الصحة النفسية في اليمن.. دوافع وأسباب تثير اختلاف وجهات النظر
حنين الوحش – صوت الأمل
يعد موضوع الصحة النفسية في اليمن معقدًا ودقيقًا، اختلفت حوله وجهات نظر المجتمع بشكل كبير حتى وصل إلى حدوده الدنيا من انعدام الوعي والإدراك، وأودى بحياة البعض على غفلة من الجميع.
وعلى الرغم من أن اليمن تعاني من أزمة إنسانية عميقة، تفاقمت بسبب الصراع الدائر منذ سنوات، تاركة آثارًا نفسية عميقة على سكانها، فإن هناك مؤشرًا إيجابيًا يبعث على الأمل؛ إذ برزت في الآونة الأخيرة جهودٌ شبابيةٌ ملموسةٌ تهدف إلى تعزيز مفهوم الصحة النفسية في المجتمع اليمني، عبر تنظيمها العديد من الحملات التوعوية المكثفة حول الصحة النفسية، مستخدمة مختلف الوسائل المتاحة، من وسائل التواصل الاجتماعي، إلى البرامج التلفزيونية، وورش العمل التثقيفية؛ الأمر الذي أسهم في ارتفاع نسب التقبل لهذا المفهوم حسب قول بعض المختصين النفسيين.
تأثيرات ودوافع
تحكي إحدى النساء في غرفة انتظار تابعة لأحد المستشفيات أن ابنتها كانت تعاني من قلق وضيق شديدين لدرجة تدفعها إلى إيذاء نفسها، وقد ذهبت بها إلى العديد من الأطباء المتخصصين في الطب النفسي بعد أن نصحتها إحدى جاراتها دون جدوى؛ إذ كانت تنام كثيرًا من العلاجات، ولكن الشعور السلبي ما يزال موجودًا. حينها ذهبت بها إلى أحد الشيوخ للتداوي بالقرآن، وأخبرها الشيخ أنها مصابة بالعين، فبدأت بجلسات متتابعة معه حتى تعافت.
تصر هذه المرأة على أن الأمراض النفسية لا تعالج إلا بـ”جلسات الذكر”، أما الأدوية فقد تسبب العديد من الأمراض الجانبية التي تؤثر مستقبلاً على حالة المريض.
ومن جانبها تقول الدكتورة أشجان الفضلي -أستاذة علم الاجتماع ومختصة الدعم النفسي والإرشاد الأسري: “من العوامل المؤثرة على عدم تقبل الناس للصحة النفسية ومدى أهميتها في حياتنا نقص الوعي المجتمعي، والثقافات والمعتقدات والقيم التي تؤثر على فهم الناس للصحة النفسية وتفسيرها، إضافة إلى النظرة المجتمعية القاصرة والسلبية المرتبطة بالأمراض النفسية في العديد من المجتمعات، مما يعيق الناس عن طلب المساعدة من المختصين”.
وتضيف: “تختلف إمكانية الوصول إلى خدمات الصحة النفسية من مجتمع إلى آخر، مما يؤثر على نوعية الرعاية المتاحة، كما تؤثر الأحداث اليومية والظروف الاقتصادية على الصحة النفسية للأفراد والمجتمعات”.
وتوافقها الرأي الدكتورة سميحة غنيم، المختصة في علم النفس؛ إذ تقول:” تعد الصحة النفسية ركيزة أساسية من ركائز الصحة العامة للفرد، ولها أهمية بالغة في مختلف جوانب حياته؛ لأنها تمكنه من القدرة على التعامل مع ضغوط الحياة اليومية، مثل العمل والعلاقات الشخصية والمشاكل عامة، إضافة إلى أنها تحسن العلاقات العامة مع المحيط، مما يولد شعورًا بالسعادة والرضا، وتزداد الإنتاجية في مجال العمل والدراسة، غير أنها تساعد على تحفيز الإبداع والابتكار”.
وأكدت أن الصحة النفسية تؤثر على الصحة الجسدية بشكل مباشر، بدليل أن الأشخاص الذين يعانون من مشاكل نفسية يكونون أكثر عرضة للإصابة بأمراض جسدية مثل أمراض القلب والسكري.
وتتابع: “الصحة النفسية الجيدة تشمل أيضًا الجانب الاقتصادي؛ إذ يعاني الأشخاص المصابون بمشاكل نفسية من معدلات تغيب عن العمل أعلى من غيرهم. وتشير العديد من الدراسات إلى أن تحسين الصحة النفسية يؤدي إلى فوائد اقتصادية واجتماعية كبيرة”.
زوايا مختلفة
وحسب رؤية المختص النفسي إبراهيم قائد فإن للتربية والثقافة والدين والخبرات الشخصية دورًا في التأثير على آراء العامة، وفي الطريقة التي ينشأ بها الناس على معتقداتهم ومواقفهم من الصحة النفسية، فقد يتعلم الأطفال الذين ينشؤون في بيئة داعمة ومتفهمة أن من الطبيعي طلب المساعدة عندما يعانون من مشاكل نفسية، بينما قد يتعلم الأطفال الذين ينشؤون في بيئة مُستهجنة للمشكلات النفسية أن يخفوا مشاعرهم ويحاولوا حلّها بمفردهم.
ويضيف: “تؤثر الثقافات على كيفية فهم الناس للصحة النفسية وتفسيرها؛ فبعض الثقافات تنظر إلى مشاكل الصحة النفسية على أنها علامة على الضعف أو الفشل، فيما بعضها تنظر إليها على أنها جزء طبيعي من الحياة. كما أن التجارب الشخصية للفرد تجعله أكثر تقبلًا وتعاطفًا مع من يعانون من نفس المشكلة؛ ولذلك من المهم أن نتقبل وجهات النظر المختلفة بغض النظر عن معتقداتهم أو تجاربهم”.
وفي نفس الإطار، ترى طالبة علم النفس نور جلال أن بعض الناس قد يخافون من طلب العلاج بسبب الخوف من الإدمان أو الآثار الجانبية للأدوية، وقد ينكر بعض الناس وجود مشاكل نفسية لديهم، مما يؤخر طلب المساعدة، إضافة إلى أن بعض الأشخاص قد لا يجدون الدعم الاجتماعي الذي يحتاجون إليه من العائلة والأصدقاء للتأقلم مع مشاكلهم النفسية.
معالجات وحلول
في إطار الحديث عن التحديات والأسباب التي تؤثر في الصحة النفسية والعلاج لها؛ تقول الفضلي: “يجب تحسين إمكانية الوصول إلى خدمات الصحة النفسية، من خلال زيادة عدد مقدمي الخدمات المؤهلين وتوسيع نطاق تغطية التأمين، إضافة إلى دعم المزيد من البحث العلمي؛ لتطوير علاجات أكثر فعالية، وإشراك المجتمعات في الجهود المبذولة لتحسين الصحة النفسية”.
وتضيف: “الصحة النفسية جزء لا يتجزأ من الصحة العامة؛ لذا لا بد من خلق مجتمعات تقدِّر الصحة النفسية وتدعم الأشخاص الذي يعانون من مشاكل نفسية”.
من جانبه يقول إبراهيم قائد: “اعترافًا بأهمية الصحة النفسية وتعزيز وعي المجتمع بها يمكن تنظيم حملات توعية، ونشر معلومات حول الصحة النفسية في وسائل الإعلام، ومنصات التواصل الاجتماعي، وتشجيع الناس على التحدث بصراحة عن مشاكلهم النفسية وطلب المساعدة عند الحاجة، وذلك لنشر ثقافة الرعاية النفسية، وتوسيع البرامج الوقائية لتشمل الوقاية من الاضطرابات النفسية وتعزيز السلامة النفسية”.
ويتابع: “من المهم تشجيع التحدث في المدارس وتنظيم ورش عمل تستهدف الأطفال في مختلف المراحل العمرية، وجلسات توعية في المعاهد التعليمية والتدريبية وأماكن العمل، حول أهمية الصحة النفسية، وكيفية العناية بها، وتطوير السياسات العامة التي تدعم الصحة النفسية، وتقديم الدعم اللازم للأفراد الذين يعانون، وتحفيز المجتمع على فتح الحوار حولها، والتخلص من النظرة السلبية تجاه الاضطرابات النفسية”.
ويعد تباين الجمهور حول تقبل الصحة النفسية من أهم التحديات التي تواجه المجتمع؛ إذ تختلف نظرة الناس إلى الصحة النفسية من شخص لآخر، ومن فئة اجتماعية لأخرى. ومن أسباب التباينات: نقص الوعي؛ إذ يعتقد الكثير من الناس أن الصحة النفسية هي علامة ضعف أو جنون، ونقص الخدمات المتاحة للصحة النفسية التي تعد من أهم التحديات التي تواجهها في اليمن، بالإضافة إلى أن الكثير من الناس يعانون من صعوبة الوصول إلى خدمات الإرشاد النفسي والعلاج النفسي التي تؤدي إلى تفاقم مشاكلهم.
هناك العديد من التقارير الصحفية تؤكد أهمية التوعية المجتمعية حول كيفية التعامل مع الصحة النفسية للفرد، ولن يتم ذلك إلا عبر تنظيم محاضرات وورش عمل تستهدف مختلف أفراد المجتمع في المدارس والعمل حول الصحة النفسية؛ لتعليمهم كيفية التعامل مع الضغوطات، وكيفية الحفاظ على صحتهم النفسية، وتوفير برامج مساعدة لذلك، مثل برامج الإرشاد النفسي، وبرامج إدارة الضغوطات.
ولا بد من العمل المشترك لخلق بيئة صحية وداعمة لجميع أفراد المجتمع، من خلال تقليل الضغوطات وتعزيز التواصل، بالإضافة إلى تنظيم حملات توعية في المجتمع، لتقديم معلومات حول الصحة النفسية، وكسر الوصمة الاجتماعية المرتبطة بها، عبر التعاون مع المنظمات المجتمعية.
كما ذكرت التقارير أن استخدام الفنون والثقافة للتوعية حول الصحة النفسية، مثل المسرح والسينما والموسيقى، مؤثر جدًا على الأفراد؛ وذلك لجعل الرسالة أكثر وضوحًا وتأثيرًا، والعمل على دعم البحوث العلمية في مجال الصحة النفسية، لفهم أفضل للمشاكل النفسية، وتطوير علاجات جديدة وفعالة، ونشر نتائج البحوث العلمية لرفع مستوى الوعي حول أهمية الصحة النفسية، وتقديم معلومات موثوقة للجمهور.
69.2% من المشاركين في الاستطلاع قالوا إنهم عانوا بالفعل من أعراض الاضطرابات النفسية
إعداد: يُمنى الزبيري الصحة النفسية -حسب تعريف منظمة الصحة العالمية لها- حالة من العافية يس…