‫الرئيسية‬ الأعداد السابقة الشعر في اليمن الصوت المكتوم؛ كيف أثّر النزاع على المشهد الشعري في اليمن؟

الصوت المكتوم؛ كيف أثّر النزاع على المشهد الشعري في اليمن؟

هبة محمد  صوت الأمل

 في زمن النزاع المستمر في اليمن، يظل الشعر بوصلة الأمل والتعبير الذي يمكن للشعراء التعبير من خلاله عن مشاعرهم وآرائهم، وإن تأثير النزاع على المنحى الشعري وتوجه الشعراء في اليمن يعدُّ موضوعًا يستحق تسليط الضوء عليه؛ إذ تعاني الأقلام الشعرية من تحديات جسام ومخاطر عديدة في ظل الظروف الصعبة التي تعيشها البلاد.

فقد تلقى الشعراء اليمنيون صدى لا يمكن تجاهله للأحداث والظروف التي يمرون بها يوميًا، يتحدثون عن النزاع والدمار، عن الأمل والمقاومة، عن القسوة والحنين، وعن الحياة والموت، ويستخدمون الشعر ليكونوا صوتًا يعبر عن الواقع المؤلم، ويسلط الضوء على التحديات التي يواجهونها.

شعراء يمنيون في ظل الصراع

رحلة الشعراء اليمنيين تعكس المعاناة والمقاومة التي يوجهونها يوميًا، فهم يعيشون في بيئة تهزّها الصراعات والدمار، وترتسم على وجوههم آثار الفقد والألم، ومع ذلك، فإنّ للشعر قوة خاصة تمنحهم القدرة على التعبير والتأمل والتراث، ما يجعلهم يواصلون قصيدتهم في ضوء الظروف الصعبة.

يقول الشاعر وليد الشعيبي: “إنّ تأثير الصراع في اليمن مدمّرٌ ومؤلمٌ، ولم يتجاوز الشعراء هذا التأثير المدمر، فقد اجتاح النزاع حياتهم اليومية كباقي أفراد المجتمع، وأصبح جزءًا لا يتجزأ من واقعهم المرير، وتعكس قصائدهم هذا الصراع الشّاق، وتكشف عن مفارقات صادمة وعجيبة، تفوق حدود الخيال، إنّها واقعية سريالية يصعب للعقل تصورها، ولكنها في الوقت نفسه أثخنت العاطفة وأشعلت نارها في قلوبهم”.

ويكمل حديثه بالقول: “في ظل هذا الواقع القاسي، اختلفت ردود أفعال الشعراء اليمنيين، فقد اختار بعضهم الصمت، فلم يجدوا الكلمات الكافية لوصف مأساة الصراع وآلامه، ومع ذلك، لا يزال بعضهم الآخر يواصلون مسيرتهم الشعرية بشجاعة، رغم الصعاب والمعاناة، ويسعون لإبقاء الشعر محايدًا، ويرون فيه وسيلة للتعبير عن الألم والأمل الذي يسكن قلوبهم”.

كما أشار إلى أنّ بعض الشعراء انحازوا لأطراف معينة، سواءً لأسباب شخصية أو معيشية، استغلوا الشعر كوسيلة لتحقيق مصالحهم الشخصية، وتجاهلوا الأمور السياسية والاجتماعية والاقتصادية الأخرى التي تعاني منها اليمن، هذا الانحياز يسلب الشعر قوته وأهميته.

وشارك أيضًا الشاعر يحيى الحايطي بقوله: “المعلوم أنّ الشاعر هو ابن بيئته، وهو اللسان الناطق باسم مجتمعه ووطنه، ولا شك أنّ احتدام الصراع، واشتعال فتيل النزاعات في بلدٍ ما قد يؤثر تأثيرًا سلبيًا على كل مناحِي الحياة، وخاصة إذا طال أمد الصراع، واليمنيون هم أرق الناس قلوبًا، وألينهم أفئدة، فما بالك بشعرائهم المرهفين إحساسًا، ورقةً، وشعورًا”.

وأكد أنّ صبغة الحزن والحسرة والألم قد صبغت الشعر اليمني في مرحلة الصراع؛ انعكاسًا لما يعانيه المجتمع من أوضاع معيشية قاسية، وصراع ودمار، وسفك للدماء ممّا ألقى بظلاله على نتاج الشعراء.

الصراع والتوجه العام للشعراء

وعن تأثيرات الصراع على التوجه العام للشعراء في اليمن يشارك الكاتب والشاعر سلمان القباتلي بقوله: “لقد كان للصراع والأوضاع المضطربة في اليمن تأثيرٌ كبيرٌ على التوجه العام للشعراء اليمنيين، ففي ظل الصراع والأزمات المتتالية، اتّجه العديد من الشعراء إلى طرح قضايا وطنية وسياسية في أشعارهم، معبرين عن آلام شعبهم وتطلعاته”.

ويواصل القباتلي: “برز في أشعار الشعراء اليمنيين خلال هذه المدّة نبرة ثورية وحماسية؛ إذ استخدموا الشعر كوسيلة للتعبير عن مواقفهم السياسية المختلفة، وتشويه الطرف الآخر، وإلى جانب الطرح السياسي، ركز الشعراء على قضايا اجتماعية وإنسانية، تعكس معاناة الشعب اليمني جراء الصراع والأزمات المعيشية”.

وأشار إلى بروز اتجاه نحو الشعر النثري والتجريبي كوسيلة للتعبير عن الأزمات، والتأثير على المتلقي بطريقة مغايرة. وذكر أنّ الأوضاع السياسية والأمنية المضطربة في اليمن شكلّت محورًا مركزيًّا في توجهات الشعراء اليمنيين وأساليبهم الإبداعية، ممّا أضفى عليها طابعًا سياسيًّا وثوريًّا واجتماعيًّا بارزًا.

 ويرى الحايطي أنّ الشاعر لا يستطيع أن يعيش بمعزلٍ عن الحياة الاجتماعية في وطنه، ولا يستطيع أن يغض الطرف عن الصراع القائم، فلا بُدَّ أن ينجرف مع التيارات المتصارعة، إن جاز التعبير، سواء أكان مؤيدًا لفئة، أم معارضًا لفئة من الفئات المتصارعة.

وأوضح أيضًا أنّ الصراع أدّى إلى تغلب جانب التعصب على الجانب الأدبي، فيحيد الشعر عن كونة أدبًا خالصًا يستقى من الحياة، والمحيط الاجتماعي، إلى لسانِ بوقٍ لهذا أو لذاك، ممّا أفقده جانب الصدق الشعوري والوجداني الذي يقوم عليه الشعر أساسًا.

ولا يختلف رأي الشاعر علي ناصر المرح عمّا قاله الشعراء في سياق حديثهم معنا، فقد أوضح أنه في زمن الصراع يكاد الشعر والشاعر معًا أن يفقدا مكانتهما القومية وهويتهما الوطنية؛ إذ انخرط بعض من الشعراء في خدمة الفصيل السياسي الذي ينتمي إليه، ومدحه وتمجيده، وانشغل بتوجيه الهجاء إلى غيره. وأشار أنه من الضروري أن يتخلص السياسيون والمجتمع معًا من كل المصالح الضيقة، والسماح بإقامة دولة النظام والقانون والمؤسسات الدستورية.

تحديات

الشعراء اليمنيون يواجهون العديد من المخاطر والتحديات خلال مدّة الصراع في اليمن، ذكر الشاعر الحايطي أحد أهم هذه التحديات، التي تتمثل في التهميش، وعدم احتضان دور الشعراء كجزء مهم في المجتمع، فعادةً ما يتعرض الشعراء للتجاهل، وعدم إعطاء الاهتمام الكافي لأفكارهم ورؤاهم الإبداعية، التي تعكس الواقع وتطرح قضايا مهمة.

وأوضح أنه من الصعب على الشعراء أن يجدوا فرصًا للتعبير عن أنفسهم وعرض إبداعاتهم خلال مدّة الصراع؛ إذ يتراجع الاهتمام بالفعاليات الثقافية؛ مثل الأمسيات الشعرية والندوات والمسابقات الشعرية، هذا التراجع أثّر سلبًا على تحفيز الشعراء وتطويرهم، ويقيّدهم عن التنافس وتبادل الخبرات وتعلم بعضهم من بعض.

 وأضاف: “يتعرض الشعراء اليمنيون للخطر والتهديد في ظل الصراع المستمر؛ فقد يواجهون قيودًا على حرية التعبير والتجول، وقد يتعرضون للضغوط والتهديدات من قبل الأطراف المتصارعة التي تحاول توجيه الشعراء نحو أهدافهم”.

وأشار في سياق حديثه أنّ قسوة الظروف المعيشية التي يعانيها الشعب اليمني في ظل الصراع، ومن ضمنهم الأدباء والشعراء خاصة في غياب المرتبات، وقلة وجود فرص عمل متاحة أو ندرتها في المجتمع، أدّى إلى قلّة الإنتاج الشعري، وسيطر على الشاعر الحزن، واليأس، والإحباط، والتشاؤم، وانعكس ذلك على نتاجه الشعري والأدبي.

ويؤكد على ذلك أيضًا الشاعر المرح بقوله: “هناك تحديات عديدة يعاني منها الشاعر في الوقت الحاضر، منها قلة الاهتمام والعناية اللازمة للشاعر والأديب، مما أدى إلى استياء وضعه المعيشي والمادي، وقسوة ظروفه التي تحول بينه وبين القدرة على طباعة أعماله وتدوينها وتسجيلها لدى الوزارة المخصصة؛ ويفترض أن يسجل كل عمل إبداعي لكل شاعر أو كاتب لدى وزارة الثقافة وتحت رقم خاص لهذا العمل قبل أن يُنشَر للعامة”.   

معالجات

يجب أن نبحث عن معالجات تسهم في استعادة دور الشعر وتوجهه العام في اليمن، وينبغي أن يكون هناك اهتمام بالشعراء والأدباء والمثقفين اليمنيين، ومساعدتهم على نشر إبداعاتهم الشعرية والفكرية وتوثيقها، هذا ما أكد  عليه  عدد من الشعراء  بقولهم: “لإعادة المشهد الشعري اليمني في ظل الصراع يجب تشجيع المواهب الشابة والمغمورة، والعمل على رفع مكانة الأدب وإبراز الطاقات الشعرية الخلاقة، وينبغي أن يتمتع الشعراء بدعم مادي ومعنوي لكي يستطيعوا الاستمرار في إثراء المشهد الثقافي في اليمن وتنمية التوجه العام للشعر نحو المواضيع المهمة والإنسانية”.

من المهم أن نعمل جميعًا على تعزيز الوعي الشعري والأدبي في المجتمع، من خلال تنظيم ورش عمل ومسابقات شعرية، وإقامة فعاليات ثقافية تسلط الضوء على القيم الشعرية والثقافية في اليمن. يجب أيضًا توفير الدعم اللوجستي والمادي للمنتديات الشعرية والمؤسسات الثقافية، لتشجيع التفاعل والتبادل الثقافي بين الشعراء والكتاب والجمهور.

فيما يرى الشعيبي أنّه يجب على الحكومة والمؤسسات الثقافية والمجتمع المدني العمل معًا لتعزيز الدور الثقافي للشعراء في اليمن، وتوفير دعم مالي، وتشجيع النشر والترويج للإبداعات الشعرية، وينبغي أيضًا تعزيز التواصل والتبادل الثقافي مع الثقافات العربية والعالمية الأخرى، لتعزيز التعاون وتبادل الخبرات الشعرية.

ويؤكد على السابق القباتلي بقوله: “المعالجات والحلول تتمحور في التفات الدولة والقطاعات الخاصة والمجتمع، أيضًا دعم مؤسسات الثقافة والشعر، وتحسين وضع الشعراء والمثقفين، وتحسين صورتهم عند العامة، ورعاية الأدباء والمثقفين وإعطائهم حقهم ومكانتهم التي يستحقونها”.

فيما يرى الشاعر بشير المصقري أنّه لا يوجد أي معالجات بالإمكان استجلابها في أوضاع سياسية معقدة ونسيج اجتماعي ممزق، وتتبعها أوضاع معيشية بالغة التعقيد تجاوزت الميثولوجيا القائلة: بأنّ المعاناة تولد الإبداع.

وحسب المصقري: “أنّ الشاعر اليمني قد قطع كبقية الناس المعاناة بمسافات ضوئية وبأميال بؤس هائلة وشاسعة، وذكر متسائلًا؛ هل هناك مدى لاقتراحٍ أو تصور حل بأي حجم كان، ولو بحجم قاعة للفعاليات الشعرية نتهيأ من خلالها، ولبحث معالجات لهذا الواقع الشعري المتذبذب من حيث الوجهات، وليس من ناحية الشعر كرسالة روحية وقيمة فنية في اليمن؟”.

في النهاية، يجب أن يكون الشعراء اليمنيون رمزًا للأمل والتغيير، وأصواتًا تنادي بالسلام والحوار والمحبة، كما يجب أن يتمتعوا بدعم المجتمع والمؤسسات الثقافية، لكي يستطيعوا الاستمرار في إثراء الثقافة الشعرية في اليمن، وتعزيز التوجه العام نحو القضايا الإنسانية والسلام.

الرجاء تسجيل الدخول للتعليق.

‫شاهد أيضًا‬

90.2% من المشاركين في الاستطلاع يرون أن للشعر دورًا حيويًّا في الحفاظ على الهوية الثقافية اليمنية ونقلها عبر الأجيال

إعداد: يمنى الزبيري يعود تاريخ الشعر اليمني إلى عصور ما قبل الإسلام؛ إذ كانت القبائل اليمن…