‫الرئيسية‬ الأعداد السابقة الشعر في اليمن إبداع لا يموت… شعراء اليمن يضيئون شعلة الأمل في زمن عصيب

إبداع لا يموت… شعراء اليمن يضيئون شعلة الأمل في زمن عصيب

ياسمين عبد الحفيظصوت الأمل

أثار الشاب اليمني أسامة الرضي إعجاب المدونة الفلسطينية مرام -المعروفة في وسائل التواصل الاجتماعي باسم “فتاة النرد”- خلال مشاركة هاتفية في برنامجها، وذلك بقصيدته المُذهلة “من أنا”؛ إذ بدأ الرضي قصيدته بأبيات شعرية قوية، أبهرت مرام ببلاغتها وجمال أسلوبها، ممّا دفعها إلى أن تطلب منه إكمال القصيدة بعد أن اشترطت عليه الاختصار في المقدمة.

تميزت قصيدة “من أنا” بعمق معانيها وتناغم أبياتها؛ إذ عبر الشاعر من خلالها عن مشاعره وأفكاره بطريقة مؤثرة، تاركاً انطباعاً قوياً لدى مرام والجمهور على حدٍ سواء.

” خليك واين رايح”، كان لهذه العبارة وقع على أسماع اليمنيين الذين تداولوا المقطع على أوسع نطاق، عبر وسائل التواصل الاجتماعي المختلفة، أرادوا من خلاله أن يثبتوا للعالم أن الأجيال في اليمن تتوارث مسيرة الشعراء اليمنيين الأوائل الذين وصلت قصائدهم لكل العالم، وعرفت أبياتهم بقوة اللغة والأسلوب والمعنى.

لم يقتصر تداول المقطع الشعري المؤثر للشاعر اليمني أسامة الرضي، الذي يحمل عنوان “من أنا”، على نطاق اليمن فحسب، بل تجاوز الحدود ليحظى باهتمام واسع من قبل محبي الشعر في مختلف أنحاء الوطن العربي والعالم، حتى أصبح هذه الشاعر العشريني يعرفه الكثير من اليمنيين والأجانب، وكثير منهم عرفه من مشاركته تلك.

أهم الشعراء في اليمن

تمتلك اليمن إرثًا غنيًا بالشعراء والأدباء، ولكل مرحلة روادها في مجال الشعر. ومن أشهر الشعراء اليمنيين: محمد الشرفي، (الفضول) الشاعر عبد الله عبد الوهاب نعمان، أحمد بن فضل القمندان، عبد الله البردوني، عبد العزيز المقالح، أبو بكر سالم، على ناصر القردعي، خالد زيد الشامي، عبد الكريم الرازحي، مطهر علي الإرياني، حسن أحمد اللوزي، محمد إسماعيل الأبارة، عبد الولي الشميري، عبدالله مطهر، حسن عبدالله الشرفي، ميمونة أبو بكر الحامد، وغيرهم كثير.

وهناك شعراء آخرون من أمثال أسامة الرضي، زين العابدين الضبيبي، يحيى الحمادي، عامر السعيدي، عبد العزيز الزراعي، محمد القاسمي، ياسين محمد البكالي، عبده الزراعي، عبدالاله الشميري، فاطمة العشبي، مبارك سالمين، وغيرهم الكثير من نجوم الشعر في مختلف المناطق اليمنية.

أبرز مؤلفات الشعراء في اليمن

يعد الشاعر اليمني الكبير عبد العزيز المقالح من أبرز شعراء العصر الحديث، وله مكانة مرموقة في الساحة الشعرية اليمنية والعربية؛ إذ تميز شعره بجمال اللغة وقوة المعنى وعمق المشاعر، ونال إعجاب القراء والنقاد على حدٍ سواء.

ترك المقالح إرثاً أدبياً تمثل في العديد من المؤلفات الشعرية والنثرية، من أشهرها “لا بد من صنعاء”، وهو ديوان شعري عبَّر فيه عن حبه لمدينة صنعاء وارتباطه بها. وله الملحمة الشعرية “رسالة إلى سيف بن ذي يزن”، وديوان “أبجدية الروح”، و”كتاب صنعاء”، و”دوائر الساعة السليمانية”، و”بالقرب من حدائق طاغور”، و”أوراق الجسد العائد من الموت”، و”كتاب المدن”، وغيرها.

ويُعدّ الشاعر علي مغربي الأهدل من أشهر شعراء منطقة تهامة اليمنية، الذي اشتهر بأشعاره الملهمة التي تجسد جمال المنطقة وعبق ثقافتها.

ونشأ الأهدل في قرية الدامغ بمديرية السخنة في محافظة الحديدة، محاطاً بثقافة تهامة الغنية وتقاليدها العريقة، وقد تناولت قصائده مواضيع متنوعة من الحب والغزل إلى الوصف الاجتماعي والثقافي لمنطقة تهامة؛ إذ لم تقتصر شهرته على شعره المكتوب، بل غنى العديد من الفنانين اليمنيين قصائده، مما أسهم في انتشارها على نطاق واسع وتعزيز تأثيرها في نفوس الناس في مدينة الحديدة، ومنهم الفنان عبدالله آل سهل، ومنها أغنية “واباه ومناصف” و”الليلة خميس”، والأغنية التي تصدرت شهرة واسعة على مستوى البلد “وا جون”، وأغنية “جمل حسين”.

وله مؤلفات شعرية منها ديوان “عزف على شُبابة الشوق”، وديوان “حديث المشاقر”، إلى جانب مؤلفات ما تزال قيد الطبع.

يثري ساحة الشعر العربي الشاعر ياسين محمد البكالي بمجموعة من الإصدارات الشعرية التي تجسد إبداعه وتلامس مشاعر القارئ، وتعد هذه الإصدارات بمثابة رحلة عبر دواخل الشاعر وأفكاره، وتعكس تجاربه وارتباطه الوثيق بقضايا الوطن والأمة؛ فله ديوان “همسات البزوغ” الذي صدر عام 2008م عن مطابع الكتاب المدرسي، وديوان “أحزان موسمية على الضفة الغربية” الذي صدر في عام 2009م عن مركز عبادي للنشر، وديوان “مناسك غربةٍ لم تكتمل بعد” الذي صدر في عام 2012م عن مركز عبادي أيضًا. يلامس الديوان مشاعر الغربة والابتعاد عن الوطن، ويعبر عن مشاعر الحب والفقدان.

ولا تقتصر مؤلفات ياسين محمد البكالي عند هذه المؤلفات فحسب، بل له مؤلفات شعرية أخرى تشمل ديوانًا بعنوان “أحدٌ ما يشتكي الآن منكَ”، وديوان “رمٌق آيلٌ للحياة”، ومجموعة شعرية “قبل أن يطفئ الماء قنديله” عن نادي نجران الأدبي 2018م، وديوان “مخافة أنْ” عن منتدى شعراء ريمة 2020م، وديوان “أشرعةٌ تصلي في حضرة البحر”، بالإضافة إلى ديوان “النزوح الأبيض إلى حروفٍ لا تعرف الجهاتْ”، وديوان “عمرةٌ وسربُ قصائد”، ومجموعة شعرية حملت اسم “ليس في بالهِ أن يعود”.

تحديات الإبداع في زمن الصراع

يُواجه شعراء اليمن، كغيرهم من المبدعين، تحديات جسيمة في مختلف جوانب حياتهم تلقي بظلالها القاتمة على مسيرة إبداعهم وتُعوِّق قدرتهم على التعبير عن مواهبهم وأفكارهم، وتعود هذه التحديات بشكل أساسي إلى الوضع الراهن الذي تعيشه البلاد، جراء الصراع الدائر منذ سنوات، الذي خلف بيئة قاسية تعرقل ممارسة الأنشطة الثقافية وتغيِّب دور الجهات المختصة في دعم ورعاية المبدعين.

الشاعر نبيل عثمان الصلوي، تطرق إلى عدد من الصعوبات التي يواجهها شعراء اليمن، تركزت على الظروف المعيشية التي تقف عائقًا كبيرًا أمام الشاعر، خاصة في مثل هذه الظروف الصعبة.

وأوضح أن الشاعر في اليمن أصبح منشغلًا بهموم ومتاعب الحياة، والبحث وراء لقمة العيش التي تعكر مزاج الشاعر وتؤرق مضجعه، فبدلًا من أن يتفرغ لأفكاره وكتابة هواجسه، تجده أكثر الأوقات شارد الذهن في كيفية توفير متطلبات أسرته المعيشية. 

ويتابع: “التحدي الثاني الذي يعوِّق مسيرة الشاعر في اليمن، عدم توفر البيئة الأمنة المناسبة لتوليد الأفكار وتحريك المشاعر؛ إذ أن حرية الرأي والتعبير أصبحت معدومة في اليمن نتيجة الصراع، فإذا أردت أن تعبِّر عن رأيك، وتكتب عن البيئة المحيطة بك، أو تسلط الضوء على قضية اجتماعية، لا بد أن تواجه انتقادات قد تسيس أفكارك، وهنا أنت تعرض نفسك وأسرتك التي تعولها للخطر”.

ويرى الصلوي أن هناك عوامل أخرى قد تدفع الشعراء إلى الإحباط والعزلة والامتناع عن الكتابة، مما يشكل خطرًا على مسيرة الإبداع في هذا البلد العريق، وهي تتمثل في عدم وجود الاهتمام اللازم بالشعراء من قبل الجهات المعنية، التي لا تقوم بواجباتها تجاه الشاعر ويشعرهم بعدم التقدير، ونقص في دور النشر المتخصصة في نشر الأعمال الشعرية، مما يعوِّق وصول إبداعات الشعراء إلى الجمهور.

كما أشار إلى أن الشاعر الكبير أحمد الجابري يعد مثالاً صارخًا على التحديات التي يواجهها شعراء اليمن، فقد عاش الجابري حياة منغصة بالمعاناة، بدءًا من طفولته المفقرة وصولًا إلى وفاته؛ إذ لم ينل الجابري التقدير والدعم الذي يستحقه من قبل الجهات الرسمية والمؤسسات الثقافية، مما جعله يشعر بالإحباط والتهميش، وعانى في آخر سنوات حياته من مرضٍ أنهكه جسديًا ونفسيًا، وكان رحيله المحزن، بحضور قليل من محبيه، يجسد حجم الإهمال الذي يعانيه شعراء اليمن.

عن إنجازات شعراء اليمن

في هذا الشأن يقول الشاعر والصحفي محمد صالح الجرادي: “مثَّل قصة إنجازات شعراء اليمن سجلًا حافلًا بالإبداع والتميز، تحكيها آلافٌ من القصائد الموثقة على رفوف مكتبات المؤسسات الثقافية والتعليمية، والمؤسسات الأهلية، والمكتبات المنزلية التي يملكها الأشخاص، والمكتبات التجارية، ومعارض الكتاب العربية، والمكتبات الرقمية المهتمة في مجال الآداب والفنون والحقل الثقافي بشكل عام”.

ويضيف الجرادي في حديثه لصحيفة “صوت الأمل” أن اليمن بلد ثري وغني بالشعراء الكبار والمجيدين، من مختلف الأجيال الشعرية، وتمثيلات الشعر (الفصيح، والعامية).

ويتابع: “لا يقتصر إبداع المثقفين اليمنيين على الشعر وحسب، بل يتجاوز ذلك ليشمل مجالاتٍ أخرى كالسرد القصصي والروائي والفنون التشكيلية والأدائية، ومع ذلك يواجه تحديات وإشكاليات مزمنة، تتعلق بالظروف التي يعيشها هؤلاء المبدعون شعراء وأدباء وفنانون؛ إذ إن غالبيتهم بلا أمان معيشي ولا وظيفي”.

يواصل حديثه قائلًا: “ومن جهة أخرى ترتبط التحديات بما ينجزونه هؤلاء، وهو منجز فردي في جل تنويعاته وتجلياته؛ إذ تنعدم الحواضن المؤسسية الداعمة والمشجعة، وهذا يعني أن السياسات العامة للبلد، ظلت -وما تزال منصرفة- في اهتماماتها عن كل ما يتعلق بالثقافة والآداب والفنون، عدا ذلك الاهتمام الباهت الذي يقدم العمل الادبي والفني في صيغ خطابية خادمة للحاكمية السياسية”.

وأشار إلى أنه نتيجة لكل هذا، ظل وما يزال المنجز الإبداعي الشعري في اليمن عمومًا خارج التفاعلات الثقافية والإبداعية العربية على الأقل، على الرغم أنه يستطيع أن يتصدر مشهدية المنجز العربي، وتتيح بعض إمكانياته وتجاربه الوصول إلى العالمية.

تأثيرهم على الواقع

ويقول الجرادي: “سنكون مبالغين إذا قلنا إن الشعر في المجتمعات المعاصرة ما يزال يحتفظ بذلك الدور المؤثر الذي كان يلعبه قبل مئات السنين، عندما كان يعد الوسيلة الوحيدة التي يعرفها الناس في ذلك الحين”.

ويرى أن الشعر والشعراء في العصر الجاهلي لهم مكانة مرموقة؛ إذ كانت تعلق قصائدهم على الكعبة المشرفة، مما يُضفي على القصيدة قيمة دينية وثقافية كبيرة. وكان العرب يقيمون احتفالات ومواسم خاصة للشعر؛ للتعبير عن تقديرهم للشعراء وإبداعاتهم. كما كان زعماء القبائل يسعون لكسب ود الشعراء وجلبهم إلى صفوفهم، وذلك لما كان للشعراء من تأثير كبير على المجتمع في مستويات مختلفة اجتماعيًا وسياسيًا واقتصاديًا.

ويشير في حديثه إلى أن المواطن العربي الآن لم يعد مهتمًا إلى درجة كبيرة بالشعر، لقد قل الاهتمام تدريجيًا مع ظهور وسائل متعددة للتعبير عن قضاياه واحتياجاته، مثل وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي. وعلى الرغم من هذه التحديات، فإن الشعر لم يختفِ تمامًا، بل ظل يحافظ على وجوده ويلعب دورًا مهمًا في بعض المجالات السياسية والاجتماعية وغيرها.

ويتابع: “لعل الشاهد الأقرب هو ذلك الدور الذي قدمه الشعر حيال قضايا التحرر العربي من الاستعمار خلال القرن العشرين، وانهماك الشعراء في خوض معركة الوعي بالحرية والنهوض السياسي والاجتماعي والثقافي والعلمي”.

ويواصل الجرادي حديثه قائلاً: “لكن سرعان ما بدأت موجة الركود والانحسار مترافقة مع موجات الخيبات والنكسات في الواقع العربي، وهي الخيبات المتناسلة إلى هذه اللحظة، كان من نتائجها المؤسفة تهميش الفئات المؤثرة في عملية التغير وعلى رأسها فئة الأدباء والمثقفين والشعراء والفنانين.”

وأضاف أن اليمن تعد جزءًا من كل هذا، لكنه في تقديره شكل استثناء مؤسفًا في فعل التهميش الذي طال شعراء وأدباء ومثقفي البلاد خلال مراحل متعاقبة، وبالتالي فإنه من غير الممكن الحديث عن دور فعلي مؤثر للشعراء في مشهد السياسة والمجتمع والاقتصاد، الذي يتم ملاحظة نتائج تحولاته الكارثية المشهودة اليوم.

يواجه شعراء اليمن، كغيرهم من اليمنيين، أوضاعًا صعبةً تعوِّق مسيرة إبداعهم وتؤثر على حياتهم اليومية. ومع ذلك، يواصلون إبداعهم ويثابرون على إصدار العديد من القصائد والمؤلفات في مختلف فنون الأدب.

الرجاء تسجيل الدخول للتعليق.

‫شاهد أيضًا‬

90.2% من المشاركين في الاستطلاع يرون أن للشعر دورًا حيويًّا في الحفاظ على الهوية الثقافية اليمنية ونقلها عبر الأجيال

إعداد: يمنى الزبيري يعود تاريخ الشعر اليمني إلى عصور ما قبل الإسلام؛ إذ كانت القبائل اليمن…