تحديات لا تثني عن الإبداع، شعراء اليمن يواصلون كتابة الشعر رغم الظروف القاسية
أحمد باجعيم – صوت الأمل
في الوقت الذي يعدُّ فيه الشعر جزءًا لا يتجزأ من الثقافة اليمنية العربية الأصيلة، ووسيلة للتعبير عن الهوية والمشاعر، يواجه الشعراء في اليمن تحديات جمّة تعكّر صفو حياتهم الإبداعية، وتضع عراقيل أمام تجسيد أفكارهم ورؤاهم التي تلامس الواقع بكل شفافية، ويحاول الشعراء بقصائدهم من منطلق إيمانهم الراسخ بقوة الكلمة وقدرتها، تحويل الواقع وتشكيل معالم المستقبل المنشود، إلَّا أنّ كثيرًا من التحديات التي تكالبت على المجتمع اليمني، ومنهم الشعراء، شكّلت عائقًا أمام الخبرات والمواهب الأدبية في ربوع البلاد.
ومن خلال هذا التقرير، سنتعرف على أهم التحديات التي يواجهها الشاعر اليمني، وما مدى آثارها على حياته المهنية، وكيف يمكن أن تحدَّ من إيصال رسالته النبيلة التي لاقت رواجًا كبيرًا على المستويين المحلي والعربي، كما سنتطرق إلى أبرز الحلول والتوصيات لما من شأنها الرفع من مكانة الشاعر اليمني، وإعطاء مساحة كافية لطاقاته الإبداعية والأدبية أن تعاود نشاطها مثل ما كانت في العهد الماضي.
أبرز التحديات
يقول شاعر المليون الشاعر عمر حسين المقدي: “إنّ مواجهة التحديات هي وظيفة الشاعر الأولى، ومن زاوية أخرى، أعتقد أنّ التحديات تضع اللمسة الأخيرة على الشعراء الحقيقيين، فهم لا تؤطرهم الجغرافيا”. وعن التحديات التي تواجه الشعراء الناتجة عن الصراع الدائر في البلاد منذ نحو تسع سنوات أجاب المقدي، قائلًا: “إنّ الصراع ينتج ضحايا كما ينتج أبطالًا، أمّا الشعراء فهم لن يكونوا إلَّا أبطالًا، وفي اعتقادي أنّ الصراعات ما هي إلا صورة حقيقة لما يحدث في ذات الشاعر من اختلاجات تخيلية”.
وتابع الشاعر المقدي الذي وصل إلى نهائيات برنامج أمير الشعراء عام 2023م في دولة الإمارات، والفائز بالمركز الثاني في مسابقة الدكتور “عبد الرحمن المشيقح” الأدبية عن القصيدة العربية بالسعودية عام 2023م، “أنّ كل ما يحدث من الضرورة أن يكون قد مرَّ على حدس الشاعر، فهو لا يكترث للحدث بعد حدوثه – بمعنى أنّه لا يندهش منه – إنّما يهتم به جدًّا قبل حدوثه ويشعر به تمامًا، ولذلك سُمَّي شاعرًا، ومن هذه الرؤية أستطيع أن أقول إنّهم سيكونون بحجم الصراع، ورُبّما أكبر من ذلك”.
وأشار إلى أنّ ضعف الدعم وقلة الموارد لا تُعيق الشاعر الحقيقي، والأرقام تؤكد ذلك، فمعظم الجوائز الأدبية يبرز فيها شعراء يمنيون، أما عن تخطي المشاكل، فكل مشكلة يمكن أن تتجاوز بالإيمان بالذات.
وعن تجربته في المهرجانات الدولية وسخاء العديد من الدول العربية بالشعراء، وزيادة الدعم والموارد، فيقول: “لا أستطيع أن أنكر اهتمام بعض الدول بأبنائها الشعراء، وذلك لما وصلت له تلك الدول من وعي تام بأهمية الشعراء، كما لا أستطيع إنكار ما يحدثه الجانب الآخر من تقصير وعدم فهم لحقيقة الشعراء ودورهم، ولكن كما أسلفت هذا لا يعيق الشاعر أبدًا”.
من جانبه أوضح الشاعر الكبير سعيد بلكديش أنّ من أبرز التحديات التي تواجه الشعراء في اليمن اليوم، غياب الأمن المعيشي والفكري، وغياب النقاد؛ ممَّا سهّل وصول أنصاف المثقفين إلى التربع على المؤسسات الثقافية، كذلك وجود ما يسمى بالمؤسسات الثقافية، واعتمادها على (الأقربون أولى بالمعروف)، كما أنّ هذه التحديات يعد سببها الرئيسي غياب الدولة عن مفاصل الحياة، ومنه الجانب الأدبي والثقافي نتيجة النزاع المستمر الذي قوّض حضورها عن المشهد الوطني.
وأضاف: “أنّ الصراع أثّر على الشعراء تأثيرًا سلبيًّا، ومن ذلك التأثير، بعض الشعراء يسبح في تيار محدد على عكس الشاعر الآخر، ولكن يظل هذا الشيء ضعيفًا، كما أنّ كثيرًا من الشعراء تسبب النزاع المسلح بتضييق المساحة عليهم، لإبداء آرائهم وتخوفهم من المجهول، علاوة على ذلك عدم وجود الدعم والموارد الخاصة بالثقافة بشكل عام، وإن وُجدت تعدُّ ضعيفة جدًّا، ولا يمكن تجاوز هذه المعضلة إلّا في وجود دولة تراعي الكل، وتعطي كل ذي حقٍّ حقه”.
وفي الصدد ذاته تحدث الشاعر وافي الغرابي عن جملة من التحديات وفق وجهة نظره، ومن هذه التحديات التي تواجه الشعراء في اليمن، ظروف الحياة الصعبة، التي أثرت على كل المجتمع اليمني، ونغصت حياته، ومنه الشاعر الذي أثرت على إبداعاته، كما أنّ نقص الدعم والموارد أيضًا يعد تحديَّا آخر، وكذلك عدم وجود مساحة تدعم الكلمة الجميلة؛ إذ سيطرت المادة على أغلب الأعمال الفنية على حساب جودة النص الشعري؛ مما سبب عزوف كثير من الشعراء عن كتابة الشعر إلا في المناسبات الاجتماعية البسيطة.
وأردف قائلًا: “إنّ الصراع أثّر على الشعراء بحالتين؛ أحدهما إيجابية والأخرى سلبية، الحالة الأولى كون الشاعر لسان الشعب؛ فقد برز كثير من الشعراء في هذه المدة العصيبة التي تمر بها البلاد نتيجة النزاع المسلح، وما خلفه من أزمة حقيقية على الأصعدة كافة، أمّا الوجه الآخر فيتمثل في هجرة كثير من الشعراء خارج اليمن، بحثًا عن لقمة العيش؛ نتيجة نقص الدعم والموارد، وعدم الاهتمام من قبل الدولة بهذه الفئة”.
وأكد أنّ هذه المرحلة سوف تمضي، لكن لا يمكن تخطيها؛ لأنّها سوف تأخذ من الشاعر جوهر الشعر الجميل لديه، لذا وجب إيجاد حلول تحلُّ محل مؤسسات الدولة، وتوفير ما يحتاجه الشاعر من أجل إنارة هذا القنديل؛ إذ إنّه في الوقت الحالي لا توجد مؤسسات تقوم بهذا الدور، فقط هناك مسميات، أمّا الشعراء فلم يلمسوا وجودها.
المعالجات
شاعر المليون عمر حسين المقدي قال: “إنّ الدعم كلمة فضفاضة جدًّا، وتحمل في طياتها أيديولوجيات وأهدافًا معينة من الجهات الداعمة، وفي الحقيقة لن يقوم أحد بدعمك وأنت في القاع، ولكن عندما تصعد إلى القمة سيتهافت الجميع إلى دعمك، ولكي أكون منصفًا هنالك بعض الجهود الخجولة التي تقدّم الدور اليسير من الدعم، ومع ذلك تكمن المعالجات بهذه النقطة؛ وهي على الشعراء أنفسهم أن يبتكروا طريقة لتعزيز أدوراهم عبر الشعر؛ إذ إنّ اليمن تعدُّ مستقبل الشعر والشعراء”.
من جهته طرح الشاعر بلكديش عدة توصيات تعزز من مكانة الشاعر داخل المجتمع؛ وتشمل: الاهتمام بالشاعر ماديًّا ومعنويًّا، وخلق الجو الآمن له لكي يطرح ما عنده من إبداعات أدبية، وحفظ حقوقه الفكرية، وعدم الاعتداء عليها بأيّ شكل من الأشكال، كما أنْ لا خوف على مستقبل الشعر والشعراء؛ لأنّ هذه مواهب ربانية تجددت عبر الحقب الغابرة.
وافي الغربي ذكر أنّ من أهم المعالجات احتياج الشعراء اليمنيين إلى ندوات تجمع كل الشعراء من أنحاء الوطن، ويتم من خلالها مناقشة أبرز المشكلات، ثم الخروج بتوصيات شاملة تكون معالجات، علاوة على ذلك تتطلب المرحلة الحالية وما تشهدها من فوضى على الأصعدة كافة، وجود مؤسسات ومنظمات تهتم بالشعراء، وتدعمهم، وتلبي احتياجاتهم، كون الشعر أنيس الإنسان العربي الأصيل. قد يؤثر التطور على الشعر في شتّى أنحاء العالم، ولكن يبقى الشعر هو الأصيل، ولا خوف على الشعر في اليمن، فاليمن أنجبت أعظم الشعراء، وسوف تستمر في ذلك إلى المستقبل البعيد.
ومع هذه التحديات الشائكة والمتعددة، يظل الشعراء في اليمن مصرّين على مواصلة رسالتهم الإبداعية، محاولين تخطي العوائق وتجاوز الصعاب، آملين بمستقبل يقدّر الشعر ويوقر الشعراء، مستقبلٍ فيه الوطن يرقى ويسمو بعيدًا عن النزاعات والأزمات، مليءٍ بالتعايش والسلام.
90.2% من المشاركين في الاستطلاع يرون أن للشعر دورًا حيويًّا في الحفاظ على الهوية الثقافية اليمنية ونقلها عبر الأجيال
إعداد: يمنى الزبيري يعود تاريخ الشعر اليمني إلى عصور ما قبل الإسلام؛ إذ كانت القبائل اليمن…