التغطية الإعلامية لقضايا هجرة الشباب اليمني
حنان حسين – صوت الأمل
تحت وطأة الصراعات، أصبحت الهجرة واقعًا مريرًا يعيشه الملايين حول العالم، خاصة في مناطق النزاعات مثل اليمن، وأصبح هاجس الشباب، الذين كانوا يملكون طموحات كبيرة وآمالًا مشرقة، السعي نحو البحث عن الأمان والاستقرار عن طريق الهجرة، التي أصبحت محفوفة بالمخاطر، بدءًا من التهريب غير الشرعي عبر الحدود، وحتى مواجهة الموت في البحار.
ومع تلك التداعيات التي خلفها الصراع، هناك العديد من القصص التي يجب على وسائل الإعلام ومنصات التواصل الاجتماعي تسليط الضوء عليها وتبنيها، تلك القصص التي يرويها الأشخاص الذين هاجروا وتجرعوا مرارة الغربة.
إحصائيات
بينت ورقة السياسات التي قدمتها منظمة الهجرة الدولية بعنوان: (الهجرة المختلطة في اليمن؛ الوضع الحالي والسياسات ـــ 2023م) أنّ اليمن تعيش حالة من عدم الاستقرار السياسي منذ عام 2011م، وحالة الصراع بدأت من عام 2015م، وقد أدّى الصراع إلى ظهور أزمة إنسانية تعدّ الأكبر في العالم حسب التقارير الدولية، التي تؤكد أن ما يقارب 80% من سكان اليمن يحتاجون إلى مساعدة إنسانية، كما شهدت اليمن موجة نزوح داخلي كبير بين المحافظات ولجوءًا إلى دول الجوار ودول العالم.
واستعرض التقرير حجم الهجرة اليمنية إلى الخارج، وكمثال إلى المملكة العربية السعودية؛ إذ أشار مكتب الإحصاء السعودي عام 2023م إلى أنّ اليمنيين المهاجرين إليها بلغ 1.8 مليون مهاجر، وهذا الرقم يمثل ما يقارب 6% من سكان اليمن، و10% من إجمالي سكان السعودية.
وأكد التقرير “أنه لا توجد بيانات مؤكّد بشأن حجم المغادرين اليمنيين الذين هاجروا من اليمن بعد أحداث 2014م، ومع ذلك هناك بعض المصادر قدرت أنّ عدد اليمنيين المغادرين إلى دول الجوار عام 2016م فقط بلغ 177.314 مغادرًا إلى السعودية وعمان وجيبوتي والصومال وأثيوبيا والسودان”.
وذكرت صحيفة القدس العربي في تقرير صحفي لها في 2024م، أنّ عدد اليمنيين في الخارج، وفق تقديرات غير رسمية، وصلوا إلى نحو أربعة ملايين مهاجر ومغترب ولاجئ.
فيما ذكر تقرير نشر في موقع بي بي سي نيوز عربي بعنوان: (اليمنيون في مصر: ضيافة بلا سياسة ـــ 2022م) أنّ الباحثة الفرنسية، مارين بوارييه، أكدت في دراستها عن القاهرة كـ (مركز للجغرافيا السياسية والاجتماعية اليمنية) أنّه على الرغم من عدم توفّر إحصاءات رسمية ووجود تباينات كبيرة بين التقديرات وفقًا لموظف في السفارة اليمنية في القاهرة، فإنّ عدد السكان اليمنيين في مصر ارتفع من 100 ألف عام 2014م إلى 500 ألف بحلول عام 2019م.
كما يبين التقرير أنّ مصدرًا من البرلمان اليمني أكّد أنّ عدد اليمنيين المقيمين في مصر قد تجاوز 800 ألف عام 2020م.
وفي تقرير نشر في رصيف 22 لعام 2024م، أنّ عدد اليمنيين في هولندا كبير، ويقدر بما يصل إلى قرابة 15,000 يمني.
الهجرة.. واقع وطموح
يقول جبران الصوفي (مسؤول الإعلام والاتصال في منظمة برنامج التنمية الإنسانية): “نتيجة للوضع الصعب الذي تمر به اليمن من النواحي كافة، فقد أصبح معظم الشباب اليمني يطمحون ويسعون جاهدين للحصول على تأشيرة الهجرة إلى دول أخرى مليئة بالفرص؛ إذ شهدنا مؤخرًا إقبالًا كبيرًا أمام مكاتب التقديم فيما يخص الهجرة إلى أمريكا، وأنا واحد منهم، ولديّ أصدقاء كُثُر قد قُبلوا وحالفهم الحظ وسافروا إلى الولايات المتحدة الأمريكية”.
ويضيف: “وبحسب اعتقادي، أنّ تأثير الهجرة على الواقع اليمني يعدُّ تأثيرًا إيجابيًّا وليس سلبيًّا كما يظن بعضهم، فهو يقلل من حدة البطالة والعبء السكاني على البلد المنكوبة منذ أكثر من عشر سنوات، التي تنعدم فيها فرص العمل، وتعاني من تدهور الأوضاع بجميع مناحي الحياة، الأمر الذي يولّد خوفًا من استمرار الوضع وتردّيه”.
يرى مصطفى نصر (صحفي ومدير مركز الدراسات والإعلام الاقتصادي) أن ظاهرة هجرة الشباب تعد حالة استنزاف للاقتصاد اليمني على المدى الطويل، وأنّ الهجرة قد تتيح فرصًا للشباب الذين يخرجون من اليمن للبحث عن فرص عمل أو دراسة أو فرص مختلفة، وهذا هو الجانب الإيجابي المرتبط ببناء قدراتهم، وأيضًا بالتحويلات التي يمكن أن تستفيد منها اليمن.
في السياق ذاته تتحدث مائسة الحمادي (إعلامية) عن تأثير الهجرة على واقع الشباب في اليمن، إذ تقول: “للهجرة تأثير كبير على واقع اليمن، فمَن يهاجرون يُعَدُّون خير أبناء اليمن، والثروة البشرية التي أنفقت الدولة ملايين الدولارات من أجل تعليمهم وتأهيليهم وإكسابهم المهارات، فهذا يعدُّ نزيفًا للعقول المؤهلة”.
محمد أمين، ذو الـ 25 عامًا، يمثل قصة نجاح تجمع بين التحدي والإصرار في خضم الغربة؛ إذ انتقل إلى دولة جديدة أوجدت له فرصًا أفضل من حيث الراتب، مما يعكس تحقيقه لأهدافه المهنية. ومع ذلك، فإنّ هذه الرحلة لم تكن خالية من الصعوبات؛ فالشعور بالغربة والتمييز العنصري، إلى جانب الضغط المتزايد على العمالة الوافدة، شكّلت تحديات مستمرة. رغم ذلك، يظل محمد متمسكًا بالتفاؤل، ويختار دائمًا الوقوف في صف الجوانب الإيجابية، مؤكدًا أنّ النجاح يتطلب التكيف مع الظروف الصعبة والثبات أمام العقبات.
دور وسائل الإعلام
وبشأن دور وسائل الإعلام في تسليط الضوء على قضية هجرة الشباب اليمني، يتحدث جبران صوفي قائلًا: “قد تسهم وسائل الإعلام في توعية الجمهور محليًّا ودوليًّا بمخاطر الهجرة غير الشرعية والتحديات التي يواجهها الشباب اليمني، مثل نقص الفرص الاقتصادية والاضطرابات الأمنية في تلك البلدان، وعرض القصص المؤثرة والمعلومات، ومناقشة الحلول الممكنة لمشاكل الشباب، كل هذه تعدُّ من مهام وسائل الإعلام”.
ويضيف: “ولا ننسى أنّ منصات التواصل الاجتماعي فتحت باب النقاش بشأن مواضيع الحياة كافة، وقد تجد لجميع المواضيع فسحة، فنجد الشباب لديهم القدرة لمناقشة الحلول الممكنة لمشكلات الهجرة، وهذا يسهم في تكوين رأي عام يُشجع على اتّخاذ إجراءات على أرض الواقع”.
كذلك يوضح جبران أنّ التقارير الإخبارية والمقالات تسهم في إظهار القصص للشباب الذين يهاجرون، مما يساعد على فهم الدوافع والأسباب الشخصية والاجتماعية وراء اختياراتهم، وكذلك هذا الأمر قد يعزز من التنمية المستدامة عن طريق قيام المبادرات والحصول على دعم من المنظمات والجهات الداعمة؛ لإيجاد حلول للشباب قد تسهم في بناء حياتهم بشكل أفضل ويتجنبون الهجرة أساسًا.
ومن جانبها تقول مائسة الحمادي: “في المدة السابقة كان للإعلام دور كبير في إبراز هذه الظاهرة، عن طريق نشر التحديات والآثار التي تخلفها، كما أبرزت نتائج حوادث الهجرة غير الشرعية والضحايا، وحكت عبر تحقيقاتها قصص الضحايا، وكيفية النصب عليهم، كما طرحت الصحف رؤية الحكومة في حل مشاكل المهاجرين”.
وفي سياق مختلف، يقول مصطفى نصر: “هناك قصور كبير في تناول هذه الظاهرة في وسائل الإعلام المختلفة، فنجد عدم اهتمام كبير من قبل هذه الوسائل، صحيح أنّ هناك من تطرق إلى عرض هذه الظاهرة وتناولها بين الفينة والأخرى، لكن ما يزال الضوء عليها أقل ممّا يفترض، لا سيّما وأنها أصبحت القضية التي تشغل كثيرًا من الشباب اليمني، خاصة أنّ معظمهم ما زال يفكر بالهجرة التي أصبحت من أولويات الشباب اليمني في المرحلة الراهنة”.
ويتابع: “حتى وإن لم يكن هناك أفق واضح لهذه الهجرة، فإنّ أحلام الخروج من البلد أصبحت حاضرة بقوة، وهذا يدل على حالة الانسداد على مستوى الداخل اليمني، ولذلك نلاحظ بين وقت وآخر كثيرًا من المشاكل التي تحدث في هذا الجانب، سواء في حالة النصب والاستغلال أو في تجنيدهم في أشياء رُبّما تكون غير قانونية… إلخ”.
التحديات
تواجه وسائل الإعلام عدة تحديات أثناء تغطيتها لقضايا هجرة الشباب اليمني، منها ما هو قابل للتعديل والمناقشة، ومنها ما يصعب حلها في الوقت الحالي لعدة أسباب.
يعتقد جبران صوفي أنّ الوضع الأمني يعدُّ من أبرز المعوقات التي واجهت قطاع الإعلام، ويعدُّ المؤثر الأساسي الذي يحجب قدرة الإعلامين على تغطية كثير من المواضيع الشائكة، ويعقّد وصولهم إلى المناطق المتأزمة، وتغطية الأحداث بشكل موثوق.
ويردف الصوفي: “تواجه الوسائل سياسات معينة قد تمنعها من تناول بعض المواضع، أو قد تضع أولويات أخرى محل هذه القضايا، كذلك قد يكون هناك نقص في الإحساس بأهمية التوعية بالهجرة وتحديد مشاكلها ومميزاتها بشكل واضح يضع الشخص أمام خيار لا يندم عليه مستقبلًا”.
ويضيف: “لا ننسى أنّ الوسائل الإعلامية قد تعاني قلة الموارد المالية والبشرية، وهذا يؤثر بتغطيتها للمواضيع، وكذلك سياسات القناة أو الإذاعة قد تدفعها إلى تغطية غير متوازنة، بالإضافة إلى وجود حواجز لغوية وثقافية بين الإعلاميين والمهاجرين المستهدفين قد تحول دون التغطية الإعلامية المؤثرة”.
ومن جانبه يقول مصطفى نصر: “في الإعلام لا تُعطى هذه القضية أولوية ربما يعود ذلك إلى تركيز وسائل الإعلام على الجوانب السياسية أكثر من قضايا الشباب والهجرة”.
الإعلاميون في خطر
“ولأنّ ظاهرة الهجرة غاية في الأهمية يفترض أن تلعب وسائل الإعلام فيها دورًا توعويًّا وإرشاديًّا، حتى عندما يفكر الشباب اليمني بالهجرة تكون لديه المعلومات الكاملة عن الآفاق التي سينتقل لها من تحديات وفرص، وكيف يمكن أن يستفيد من هذه الخطوة، بدلًا من أن يذهب باتجاه المجهول”. وذلك حسبما ذكر مصطفى نصر.
ويتابع: “أما إذا تحدثنا عن وسائل الإعلام، فالحقيقة أنّ الإعلاميين يعانون من الشتات، وتعدُّ شريحة الصحفيين من أهم الشرائح وأكثرها التي تعرضت للنزوح والهجرة والتشرد، وهذا ما يشرح الواقع الإعلامي”.
ويؤكد أنّ هذا يعود بدرجة أساسية إلى الانتهاكات والتضييق على الحريات الإعلامية، وحالة الاعتقالات والمحاكمات والاعتداءات والتهديدات التي يتعرض لها الصحفيون في الداخل، التي تفاوتت من منطقة إلى أخرى، إلّا أنّ القاسم المشترك هو أنّ الصحفي أول من يدافع ويناهض في كل مناطق اليمن، نظرًا لأنه يمكن أن يكشف قضايا حساسة، مثل الفساد والتلاعب، ويطالب بحق المواطنين وغيرها.
المعالجات
يشير كثير من المختصين إلى ضرورة التوصيات والمعالجات لضمان تغطية أفضل لقضايا الهجرة لدى الشباب اليمني، عن طريق توفير بيئة آمنة للصحفيين، ليتمكنوا من أداء عملهم بحرّية واستقلالية، ودعم الإعلام المستقل، وتوفير الدعم المالي لتغطية أفضل، ولمساعدة الوسائل الإعلامية على توفير معلومات والوصول لهؤلاء الشباب المهاجر وعرض قضاياهم، وتوعية الشباب بأهمية نشرهم لقصص نجاحهم مع غيرهم؛ بهدف الاستفادة مهما كانت الصعوبات التي واجهوها.
بالنسبة للتوصيات، يوصي مصطفى نصر بأهمية أن تكون قضايا الهجرة من أولوية غرف التحرير في المؤسسات الصحفية والإعلامية؛ كونها قضية تهمُّ قطاعًا واسعًا من الشباب، والأهمُّ هو أن يُعالج هذا الملف في إطار رؤية تجمع بين أهمية أن يبحث هؤلاء الشباب عن وجهة مناسبة.
وفي السياق نفسه، يقول جبران الصوفي: “قد تُسهم هذه الوسائل في خلق الوعي المجتمعي بمخاطر الهجرة خاصة غير الشرعية، وتقديم النصائح والإرشادات للشباب، ونجد أنّ هناك منصات قامت بمناصرة حقوق المهاجرين اليمنيين، كشفت عن الانتهاكات التي تعرضوا لها من شبكات التهريب”.
الشباب في الهجرة؛ بين البحث عن فرص عمل ومواجهة التحديات
أحمد باجعيم – صوت الأمل الهجرة إلى الخارج أصبحت فعلًا واحدة من أبرز الظواهر بين الشب…