الجهات الرسمية ودورها الخجول في رعاية الأحداث في اليمن
أحمد باجعيم – صوت الأمل
تعد رعاية الأطفال الأحداث في اليمن من القضايا الإنسانية والاجتماعية الملحة التي تتطلب تضافر الجهود الرسمية والمجتمعية للاهتمام بها؛ إذ تعيش اليمن ظروفًا صعبة تتأثر بشكل كبير بالأزمات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، مما ينعكس سلبًا على فئة الأطفال، لا سيما الأطفال الأحداث الذين يحتاجون إلى رعاية خاصة وتأهيل مكثف لإعادة دمجهم في المجتمع بشكل صحيح، وتقديم الرعاية النفسية والاجتماعية لهم لضمان عدم انحرافهم مرة أخرى.
إن الجهات الرسمية المتمثلة بدور الأحداث وغيرها من الجهات المعنية تلعب دورًا محوريًا في توفير الرعاية اللازمة لهؤلاء الأطفال، من خلال سن القوانين والتشريعات التي تضمن حقوقهم، وتوفير البنية التحتية اللازمة لخدمات الرعاية والإصلاح.
إلى جانب ذلك، تبذل منظمات المجتمع المدني والمنظمات الدولية دورًا كبيرًا في مساعدة الجهات ذات الاختصاص، من خلال تقديم الدعم النفسي والاجتماعي والتمويل المالي. في هذا التقرير سنعرض أهم التوصيات والحلول لتحسين جودة الرعاية المقدمة للأطفال الأحداث بما يضمن مستقبلًا أفضل لهم ولمجتمعهم.
الإجراءات القانونية
تنص المادة (124) من الفصل الرابع بما يتعلق برعاية وتأهيل الأحداث من القانون رقم (45) لسنة 2002م بشأن حقوق الطفل، وفقًا للموقع الرسمية للنيابة العامة (مكتب النائب العام اليمني): “أن الطفل ما دون 12 عامًا لا يجوز التحفظ عليه في أقسام الأجهزة الأمنية، ويتطلب تسليمه لذويه، وفي حالة تعذر ذلك يتوجب إيداعه في دار الأحداث”، فيما تؤكد المادة (126) أن تكون دور الأحداث ومؤسسات الرعاية الاجتماعية مهيأة بالصورة الصحيحة، وأن تكفل حقوقهم النفسية والاجتماعية.
وتنص المادة (127) أيضًا أن على الجهات الرسمية المعنية الإشراف ومتابعة الأطفال الأحداث وتعليمهم وتأهيلهم في مختلف مراحل التعليم، وكذلك تمكينهم من العمل. كما تجري محاكمة الحدث بشكل سري ولا يحضر المحاكمة سوى أقربائه، ويحظر نشر وقائع المحاكمة أو أي شيء يتعلق بالطفل استنادًا للمادة (131) من الفصل الخامس.
دور الجهات الرسمية
قالت مديرة إدارة الحالة بمكتب وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل بساحل حضرموت، حكمت الشعيبي: “إن المكتب المتمثل بإدارة الحالة تعد الجهة المعنية بمتابعة الأطفال الأحداث أو المعرضين للجنوح مع الجهات ذات العلاقة التي تتوفر لديها خدمات متكاملة لرعايتهم. كما أن مكتب الشؤون الاجتماعية يعمل على تذليل الصعوبات والتحديات التي تواجه دار الأحداث أو المؤسسات التي تعمل على تأهيل وتدريب الأطفال الجانحين، وتعمل على التنسيق بين الطفل الجانح أو الجهات التي تتوفر لديها خدمات”.
وأضافت أن مكتب وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل يعمل سنويًا على دراسات وأبحاث حول الأطفال المعرضين للانحراف، ومعرفة المشاكل المسببة لجنوح الطفل ومحاولة تقديم حلول وتوصيات للمجتمع والجهات المعنية والمدارس؛ لتعمل تلك الجهات على هذه التوصيات للحد من انحراف أو جنوح الأطفال أو خروجهم من كنف عوائلهم وذويهم.
من جانبه أشار محمد العرافي -مدير إحدى دور الأحداث- إلى أن الدار تعمل على استقبال الأطفال ومعرفة أسباب هروبهم من المنزل أو العائلة، ومن ثم التواصل مع ذويهم لتعريفهم بمكان وجود أطفالهم، وبعد ذلك تعمل الدار على إعادة تأهيله من خلال العلاج السلوكي، يلي ذلك الجلوس مع الأسرة وتوعيتها، وكل ذلك يصب في مصلحة الطفل وعائلته من خلال التعليم وأهمية دراسة حتى تتحسن حالته بصورة إيجابية. وتعمل دار الأحداث على التنسيق مع محكمة الأحداث للإفراج عن الأطفال المرتكبين للجرائم بعد أخذ الضمانات اللازمة.
وتابع العرافي: “إن الطفل أثناء وجوده بدار الأحداث يخضع للعديد من البرامج التأهيلية، ومنها برنامج الدمج المجتمعي والعلاج السلوكي النفسي والمعرفي، وبرنامج التعليم الذي يعد من أهم البرامج للأطفال؛ كون أغلبهم غادروا مقاعد الدراسة لسبب أو لآخر. ولو اكتشفت دار الأحداث أن الأسرة هي السبب في انحراف أو جنوح الطفل، فإنها تبدأ بالبحث عن أسرة بديلة لرعاية الطفل. إن دور الدار لا يقتصر على هذه البرامج فحسب بل هناك الكثير من البرامج التأهيلية الأخرى”.
هذا وأوضح مدير دار التوجيه الاجتماعي (دار الأحداث) بالمكلا، عدنان بن ثابت، أن الدور الذي تلعبه الدار يتضمن دورًا جماعيًا؛ إذ أن جميع العاملين في الدار مشتركين في الإدارة التي تقوم على توفير الطلبات وتنفيذ البرامج والأنشطة والأمور الروتينية اليومية للأطفال، مثل التغذية والصيانة والرعاية وغيرها، أما الدور الأبرز والأهم فيقوم به مختصون اجتماعيون، ومنها استقبال الأحداث من نيابة الأحداث أو من مراكز الشرطة، وتقديم الدعم النفسي لهم، وتطمينهم ونزع الخوف والقلق الذي تكوَّن من القضية أو من مراكز الشرطة. كذلك يقوم المختص بعمل ملف اجتماعي وصحي للحالة، ويضع البرامج العلاجية حسب نوع القضية.
وأردف قائلًا: “أيضا، يقوم المختصون التابعون للدار بوضع البرامج والأنشطة اليومية، وتشمل التعليم والتدريب المهني، والرياضة والتوعية والإرشاد الديني والثقافي، وكل البرامج التي تعمل على تقويم سلوك الحدث. وأهم وأعظم دور يلعبه الدار توفير الحماية للحدث من أهل المجني عليه ومن المجتمع”.
التعاون والشراكات
قالت الشعيبي: “أبرز الشراكات التي عمل عليها مكتب وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل بساحل حضرموت كانت مع منظمة الأمم المتحدة للطفولة اليونيسف، التي بدأت معها منذ بداية عام 2016م وحتى نهاية عام 2023م؛ إذ تضمنت تلك الشراكة على حماية الطفل وتقديم الرعاية الصحية والاجتماعية والنفسية والتعليم. كما تم تنفيذ العديد من البرامج والأنشطة المتنوعة، إلى جانب تأهيل وتدريب الأطفال الجانحين أو المعرضين للانحراف”.
وأضافت الشعيبي في حديثها: “وشراكة أخرى جمعت مكتب الشؤون الاجتماعية مع منظمة رعاية الأطفال الدولية التي وقعت اتفاقية تعاون مطلع عام 2023م. وما تزال شراكة التعاون مستمرة بين الجانبين، وهي تهدف إلى تقديم الرعاية اللازمة للأطفال الأحداث في ساحل حضرموت بتمويل من المنظمة”.
وفي ذات السياق قال بن ثابت: “أبرز الجهات التي شاركت في تأسيس دار الأحداث هي الصندوق الاجتماعي للتنمية، الذي لعب دورًا كبيرًا في بناء الدار وتجهيزها بالأثاث وتوفير المواصلات. وأيضًا السلطة المحلية بالمحافظة التي أقرت الميزانية التشغيلية وفعَّلت جميع الأنشطة بالدار، أما في المبني الجديد للدار في منطقة فَلَك (شرقي مدينة المكلا) فقد تدخلت مؤسسة إسناد في صيانة المبني وبعض التجهيزات الأخرى، لكن دار الأحداث لم تستطع مباشرةَ العمل لوجود الكثير من النواقص. كما أن هناك مساهمات من بعض المؤسسات الخيرية المحلية ومنظمات المجتمع المدني الناشئة”.
وأضاف: ” يأمل دار الأحداث في أن تلعب المنظمات المؤسسات الخيرية دورًا كبيرًا في مساندة الدار وحماية أطفال الأحداث، والتدخل في تعزيز البرامج والأنشطة المختلفة بما يسهم في تعزيز الدور الذي تقدمه دار الأحداث لخدمة الأطفال والمجتمع ككل”.
التحديات
ترى حكمت الشعيبي أن أبرز التحديات التي تواجه الجهات المعنية برعاية الأطفال الأحداث هي قلة الدعم والتمويل. فعلى الرغم من توفر كم هائل من منظمات المجتمع المدني والمؤسسات التنموية، فإن توجهها نحو الاهتمام بالأطفال وتأهيلهم يعد تحديًا قائمًا يتطلب تسليط أنشطة تلك المنظمات على هذه الفئة العمرية. إضافة إلى عدم توفر الدعم اللازم لدار الطفولة الآمنة المتوقف عن العمل إلى اليوم نتيجة قلة التمويل، فضلًا عن ذلك توقف دار الأحداث بساحل حضرموت عن العمل منذ بداية الصراع، ومن ثم سلمت مع جائحة كورونا لمكتب وزارة الصحة وإلى الآن لم تسلم إلى مكتب وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل.
من جانبه قال بن ثابت: “دار الأحداث بالمكلا على الرغم من عدم تسليمها لإدارة الأحداث فإن هناك بعض التحديات التي تواجه الإدارة في حال تم تسليمها في الفترة القادمة. ومن هذه التحديات ضعف البنية التحتية والتجهيزات اللازمة وبناء بعض المرافق داخل الدار، وأيضًا عدم توفر المنشآت الترفيهية الخاصة بالأطفال -كالملاعب الرياضية والتشجير وانعدام الألعاب- بالإضافة إلى عدم وجود ورش مهنية تُكسب الأطفال التأهيل المهني”.
التوصيات
تطرقت حكمت الشعيبي إلى حث المنظمات الدولية ومنظمات المجتمع المدني على الاهتمام بالأطفال الأحداث، وتكثيف أنشطتهم ودعمهم بما يخدم هذه الفئة، من خلال التدريب والتأهيل والرعاية الصحية والاجتماعية والنفسية لهم، وتحسين رواتب العاملين والمتعاقدين في دار الأحداث، بما يعود إيجابًا على الأطفال، وعقد شراكات بين الجهات المانحة والجهات المختصة برعاية الأطفال.
كما ذكر بن ثابت بعض التوصيات لتطوير جودة العمل داخل دار الأحداث، ومنها: على الجهات الحكومية إعطاء اهتمام أكبر لدار الأحداث المهملة قرابة 9 سنوات منذ اندلاع النزاع المسلح، وسرعة توفير المواصلات، والعمل على تأهيل وتدريب العاملين بالدار محليًا وخارجيًا، وإيجاد مصادر لتحفيز العاملين بالدار لبُعد المسافة، والصعوبات التي يواجهها الموظف، كما أن هذه التوصيات هي حاجة ملحة في الوقت الحاضر وهي ضرورية للغاية.
ختامًا، تتطلب التحديات التي تواجه هذه الفئة تعاونًا مشتركًا وجهودًا مستدامة من جميع الأطراف المعنية؛ لضمان تقديم الدعم اللازم والبرامج الفعالة التي تعزز من قدراتهم وتحمي حقوقهم.
61.9% من المشاركين في الاستطلاع قالوا إنّ القوانين الحالية غير كافية للتعامل مع قضايا الأحداث في اليمن…
إعداد: يمنى الزبيري – صوت الأمل في ظل الأزمة الإنسانية التي يعاني منها اليمن والصراع المست…