تداعيات نفسية تضاعف الضحايا.. كورونا فايروس ذو حدين
صوت الأمل – علياء محمد
تداعيات نفسية وصدمة جماعية.. تسبب بها فايروس كورونا في عام 2019.. وفي تلك الفترة، تعرض عدد كبير من الناس، لكم هائل من التحليلات والتكهنات.. حول حقيقة المرض وانتشاره.. وتفاوتت طرائق تعامل الناس مع الفايروس؛ فعدد كبير تعامل مع كورونا: بقلق، وخوف، ورهبة نفسية (أكثر منها مرضية) ما أسهم في تضاعف اعداد الضحايا.. وقسم آخر شكك بالأمر، ولم يأخذه على محمل الجد.. بل تعامل معه بإهمال ولا مبالاة.. تسببتا أيضا في انتشار المرض، بين الناس..
ويتجاوز هذا التفاوت في التعامل مع كورونا، الأفراد – إلى الدول والحكومات – فبين تهويل، أحبط الناس، ونشر بينهم الخوف والهلع.. وسبب – على مستوى العالم – خسائر اقتصادية كبيرة.. وبين تقليل وتهوين.. أنتجا إهمالا ولا مبالاة أسهمت ايضًا – من الاتجاه الآخر – في سرعة انتشار المرض، وتزايد ضحاياه..
ووفقا (لمنظمة الصحة العالمية) فإن (مليار شخص) تقريبا – على مستوى العالم – كانوا يعانون – قبل جائحة كورونا – من اضطرابات نفسية..
وفي مسح ميداني أجرته المنظمة، في الفترة: يونيو إلى أغســطس ٢٠٢٠ – لتقييم آثار جائحة كوفيد 19 – فإن 93 % – من خدمات الصحة النفسية والعصبية – أغلقت، ولم تعد تعمل؛ بسبب الإجراءات الوقائية من كورونا..
في اليمن – في عدن والمناطق الجنوبية – تعاملت السلطات الصحية، بنفس الطريقة السائدة في معظم دول العالم؛ عبر التوعية، والتنبيه لخطورة المرض، ونشر الأرقام في خطوة تهدف – حسب التصريحات الرسمية- إلى زيادة وعي الناس بالمرض، وطرائق انتشاره، والوقاية منه..
وفي صنعاء، تعاملت السلطات مع المرض (بشكل مغاير) اعتمد على عدم نشر الخوف ولا الهلع من المرض.. في محاولة تهدف لتقليل وتحجيم الرهبة النفسية للمرض بين الناس.. ما يؤدي – حسب التصريحات الرسمية – الى تقليل انتشاره، والحد منه..
وبين هاتين الطريقتين المتغايرتين، عاش المواطن اليمني جميع تفاصيل المرض، وعانى المجتمع – في جميع فئاته وشرائحه الاجتماعية – من المرض، في ظل معاناة القطاع الصحي اليمني (بشكل عام) من شحة في الإمكانيات، والتجهيزات اللازمة لمواجهة الوباء؛ بسبب الوضع العام، الذي تعيشه اليمن منذ سنوات..
الخوف والعزلة
(الدكتور: عبد الله القاضي: تخصص علم النفس) يوضح طبيعة ما يمر به الناس؛ نتيجة الإجراءات الوقائية.. يقول: زيادة ساعات البقاء في المنزل، وغياب الاتصال المباشر مع أفراد العائلة، والاصدقاء، والزملاء.. والروتين اليومي الممل – الذي عاشه كثير من الناس، خلال فترة انتشار فايروس كورونا – كل هذه خلقت واقعًا جديدًا.. وفرض تغيرات في نمط الحياة، وإدارة مشاعر الخوف من الاصابة بعدوى الفايروس.. وعزز الشعور بالقلق، إزاء الأقارب المعرضين للخطر بشكل خاص.. ما أثر على حالتهم النفسية، والصحية..
ويواصل: الخوف – في حالات عدم اليقين – رد فعل طبيعي.. محذرا من أن التعبير عن الخوف، قد يتخذ أشكالا مسيئة للغير – وللنفس في بعض الأحيان – ويجب أن يواجه الإنسان مخاوفه، ولا يمارس التمييز ضد الأشخاص، الذين يعتقد أنهم مصابون بالفايروس، ويجب أن يكون ثمة عي، بأن كوورنا قد أصاب عددًا كبيرًا من الناس.. ولم يقتصر على فئة معينة.. وينبغي علينا التكيف مع هذه المتغيرات، والتأقلم مع الواقع الذي فرضته الجائحة..
ويؤكد القاضي، أن من يعاني من ضغوطات نفسية سابقة، هم أكثر الناس تأثرا بالفايروس؛ بسب الضغوط النفسية الجديدة.. إذ تزيد مشاعر الخوف والقلق.. وتنعكس هذه التأثيرات على صحة المريض النفسي..
(ابتسام حسن) تقول: كمن قبل الجائحة، كنت أعاني من نوع من (الهوس) بالتنظيف، والتعقيم.. وخلال فترة انتشار الفايروس، زاد خوفي، وبالغت في تعاملي مع الموقف، وشكل لي ضغطًا كبيرًا – لم أستطع التعامل معه – وبلغ الأمر معي، أن كثيرين كانوا ينزعجون من تصرفاتي..
تأثير الشائعات
( عمران هلال: الناطق الرسمي لمكتب صحة محافظة إب) يقول: الكم الهائل من الأخبار الكاذبة، والصور الزائفة – التي انتشرت خلال الموجة الأولى من فايروس كورونا – ضاعفت حجم الرعب المجتمعي.. بينما يفترض أن الناس، بحاجة إلى ما يرفع من معنوياتهم..
فيما (سنا أحمد: ربة منزل) ترى أن وسائل التواصل الاجتماعي، شكلت مصدر قلق للعامة؛ حيث كانت بؤرة لترويج عدد من الشائعات، التي بدورها زادت من المعاناة، وأثرت على المصابين بشكل كبير..
وتواصل: المصاب بفايروس كورونا، يكون – حتى يتغلب على المرض – بحاجة الى أي شيء يرفع من معنوياته.. ولكن للأسف، يجد المصاب نفسه محاصرًا بين أخبار زائفة، وأرقام مهولة من الوفيات، ومعلومات خاطئة عن الفايروس..
وتوافقها الرأي (جمعة محمد) التي تأثرت بوسائل الإعلام تقول: التزمت بالحجر المنزلي، وكنت أقضي أمام التلفزيون ساعات طويلة.. ولكني لم أجد أي محتوى يدعمني نفسيا: فكل قناة أفتحها، تتحدث عن نتشار الفايروس، وعن الوفيات، وعن الأوضاع الاقتصادية.. فشعرت بأن الحياة توقفت، ولم تعد لنا فرصة للعيش، وأصيبت بالإحباط..
كورونا حالة نفسية، أكثر منها مرضية
فؤاد محمد يقول: لم تؤثر جائحة كورونا عليَّ أنا وأسرتي جسديًّا، ولم نصب بالفايروس.. ولكن ما تعرضنا له، كان أشد ضررا من ذلك.. فقد خسرت – بسبب الحظر – عملي..والمشكلة أني أعمل بالأجر اليومي، وطرأت تغيرات كثيرة.. لم استطع التأقلم والتكيف معها..
ويواصل: لم أكترث بعدد الوفيات والإصابات.. بقدر ما تأثرت نفسيتي؛ بسبب بقائي من دون عمل.. وتمنيت وقتها لو أصاب بالفايروس؛ لكي لا أشعر بالعجز عن توفير متطلبات المعيشة لي ولأسرتي..
وحول العامل الاجتماعي وتأثيره النفسي (ذكرى محمد: أخصائية اجتماعية) تقول: الحالة النفسية تؤثر بقوة على نفسية الأشخاص الموجودين في الحجر الصحي.. وهي تعتبر عاملا مهمًّا جدًّا: فالتغيرات – التي طرأت في ظل جائحة كورونا – زادت من الضغوط المادية والأسرية.. وهذه بدورها خلفت آثارًا نفسية..
أرقام طوارئ ودعم نفسي!
(عمران هلال: الناطق الرسمي لمكتب الصحة: محافظة إب) خلال الموجة الأولى من جائحة كورونا، احتاج عدد كبير من الناس للدعم النفسي.. وكانت الفرق النفسية (في المشافي) تعمل عبر وحدات التثقيف الصحي.. وخصصنا رقم الطوارى١٩٥ لتقديم الشكاوى والاستشارات.. وحرصنا على أن يكون – من بين الطاقم الطبي – تسعة استشاريي أمراض نفسية..
ويواصل: تم اتخاذ عدد من الاحتياطات النفسية، في طريقة التعامل مع المصابين، وكيفية إخبارهم بالإصابة، ومعاقبة كل من يتعامل بحدة وقساوة مع المرضى؛ لكي لا نشعرهم بالمرض والعزل المجتمعي.. فكان لتلك القرارات أثرها الايجابي، وهذا أسهم في ارتفاع حالات التعافي من المرض، وتخفيف أعداد المتوفَّين..
بدورها (الدكتورة: زهى السعدي: مركز الأمل للعزل الصحي عدن) تقول: عدد كبير من المصابين بالفايروس، كانت نفسياتهم متأثرة؛ بسبب العزل والإصابة.. وكانوا بحاجة ماسة للدعم النفسي.. وتضيف: منظمة الصليب الأحمر، تكفلت بتوفير الدعم النفسي للمصابين بالفايروس في (مركز العزل) بمستشفى الجمهورية في عدن، واستفاد عدد كبير منهم من هذا الدعم..
نصائح لمواجهة كورونا
ينصح الأطباء النفسيون، بالقيام بعدة أنشطة، لتخفيف الضغط النفسي المتزايد.. وحول أهم النصائح – التي يجب أن نقوم بها لمواجهة كورونا، وتحسين الصحة النفسية – يقول الدكتور عبد الله القاضي: يجب أن نطَّلع على آخر المستجدات، وتوصيات السلطات الوطنية والمحلية في البلاد.. لكنه يؤكد على أهمية الابتعاد – قدر الإمكان – عن وسائل الإعلام، التي تتعمد الإثارة.. وبدلا من ذلك يتم الاعتماد على مصادر (موثوقة) للاطلاع على آخر المستجدات، والنصائح بشأن الفايروس..
مؤكدا: أنه يجب علينا الحفاظ على توازن الجسم السليم؛ من خلال تنظيم أوقاتنا، والحرص على أخذ فترات من الراحة.. بعيدًا عن الأجهزة الإلكترونية والشاشات.. بالإضافة إلى محاولة اكتساب عادات يومية جديدة؛ لكسر الروتين الممل.. ويجب الابتعاد عن تعاطي أي منبهات، أو أدوية.. كوسيلة للتصدي للخوف، والقلق، والعزلة الاجتماعية.. وفي ختام كلامه، شدد على أن كل شخص – يمتلك وسيلة من وسائل التواصل الاجتماعي – يجب أن يستخدمها للترويج لقصص (إيجابية ومليئة بالأمل).
توقف لحظة.. وفكر!
صوت الأمل – رجاء مكرد الحالات المؤكدة، حالات الشفاء، الوفيات.. هذا ما احتل الأهمية …