تعليم الفتاة أهمّ مفاتيح التنمية! معوقات ثقافية واجتماعية واقتصادية تساهم في تسرّب الفتيات من المدارس
صوت الأمل – حنين أحمد
يعد التسرب من التعليم إحدى أهم المشكلات التي تُعيق سير العملية التعليمية في اليمن، فبحسب تقرير اليونيسف عن التعليم في اليمن، والصادر في سبتمبر 2019م، فإنه “يوجد مليونا طفل خارج المدارس، بما في ذلك ما يقرب من نصف مليون تسربوا من الدراسة”، وبالنسبة لتسرب الفتيات من التعليم في اليمن، فإنه عادة ما يأتي نتيجة لجملة من المعوقات الثقافية والاجتماعية والاقتصادية.
طموحات كبيرة وواقع غير منصف
سمر سعيد- ابنة 19 ربيعاً، من مديرية يافع بمحافظة لحج، تقول: “توقفت عن التعليم في الصف الخامس، بسبب انفصال والديَّ والمشاكل التي كانت تحدث بعد الانفصال، حيث مكثت عند أبي واضطررت إلى أن أصبح الأم البديلة لإخوتي، وتحمَّلت المسؤولية مبكراً، الأمر الذي دفعني إلى ترك التعليم، فقام أبي بتزويجي في سن مبكرة، وأصبحت ربة منزل وأمَّاً لطفلين”.
وتحكي منيرة صالح، التي تبلغ من العمر 21 عاماً، السبب وراء تركها للتعليم، قائلة إنها انقطعتْ عن الدراسة في المرحلة الإعدادية منذ 8 سنوات، وكان سبب الانقطاع هو تعرض والديها لحادث سير أدى إلى وفاة والدها، كما تسبب الحادث بإعاقة دائمة لوالدتها منعتها من السير، مما اضطرها إلى ترك التعليم، وتحمل أعباء الأسرة، فعملتْ في تنظيف المنازل، لإعالة أسرتها.
وتضيف: “لقد كان أبي يدعم تعليمي، وكنت كأي فتاة لدي العديد من الطموحات المتعلقة، بمستقبلي، ولكن ظروف الحياة أجبرتني على نسيان تلك الأحلام والالتفات إلى الواقع.
وترى أمل جمال- 24 عاماً من صنعاء، أن توقف الفتيات عن التعليم، لأسباب مختلفة سيسهم في خلق جيل من الأمهات الأُميَّات، وسينعكس ذلك سلباً على أطفالهن بشكل أو بآخر، والمفارقة الحقيقة تكمن في النشأة نفسها ، حيث تُربَّى الفتاة لتصبح زوجة وأماً وربة منزل، في حين أن الولد ينشأ ويتعلم ليحقق ذاته ويبني مستقبله في الاتجاه الذي يختاره وفق إمكانياته.
تقول أمل: “أجبرتني أُسرتي على ترك الدراسة وأنا في الصف التاسع، ولم يسمحوا لي بتحقيق أحلامي في الالتحاق بكلية الطب، حيث تم تزوجي لاحقاً”.
الظروف المحيطة حافز لاستمرار التعليم
وعلى العكس مما سبق، قد تجد الفتاة التي زُوِجت مبكرًا الدعم من زوجها، كما حصل مع “روان كامل” التي استطاعت أن تتحدى كل الصعوبات التي مرَّت بها، بدءاً من زواجها بينما هي في الصف التاسع، وحملها الأول وهي في الثانوية العامة، بالإضافة إلى الاعتناء بالأطفال أثناء دراستها الجامعيَّة، تقول روان: “لقد تحديت كل الصعوبات التي مررت بها، وبدعم من زوجي تمكنّت من فتح عيادتي الخاصة للإسعافات الأولية، رغم معارضة أُسرتي للأمر”.
تعليم الفتاة من منظور أولياء الأمور
يرى جمال أحمد، أنه ليس من الضروري تعليم الفتيات، موضحا: “هذا هو ما اعتدنا عليه في عاداتنا وتقاليدنا الموروثة”، ويضيف: “يجب أن تنشأ الفتاة لتكون زوجة وأمَّاً، وطموحاتها يجب أن تتمحور حول كيفية الحفاظ على بيتها وتربية أولادها والقيام بكافة الأعمال المطلوبة”.
ويتابع جمال: “الزواج هو الستر، وكوني أباً لثلاث فتيات، فأنا أعلم بمصلحتهن”.
ويقول منصور غلاب: “توقفت ابنتي عن التعليم بسبب الظروف المعيشية، فأنا أقطن في منطقة بعيدة عن كل المرافق التعليمية، وليس لدي عمل ثابت، ومصروفي لا يكفيني لتوفير الاحتياجات الأساسية، ولهذا لا يمكنني توفير متطلبات التعليم لابنتي والتي تعمل حاليًّا لمساعدتي على إعالة الأسرة وتوفير مستلزماتها.
مسببات الانقطاع
تشير ابتسام صالح علي – المديرة السابقة لتعليم الفتاة في محافظة عدن، ومدير عام المشاركة المجتمعية في قطاع تعليم الفتاة في وزارة التربية والتعليم، إلى أن التحاق الفتيات بالتعليم أمر خاضع للعرف الاجتماعي المهيمن على وعي المجتمع، كما أنه يتأثر أيضاً بالبعد الجغرافي، حيث تختلف الأسباب التي تقف وراء تسرب الفتيات من المدارس في المدينة، عن تلك الأسباب التي تدفع الفتيات في الريف لترك مدارسهن، لكن في المجمل العام، فإن الأسباب العامة التي تؤدي إلى تسرب الفتيات من التعليم ترتبط بشكل مباشر بالزواج المبكر، وتدني وعي بعض أفراد المجتمع بأهمية تعليم الفتاة، لا سيما في المناطق التي تخضع بشكل أكبر للسلطة الأبوية، ففي المناطق الريفية مثلًا، يمنع الآباء بناتهم من الذهاب إلى المدارس، في حال عدم وجود معلمات، كما يؤدي افتقار المدارس، لا سيما البعيدة منها، لبيئة تعليمية مقبولة، من حيث وجود المرافق الصحية، بالإضافة إلى عدم وجود مواصلات، إلى تسرب الفتيات من التعليم، كما أن الوضع الاقتصادي المتدني لرب الأُسرة يدفعه إلى توفير الاحتياجات الأولية لأُسرته، وبالتالي يكون التعليم بالنسبة له ترفاً لا يستطيع توفيره لأولاده”.
إدارة تعليم الفتاة:
ترى مديرة إدارة تعليم الفتاة بمديرية المعلا ، بشرى عبد الله “إن الظروف ملائمة جداً لتعليم الفتاة، ولا توجد أي عراقيل – على حد رأيها- ولكن هناك بعض العوائق البسيطة التي قد تؤثر في تعليم الفتيات، وهي غالباً ما تكون عوائق سببها الأهل أنفسهم”.
وتشير إلى أن بعض مدراء المدارس يحاولون توفير البيئة الملائمة لتعليم الفتيات، ويخوضون معارك مع أولياء الأمور لحل المشكلات التي تؤدي إلى انقطاع الفتيات عن التعليم، كما يتم تنظيم نزول ميداني إلى أولياء أمور الفتيات اللواتي انقطعن عن التعليم، ومحاولة أقناعهم بالعدول عن قرارهم، وتوعية الفتيات أنفسهن بأهمية التعليم في بناء مستقبلهن.
وتضيف: “هناك مبادرات لرجوع الفتيات إلى المدارس، إما ترجع كانتساب أو تعود من جديد للدراسة والتعلم، وهذا يتم تحديده حسب مدة الانقطاع.. كل ذلك مع تنفيذ حملة توعية وتقديم الإرشادات، بالإضافة إلى عمل فعاليات للطالبات عن الزواج المبكر وأضراره”.
تسرب الفتيات من المدارس: جيل جاهل
ترى الاختصاصية الاجتماعية بثانوية 14 أكتوبر، أن تسرب الفتيات من التعليم تقف وراءه أسباب مختلفة، من بينها رسوب الفتيات، والذي يدفع الكثير من أولياء الأمور إلى سحب بناتهم من المدارس ، دون معالجة الأسباب التي تؤدي إلى رسوبهن، فيستسهل بعض أولياء الأمور اخراج بناتهم من المدارس، لقلة وعيهم بأهمية التعليم للفتاة، وهو ما يمكن عده أحد الأسباب التي تقف وراء تسرب الفتيات من التعليم”.
فيما ترى ذكرى سعيد اختصاصية اجتماعية في ذات المدرسة أن “نسبة التسرب من المدارس ليست بالشكل المقلق، وهي ضئيلة ولا تتجاوز الـ 25%، وقد قامت المدرسة بوضع حلول لتسرب الفتيات من التعليم، ومتابعة العائدات منهن بشكل متواصل”.
إن مشكلة تسرب العديد من الفتيات من العملية التعليمية تعد إحدى المشكلات الاجتماعية داخل المجتمع اليمني، ولابد من العمل على معالجتها، والحد منها، لما تمثله من خطورة وتهديد على كيان ونسيج المجتمع على المستوى الاجتماعي، والثقافي، والاقتصادي، ومن المهم أن تتشارك العديد من الجهات في وضع الحلول والمعالجات الممكنة للحد منها.
العنف المنزلي وآثاره الأُسرية والنفسية: إحصائيات وقصص وسط تساؤلات، فمتى يتوقف العنف ضد المرأة؟
صوت الأمل – رجـاء مـكـرد أضحت حالات العنف ضد المرأة في تزايُد مستمر، لا سيما بسبب الصراع ا…