الإدمان على التكنولوجيا.. خطر يهدد الأطفال ويُوْدي بهم إلى العنف
أحمد باجعيم – صوت الأمل
تعد وسائل التواصل الاجتماعي والتكنولوجيا الحديثة من أبرز الظواهر التي شهدها القرن الحادي والعشرين على مستوى العالم؛ إذ أصبحت جزءًا لا يتجزأ من حياة الناس بشكل عام، بما في ذلك فئة الأطفال، ومع تزايد الاعتماد على هذه الوسائل، ظهرت له آثار جانبية وخطيرة لا يمكن تجاهلها؛ إذ أصبحت تشكل مصدر قلق متزايد بين فئات المجتمع، ومن بين هذه الآثار ارتفاع معدلات الجريمة لدى الأطفال نتيجة استخدامهم للتكنولوجيا بشكل مفرط وسلبي.
كشفت دراسات وتقارير متخصصة في هذا الشأن عن العلاقة الوطيدة بين الاستخدام المتزايد للتكنولوجيا وبين انتشار بعض الأنماط السلوكية الخطرة بين صغار السن، مثل التنمر الإلكتروني والابتزاز والتعرض لمحتويات غير ملائمة والحث على العنف، وغيرها من الأنماط السلوكية التي تخالف التنشئة الصحيحة للأطفال. من خلال هذا التقرير، سنتناول بعمق كيف تؤثر وسائل التواصل الاجتماعي والتكنولوجيا على سلوك الأطفال، وما العوامل التي تسهم في انتشار هذه الظاهرة، بالإضافة إلى تسليط الضوء على دور الأهل والمجتمع في مواجهة هذا التحدي.
تأثير التكنولوجيا على الأطفال
ترى أستاذة علم الاجتماع بجامعة حضرموت، الدكتورة إيمان الأحمدي، أن استخدام وسائل التواصل الاجتماعي بمختلف مسمياتها تؤثر بشكل غير متوقع على حياة الأطفال، من حيث الصحة الجسدية والعقلية وعدم القدرة على التحكم بنفسه أو بحركاته، وأيضًا تسبب عدم التركيز والانتباه بسبب قلة النوم. كما أن استخدام التكنولوجيا من قبل الأطفال يعد سببًا رئيسيًا في عدم الاستقرار النفسي لديهم، والشعور بالاكتئاب والقلق، كما يسبب اضطرابات غذائية وضعفًا في التواصل والعلاقات الاجتماعية، وتؤدي في نهاية الأمر إلى عزل نفسه عن البيئة المحيطة به.
من جانبها تشير المختصة النفسية حمدة باحميد إلى أن انتشار التكنولوجيا في وقتنا الحالي أصبح يؤثر بشكل كبير على حياتنا اليومية، ونجد أن الأطفال هم الأكثر انجذابًا نحو تلك الوسائل الحديثة؛ إذ يقضي الكثير منهم معظم أوقاتهم في استخدامها، مما يؤثر بشكل سلبي على مهاراتهم ومبادئهم وسلوكهم، وأن جلوسهم أمام شاشات الهاتف أو التلفاز لساعات طويلة يؤدي بهم إلى ضعف في التركيز والشعور بالكسل.
وأضافت: “علاوة على ذلك، يكتسب الطفل المدمن على وسائل التكنولوجيا قيمًا وأخلاقيات خاطئة تبثها بعض منصات التواصل الاجتماعي. وقد تجعله في حالة انعزال اجتماعي، وعدم قدرة على الاندماج مع الآخرين؛ وهذه آثار قد تجعل الطفل -فيما بعد- يقوم بارتكاب سلوكيات عدوانية بحق من حوله، وقد يتطور إلى ارتكاب جريمة في المستقبل”.
وفي السياق ذاته، قالت المختصة الاجتماعية في مركز الأمل للاستشارات والدعم النفسي راوية الجابري: “للتكنولوجيا تأثير كبير على الطفل من ناحية إيجابية، وسلبية أيضًا؛ ففي الجانب الإيجابي تفتح للطفل آفاق التعرف على تطورات العصر، أما من الجانب السلبي فقد تؤدي التكنولوجيا إلى تغييرات في سلوكياته إذا تم استخدامها بشكل غير صحيح؛ لذا لا بد من متابعة الطفل عند استخدامها ومراقبته ومتابعة تصرفاته والعمل على تصحيحها، مع محاولة تقليل استخدامه لهذه المنصات، والبحث عن بدائل”.
انتشار العنف
في تقرير لموقع “الجزيرة الوثائقية”، في سبتمبر 2022، بعنوان “أطفال الإنترنت.. أخطار قاتلة تترصد جيل المستقبل خلف الشاشات”، أشار إلى أن ثلثي مستخدمي الشبكة العنكبوتية في العالم هم من الأطفال، وتعد التكنولوجيا بيئة خطيرة لهم؛ إذ يتم استدراجهم إلى ارتكاب أفعال منحرفة، كالجنس والبغضاء والإدمان على المواد الإباحية، بالإضافة إلى التطرف الديني والتعرض للتنمر الإلكتروني الذي يتسبب في عقدٍ نفسية ترافق الطفل مدى حياته.
وأشارت الدكتورة الأحمدي إلى أن أبرز أسباب إدمان الأطفال على مواقع التواصل الاجتماعي المشاكلُ الأسرية، التي تدفعهم إلى التفكير في الهروب من واقعهم المؤلم، أو ما يعانون من نقص في المهارات لحل بعض المشاكل التي يعاني منها، مثل ضعف اتخاذ القرارات المتعلقة بالمستقبل، وعدم التخطيط بشكل منظم لحياتهم، وبعضهم يعاني من صعوبة التكيف مع البيئة المحيطة بهم، وذلك ناتج عن الظروف القاسية التي يعانونها، مما ينتج عنه ارتكاب العنف بحق أنفسهم أو بمن حولهم.
وتابعت: “لعلاج الطفل قبل وقوعه في العنف، يجب اتخاذ عدة تدابير تتضمن الاعتراف بوجود المشكلة؛ لأن الكثير من الأطفال المدمنين على التكنولوجيا لا يعترفون بها، ثم يجب تقديم العلاج الفردي للطفل المدمن على التكنولوجيا، ومن ثم العلاج الجماعي والعلاج الأسري يتبعه الدعم النفسي والاجتماعي من قبل متخصصين”.
من جانبها أوضحت حمدة باحميد أنه قد يظهر لدى الطفل بعض السلوكيات العنيفة تجاه الآخرين بسبب تصوير هذه السلوكيات على أنها جيدة أو إظهارها بالشكل البطولي في وسائل التواصل الاجتماعي، فيقوم بعض الأطفال بتقليد هذه السلوكيات؛ مما قد يسبب انتشار ما يسمى بجرائم الأطفال، كالنصب والاحتيال وغيرها، باستخدام بعض الحيل التي تروج لها بعض وسائل التواصل الاجتماعي عن طريق التطبيقات أو الألعاب الحديثة.
وفي الصدد ذاته، ذكرت راوية الجابري أن كثرة استخدام التكنولوجيا قد تؤثر عقليًا ونفسيًا على الطفل؛ إذ يصبح أكثر إدمانًا على الإنترنت، وتقوده المُشَاهَدَة الخاطئة إلى الاكتئاب والقلق وعدم التعايش مع من حوله، وهذه مؤشرات لجنوح الطفل إلى سلوكيات عدوانية تسهل له ارتكاب أخطاء قد تصنف من ضمن الجرائم.
إدمان الأطفال عالميًا
أكد تقرير “الجزيرة الوثائقية” أن حالة إدمان الأطفال على الإنترنت ارتفعت خلال جائحة كورونا؛ بسبب ملازمتهم للمنازل؛ إذ واجهوا خطر التعرض للأذى. وأظهرت العديد من الأبحاث، وفقًا للتقرير إياه، تزايدًا مقلقًا لظاهرة التنمر الإلكتروني على الأطفال حول العالم، فيما يتعرض طفل من كل ثلاثة أطفال لظاهرة التنمر، وتوقف طفل من أصل خمسة أطفال عن الذهاب إلى المدرسة نتيجة العنف الإلكتروني.
وفي إحصائية ذكرها تقرير صادر عن شركة “ماكافي للأمن المعلوماتي”، عام 2022م، أن 80٪ من الأطفال تعرضوا لحالة تنمر على منصة “إنستجرام”، ووصل عدد حالات التنمر والعنف في موقع فيسبوك إلى 50٪، بالإضافة إلى النسبة ذاتها في موقع “تيك توك” و”سناب شات” خلال العام ذاته.
آثار الإدمان وطرق العلاج
ترى الدكتورة الأحمدي أن من أبرز الآثار التي يخلفها إدمان الأطفال على الإنترنت هي الآثار النفسية والعقلية، وتتضمن: انخفاض تقدير الذات، وعدم الرغبة في الحصول على تفاعلات اجتماعية، وانشغال العقل في أمور لا فائدة منها. وهي كذلك تُولِّد لديهم مشاعر الحسد حين ينظرون إلى حياة الآخرين التي تبدو حياة مثالية، كما أن هناك آثارًا جسدية، كإجهاد العين نتيجة التحديق في الشاشة لفتره طويلة جداً، وصعوبة النطق وقلة النشاط البدني مما يؤثر على الصحة العامة.
وأضافت أن هناك آثارًا اجتماعية تلحق بالأطفال بصور عامة، منها: خلق العداوة والعنف أثناء التعامل مع الآخرين، وتدني المستوى التعليمي، والعيش في عزلة بعيدًا عن المحيطين بهم. فضلاً عن ذلك، توجد آثار إيجابية، أهمها: زيادة حصيلة الطفل المعرفية بسبب اكتشاف ثقافات مختلفة، وكذا تنمية التفكير النقدي والإبداعي والتحليلي عند الطفل، وذلك عن طريق ممارسة بعض الألعاب، وتعزز من مهارات الرسم الإبداعي لديهم.
أما عن طرق العلاج فتشير الأحمدي إلى أن هناك طرقًا للعلاج تكمن في تفعيل دور المختصين الاجتماعيين والنفسيين في المدارس والجهات التي تُعنى بالطفل. ومن هذه الطرق توعية المجتمع بمخاطر إدمان الأطفال على الإنترنت، وتقديم الدعم النفسي والاجتماعي للأطفال المدمنين؛ للتخفيف من الضغوط النفسية والاجتماعية.
بدورها قالت باحميد: “يأتي دور المختص النفسي أو المرشد الأسري في وضع الخطة لتعديل سلوكيات الأهل والأطفال معًا في التعامل مع وسائل التواصل الاجتماعي؛ إذ يعد دور المختص مهمًا ومؤثرًا؛ لتفعيل دور الرقابة الأسرية على استخدام الأطفال لهذه الوسائل، وتحديد الوقت المناسب لاستخدامها وتفعيل التطبيقات المناسبة لعمر الطفل وملء وقت الفراغ لديهم بالأنشطة المفيدة التي تساعد في خلق علاقات اجتماعية مع الآخرين، كالرياضة وغيرها من الأنشطة. وكذلك الحرص على أن يكون الآباء والأمهات قدوة جيدة لأطفالهم في استخدام تلك الوسائل الحديثة بالشكل الذي يجعلها إضافة إيجابية في حياة الجميع”.
وتذكر الجابري أهم الأدوار التي تقع على عاتق المتخصصين؛ للتخفيف من آثار استخدام التكنولوجيا على الأطفال والحد منها، ومن هذه الأدوار توعية الأهالي بعدم استخدام الأطفال للتكنولوجيا في سن مبكرة؛ لما له من تأثيرات سلبية على الطفل ونفسيته، والعمل على تعويد الطفل على القراءة وتنمية مهاراته من خلال ممارسة بعض الأنشطة المفيدة، وإعطاءه الحرية الكافية لممارسة الأنشطة الرياضية، ومتابعة البرامج الهادفة التي تساعده في التفكير الإيجابي والإبداعي.
في النهاية، يتوجب على الآباء ومن يقوم بواجب التربية، والجهات المعنية، تعزيز الرقابة وتوجيه الاستخدام الصحيح للتكنولوجيا، بالإضافة إلى تعزيز البرامج التوعوية التي تُركز على المخاطر المحتملة، وتقديم الدعم اللازم للأطفال لتجنب الوقوع في السلوكيات الإجرامية، وأن العمل المشترك بين الأسرة والمدرسة والمجتمع يعد السبيل الأمثل لضمان بيئة آمنة وصحية لنمو الأطفال.
61.9% من المشاركين في الاستطلاع قالوا إنّ القوانين الحالية غير كافية للتعامل مع قضايا الأحداث في اليمن…
إعداد: يمنى الزبيري – صوت الأمل في ظل الأزمة الإنسانية التي يعاني منها اليمن والصراع المست…