‫الرئيسية‬ الأعداد السابقة الصحة النفسية في اليمن الأمراض النفسية والروحية في اليمن.. بين الحقيقة والتشكيك

الأمراض النفسية والروحية في اليمن.. بين الحقيقة والتشكيك

حنين الوحشصوت الأمل

يختلف مفهوم الأمراض النفسية وتصنيفها من شخص إلى آخر، وعلى الرغم من الشعور بالأعراض والمعاناة التي يعانيها الإنسان على إثرها، فإن الكثير من الناس ما يزالون يجهلون أهمية الصحة النفسية وعلاجها علميًا. وخوفًا من نظرات المجتمع والوصمة المرتبطة بالأمراض النفسية، يلجأ البعض إلى العلاج الروحي (التداوي بالقرآن والرقية الشرعية) كبديل للعلاج النفسي، معتقدين أنه الحل الوحيد لمشكلاتهم.

مرت الصحة النفسية في اليمن بمراحل متعددة، بدءًا من الإهمال والتجهيل، ووصولاً إلى خطوات حثيثة نحو التطوير والاهتمام؛ فقد عرفت اليمن أول مصحة نفسية عام 1966 في مدينة عدن، افتتحها حينها البريطانيون، واعتمدت على طبيب واحد وكانت أشبه بزنزانة. ولا يختلف الوضع كثيرًا في الحديدة، إذ اُفتتحت بعدها بقرابة عشر سنوات مصحة السلام التي لم تقدم أي علاج للمرضى.

 واتخذت الصحة النفسية في اليمن خطوات للأمام، فشهدت نقلة نوعية مع تأسيس قسم للصحة النفسية في المستشفى الجمهوري بصنعاء في العام 1978. وبعد أربع سنوات أصدرت منظمة الصحة العالمية دراسة لتقييم واقع الصحة النفسية في اليمن تؤكد فيها الحاجة الملحة إلى تطوير الخدمات.

وعلى الرغم من وجود تلك المراكز والخدمات النفسية، فإن الثقافة المجتمعية لعبت دورًا مهمًا في حصر مفهوم العلاج النفسي في المراكز النفسية فقط، مما أدى إلى وصم قاصدي هذه المراكز بـ”المجانين”. وخوفًا من نظرة المجتمع السلبية، تردد الكثير من المرضى في طلب العلاج، مما أدى إلى تفاقم حالاتهم، وما يزال هناك إيمان لدى أفراد المجتمع بالعلاج الروحي كعلاج فعال لبعض أعراض الأمراض النفسية التي تأتي بمسميات مختلفة.

بين مفهومين

الصحة النفسية، كما عرَّفتها منظمة الصحة العالمية عام 1946، “حالة من المعافاة التامة بدنيًا ونفسيًا واجتماعيًا، وليست الخلو من المرض أو العوق فقط. ومؤخرًا أضيفت المعافاة الروحية إلى التعريف الذي يوضح أن المعافاة النفسية هي المكون الأول والدعامة الرئيسية في الصحة العامة”، حسب الدكتورة أشجان الفضلي، أستاذة علم الاجتماع ومختصة الدعم النفسي والإرشاد الأسري.

 وحول تداخل المفاهيم المتعلقة بالصحة النفسية لدى المرضى ومحيطهم، تقول الفضلي: “ما تزال الأمراض النفسية في اليمن تواجه العديد من التحديات، من أهمها المفاهيم الخاطئة؛ إذ يُعاني الكثير من المرضى ومحيطهم من مفاهيم خاطئة حول طبيعة الأمراض النفسية وأسبابها وعلاجها. كما توجد أفكار مغلوطة حول علاج الأمراض النفسية وسببها، والاعتقاد بالتلبس بالجن أو الحسد أو السحر، مما يدفعهم إلى البحث عن حلول روحانية بدلاً من العلاج النفسي”.

وبينت أن معالجة المريض النفسي لا يتم إلا على أيدي أطباء متخصصين، كما في معالجة أي مرض بدني آخر؛ لأن للأمراض النفسية أسبابًا بيولوجية وكيميائية واجتماعية، وليست ناتجة عن التلبس أو السحر. ومؤكدة أن حرمان المريض من العلاجات الطبية التي تثبت فائدتها في السيطرة على الأمراض النفسية يعد أمرًا غير مقبول شرعًا وقانونًا وعلمًا.

وبالحديث عن مدى تقبل المجتمع تقول الفضلي: “وعي المجتمع أصبح جيدًا ومتقبلًا، في الوقت الراهن، لفكرة المرض النفسي وأهمية علاجه. ومن أبرز الأنشطة التي أقدمها لأفراد المجتمع وأقترحها دائمًا أن يعطي الفرد نفسه الوقت الكافي للنوم والراحة، وأن يعبر عن أفكاره ومشاعره من خلال عدة طرق، عبر الكتابة لكل ما يزعجه ويقلقه، أو من خلال جلسة فضفضة لأحد المقربين أو المتخصصين، وأن يكون “التنفس التفريغي” ضمن عاداته اليومية؛ للتخلص من بعض المعتقدات السلبية حول ذاته وقدراته”.

وتتابع: “لم يتمكن الطب الحديث من التعامل مع المعتقدات المتعلقة بالسحر، أي لا يوجد قول فصل في هذه المسألة. ولا ننكر وجود الجن والحسد؛ فقد ذكرت في القرآن الكريم، ولكن ربما تُعد حيلًا نفسية دفاعية يستخدمها الفرد للتعبير عمَّا في نفسه بطريقة تضمن حرية التعبير”.

وترى الدكتورة سميحة غانم “أن الطب النفسي لا يتعامل مع المعتقدات الروحية، ولا يتدخل كونها ثقافات. ومع ذلك، يمكن للطبيب النفسي تصحيح المفاهيم الخاطئة حول السحر، في حال لجأ المريض إلى العلاج الروحي قبل طلب المساعدة الطبية”.

أعراض شائعة

يلجأ كثير من الأشخاص في اليمن إلى “الرُقية الشرعية” كوسيلة لعلاج بعض الأمراض النفسية، وذلك إيمانًا منهم بقدرتها على طرد الجن والسحر. والرقية الشرعية تعني قراءة آيات من القرآن الكريم وأدعية مأثورة، مع النفث على المريض؛ بهدف الشفاء من الأمراض الجسدية والنفسية. ويؤمن كثير من اليمنيين بفاعلية الرقية الشرعية في علاج الأمراض النفسية، خاصة تلك التي لا تجد لها تفسيرًا طبيًّا.

ويشير الشيخ وهيب عبد الجليل إلى بعض الأعراض النفسية التي تختلف من شخص لآخر، وقد يرى البعض تجليات على السلوك والجسد لا تُفسر طبيًا، ويقيِّم الأطباء الروحانيون تلك الأعراض بعناية لتقديم المساعدة المناسبة، ومن هذه الأعراض: الشعور بثقل غير مبرر، ألم عام في الجسد، الأحلام المزعجة والمتكررة التي تضم مظاهر مخيفة أو غريبة، حالات الهلع أو الخوف المفاجئ دون سبب واضح، التغيرات المفاجئة في المزاج والسلوك قد تصل إلى درجة العدوانية. وفي ضوء هذه الأعراض تعد الرقية الشرعية وسيلة لتقديم الراحة النفسية والروحية.

ويخلط الكثير من اليمنيين بين الأمراض النفسية والسحر والشعوذة، مما يؤدي إلى تأخير طلب العلاج المناسب. ولمعرفة الفوارق بين كل من المرض النفسي والروحي، يبين وهيب “أن المرض النفسي يرتبط بالحالة العقلية والعاطفية للفرد، وتشمل أعراضه التقلبات المزاجية والانفعالية والقلق والاكتئاب والأرق واضطرابات التفكير. ويعالج بالأساليب الطبية والنفسية والعلاجات السلوكية، ويُدرك على أنه اضطراب عصبي أو سلوكي”.

ويضيف: “أما المرض الروحي فيرتبط بالمعتقدات الدينية والروحية، التي تتضمن أعراضه الشعور بالإحباط الروحي، والاكتئاب، والقلق، وفقدان التركيز، والكوابيس. ويعالج السحر والشعوذة من خلال الرقية الشرعية وممارسات الشفاء الروحي، وقد ينظر إليه كاختبار إيماني”. لكن وهيب يؤكد أهمية النظر إلى هذه الأمراض من منظور علمي وأكثر شمولية في العصر الحديث.

كيف تتحقق الصحة النفسية؟

تُعد الصحة النفسية من أهم جوانب الصحة العامة، ولها تأثير كبير على حياة الفرد ومجتمعه. تُعرف الدكتورة الفضلي الصحة النفسية بأنها “نظرة الشخص حول ذاته ونوعية ردة فعله حيال موقف معين، وهي مرتبطة بمحيط الشخص من عادات وتقاليد وقيم وأعراف ونشأة، بالإضافة إلى أن الصحة النفسية هي حالة من التوازن بين المشاعر والأفكار والسلوك”.

يمكن فهم معنى الصحة النفسية والاضطرابات النفسية من خلال فهم الأفكار والمشاعر والسلوك وتقييمهم؛ إذ تشير الفضلي إلى بعض علامات تمتع الفرد بالصحة النفسية الجيدة، كالقدرة على التعامل مع الضغوط، والقدرة على القيام بعلاقات اجتماعية سليمة مع الآخرين.

وتتابع: “يمكن تمييز الفرد المضطرب من خلال التشويش في الوظائف الشخصية، أو أن لدى الفرد أفكارًا ومشاعر وتصرفات مزعجة له والآخرين، وتسبب له تراجعًا في أدائه الحياتي”.

ومن وجهة نظر الفضلي أن على الأفراد السيطرة على مشاعرهم وأفكارهم للظهور بالسلوك السوي والمتوازن، وأن هناك عناصر أساسية لازمة لتحقيق الصحة النفسية، منها: الجسم السليم، الدفء العائلي، التربية والتعليم المناسبين لعلم المجتمع وحضارته ومعتقداته وقيمه.

ومن جانبها تؤكد غانم أنه في السابق كان هناك عدم تقبل من قبل مجموعة كبيرة من الأسر لمفهوم المرض النفسي، وما يزال عدم التقبل موجودًا لكنه -حاليًا- يُقابل بالصحوة والوعي بهذه المفاهيم. وتضيف: “نعمل دائمًا على تصحيح المفاهيم عبر التوعية والرسائل المجتمعية وأنشطة الدعم النفسي للأطفال والكبار، وإنشاء مساحات آمنة وغيرها من الأنشطة والبرامج التي تساعد في الجانب النفسي”.

من المهم تغيير نظرة المجتمع تجاه الصحة النفسية، ونشر الوعي حول أهمية العلاج النفسي، كما يجب توفير المزيد من الخدمات النفسية في جميع أنحاء اليمن؛ لضمان حصول جميع المرضى على الرعاية التي يحتاجونها. والصحة النفسية تعد مسؤولية فردية ومجتمعية، يجب التكاتف لتحقيقها، ونشر الوعي حول أهميتها في مختلف المحافظات اليمنية.

الرجاء تسجيل الدخول للتعليق.

‫شاهد أيضًا‬

69.2% من المشاركين في الاستطلاع قالوا إنهم عانوا بالفعل من أعراض الاضطرابات النفسية

إعداد: يُمنى الزبيري الصحة النفسية -حسب تعريف منظمة الصحة العالمية لها- حالة من العافية يس…