گيف ينظر المجتمع للمهمشين في العمل؟ التمييز في المعاملة ساهم في خلق فجوة بين فئات المجتمع والنظرة العنصرية للمرأة المهمشة أثناء عملها تقلل من كفاءتها
صوت الأمل – منال أمين
تقوم أم سالم (48 عاماً) – من فئة المهمشين- منذ الفجر بتجهيز وطبخ السمسم (الجلجل) بواسطة موقدها البسيط، في بيتها المصنوع من الصفيح وبعض الخشب و(الطربال)، وتعبئته في أكياس بلاستيكية صغيرة، فوق صحن كبير لتتفرغ بعدها لواجبها المنزلي تجاه أسرتها إلى وقت العصر، ثم تتجه من مديرية دار سعد بعدن، إلى أحد الأسواق، لتأخذ مكاناً مناسباً وتبيع السمسم.
تحقيق.. منال أمين
تتحمل أم سالم الكثير من المشقة والتعب ومضايقات الناس لها في أغلب الأوقات، من أجل أن توفر لقمة العيش لأولادها الذين يتوزعون في أعمال مختلفة في الشوارع، حيث أنها تعود إلى المنزل كل ليلة بحصيلة بسيطة، بالكاد تكفي لشراء بعض الخضار والمستلزمات البسيطة التي تحتاجها لإعداد بضاعتها.
انعدام الفرص الوظيفية
نتيجة لارتفاع معدل الفقر في المجتمع اليمني وانعدم الفرص الاقتصادية خاصة لأبناء فئة المهمشين في اليمن وخلق تمييز عنصري وطبقي في توزيع الوظائف المناسبة الخاصة منها والعامة .. ساهم في زيادة نسبة البطالة بين أوساط هذه الفئة.
تقول رئيسة «جمعية أمان للفئات الأقل حظا التنموية» سميرة سيود، لـ «صوت الأمل» إن الفقر الشديد الذي تعاني منه فئة المهمشين، والتمييز المجتمعي الذي يمارس في حقهم، جعل الكثير منهم لا يهتم بإكمال مشواره العلمي، الأمر الذي ساهم في عدم وجود فرص وظيفية متنوعة لهم، وحصرهم في العمل لدي صندوق النظافة، وبعض الأشغال الصغيرة والمتدنية الأجر بالمؤسسات الحكومية والخاصة، كمنظفين ومراسلين فقط».
-وتوضح سيود أن التمييز في المعاملة، ساهم وبشكل كبير في خلق فجوة كبيرة بين فئات المجتمع، رغم أنهم مواطنين، يتمتعون- بحسب القانون- بحقوق وواجبات متساوية، وللتخلص من هذه النظرة العنصرية والطبقية، يجب الاهتمام بتعليمهم ودمجهم في كل مناحي الحياة، والاستفادة من قدراتهم وإمكانياتهم في خدمة المجتمع».
مجهود مضاعف وأجر أقل
النساء المهمشات، يتكبدن الكثير من التعب والجهد والمعاناة في العمل مقارنة بالرجال، لأنهن يتعرضن للكثير من السلوكيات غير المقبولة في أماكن عملهن كمراسلات أو عاملات نظافة، أو حتى بالخدمة في المنازل (الشغالات)، بالإضافة إلى تعرضهن للعنف اللفظي والنفسي وأحيانا الجسدي.
تقول فطوم سالم (34 عاماً) التي تعمل في إحدى المستشفيات الخاصة كعاملة نظافة، إنها تتكبد عناء الوصول إلى مقر عملها في الصباح الباكر، حيث أنها تسكن في منطقة اللحوم بدار سعد ومقر عملها في المنصورة، كما أنها تعمل في فترتين بمجهود مضاعف، ورغم ذلك يتم دفع أجر اقل لها، بحجة أنها لا تملك مؤهلاً دراسياً، الأمر الذي جعلها تتقبل الأمر دون أن تعترض رغم ظروفها الصعبة.
من جانب آخر، يقول المواطن أحمد عبد الرحمن لـ «صوت الأمل» إن المهمشين في بلادنا يتعرضون في أغلب الأحيان لمعاملة قاسية من المجتمع لا يستحقونها، رغم المشاكل التي يتسببون بها في أغلب الأوقات، وذلك بسبب الجهل والأمية والفقر والبطالة المنتشر بين هذه الفئة».
وأضاف: «لقد أصبح المجتمع يتعامل مع هذه الفئة بحذر شديد، حتى على مستوى العمل، فهناك نماذج جيدة تستحق الثناء والتقدير، ولكن هناك نماذج سيئة تمثل نفسها، كما أن لا أحد ينكر أنهم يعانون في العمل الكثير من الصعوبات، خاصة تلك الأعمال التي تتطلب مجهوداً عضلياً وقاسياً، ولا يستطيع أحد أن يتحملها يومياً إلا من يسعى إلى طلب الزرق الحلال، والتي يكون مردودها المادي بسيطاً جداً، بحيث لا تضمن له حياة كريمة بالشكل المطلوب».
غياب الوضع الأمني
مديرة إدارة المرأة والطفل في مكتب وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل بعدن، أوان عمر، تقول لـ «صوت الأمل»: إن النساء المهمشات يتعرضن في أغلب الأوقات أثناء العمل لمضايقات لفظية غير أخلاقية من قبل أرباب العمل، خاصة العاملات في المنازل (الشغالات) مما يضطرهن أحياناً إلى تحمّل كل هذه المعاملات القاسية من أجل توفير قوت يومهن».
ونوهت عمر بأن النساء المهمشات يعتبرن أكثر فئة في المجتمع تخرج للبحث عن العمل، مقارنة ببقية فئات المجتمع، وتستطيع أن تتحمل مشقة الطريق وحرارة الشمس، وهي تبحث عن بضع مئات من الريالات لتشتري بها وجبة بسيطة، لكي تسد جوع عائلتها، وعندها القدرة في مشاركة الرجل في الأعمال الصعبة داخل وخارج البيت».
وحول ما يتعرض له المهمشون من عنف أثناء العمل توضح أن غياب وتدهور الوضع الأمني والاقتصادي في البلاد كان سبباً في ظهور التمييز الحاصل في المجتمع تجاه هذه الفئة التي تعتبر من أفراد المجتمع، ولهم حقوق كفلها القانون اليمني والمواثيق الدولية، أسوة ببقية أفراد المجتمع».
وأكدت على ضرورة بذل الكثير من الجهود المشتركة مع الجهات المحلية والمنظمات الدولية المعنية، للحد من انتشار ثقافة التمييز العنصري ضد فئة المهمشين أثناء العمل، وإعطائهم فرصاً أفضل لإبراز قدراتهم وإمكانياتهم في خدمة الوطن».
لم يتقبلني أحد
عند سؤالنا لأحد المهمشين العاملين في الصرف الصحي (رفض ذكر اسمه) حول أن كان قد تقدم لوظيفة أخرى غير تنظيف المجاري، قال وبصوت غاضب ممزوج بالحزن: «قدمت للكثير من الوظائف في مستشفى ومدرسة وشركة وبقالة وعند مقوتي (بائع القات)، وأماكن كثيرة، منذ أكثر من عشر سنوات، ولكن لم يتقبلني أحد».
هذا العامل أكمل دراسته الثانوية «بالعافية» – حسب تعبيره- ويعاني من احتقار الناس لحلمه بأن يعمل في مكان مرموق وبراتب شهري يستطيع من خلاله أن يضمن حياته ومستقبلة، لكنه حاليا يعمل في تنظيف المجاري بالأجر اليومي، ويتحمل الرائحة الكريهة كل يوم، وما عليه إلا أن يستسلم لهذا الواقع، ويلتزم الصمت- حسب قوله.
وتوضح رئيسة اتحاد نساء اليمن في عدن، فاطمة مريسي، لـ «صوت الأمل» أن تداعيات وآثار الصراع الذي نعيشه في مختلف المجالات بالبلد، ساهم في تضييق الخناق على الفئة المهمشة نساء ورجالاً من ناحية البحث عن عمل، وإن وُجد العمل، فيمارس عليهم في أغلب الأحيان الظلم في دفع أجورهم المستحقة، نتيجة أعمالهم الشاقة بطريقة أقل وغير متساوية مع غيرهم».
وأفادت مريسي بأن المرأة المهمشة في مجتمعنا تعاني كثيراً من التمييز غير العادل، رغم أنها تعتبر المعيل الوحيد لأسرتها، كما ينظر إليها بعنصرية تقلل من إنسانيتها في أغلب الأماكن أثناء تأدية عملها، والبعض يراها في قطاع النظافة فقط، ولا يحق لها أن تعمل في مجال آخر، وهذا خطأ كبير ورثناه منذ سنين مضت».
وعن دور الاتحاد في الحد من هذه النظرة السلبية، قالت مريسي: «قام الاتحاد بالتواصل مع الجهات ذات العلاقة بأن لا يتم تكليف نساء بالعمل في قطاع النظافة بالشوارع العامة، وأن يتم الاستفادة منهن في المنشآت والمكاتب، بعيداً عن أن ينظر لهن بالتحقير وقلة الإنسانية، حيث أن هناك عدد من النساء المهمشات استطعن أن يتخطين التحديات، لإثبات ذواتهن في التعليم، وصلن إلى مستوى عالٍ في بعض المجالات الحقوقية والاجتماعية في هذا المجتمع».
تشير التقارير الحقوقية إلى أنه لا يوجد أي نص قانوني في الدستور اليمني يتعلق بقضية المهمشين في البلاد، وما يتعرضون له من تمييز شديد في المعاملة، الأمر الذي خلق نوعاً من الفجوة بينهم وبين باقي أفراد المجتمع، كما أن هناك من يستغل حاجة النساء المهمشات للمال عبر التسول في الشوارع أو المتاجرة بهن بطريقة غير مشروعة في مختلف الأماكن، أو استغلال الرجال المهمشين في الأعمال الشاقة والمتعبة بمبلغ بسيط، دون وجود أي رادع أمني وقانوني يمنع ممارسة هذه الأفعال اللاأخلاقية واللاإنسانية بحقهم، الأمر الذي ساهم في رسم صورة أكثر مأساوية للمهمشين.
احصاءات اليونيسف حول العنصرية في اليمن
يبلغ متوسط النسبة المئوية الإجمالية للمهمشين في اليمن 7.89٪ من إجمالي السكان. …