مراحل القات في اليمن: منتشر في 20 دولة و80% من اليمنيون يتعاطونه منذ العام 1762
صوت الأمل – منال أمين
يكاد لا يخلو منزل في اليمن من وجود شخص أو شخصين ممن يخزنون بشكل يومي. ويمثل هؤلاء أكثر من 80% من سكان البلاد. هذا وتُعَدّ عادة مضغ القات من العادات اليومية التي ورثها الأحفاد عن الأجداد، وهي حاضرة في مختلف المناسبات اليمنيّة دون استثناء.
ولا يقتصر وجود هذه النبتة في اليمن فقط، لكنها متوفّرة في أكثر من 20 دولة في العالم. حيث يتعاطى سكان مناطق مختلفة من شرق أفريقيا والصومال وجيبوتي وإريتريا وإثيوبيا وكينيا وتنزانيا وأوغندا. كما تتوفّر في أفغانستان وتركستان، وتزرع في أماكن عديدة في العالم كنبات زينة، الكونغو وملاوي وروديسيا الجنوبية وموزمبيق واتحاد جنوب إفريقيا وزائير، وغيرها.
القات مجهول الميلاد
بالعودة لتاريخ وجود شجرة القات في اليمن، فقد أوضحت الكثير من المصادر والدراسات أن الوجود الأوّل لشجرة القات في اليمن لا يزال مجهولاً، إنما يرجّح الكثير من الباحثين بأن الشجرة زرعت منذ عهود قديمة ربما قبل الإسلام، بالرّغم من عدم توفّر أدلّة على ذلك، كما أنه لم يرد ذكرها في الكتابات الإسلامية المبكرة. من جهةٍ أخرى، تؤكّد بعض الروايات أن القات دخل اليمن في القرن السادس الميلادي متواكباً مع دخول الأحباش إليها لأول مرة. وهناك أيضًا روايات أخرى تقول أن القات جاء إلى اليمن في فترات مختلفة من القرن الحادي عشر والثاني عشر والسادس عشر، وكان استخدامه محصوراً بين دوائر الجماعات الصوفية، ويستخدم كالقهوة، حيث يتم غليه وشربه.
اختلفت التسميات الي أُطلقت على شجرة القات بين دولة وأخرى، حيث يعرف القات باللغة اللاتينية Catha Eodulis (Forskal، والاسم العربي (قات)، وفي أوروبا catha. Khat.Kat.Gat Giat، أما في الصومال، فيسمى قات، ولكن تنطق الكلمة (تشات)، والاسم الذي يلي القات في الشهرة والاستعمال هو (ميرا)، وينتشر هذا الاسم في شرق وجنوب إفريقيا. أما في كينيا فقد تعددت أسماء القات إلى (كات، وميرانجي، ولييس، وطمايات، ومير، وخي، وماونج )، ويسمى القات في الحبشة بتبج، ووتدج، ويطلق عليه في أوغندا اسم موستات.
انتشار القات في اليمن
تُعتبر عادة مضغ القات من العادات المتوارثة في اليمن، خاصَّة في المناطق الشمالية التي بدأت فيها هذه العادة بالبروز عام 1762. أما في جنوب اليمن فقد تم إصدار ترخيص عام 1844 بموجبه السماح للتجار ببيعه.
أما مديريات عتمة والعدين وجبل صبر ومنطقة يافع ومحافظة الضالع، فتُعَدّ من أوائل المناطق اليمنية التي عرفت زراعة شجرة القات. أما محافظة صنعاء فقد عرفت القات لأول مرة في بداية القرن الثالث عشر الميلادي في منطقة الحيمة، ثم انتشر إلى بني مطر، وفي منتصف القرن نفسه بدأ ينتشر في همدان.
طقوس مضغ القات
غالباً ما تبدأ عادة تخزين القات بعد تناول وجبة الغداء، في غرفٍ يُطلق عليها اسم “دواوين”. وتكون هذه الجلسات إما فردية أو جماعية، حيث يتشارك بها الأصدقاء والأصحاب والمعارف. كما أن تلك العادة مضغ القات ترافق حفلات الزواج، والمآتم، وجلسات الصلح بين القبائل.
القات ينعش اقتصاد الحرب
بحسب بيانات الجهاز المركزي للإحصاء سنة 2017، يحتلّ القات المرتبة الثانية من حيث المساحة المزروعة في اليمن، والتي تقدّر سنويًا بحوالي 1.5 مليون هكتار، إذ تبلغ مساحة زراعة القات نسبة 16% من إجمالي المساحة الزراعية.
وبالرغم من تأثر القطاع الزّراعي سلباً بالصراعات التي مرَّت بها اليمن في فترات متعاقبة من تاريخها، إلا أن تجارة بيع القات لم تتأثر نظراً للإقبال المتزايد عليها، الأمر الذي دفع الجهات المختصّة إلى فرض ضرائب مرتفعة على توريد القات للمدن، وهو ما ساهم بشكل غير مباشر في تغذية اقتصاد الصراعات.
وبسبب العائدات المالية المربحة للقات، توجه المزارع اليمني إلى زراعة الأخير بدلًا عن المحاصيل الموسميَّة، الأمر الذي ساهم بتوسيع رقعة الأراضي المزروعة بالقات من 7000 هكتار عام 1972م إلى حوالي 250000 هكتار عام 2002م .
محاولة مكافحة القات
في القرون الماضية، كانت عادة مضغ القات مقتصرة على أبناء الطبقات العليا والغنية فقط، لأن ثمنه كان باهظاً، كما أن زراعته كانت محصورة في مزارع محددة. إنما مع نهاية القرن الثامن عشر وبداية القرن التاسع عشر، بدأت عاداته وطقوسه تظهر بين أوساط المجتمع بشكل كبير مما أدّى إلى عدم انتظام زراعته، الأمر الذي نتج عنه تقديم مقترحات تقنن زراعة القات في اليمن. فتكرّرت هذه المقترحات في فترات زمنيَّة متعاقبة، ولكن مع مرور الزمن، ولأسباب كثيرة تتعلق بمصالح جهات كثيرة من أصحاب الأراضي الزراعية، فشلت المقترحات والقرارات، لا بل ساهمت بشكل غير مباشر في انتشار زراعة القات في مختلف المحافظات.
انتشار الحملات التوعية
نتيجة لعدم وجود قوانين واضحة تحدّ من ظاهرة انتشار القات في المجتمع اليمني، قامت المنظمات الأهلية والمؤسسات الفاعلة في المجتمع، بعقد عدد من الحملات التوعويَّة حول مضار القات منذ 12 يناير 2012، تحت عنوان “اليوم الوطني لمكافحة القات”. وتبعت هذه الحملة، حملة أخرى باسم “منشآت حكومية بلا قات” والتي ساهمت بدورها في وضع قوانين تمكِّن بعض الوزارات والمؤسسات من منع موظفيها من مضغ القات أثناء الدوام الرسمي. حينئذٍ، تتالت وقفات أمام البرلمان اليمني في صنعاء، اعتُبرت الأولى من نوعها، وذلك من أجل إقرار استراتيجية وطنية تحلّ مشكلة القات تدريجيًّا، ولكنّها قوبلت بالرّفض من قبل غالبية أعضاء البرلمان، ومن تجّار القات، بحجة أن الأخير هو “ذهب أخضر”.
وفي مايو 2013 تمّ التصويت بإجماع أعضاء مؤتمر الحوار الوطني على استراتيجية وطنية تحلّ مشكلة القات تدريجيًّا، بالتعاون مع خمس وزارات، بحيث أصبحت هذه الاستراتيجية الوطنية، بنداً دستورياً في مسودة الدستور اليمني، والذي لم يتمّ التصويت الشعبي عليه بعد.
وفي نهاية عام 2019م، تم تنفيذ حملات لاقتلاع شجرة القات من مساحة تُقدر بحوالي عشرة آلاف متر مربع، في محافظة ذمار.
تنوع تراث الطهي.. عامل اقتصادي مهمّ وتراث حضاري ينبغي الحفاظ عليه
صوت الأمل – (حنان حسين – أحمد باجعيم) يتميز التراث الحضاري العريق للمطبخ اليمن…