يمنيون متمسّكون بالتعليم وسط تردّي الوضع الإقتصادي
صوت الأمل – علياء محمد
” سنوات من الصراع شهدتها اليمن، تعرضت فيها البلاد لأضرار أثرت سلبًا على كل جوانب الحياة.. حالة من الشلل التام أصابت معظم المؤسسات اليمنية، أدت إلى توقف عدد كبير منها عن العمل، وما استمرت منها في عملها كانت كفاءتها الإنتاجية متواضعة. ونتيجة لتدهور العملة اليمنية مقابل العملات الأجنبية تزعزعت ثقة الاقتصاد اليمني ووصل بذلك إلى الهاوية”
وجاء في إعلان الأمم المتحدة أن اليمن يعيش أسوأ أزمة إنسانية في العالم؛ بسبب ما فرضه الوضع الاقتصادي المتدهور من تأثيرات انعكست على عدد من القطاعات الحكومية والخاصة، لا سيما القطاع التعليمي على أصعدته المختلفة، والذي ساهم في مضاعفة معاناة عدد كبير من الطلاب وحرمهم من حقهم في التعليم؛ بسبب تداعيات الصراع التي أثّرت على البنية التحتية للقطاع التعليمي بشكل واضح.
التعليم في اليمن على حافة الهاوية
ووفقًا لتقرير صدر عن منظمة اليونيسف اليونيسف حول التعليم في اليمن، فإن500 ألف طفل يمني انقطع عن الدراسة، ووصل عدد الأطفال غير الملتحقين بالمدارس إلى 2 مليون طفل، فيما يحتاج 1.4 مليون طفل إلى مساعدة لمتابعة دراستهم.
كما أن هناك ما يقارب ثلاثة أرباع معلمي المدارس الحكومية يعانون من انقطاع رواتبهم، ووصل عددهم إلى 135ألف مدرس يمني يعيش أغلبهم ظروفًا معيشية صعبة، أجبرت الكثير منهم على ترك وظائفهم، مما هدّد بشكل خطير تعليم 4.5 مليون طفل يمني، ووفق التقرير فإن أكثر من 2500 مدرسة توقفت عن استقبال الطلاب، بسبب ما طال أبنيتها من دمار أو وقوعها في أماكن الاشتباك.
تحدي البقاء
توكد الدكتورة بلقيس علوان- مساعدة في قسم الإذاعة والتلفزيون في كلية الإعلام جامعة صنعاء “أن المشهد الاقتصادي في اليمن موسف، والوضع الاقتصادي شبه منهار، وهناك ملايين اليمنين انجرفوا إلى تحت مستوى خط الفقر، وبالتالي يواجه هؤلاء تحدي البقاء ما بين أن يأكل ويشرب أو يعلم أولاده، وسيختار غالبيتهم الخيار الأول، وبالتالي يصبح التعليم خيارًا ثانويًا”.
وتضيف علوان: “مشكلة التعليم في اليمن تكمن في البنيه التحتية للمنشآت التعليمية، حيث مازالت هذه المباني على حالها لم ترمم ولم يضف إليها صفوف أكثر تستوعب الأعداد المتزايدة من الطلاب. كما أن عددا كبيرا من هذه المدارس تحولت بفعل الصراع إلى مراكز لإيواء النازحين، وهو ما يعني أن قيمة التعليم ومكانته تراجع، الأمر الذي سيتسبب في خسارة فادحة سيبقى تأثيرها واضحًا لعقود، إذا لم توجد الجهود الحقيقية والإرادة الصادقة لإنقاذ العمليَّة التعليمية في اليمن.
من جهته يرى ناصر محمد – وكيل مدرسة، أن الأوضاع الاقتصادية انعكست سلبًا على الأداء التعليمي نفسه، وأكد ناصر لـ “صوت الأمل”، أن توقف الأبناء عن التعليم يعد كارثة بحد ذاتها، وتبعات هذه الكارثة ستستمر لأعوام، وتحتاج منا إلى مواجهتها، ومن أجل الحفاظ على مستقبل هذا الجيل، فيجب أن يستمر التعليم في اليمن، رغم ما تمر به البلاد من ظروف قاهرة.
وتقول رشا محمد- معلمة لأحد الصفوف في المرحلة الأساسية، “إن أوضاعنا المادية جعلتنا نتأخر عن القيام بواجبنا تجاه الطلاب، ولم نكن نرغب بذلك، ولكن كان ذلك فوق طاقتنا، فكيف نذهب ونحن لا نمتلك أجور مواصلاتنا.. نحن بلا رواتب ولا يجب أن ننكر أن هذا الشيء شكّل حجر عثرة أمام مستقبل الطلاب، وانعكس سلبًا على مستواهم التعليمي، ولكن بالمقابل كان هناك عدد من المعلمين الذين شكّلوا بصمة إيجابية في هذا الوضع، وضغطوا على أنفسهم لإكمال مسيرة الطلاب التعليمية، وتحدوا جميع المعوقات، فقط ليحظى الطلاب بحقهم في التعليم.
أعباء إضافية تحرم الطلاب من التعليم
أعباء مالية إضافيه فرضها الوضع الاقتصادي على عدد من الأُسر، تسببت في حرمان أبنائها من مواصلة تعليهم واضطرت بعض الأسر لدفع أبنائها إلى العمل بدلًا من التعليم؛ من أجل مساعدة أسرهم على توفير أبسط الاحتياجات الضرورية ليعيشوا.
تقول لميس يحيى – طالبة سنة ثانية جامعة، نظام معلومات- والتي قررت ترك الجامعة؛ لتخفيف الأعباء المالية على والدها: “بسبب الظروف المادية الصعبة التي تواجهه أسرتي وعدم قدرة والدي على تسديد رسوم الدراسة لي ولإخواني، ضحيت بدراستي من أجل أن يكمل إخواني دراستهم”.
أما عمرو محمد فيقول: “أسعار المستلزمات المدرسية مرتفعة، وأنا لدي ثلاثة أطفال، وجميعهم يحتاجون لهذه المستلزمات التي لم أستطع توفيرها لهم بسبب انقطاع الراتب”.
وأضاف: ” لكم أن تتخيلوا أن متوسط أسعار الحقائب المدرسية بات يساوي أربعة آلاف ريال يمني، بالإضافة إلى الزي المدرسي والأحذية، كل ذلك يمثل أعباء زائدة عليّ، ومع هذا فأنا أدرك أهمية أن يكمل أبنائي تعليمهم”.
ويقول محمد الدبعي، والذي يعمل في أحد محلات لبيع المستلزمات المدرسية: “السوق يفرض نفسه علينا في عملية البيع والشراء، والأسعار تختلف من عام لآخر، ونحن نعلم جيدًا أن كثيراً من الأسر بالكاد توفر لقمة العيش، ولكن هبوط الريال اليمني أمام العملات الأجنبية أسهم بشكل كبير في ارتفاع الأسعار.
رواتب المعلمين.. أزمة اقتصادية
يعد انقطاع رواتب المعلمين أكبر أزمة تواجه سير العملية التعليمية.. وقد حذرت منظمة اليونيسف في بيان لها من “أن استمرار انقطاع رواتب المعلمين سيرغم أكثر من مليوني طفل يمني على ترك مقاعد الدراسة، وستصل جودة التعليم في اليمن إلى المحك، نظرًا لأن الأطفال يفوتون بعض الدروس، نتيجة لغياب معلميهم، وهو ما يزيد من خطورة تسرب الأطفال من الدراسة، في حال لم يحصلوا على المساعدة، مما يعني أن ٧٨٪ من الأطفال في سن الدراسة لن يتمكنوا خلال السنوات القادمة من الالتحاق بالمدرسة، في بلد يحتل المرتبة الثانية للأمية عالميًا.
“تعليم مشوه، لجيل منهك”.. هكذا وصف البروفيسور عبد الرحمن الشامي حال التعليم في اليمن، وأكد أن الأضرار التي لحقت بالتعليم في اليمن، بمختلف مستوياته (الأساسي، والثانوي والجامعي، وما بعد الجامعي) عديدة، طالت كل أطراف العملية التعليمة، بدءًا بالمباني، ومرورا بالمعلمين، وانتهاء بالطلبة الذين يعتبرون هم أبرز الضحايا، فالتعليم المقدّم لهم خلال هذه السنوات، يفتقر لأبسط مقومات العملية التعليمية، وبالتالي نحن أمام علاقة مطردة ما بين المواد المخصصة للتعليم من ناحية، وجودة مخرجات العملية التعليمية من ناحية أخرى، فالمخرجات التعليمية هزيلة، وتفتقر لأبسط متطلبات سوق العمل الذي تشتد فيه المنافسة، ويحتاج إلى مهارات تتناسب والتطورات التكنولوجية المتسارعة.
وأضاف الشامي: “مباني تفتقر لأبسط مقومات العملية التعليمية، ومعلمٌ انقطع راتبه منذ سنوات، وطالبٌ قد لا يجد ثمن المواصلات للذهاب إلى المدرسة أو الجامعة، لا ننتظر من هكذا ظروف أن توفر مخرجات تعليمية تمتلك المهارات والمعارف اللازمة للعيش في القرن الواحد والعشرين.
وبدوره يقول محمد الإيطالي- طبيب نفسي: “إن المعلمين يواجهون ظروفًا سيئة بسبب عدم تلقيهم رواتبهم، الأمر الذي حز في نفوس بعضهم ودفعهم إلى الانتحار”.
أما الدكتورة بلقيس فتقول “إن عدداً كبيراً من المعلمين لا يتقاضون رواتبهم ومن يتقاضى راتبه يدرك أن هذا الراتب أشبه بالفتات إذا ما قارناه بالعملة الأجنبية، فمرتبات المعلمين في اليمن تعد من أدنى مرتبات المعلمين في العالم، وبعد أن كان المعلم يتقاضى راتبه الذي يساوي بالعملة 300 دولار، أصبح الراتب بعد تدهور العملة المحليَّة لا يتعدى- وربما قد يقل- عن مائه دولار، وتعد هذه مشكلة تؤرق سير العملية التعليمية”.
جهود مبذولة لاستمرار التعليم
جهود متواصلة قامت بها العديد من المنظمات والمبادرات لإيجاد حلول مؤقته تضمن استمرار العملية التعليمية.
ووفقًا لتقرير صادر عن منظمة اليونيسف، فقد نجحت المنظمة من خلال جهودها المتواصلة، في إيجاد حلول مؤقتة تضمن سير العملية التعليمية في اليمن بتأمين مبلغ 70 مليون دولار أمريكي صرفت كحوافز نقدية شهرية للمعلمين والموظفين العاملين في المدارس في اليمن، وبذلك سهلت عملية وصول 204,340 طفلًا إلى التعليم منهم (49.7%) من الفتيات، هذا بالإضافة إلى حصول 4,055 من المعلمين والمشرفين والاختصاصيين الاجتماعيين على تدريب في مجال الدعم النفسي والاجتماعي، والذي استفاد منه 133,356 طالبا وطالبة، منهم (41.6%) من الفتيات، علاوة على ذلك حصل 41,907 طالبًا وطالبة، منهم (49.08%) من الفتيات على مستلزمات التعليم الأساسية، بما في ذلك الحقائب المدرسية.
تقول رانيا محمد- ناشطة مجتمعية: “بذلت عدد من المبادرات الشبابية ومنظمات المجتمع المدني مجهودًا كبيرًا لضمان استمرار العملية التعليمية، وذلك من خلال توفير أهم المستلزمات الدراسية لعدد من الطلاب من معدومي الدخل، صحيح أنها خطوات بسيطة، ولكن يدًا بيد وبأراده قوية سنكسر حاجز الجهل وسنضمن مستقبلاً أفضل لأبنائنا الطلاب”.
ظاهرة التسرّب من المدارس تدق ناقوس الخطر! اليونيسف: نحو مليوني طفل يمني أصبحوا خارج المنظومة التعليمية
صوت الأمل – علياء محمد عام دراسي جديد بدأ في اليمن، في ظل أوضاع معيشية متردية يعاني منها ا…