العنصرية والتهميش في اليمن: مواجهة المشكلة قبل فوات الأوان
صوت الأمل – عبد العزيز عوضه
قد يستغرب البعض – ويستنكر البعض الآخر – تناول الصحيفة موضوعات: العنصرية والتهميش والتمييز في اليمن.
البعض قد ينكر وجود المشكلة من أساسها، والبعض الآخر قد يقلل من شأنها، ومن حجم انتشارها.. وبصرف النظر عن التوصيفات (المتباينة) للكلمات ما بين: عنصرية، وتهميش، وتمييز.. فجميعها – في النهاية – تصب في نفس المجرى، وتؤدي إلى نفس النتائج… طبقات اجتماعية مختلفة، حقوق مهدرة، وتعامل غير عادل.. أداور وفرص غير متكافئة، وكذلك أحلام تدفن، وتطلعات تنتهي قبل أن تظهر.. ومبادئ تغيب وتختفي، وناس حُكم عليهم بالبقاء قيد أُطر معينة، وحدود تلفها أسلاك شائكة.
التهميش، يؤدي إلى التمييز.. والتمييز، كما التهميش معناه: تفرقة على أساس: النسب أو اللون أو المهنة.. وهذه هي العنصرية بعينها.
كل هذه المسارات تؤدي – في النهاية – إلى مجتمع غير متماسك، وفرص غير عادلة.. وتنفي العدالة في الحقوق والواجبات.. وتنسف أسس ومبادئ دستورية.. تعاقدت عليها الأمة؛ من أجل العيش في أرضية واحدة، تسمى (الوطن)
المشكلة موجودة في اليمن، بل والأدهى من ذلك: أنها لم تقف عند مستويات: العنصرية والتهميش والتمييز.. بل إننا – في بلادنا – تجاوزنا هذه المراحل، إلى مرحلة أسوأ وأكثر انحدارًا، فما يزال عندنا مناطق فيها عبيد وجوارٍ.
نعم ثمة مناطق فيها عبيد وجوارٍ.. يتم توارثهم جيلا بعد جيل: لا حقوق لهم، ولا حريات، ولا تعليم، ولا صحة، ولا ملكية فردية، ولا حرية تنقل.. ولا حتى يجوز لهم الحصول على أوراق ثبوتية: كالبطائق الشخصية والجوازات.
ليس من العيب أن تكون عندنا مشاكل؛ فالظروف العامة – التي مرت بها البلاد، خلال الحقب التاريخية المختلفة، منذ قديم الزمان – فرضت عديدًا من المشاكل والإفرازات المتجذرة.. وفقًا لطبيعة المرحلة سياسيًّا واجتماعيًّا.. وهذا ليس حالة خاصة باليمن، بل موجود في كل البلدان، ولكن العيب، هو أن ننكر هذه المشاكل، ونغض الطرف عنها، ونتجاهلها – وكأنها لم تكن – وندعي أنها غير موجودة.
الإنكار – وغض البصر – يفاقمان من حدة المشاكل التي تحت الطاولة.. ويغذي عوامل نموها، بشكل قد ينفجر- بل حتمًا سينفجر- حينما تتهيأ الظروف المناسبة لذلك.
يجب تسليط الضوء على المشكلة، ومعالجتها، وإنهاء الظروف التي قد تُهيئ لها الانفجار مستقبلا.. لما فيه مصلحة الوطن، وأجياله المستقبلية.
من واجب الصحافة: أن تُبين وتوضح وتنشر الحقائق.. وعلى الناشطين، والدعاة الدينيين، والاجتماعيين.. أن يقوموا بدورهم في التوعية والإرشاد.. وتقوم منظمات المجتمع المدني؛ بتحليل الدراسات، واقتراح الحلول والمشاريع، وتنفيذها.. وعلى رأس الجميع، يأتي دور الجهات الرسمية في سنِّ القوانين، ومتابعة تنفيذ السياسات على الأرض.
إذن المشكلة موجودة، ومعيشة.. على امتداد الرقعة الجغرافية اليمنية، ويبقى الاعتراف كمدخل لإيجاد الحلول وإنهاء المعاناة.
ليس طبيعيًّا أن يعيش ملايين من أبناء اليمن، حياة العزلة والإقصاء.. التي تفرضها قيود الطبقية والتمييز.. وتجبرهم على العيش على هامش الحياة.
يتجلى اليوم التمييز – ضد الفئات المهمشة في اليمن – بطرائق متعددة: إذ تتداخل عوامل من: العنصرية العرقية، والنظام الطبقي؛ لتشكل لوحة من العنصرية، تلقي بظلالها القاتمة على مستقبل الوطن.
نظرًا لكل ما سبق، رأت الصحيفة فتح مِلفات (العنصرية والتهميش والتمييز في اليمن) وعند اتخاذ القرار، كان ثمة تخوف كبير يتعلق بالقدرة على تناول الموضوع – بالشكل الذي يحقق قدرًا مقبولا من المهنية والحرفية – وكنَّا نتوقع كثيرًا من الصعوبات في إيجاد المصادر المستقلة، والوصول إلى الفئات المستهدفة، والخروج بالنتائج المقبولة.
وعندما بدأ الفريق الصحفي العمل الميداني، واجهنا بالفعل ما كنا نتوقع، بل وأكثر مما توقعنا… كثيرون ينكرون وجود المشكلة من أساسها، والأغلب – إذا اعترف بوجودها – فإنه يستنكر أن تصل إلى ما تعنيه كلمتا (عنصرية وتهميش)
وبين إنكار، وتخوف، وعدم رغبة في الكلام، وإخفاء أسماء الشخوص.. انتزعنا ما استطعنا الوصول إليه، من تقارير. تسلط الضوء على هذه المشكلة في اليمن، ووزعناها بين دفتي هذا العدد.
احصاءات اليونيسف حول العنصرية في اليمن
يبلغ متوسط النسبة المئوية الإجمالية للمهمشين في اليمن 7.89٪ من إجمالي السكان. …