النقد الأدبي عملية تساعد على تحديد مسار الأدب وتقويمه
أفراح بورجي – صوت الأمل
في ظل الصراعات المستمرة في اليمن، قد ترى مجتمعات كثيرة أنّ الثقافة لم تعد موجودة حتمًا، وأنّ الأدب هو آخر ما يهتم له اليمنيون، ولكن هذا ليس صحيحًا؛ فاليمن تزهر وتزدهر بالأدب سابقًا وحاضرًا، ولهذا أصبح لوجود النقد الأدبي حاجة ماسة لبناء الإبداعات الأدبية ومناقشتها وتطويرها.
مفهوم النقد الأدبي الحديث
يقول عمر حاج الشعيب (ماجستير في اللغة العربية والأدب والنقد): “إنّ النقد عملية علمية مبنية على أسس منطقية معينة، تقوّم العمل الأدبي، وتحكم عليه، وتوجه حركته، وترعى مساره، وتفسره شكلًا ومحتوى، وتأوله ذاتًا وموضوعًا، وتكشف عن طرائقه في التشكيل وإنتاج الدلالة، ومِن ثَمّ تستخلص القوانين المنسقة لعلاقات الأبنية وما بينها من انسجام في العمل الأدبي بوصفه وحدةً عضويةً متكاملةً وفق منهج معيّن له إجراءات محددة، وتعتمد عمق التحليل ودقة الوصف، فتعرض نتائجها واضحة وسليمة دون مواربة أو تلفيق”.
اهتمام الشباب بالنقد الأدبي
الشباب يُعدّون الفئة التي يعوّل عليها المجتمع في كثير من الجوانب، منها الأدب والثقافة والنقد والارتقاء بهما، وإنتاج ما يحتاجه المجتمع من أدب وفن ومسرح وثقافة، فمن الطبيعي أن يكون للشباب عن طريق إنتاجهم الأدبي والفني دور مهمّ وحيوي في تطوير النقد على المستوى المحلي والعالمي.
وبهذا الخصوص يرى معظم الشباب العاملين في مجال النقد الأدبي، أنّ في الآونة الأخيرة بروزًا واضحًا للعديد من الشباب يخوضون غمار النقد الأدبي، ويغوصون في مجال الكتابة الأدبية، ويبدعون في كل فنٍّ من فنون الكتابة (الشعرية والنثرية)، ويحضرون في ساحة النشاط الثقافي، وأنا هنا أتكلم عن ظاهرة لا عن أشخاص، وهذا ما يجعل المشهد أكثر حيوية، وينبئ عن مدى إخلاص الشباب للمشهد الثقافي، ووفائهم للكتابة.
وفي السياق ذاته يقول الشاب علي الخيري المهتم بالنقد الأدبي؛ للشباب دور حتمي ظاهر في اهتمامهم به، ولا يمكن أن تتحرك عجلة التنمية على أي مستوى سواء أكان فكريًّا أو علميًّا أو مهنيًّا، دون حضور الشباب على مستويات متعددة؛ مستهلكين للمعرفة، ومنتجين لها ومجددين ومبتكرين ومحدثين أيضًا.
وبشأن أهم المناهج النقدية، يشير الشعيب إلى أنّ المنهج يعدّ أساس كل نقد علمي ومستنده؛ إذ به يحلل الناقد موضوعه، ويتمكن من التغلغل إلى أعماقه ويكشف أبعاده ورؤاه، والمناهج متعددة، ولكل منها طرائقه في النظر إلى الأدب.
وأوضح أنه قد بدأ النقد مع الإبداع الأدبي كفرسي رهان، كل منهما يطور من نفسه، يكابد النقد في ابتكار نظام منطقي مستقر لوصف الإبداع الأدبي، في حين يضطرب الإبداع من الاستقرار، فينحرف عن نظام النقد، وعندما تغدو هذه الانحرافات متكررة، فإنّ النقد يألفها مؤلّفًا قانونيًّا جديدًا، الأمر الذي يحافظ على الطبيعة الديناميكية للأدب والنقد معًا.
ويتابع: “أنّ هذه الصلات بين المعيار النقدي وانحرافاته تصف الأدب آنيًا وتطوريًّا، فليس ثمة نموذج يمتاز بالكمال ليحتذي به، ومن هنا انبثق تجريب أدوات جديدة تحيك إنتاجات فريدة”.
بداية النقد؛ خضوع لمناهج أخرى
يقول عمر حاج الشعيب: “لئن بدأ النقد العربي في مبتدأ أمره خاضعًا لمناهج تراثه العربي عند ثلة من المشتغلين بالنقد، فإنّ جماعة أخرى من النقاد استعلموا مناهج اللسانيات؛ كالأسلوبية والسيمائية وغيرها؛ إذ لا تعرف وطنًا ولا لغة تنسب إليها، ولكنها ملك البشرية جمعاء من حيث الاستفادة من إمكانياتها النقدية، فمثلها مثل أي قانون علمي آخر كقوانين نيوتن للحركة مثلًا”.
وتابع: “أثرى هؤلاء النقاد النقد بدراسات لامعة، مثلما فعل كمال أبو ديب في كتابه (الرؤى المقنعة نحو منهج بنيوي في دراسة الشعر الجاهلي)، ومحمد العبد في دراسته (إبداع الدلالة في الشعر الجاهلي)، ومحمد مفتاح في مؤلفه (في سيمياء الشعر القديم)”.
تطورات إبداعية للنقد
للإبداع عنوان وللنقد مسارات عديدة جميعها تؤدي إلى الإبداع، وتقويم مسار الأدب العربي، وبهذا الخصوص أوضح الشعيب التطورات الإبداعية في النقد قائلًا: “ففي بداية الأمر ظهرت الصحف؛ كصحيفة الحكمة في صنعاء، وصحيفة فتاة الجزيرة في عدن وغيرها، ضمت بين دفتيها أوائل الإنتاجية الأدبية والنقدية اليمنية في العصر الحديث”.
وأشار إلى استمرار نشر الإبداع النقدي والأدبي في الصحف إلى أن وصل الأمر إلى أن أصدر زيد الوزير كتابه النقدي: (دراسات في الشعر اليمني القديم والحديث)، ثمَّ تلاه أحمد الشامي بكتابه: (قصة الأدب في اليمن)، وهكذا مضت حركة النقد في نموها وتدفقها متابعة لحركة الأدب اليمني، فكتب الدكتور عبد العزيز المقالح كتابه: (الأبعاد الموضوعية والفنية لحركة الشعر المعاصر في اليمن).
وتابع: “سطر الدكتور أحمد الهمداني دراسات متخصصة عن شعراء يمنيين مثل (الزبيري شاعر التغيير في اليمن)، و(دفاعًا عن لطفي جعفر أمان)، وألف الدكتور عبدالله البار مؤلفات عديدة مركزة على استنطاق النصوص أُسلوبيًا، فظهرت له دراسات مثل: ( في أسلوبية النص: قراءة في قصيدة هوامش يمانية على تغريدة بن زريق البغدادي)، و(في معنى النص وتأويل شعريته)، و(من أسرار التقنية في شعر المقالح، شعرية التماثل والانزياح: قراءة في ديوان أوراق الجسد العائد من الموت)، ومن بعد ذلك تناسلت وتكاثرت الدراسات والمؤلفات اليمنية والنقدية، وإن غلب عليها التكرار، وعجزت -في الأعم- عن أن تأتي بجديد عميق في الرؤية والاتجاه”.
عناصر النقد
يقول الناقد الأدبي عمر حاج الشعيب: “إنّ عناصر النقد الأدبي تتنوع وتتعدد، وتعتمد بشكل كبير على المنهج النقدي الذي يتبعه الناقد، فمنها ما يركز على المؤلف بعدّه منتج النص الأدبي، ومنها ما يركز على النص نفسه ككائن مستقل، ومنها ما يوجه اهتمامه نحو المتلقي وقراءته للنص، وهناك مدارس نقدية أخرى تسعى إلى الجمع بين هذه المناهج في محاولة لتقديم قراءة أكثر شمولية للنص الأدبي. ولكل من هذه المدارس أساليبها ومداخلها الخاصة في تحليل النصوص الأدبية”.
معالجات برؤية شبابية إيجابية
لتطوير عملية النقد الأدبي في اليمن لا بُدّ من إيجاد معالجات لتطويره، وبرؤية شباب واعد يعملون في النقد الأدبي جاءوا بمعالجات عدة.
يقول محمد سالم من محافظة حضرموت: “إنّه لا بُدّ من دعم الشباب وإعطائهم الفرصة من أجل التعبير عن احتياجاتهم العملية في النقد الأدبي، وإعطاء المساحة لهم بالكتابة والفن”.
وأشار إلى أنّ قيام المؤسسات الأدبية والثقافية الرسمية والأهلية بدورها الأساسي في اكتشاف المبدعين ورعايتهم وحمايتهم، إلى جانب توعية المجتمع بضرورة دعم المشاريع الأدبية والإبداعية، وعودة الصحف الأدبية المتوقفة للصدور، ودفع حقوق فكرية للمبدعين والكُتاب – سيسمح للمبدعين الاستمرار في الكتابة وتبني مفهوم التفريغ الأدبي والفني، وهو مفهوم مطبق في جميع الدول العربية، ويعد أحد أهم أسباب ولادة الأعمال الأدبية الخلاقة في العالم واليمن.
الشاب ربيع؛ قصة شغف بالقراءة وسط تحديات الحياة
أحمد باجعيم – صوت الأمل القراءة تمثل أداةً أساسية لتطوير الذات وبناء المعرفة، وهي من…