قضية رأي عام: “براءة” طفلة سمراء ضحية العنصرية وغياب العدالة
واقعة وحشية: تتبرأ منها قيم وعادات وأعراف المجتمع اليمني.. ضحيتها طفلة تبلغ من العمر سبعة عشر ربيعا، تُصنف طبقيًّا ضمن (الأقلية السوداء) الملقبين عنصريًّا بـ (الأخدام) ومؤخرا تغير الاسم ليصبح (المهمشين).
في قرية نائية، تتبع إحدى المحافظات اليمنية.. تعرضت (براءة: اسم مستعار) في نهاية مارس2020، للتحرش (علنًا) من أحد شباب القرية، أثناء جلب المياه من البئر، التي كانت تقصدها لجلب الماء: شأنها شأن معظم فتيات ونساء قريتها.
لم تسكت (براءة) عما تعرضت له من تحرش ومضايقة من قبل ذلك الشاب، فذهبت لتشكوه إلى أبيه، الذي رد عليها قائلا: أنتِ حلوة، ولو كنتُ مكانه لاغتصبتك.. وبهذا الرد شجّع الأب ابنه، وأعطاه ضوءا أخضر (ضمنيا) لتنفيذ الجريمة الشنعاء بعدها، إذ حدث – في نفس الليلة – أن أقدم الشاب على اغتصاب (براءة) ولم يكن وحده، بل برفقة أربعة شبان آخرين شاركوه فعلته.
في اليوم الذي وصفته (براءة) بــ «المشؤوم والأسود في حياتها» كانت في طريقها لزيارة جدتها، في قرية مجاورة.. وعند وصولها إلى الوادي، كان الشبان الخمسة في انتظارها، واختطفوها إلى مزرعة أحدهم، ثم تناوبوا على اغتصابها.
صراخ الطفلة (براءة) لم تهز قلوب خاطفيها، الذين يستمتعون بنهش جسدها، إذ ظلت تصرخ مستنجدة حتى سمعها أحد المارة، فأسرع إلى موقع (الجريمة) وفور وصوله، لاذ جميع الشبان بالفرار، بعد أن كانوا قد أكملوا جريمتهم بحق الفتاة، التي أثبت التقرير الطبي لاحقًا: أنها كانت (بكرًا) إلى يوم الحادثة.
تقدم والد الطفلة، بشكوى إلى (الجهات المعنية) التي أصدرت أمرًا بالقبض على (المتهمين) بارتكاب الجريمة.. ولكن أحد المتنفذين بالقرية (تربطه علاقة قرابة بأحد المتهمين) ساعد أربعة منهم على الهروب إلى خارج المحافظة، وطلب من المتهم الخامس تسليم نفسه.. واعدًا إياه بإطلاق سراحه خلال يومين.
والد (براءة) – في تصريح خاص لـ (صوت الأمل) يقول: لا أريد شيئا سوى (حق بنتي المغتصبة) ويؤكد: «نا لم أتنازل عن القضية كما زعموا: ما زلت وسأظل أطالب بحق ابنتي.. رغم ما أتعرض له من ضغوطات وتهديد – من قبل الجناة – الذين يمرون كل يوم بجانبي.. ويضيف والد (براءة) بنتي ضحية، سُلبت منها: كرامتها وعرضها وشرفها.. والجناة طلقاء يتنفسون هواء الحرية.
أما والدة (براءة) فقد ناشدت – عبر اتصال مع (صوت الأمل) – الجميع الوقوف مع قضية ابنتها.. وقالت: نحن عائلة فقيرة مستضعفة، نواجه متنفذين، يدفعون مبالغ طائلة ليضيع حق ابنتي، ولم نجد من ينصفنا في تعز.. وأضافت: نقلنا ملف القضية إلى النائب العام، لكننا لم نستطع السفر لمتابعة القضية؛ بسبب ظروفنا المادية الصعبة.
(سالم: ابن عم (براءة) (تحتفظ الصحيفة باسمه الحقيقي) يقول: تعرضتُ للتهديد، وإطلاق الرصاص من قبل الجناة؛ للضغط علينا، حتى نتنازل عن القضية، مستغلين وضعنا الاجتماعي، وتصنيفنا الطبقي كـ (أخدام) وتقدمت بشكوى إلى إدارة الأمن في المحافظة، لكنهم لم ينصفونا.. ويضيف: الجناة كذّبوا (براءة) ولم يكتفوا بهذا، بل استصدروا أمرًا بالقبض عليها؛ بتهمة التشهير بهم.. وتم احتجازها في النيابة، إلى أن تواصلنا مع أشخاص، وتم الإفراج عنها.
ويواصل سالم: لقد حاول الجناة التشكيك في صحة (التقرير الطبي) مع أنه صادر من (المستشفى الريفي الحكومي) وبنتنا (براءة) طفلة منكوبة، وضحية ليس لها من ذنب سوى أن بشرتها سمراء.. ولم يقف بجانبها أحد: لا منظمات، ولا جهات مختصة.. ويختتم سالم حديثه لــ (صوت الأمل) بقوله: «انتصروا للطفلة (براءة) وخذوا لها ولنا حقها”.
في السياق (نعمان الحذيفي: رئيس الاتحاد الوطني للفئات الأشد فقرا: المهمشين في اليمن) يقول: مرت ثمانية أشهر، وملف قضية اغتصاب الطفلة السمراء (براءة) مرمي في درج مكتب النائب العام بعدن، وتم سحب ملف القضية من النيابة المختصة؛ بهدف تعطيل سير إجراءات التحقيق.. وتنفيذًا لرغبات من يقف خلف المتهمين.. ويضيف: نحمِّل النائب العام المسؤولية عن ضياع الحق القانوني للضحية، وكل ما تتعرض له أسرتها من اعتداء وترهيب، في تحدٍّ لكل القيم والتشريعات القانونية والمواثيق الدولية.. ذات الصلة بحقوق الانسان، والقانون الدولي الإنساني.
من جهتها (محامية الطفلة (براءة) (تحتفظ الصحيفة باسمها)) تقول: الإجراءات القانونية مازالت مجمدة، إلى حين اطلاع النائب العام على (ملف القضية). وتؤكد لــ (صوت الأمل) أن (براءة) ما زالت تحت (التأهيل النفسي) في (دار الإيواء: بالاتحاد العام لنساء اليمن).
بدورها (المحامية: سميرة نبيش: رئيسة لجنة الحقوق والحريات بالاتحاد الوطني للفئات الأشد فقرا) تقول: قضية (براءة) قضية جسيمة، وتعتبر قضية (رأي عام) ثابتة بالتقارير الصادرة من جهات حكومية، وكذلك بشهادة شهود الإثبات.. وتضيف: تقدمنا – على إثر كل ما تقدم – إلى النائب العام، بمذكرة طعن؛ للمطالبة بإعادة التحقيق في القضية: بإشراف قضائي محلي ودولي، بعيدًا عن أي تحيز أو نفوذ أو تدخل لمصلحة الجناة.
وتشير إلى أن (براءة) تحتاج إلى الدعم، والمساعدة من المنظمات المدنية، والعمل على مناصرة قضيتها.. لكن – حتى الآن – لم تقم أي منظمة بدورها تجاه القضية والطفلة الضحية – من فئة المهمشين – التي تحتاج إلى الدعم والمناصرة.
وتعرضت المحامية (نبيش) – في رمضان الماضي – للاعتداء والتهجم ممن وصفتهم بالـ «متنفذين» في الأمن.. تقول: هددوني، واعتقلوني، وسببوا الذعر: لي ولأسرتي ولأهل الحي.. ولولا تدخل أهل الحي لكنت الآن مختطفة.
وتعد قضية (براءة) نموذجًا لعنصرية تمارس ضد فئة مجتمعية؛ بسبب اللون: الأمر الذي يستدعي تدخل الجهات (المهتمة) بدعم مثل هذه الحالات – التي يتم التكتم عليها – ولا تخرج إلى العلن؛ بسبب ثقافة العيب والعادات والتقاليد اليمنية.. ووفقًا لمختصين، فوراء كل حالة اغتصاب معلنة، ثمة عشرات من الحالات التي تبقى طي الكتمان.
▬ ( تم استخدام أسماء وهمية، وإخفاء تفاصيل المنطقة – التي شهدتها الحادثة – حرصا على سلامة الاشخاص المرتبطين بها، وتحتفظ الصحيفة بالأسماء الحقيقية وتفاصيل القضية).
احصاءات اليونيسف حول العنصرية في اليمن
يبلغ متوسط النسبة المئوية الإجمالية للمهمشين في اليمن 7.89٪ من إجمالي السكان. …