الإنتاج المحلي للأدوية بين ثقة المواطن وضرورات المرحلة
صوت الأمل – رجاء مكرد
(عايش محمد: عامل نظافة) يذهب كل يوم إلى (المستشفى الجمهوري بصنعاء) يقف بين الصفوف منتظرًا دور والدته (سعيدة حسن) التي تعاني من كَسر في ذراعها الأيمن، وآخر في رجلها اليسرى.. ومن مرض في القلب أيضا.. قرر لها الطبيب مسامير طبية (تُستخدم لتجبيرالكسور) سعر المسمار (14,000 ريال يمني) باع عايش جواله؛ مكتفيًا بشراء مهدئات تُسكن ألم والدته.. يقول محمد: “لدي التزامات كثيرة: كدفع إيجار البيت والصرفة وراتبي لا يكفي لعلاج والدتي.”
(محمد حسن: 40 عامًا) أب لـ (12 اثني عشر طفلًا) يحتاج لإجراء عملية في الرئة، ويعاني من (مرض في القلب) يقول لـ (صوت الأمل) تكلفة شراء علاج القلب (28000 ثمانية عشرون ألف ريال يمني) وبسبب ارتفاع اسعار الأدوية المستمر، لا يستطيع شراء العلاج باستمرار.. كما إنه لم يتمكن من إجراء العملية..
في الوقت الذي يعاني فيه المواطن من الفقر، وارتفاع الأسعار، وتدهور الوضع الصحي – مع تفشي عدد من الأوبئة مؤخرًا، خصوصًا في المناطق الحارّة – ارتفعت أسعار الأدوية، وأصبح المواطن يجد صعوبة شديدة في توفير قيمة الادوية كما ان بعض أصناف الأدوية غير متوفرة في السوق.
(أم عبدالله: 40 عامًا) تقول: ارتفعت أسعار الأدوية بشكل جنوني (كبير) والمواطن وضعه المادي متدنٍّ، والذهاب إلى مستشفى حكومي يحتاج إلى وساطة (شخص معروف في المستشفى) لكي يتلقى الخدمة بشكل اسرع واكثر كفاءة.
وتضف: أدوية القلب والعظام غالية جدًّا؛ لذلك توفيرها يكون بكمية محدودة.. علاج مرض السكري موجود في (المستشفى الجمهوري) ولكن الحصول عليه يحتاج معاملة طويلة.
أرقام
يبلغ عدد مصانع الأدوية الفعالة في اليمن حوالي (10 عشرة مصانع) أما شركات الاستيراد فعددها (1400 شركة) وفقًا لـ (الهيئة العليا للأدوية والمستلزمات الطبية)
يبلغ عدد الأصناف الدوائية والمستلزمات الطبية المصنعة محلياً المسجلة بالهيئة حوالي 13) ألف صنف)
يقول تقرير اقتصادي صادر عن (الهيئة العليا للأدوية والمستلزمات الطبية في صنعاء) في آخر 2019 – حصلت (صوت الأمل) على نسخة منه – انه لا توجد لديهم إحصائيات لمعدل استهلاك الأدوية للفرد الواحد في اليمن. “بالإمكان اعتماد احصائية مشابهة لـ (معدل استهلاك الأدوية للفرد في الدول النامية) وهو (94 أربعة وتسعون دولارا) وعليه فإن إجمالي استهلاك الأدوية في اليمن سيكون (2.35 مليارين وثلاثمئة خمسين مليون دولار) سنويًّا.
وفقًا للإحصائيات الرسمية حصلت عليها (صوت الأمل) من (الهيئة العليا للأدوية والمستلزمات الطبية)
في عام 2015م بلغ الإنتاج المحلي للأدوية 12.28%، بينما نسبة الاستيراد 87.72%.
في عام 2016م بلغ الإنتاج المحلي للأدوية 14.89%، بينما نسبة الاستيراد 85.11%.
في عام 2017م بلغ الإنتاج المحلي للأدوية 23.38%، بينما نسبة الاستيراد 76.62%.
في عام 2018م بلغ الإنتاج المحلي للأدوية 19.05%، بينما نسبة الاستيراد 80.95%.
في عام 2019م بلغ الإنتاج المحلي للأدوية 21.70%، بينما نسبة الاستيراد 78.30%.
العجز وارتفاع الأسعار
(كريمة محمد: 24 عامًا) تقول: البحث عن الدواء في الصيدليات يتطلب جُهدًا؛ إذ لا تتوفر بعض الأدوية في كل الصيدليات، كما إن السعر يختلف من صيدلية إلى أخرى؛ فأحيانا يكون سعر الدواء (المحلي) أغلى من الخارجي، وبعض الأدوية يتم احتكارها من قبل التجار الكبار؛ لتنزل للسوق بسعر مرتفع، وعبر موزعين وليس عبر الصيدليات.
في نزول ميداني لـ (صوت الأمل) لمصنع بيوفارم، أوضح (الدكتور فتحي الفُتيح صيدلي يعمل في بيوفارم) أن عدم توفر بعض أصناف الدواء، يعود لعرقلة وصول البضاعة؛ إذ أن الشركات عند شحن البضائع عن طريق DHL تحتاج إلى تراخيص أصول..
ويضيف: في السابق كانت المواد تصل في وقتها المحدد، أما في السنوات الأخيرة، فأصبحت المادة الخام لا تصل، إلا وقد زاد الاحتياج المحلي والطلب عليها.
ويشير الفُتيح إلى أن الدول التي يتم الاستيراد منها، هي: إستراليا والهند والصين: فمن الهند يتم استيراد مواد فعّالة تُضاف لبعض أصناف الأدوية، اما أدوية المغص والجهاز الهضمي فيتم استيرادها من استراليا.
عن حجم إنتاج مصنع بيوفارم سنويًّا، يقول الدكتور الفُتيح: أن ذلك يخضع للخطة المحددة، التي تُقدم للهيئة العامة للاستثمار… لا توجد احصائية ثابتة: أحيانًا لا تُطبق الخطة، وأحيانا تُطبق كاحتياج للسوق المحلي بنسبة % 55-60 علما بأن أبرز الصعوبات – التي تواجه المصنع – تكمن في أمرين: سير الإجراءات، وازدحام الشركات.
يتفق أغلب أصحاب الصيدليات، على أن توفر العلاج في صيدلية – وانعدامه في صيدلية أخرى – مرتبط بالوكيل أو بالشركة التي تتعامل معها الصيدلية، وأن ارتفاع الأسعار سببه ارتفاع سعر الدولار واختلاف أسعار الصرف بين كل من صنعاء وعدن.
يقول (طه السامعي) صيدلي، أنهُ في العادة لا يثق المواطن بالمنتج المحلي، كما أن أن اختلاف سعر الأدوية في السوق يعود لاختلاف صرف سعر الدولار، أيضًا اختلاف الصناعة يصنع فرقًا في سعر العلاج، فعلاج الهندي سعرهُ يختلف عن سعر العلاج المصري أو الألماني.
ثقة اليمنيون بالمنتج المحلي
في استطلاع إلكتروني أجرته (صوت الأمل) حول مدى ثقة المواطن اليمني بالمنتج الدوائي المحلي والخارجي بنسب متفاوتة (كثيرًا جدًّا، كثيرًا، نوعًا ما، معدوم الثقة) تبين التالي: بالنسبة بالثقة في المنتج الدوائي المحلي:
65.2% من المواطنين ثقتهم بالأدوية المحلية (نوعًا ما) 21.3% (معدوم الثقة) 12.4 (كثيرًا) 1.1% (كثيرًا جدًّا)
أما عن مدى ثقة المواطن اليمني في المنتج الخارجي للأدوية:
60.7% ثقتهم (كثيرًا) و 20.2% ثقتهم (نوعًا ما) و 16.9% ثقتهم (كثير جدًا) و 2.2% (معدوم الثقة).
الحلول
عدم توفر بعض أصناف الأدوية، ارتفاع أسعار العلاج، انخفاض الإنتاج المحلي للأدوية.. كانت أبرز المشاكل التي تواجه الأدوية من الناحية الاقتصادية؛ لذلك التقينا بمسئول رفيع في قسم رقابة المصانع والمعامل المحلية بالهيئة العليا للأدوية والمستلزمات الطبية- طلب عدم ذكر اسمه- ليطلعنا على: الأصناف غير المتوفرة، ونعرف منه الفرق بين الإنتاج المحلي والخارجي، والحلول التي تضعها الرقابة في الهيئة العليا..
يقول الدكتور المصدر: الإنتاج المحلي حاليًا في آواخر 2020م يشكل تقريبًا20% والباقي استيراد، يكون الاستيراد لغالبية الأدوية الحيوية وبالأخص للحُقن الوريدية والعضلية العقيمة ((steril والمستلزمات الطبية، أما الإنتاج المحلي فغالبيته للأدوية الفموية والمراهم والكريمات والتحاميل وحاليًا بدأت مصانع محلية بإنشاء خطوط إنتاج أدوية الـ ((steril مثل الامبولات والفيالات.
اما الأدوية التي تصل من المنظمات الدولية والإغاثية فيتم توزيعها عن طريق المنظمات نفسها بإشراف وزارة الصحة، الهيئة عملها _فقط_ مرافقة جودة الدواء، وهذه الأدوية هي: أدوية السرطان، الفشل الكُلوي، السكري، كورونا.
ويوضح المسئول في الهيئة: أن الأدوية التي تُعد شحيحة التواجد في اليمن، هي التي مصدرها (أوروبي أو أمريكي) ويصعب استيرادها من قبل الوكلاء الأصليين؛ بسبب الصراع وإغلاق مطار صنعاء الدَّولي، والمنافذ.
ولمعالجة هذه المشكلة فقد سمحت الهيئة للشركات بتوفير بدائل مصدرها دول آسيوية نتيجة لعدم توفر الأدوية الأصلية، وعدم استقرار سعر صرف الدولار، فسعر الصرف يختلف بين صنعاء وعدن، ولذا يتم الاستيراد من دول أسيوية، لأنها أرخص، ونظرا للطلب عليها في السوق.
أصناف ملغاة من الاستيراد
ومن الحلول التي وضعتها الهيئة العامة للأدوية، الهيئة بدأت بتنفيذ خطة الإكتفاء الذاتي بالمنتج المحلي، وذلك بتقليص استيراد (14 أربعة عشر صنفًا) من الأدوية المستوردة ويحل محلها المنتج المحلي، وفقاً للدكتور العبسي.
لماذا المنتج المحلي أغلى من المستورد؟
يعلق المصدر: اليمن ليس لها مصانع لصناعة المواد الخام، كلها مستوردة؛ لذا تجد المضاد الحيوي المحلي أغلى من الهندي او المصري والسبب أن المصانع الهندية والمصرية لديها مواد (خام) تصنّع حتى علب الزجاج الخاصة بالدواء، القرطاسية (البواكت) وهكذا يكون المنتج النهائي (الخارجي المستورد) أرخص من المنتج المحلي اليمني.. أما المصانع المحلية، فتفتقر للمواد الخام، ولا تُصنّع القرطاسية، وتستوردها بتكاليف باهظة، وهذا لا يعمم على جميع الأصناف (البعض فقط)
وعن الدور الرقابي الذي تقوم به الهيئة العامة للأدوية، يقول المسئول في قسم الرقابة في هيئة الادوية: ان الدور الرقابي للهيئة يكون بـ : نزول ميداني – مراقبة التصنيع الجديد للمصانع- عمل دورات في GMP (التصنيع الجيد) – مراقبة الأسعار ورصد ارتفاعها – مراقبة جودة الدواء.
وفي حال وجود مخالفات – يواصل المصدر – يمنع نزول المنتج إلى السوق إلا بعد أخذ عينات منه، يتم فحصها: فإذا طابقت النتائج المواصفات والمقاييس، تنزل للسوق، وإذا لم تطابق المواصفات، يمنع تنزيلها، فيقوموا بإتلافها.
مؤكدًا ان المصانع المحلية ملتزمة، ولا ينزل أي منتج للسوق، إلا بعد موافقة الهيئة، التي بدورها تُشجع الصناعة المحلية، ولا نتخذ _رقابة الهيئة_ إجراءات صارمة (تشجيعًا للصناعة المحلية) كإغلاق مصنع، فقط توقيف وسحب الصنف من السوق، وإتخاذ الإجراءات القانونية.
أبرز الصعوبات التي تواجهها الهيئة العامة للأدوية؟
وفقًا لمصدر رفيع فإن أبرز الصعوبات التي تواجه الهيئة تتمثل في:
أولًا: عدم استقرار العملة؛ فلم تستطع الهيئة تسعير الأدوية (وضبط سعر الدواء) بسبب عدم استقرار العملة. ثانيًا: عدم القدرة على إلزام التجار بتوفير الأدوية الحيوية الضرورية جدًّا كأدوية السرطان والكُلى.. فالهيئة لا تستطيع إلزام التاجر أو الوكيل باستيرادها؛ بسبب أنه قد يكون هناك ممانعة للاستيراد. ثالثا: صعوبة بفارق الصرف بين صنعاء وعدن؛ فتضطر الهيئة لعمل موافقات لتجار ليستوردوا بعض أصناف الأدوية بأسعار أقل، وتقوم بتحريزها وبعد الفحص، يتم تنزيلها للسوق.. وأسعارها طبعا تتفاوت.
الوضع الصحي في اليمن… إلى أين؟
صوت الأمل – علياء محمد رغم التطور في البنية التحتية للقطاع الصحي في اليمن، الا ان النظام ا…