إزالة الأكياس.. هي العبء الأكبر أمامنا؛ لهذا كان لابد على العاملين (في القطاع الصحي) أن يتخلوا عن بعض طموحاتهم، في جني الأموال من المرضى.
وتوافقها الرأي (ولاء منصور: 28 ثمانية وعشرين عامًا) بقولها: تكاليف الولادة، والرعاية التي تلقتها بعد الولادة – هي وطفلها لستة أيام في إحدى المستشفيات الخاصة بصنعاء – تجاوزت (500 ألف ريال) أي ما يعادل (850 دولارًا) موزعة ما بين: فحوصات، وعملية قيصرية وأدوية، ورقود.. مضيفة أن ذلك كبّدهم ديونًا كبيرة.
في استبيان أجرته (صوت الأمل) على عينة من المواطنين، وجد أن 79.8 % يرون أن متوسط دخل الفرد في اليمن، لا يتناسب مع أسعار الخدمات الصحية و15.7% يرون أنها تتناسب إلى حد ما، و4.5 بالمئة فقط يرون أنها تتناسب تماما.
تقول (أحلام محمد: 27 سبعة وعشرين عامًا) لا تتناسب أسعار الخدمات الصحية مع متوسط دخل الفرد: فالخدمات الصحية والأدوية في ارتفاع مستمر.. بينما دخل الفرد في انخفاض مستمر.. إضافة إلى عدم توفر بعض الخدمات الصحية في المستشفيات الحكومية.. ما يجعل الفرد أمام خيار وحيد هو: الذهاب إلى المستشفيات والمختبرات الخاصة.. التي لا تتناسب أسعار الخدمات فيها، إلا مع شريحة ضيقة من المواطنين. ويوفقها الرأي (محمد لطفي باخوار: 30 عامًا) فيقول: حجز المعاينة، وإجراء الفحوصات.. إضافة إلى شراء الأدوية – التي ارتفعت أسعارها بشكل جنوني – وكذا تدهور سعر الريال اليمني مقابل الدولار.. جميعها أسباب لعبت دورًا في خلق فجوة كبيرة، بين متوسط دخل الفرد، وأسعار الخدمات الصحية.
وبحسب تقرير نشرته (وزارة التخطيط والتعاون الدولي: قطاع الدراسات والتوقعات الاقتصادية: ديسمبر 2017) ذُكرت تقديرات للجهاز المركزي للإحصاء بارتفاع نسبة الفقر – بصورة ملحوظة في اليمن عام 2017 – إلى 78.8% مقارنة ب 49% عام 2014.
وانكمش متوسط دخل الفرد من حوالي (1247 ألف ومئتين وسبعة وأربعين دولارًا) عام 2014 إلى (485 أربعمئة وخمسة وثمانين دولارًا) عام 2017، بمعدل تغير تراكمي بلغ 61.1% وهذا يعني انزلاق مزيد من السكان تحت خط الفقر الوطني، المقدر ب (600 دولار) سنويا للفرد الواحد.
وحول هذا تعلق (أمة الرحمن بابريك: مديرة أحد مراكز الصحة الإنجابية بصنعاء) فتقول: ثمة فساد كبير في أوساط العاملين في المجال الصحي، ولا تقتصر المشكلة على أسعار ورقة المعاينة.
مشيرة إلى أن سياسة (النسبة التسويقية) في صرف الأدوية، تُشكل واحدًا من أخطر أشكال الفساد: إذ يتم صرف الدواء للمرضى – ليس على حسب الحاجة والقدرة الشرائية – بل على أساس النسبة التسويقية.
وتُواصل بابريك : وهذا تصرف غير إنساني، وغير مهني.. يُكبد المرضى أعباءً إضافية،
وتؤكد بابريك ان الحل هو: أن تصدر القوانين التي تُلغي سياسة النسب التسويقية للأدوية، ومعاقبة المخالفين لهذه القوانين.. وأن يقتصر دور مندوبي الأدوية على التعريف بالأدوية، المتوفرة في الشركات التي يعملون بها.
أما (أ. ب : اختصاصية نساء وولادة) فتصف الأعمال غير المهنية هذه بالأعمال (الإجرامية) إذ تقول: من خلال عملي (طبيبة نساء وولادة) ألاحظ أن بعض الأطباء، قد يصل بهم الطمع، إلى إجراء عملية (قيصرية) للمرأة الحامل؛ من أجل جني الأرباح من تكاليف العملية، في حين أن الحامل، كانت ستضع مولودها بولادة (طبيعية) دون الحاجة للعملية.
العيادات الخاصة: مرضى بالجملة ومن يدفع الضعف يدخل أولًا!
في نزول ميداني (لصوت الأمل) إلى عدد من العيادات الخاصة في صنعاء، وجد أن أعداد المرضى، يتجاوز مساحة المكان المخصص للانتظار؛ ما يتسبب في سخط واستياء المرضى، وزيادة وقت الانتظار، مع عدم مراعاة، للأشخاص القادمين من أماكن بعيدة..
في إحدى العيادات النسائية الخاصة، يبدو الجميع مستاء من انتظار موعد الدخول الذي قد يتعدى أربع ساعات: تقول إحدى المريضات (4000 أربعة آلاف ريال) مبلغ كبير لحجز معاينة، لا يتجاوز وقتها (3 ثلاث دقائق) مشيرة بيدها إلى عدد كبير من المريضات، اللاتي يفترشن الأرض؛ حيث لم يعُد يوجد كراسٍ تكفي للجميع!
في عيادة أخرى، يُعبر أحد المرضى القادمين من منطقة بعيدة خارج صنعاء عن سوء المعاملة، التي تعرض لها بقوله: لم أكن أدري بضرورة حجز موعد مسبق.. ولا أستطيع الحجز اليوم – والعودة بعد أسبوع – كما هو النظام في العيادة، مضيفًا: لقد أخبرت السكرتارية أنني قادم من بعيد، وثمة مشقة وتكلفة في العودة مرة أخرى.. لكنها لم تتجاوب معي، ما اضطرني لدفع ضعف مبلغ المعاينة؛ لحجز موعد اليوم!
لم يكن الوضع الصحي في اليمن مثاليًّا، لكنه ازداد سوءًا في السنوات الأخيرة، ورغم ذلك، تجد المواطن ينظر للحياة بعين الأمل، يوجهها بصعوبة، لكنه لا يفقد آماله الكبيرة في غدٍ أفضل… حتى على عتبات المستشفيات، تجد سخطه ممزوجًا بالإصرار.. ناهيك عن جيل جديد يتخلق، يعلق عليه الشعب آمالاً عريضة لتغيير الوضع المعتم للصحة في اليمن الى مستقبل أكثر اشراقا…إنهم طلاب كليات الطب، الذين واجهوا عقبات كبيرة؛ حتى يصلوا إلى هُناك.. إنهم قادمون وسيغيرون مفاهيم الصحة في اليمن.. فلا أحد منهم يريد أن يتكرر ما حصل له – أو لأحد من أبناء وطنه – على يديه داخل منشأة طبية وصحية ما!
الوضع الصحي في اليمن… إلى أين؟
صوت الأمل – علياء محمد رغم التطور في البنية التحتية للقطاع الصحي في اليمن، الا ان النظام ا…