فئة المهمّشين في مدينة عدن: نمط حياة منعزلة مليء بالمعاناة والكفاح
صوت الأمل – منال أمين
تعيش في منطقة جبل (الزريبة) في مديرية صيره التاريخية في محافظة عدن، جنوب اليمن، نسبة كبيرة من المهمّشين حياتهم منذ سبعينيات القرن الماضي في ظلّ ظروف اقتصادية وتعليمية وصحية صعبة وبيوت متهالكة مكونة أغلبيتها من صناديق خشبية، لاسيما خدمات قد تكون معدومة. إنّما بالرّغم من ذلك لا تزال حياة المهمّشين مستمرّة وفي تزايد كبير بأعدادهم حتى أصبحوا جزء من أفراد المجتمع في المحافظة.
تعاني سعود قائد سالم ذات الـ 55 عاماً، التي جاءت إلى تلك المنطقة منذ السبعينات من محافظة تعز، من تدهور منزلها المكوّن من أخشاب وصفيح و حجار صغيرة، الذي تضرّر بشكلٍ كبير خلال موسم الأمطار والسيول التي ضربت المديرية خلال الفترات الماضية من العام الحالي. فحلمها فقط أن يتمّ إعادة بناء منزلها.
كذلك، لدى سعود تسعة أولاد لم يتمكّنوا من التعلّم. هم يعملون في الشّوارع بأجورٍ يومية وأغلبيتهم متزوّجون ويقطنون في منازل متفرّقة في نفس المنطقة حيث تعتبر نموذج من فئة المهمشين الذين يسكنون في منازل مبنية بطريقة عشوائية بعضها مصنوع من الخشب والطرابيل و الصفيح ولا تحميهم من حرارة الشمس في فصل الصيف ولا من الأمطار والسيول ولا من الحشرات التي تسبّب العديد من الأوبئة والأمراض.
أضف الى ذلك، تزايد عدد المساكن العشوائية في عدن التي تأوي فئة المهمّشين في المديرية خلال الفترات الماضية بشكلٍ كبير حيث وصلت المباني إلى منطقة السّبع الدروب في جبل شمسان. فيعاني المهمّشون فيها من سوء وصول الخدمات إليهم المتمثّلة بعدم توفّر شبكة مياه وتدهور في الصّرف الصحي والكهرباء، لاسيما تدهور في رفع مخلّفات القمامة وعدم وجود طرقات.
حياتهم بسيطة رغم المعاناة
يتّسم نمط حياة المهمّشين في تلك المنطقة التي لا توجد إحصائية حول أعدادهم المقدّرة بالألف بل بالبساطة والصّبر والرّضا وقبول المتوفّر لديهم فقط، بالرّغم من أنّهم يشكون في بعض الأحيان من عشوائية تقديم المساعدات النّقدية أو السلال الغذائية من المنظّمات الدولية والمحلية أو حتى من رجال الخير، حيث يحصل البعض منهم على تلك المساعدات دون غيرهم.
في الأفراح، تجتمع فئة المهمّشين في تلك المنطقة رجالاً ونساء وأطفال داخل حوش صغير لحضور حفل الزّفاف المقام فيما بينهم. فهم يعتبرون الحوش قاعة عرس يستعملون الطّبل للغناء والرّقص والاستمتاع بهذه المناسبة إلى وقتٍ متأخّر و يتغنّون بأغاني لحجية وعدنية قديمة وجديدة.
حرمان أولادهم من التّعليم
يَمنَع بعض الآباء والأمّهات أولادهم من الذّهاب إلى المدارس بسبب اقتناعهم بأن التّعليم لا يجلب لهم المال بسرعة، فمن الضّروريّ تربية الأطفال على طلب الرّزق. إن البعض الآخر من الآباء قد يدخل أبناءه إلى المدرسة ليدرسوا في المراحل الابتدائية فقط من أجل أن يتعلموا القراءة والكتابة. ثمّ يتمّ إخراجهم ليعملوا في الشوارع.
فقد فرض المجتمع على فئة المهمّشين العمل في مجالات معيّنة لا يقدرون تجاوزها. لذا هم يتقاضون أقلّ الرّواتب في أعمالهم الشاقّة التي تتوّزع بين خدمة البيوت وتنظيف المكاتب والمستشفيات وإصلاح المجاري والحمالة و بيع المأكولات المطبوخة والمنتجات النّسائية في الأسواق والشوارع وتنظيف السيّارات والتسوّل.
يعاني أحمد سعيد دحان الذي يبلغ من العمر 45 سنة وهو متزوّج وله 8 أولاد، من ظروف صعبة جدّاً تمثّلت في تدهور منزله بسبب الأمطار، كما يعاني من قلّة وجود المنظّمات الدّاعمة له ولأسرته لأنه يعمل “على باب الله” بحسب قوله، ووضعه الصحيّ لا يسمح له بمواصلة البحث عن عمل.
ويقول أحمد أن هناك رجال خير يقدّمون بعض المساعدات الإغاثية للأسر في منطقته ويوفروا المياه بشكلٍ يوميّ عبر خزّانات موجودة في المنطقة يتم تعبئتها. كما يشير إلى أن هناك محاولات من قبل بعض الأشخاص خلال السنوات الماضية إلى أخذ منازل بعضهم في المنطقة، الأمر الذي صعّب قبولهم أكثر، من خلال الدّفاع عن حقّهم بالسّكن في منطقتهم.
مدير مديريّة صيره: فئة المهمشين مندمجة في المجتمع
يعاني الكثير من المهمّشين في منطقة الخساف في جبل الزريبة من تجاهل السّلطات المحلية في المديرية لمنازلهم التي دُمِّرَت أغلبيتها بسبب السّيول والأمطار وعدم تقديم أي تعويضات لهم. فأغلبهم يعيشون في عزلة اجتماعية واقتصادية وتعليمية عن باقي فئات المجتمع و يعانون من نظرة المجتمع لهم التّصغيرية والدّونية باعتبارهم يعملون في مجال النّظافة في الشّوارع وأعمال حرّة وبعضهم في التسوّل.
يقول مدير مديرية صيره في محافظة عدن إبراهيم منيعم لصحيفة صوت الأمل: “إن فئة المهمّشين في منطقة الزريبة تعتبر فئة مندمجة في المجتمع منذ فترات طويلة. وبالتّالي يتمّ توفير كافّة الخدمات في منطقتهم بحسب قدرات وإمكانيات السّلطة المحلية في المديرية أسوة بباقي مناطق المديرية”.
وعن استهداف المنظّمات يقول منيعم: “تُعتَبَر فئة المهمّشين من الفئات الأشدّ فقراً في البلاد حيث تمّ استهدافها من قبل بعض المنظّمات المحلية والدّولية والمؤسّسات الخيرية الدّاعمة والنّاشطة في مختلف المجالات الصحية والتّعليمية والإغاثية والإنسانية، وذلك بالتّنسيق مع المديرية ليتمّ استهدافهم بطريقة مباشرة خصوصاً بعد ما تزايدت أعدادهم مع عملية النزوح المستمرّة من محافظات تعز والحديدة لتلك المنطقة، واعتبارهم أكثر الفئات تضرّراً من الأوضاع الصّعبة التي تمرّ بها البلاد”.
وخَتَمَ منيعم مؤكِّداً “أن هناك العديد من المنظّمات التي تستهدف حالياً فئات المهمّشين في مناطق الحفيرة والعيدروس وخساف ومناطق أخرى ضمن نطاق المديرية، من خلال عملية الفرز والتحقّق من أعداد المستهدفين من نشاطهم والبالغ عددهم أكثر من 174 أسرة مهمّشة مستهدفة، عن طريق تقديم الدّعم اللّازم لهم في مختلف المجالات الصحية والتّعليمية والتّمكين والإغاثية”.
احصاءات اليونيسف حول العنصرية في اليمن
يبلغ متوسط النسبة المئوية الإجمالية للمهمشين في اليمن 7.89٪ من إجمالي السكان. …