‫الرئيسية‬ الأعداد السابقة الشعر في اليمن الشعر الشعبي في اليمن.. ندرة الأبحاث وحضور الذاكرة

الشعر الشعبي في اليمن.. ندرة الأبحاث وحضور الذاكرة

حنين الوحش صوت الأمل

يعدُّ الشعر ظاهرة مميزة ميّزت الحضارة العربية عن سائر الحضارات في العالم، وتراثا كتب للحضارة العربية فيه الخلود؛ إذ لم يكن وسيلة تخاطب وتعبير عن الشعور فحسب، بل وأداة للتوثيق وللحفظ في الذاكرة عبر الأجيال.

وإلى اليمن، تعود أصول أبرز الشعراء العرب، كـ امرئ القيس والمتنبي، والنابغة الذبياني، وشعراء كُثُر أثرَوا المشهد الشعري العربي واليمني خصوصًا بقصائد ومعلقات خطت جانبًا مهمًّا من عصور النهضة الثقافية العربية.

وتفرّد الشعر الشعبي في اليمن بمكانة خاصّة؛ إذ يعدُّ أحد أعرق أشكال الإبداع الأدبي في الجزيرة العربية، ويمتدُّ جذوره إلى الشعر الفصيح، لحفاظه على العديد من مكونات اللغة العربية الفصحى، بما في ذلك المفردات والأسلوب والشكل الفني، مع بعض الاختلافات البسيطة التي تميزه عن الشعر الفصيح، التي تتمثل ببساطة اللغة وسهولة التعبير، مستخدمًا العربية بلهجاتها اليمنية المختلفة، ممّا يجعله مفهومًا لدى جميع فئات المجتمع.

ويتنوع الشعر الشعبي اليمني في أغراضه وموضوعاته؛ إذ يشمل الغزل والمديح والرثاء والوصف والحكمة والنقد الاجتماعي، ويعدُّ الغزل من أشهر أغراض الشعر الشعبي اليمني.

الشعر الحميني

يبرز “الشعر الحميني” كأحد أبرز أنواع الشعر الشعبي في اليمن، كما تؤكد الدراسات والبحوث الفكرية، وهو ما أوضحه الشاعر والمفكر مختار المريري، المستشار الثقافي لمحافظ تعز؛ إذ يقول لصحيفة (صوت الأمل): “إنّ للشعر الحميني في اليمن تنويعات مختلفة ومتعددة، منها الحميني الوجداني، والحميني الحكمي، ويقابله (الشعر النبطي) في الساحة العربية”.

ويحتل الشعر الحميني مساحة خاصة في الأدب اليمني؛ إذ يعدّ شعرًا غنائيًّا ملحّنًا في الأساس، وهذا ما منحه قدرة عالية على الانتشار وتجاوز حدود اليمن ليصل إلى مختلف البلدان العربية، والخليجية خصوصًا.

ويتّفق غالبية الدراسين والباحثين على أنّ أصل تسمية الشعر الحميني تعود إلى اليمن، غير أنّ الاختلافات بقيت محصورة في نسبة كلمة “حميني”؛ إذ إنّ هناك من يرى أنّها تنسب إلى منطقة في تهامة، وهناك من ينسب التسمية إلى أحد شعراء هذا النوع، غير أنّ أدباء كثر بينهم المقالح يرى عدم صوابية هذا الرأي، ويعتقد دارسون أنّ الشعر الحميني يمتدُّ إلى عهد قديم، ولا يمكن نسبته إلى عصر أو شاعر.

ويظل الشعر الحميني واحدًا من أبرز الأدوات اللغوية واللحنية وأهمها، التي استخدمها اليمني في التعبير عن همومه واحتياجاته ونزعاته، منها ما كان يحمل طابعًا سياسيًا بشيء من الرمزية، خصوصًا أنّ الأنظمة التي تعاقبت على الحكم في اليمن، غالبيتها ذات نزعة ديكتاتورية.

تنوع الشعر الشعبي

يقول الشاعر مختار المريري: “الشعر الشعبي في اليمن يعدُّ أحد فروع الأدب الشعبي في اليمن؛ إذ إنّه نتاج الحياة العامة والثقافية خصوصًا، والتعبير المباشر عنها، ويستلهم كلماته ومعانيه وأساليبه ونظمه وموضوعاته من الحياة الشعبية”.

ويأخذ الشعر الشعبي اليمني مساحة كبيرة كأكثر أنواع الفنون قربًا من فئات المجتمع اليمني، لهذا ينال حظوة كبيرة لدى المثقف وغير المثقف؛ لبساطته وقربه من الأذهان.

ويذكر المريري أنواعًا مختلفة للشعر الشعبي عبر قوله: “الشعر الشعبي زاخر ووافر باللغة واللهجة والألوان والنوع والأسلوب، منها الزجل، الدان، الحداء، المهاجل، الزامل، الملالاة، الأهازيج، البالات، ومهاجل الزراعة، والقصص الشعبية المنظومة، أو الشعر الشعبي الذي يأخذ طابع اللغز والأحجية”.

وأوضح أنّ شعر الحداء يرتبط بطقوس الزراعة؛ كالحصاد والغرس، فيما ترتبط الزوامل بالمناسبات الدينية والاجتماعية؛ كالأعراس، والأعياد الوطنية، ويعبر الشعر الشعبي عن هوية الشعب اليمني وثقافته، بعدِّه تراثًا ثقافيًّا غنيًّا بالموضوعات والأساليب، وهو جزء لا يتجزأ من تاريخ اليمن وحضارته.

صور من الشعر الشعبي

يزخر الشعر الشعبي في اليمن بقصائد غنّاها عمالقة الفن اليمني على مرّ العصور، منها القصيدة التراثية التي تقول في مطلعها “قل لمن مال عنَّا واختفى واحتجبْ..

                              ما جرى ما جنينا ليش هذا الغضبْ”.

وكان الفنان الكبير أحمد السنيدار أول من غناها.

ومن القصائد الشعبية المشهورة تلك التي خطها القاضي والشاعر عبد الرحمن بن يحيى الآنسي الصنعاني، أبرزها:

” أشكو من البَيْنِ لو يَسمَعْ لي الشكوى

وأرتَجيْ طُولَ دَهْرِي وَصْلَ مَنْ أهْوى

لَكنْ بِسَــــــــــاطُ العُمُرْ، ما بيننا يُطَـــوى

ومـــا حــــد بعد مـــوته يبلغ الــــــرَّجـــــوى”.

كما خط الشاعر حسين أبو بكر المحضار قصائد خلّدها، وغناها أبو بكر سالم، وهي من روائع الشعر الشعبي اليمني، منها قصيدة غدر الليل، تقول بعض أبياتها:

“شِّلْ صَوْتِيْ معَكْ يا طَيْرْ مَعْلِيْ

وصلْ صَوْتِيْ معَكْ يا طَيْرْ مَعْلِيْ

وصّلُهْ للعَرَبْ شَرْقِي وقِبْلِي

 قُلّهُمْ صَاحُبُه بالحُبّ مَبْلِيْ.. مِنّكُمْ ما ظَهَرْ له شَهْرْ شَعْبَانْ”.

وغنّى الفنان اليمني أيوب طارش عددًا من القصائد الشعرية الشعبية، أو الحمينية منها تلك التي كتبها الشاعر يحيى منصور:

 “غردين ياطيور … جو الخريف قد تهيأ/ والعنب في طريقه والليالي سرور … بقرب باهي المحيا/ نرتشف طعم ريقه/ واسعدوا يا حضور … إلى البساتين هيا”.

ندرة الدراسات

كغيره من الفنون الشعبية في اليمن، بقي الشعر الشعبي مهملًا، عرضة للسطو والمصادرة، خصوصًا المغنّى منه، الذي شكّل، لحُقب طويلة، هوية الإنسان اليمني، وتطبع بطابعه الخاص.

يقول عبد الله العليمي -مدير عام الثقافة بتعز-: “إنّ الشعر الشعبي انحسر مؤخرًا بظهور فنون كتابية أخرى؛ كالرواية والقصة، فيما تراجع الاهتمام بالشعر بشكل عام”. مؤكدًا أنّ الشعر الشعبي في اليمن غني بالتنوع مع تنوع اللهجات غير أنّه بقي مهملًا من الجهات المعنية، ويلفت العليمي الانتباه إلى قصائد يمنية غنائية شهيرة لا يعلم كاتبها أو ملحنها أحد؛ وذلك لغياب الدراسات والبحوث في هذا الجانب، خصوصًا مع تنوع اللهجات والاهتمامات اليمنية.

ويستدل العليمي بالشعر الحميني كأحد أعمدة الشعر الشعبي العربي الذي بقي مجهول النسب؛ إذ يقول: “بقيت تسمية هذا اللون من الشعر اليمني لغزًا لدى العديد من الباحثين والدارسين، منهم الشاعر الكبير الدكتور عبد العزيز المقالح الذي رغم اجتهاده في كتابه (شعر العامية في اليمن) فإنّه لم يصل إلَّا لبناء افتراضات، قبل أن يقرّ بصعوبة الوصول إلى حقيقة هذه التسمية”.

فيما ذكر أنّ الباحث والأديب اليمني عبد الجبار باجل نعمان، قدّم في كتابه “الشعر الحميني – الريادة والأصول” حلًّا جديدًا لهذا اللغز، فقد أكّد بعد بحث دام عشر سنوات، أنّ أصل التسمية يعود إلى قرية “الحمينية” الصغيرة، الواقعة غربي مدينة حيس بمحافظة الحديدة، وأنّ هذه القرية كانت حاضرة كبرى في القرن السابع الهجري، وملتقى أدبيًا مهمًّا.

وأعلن العليمي عن خطط وبرامج يعتزم مكتب الثقافة تنفيذها لتوثيق التراث الثقافي والأدبي عمومًا، والشعر الغنائي الشعبي خصوصًا، غير أنّه يشير إلى أنّ المشروع سيظل بحدود التراث التعزي، وسيبقى مجرد طموح إن لم يجد الدعم اللازم والدارسين الفاعلين.

وتؤكد العديد من الدراسات في الشأن الأدبي أنّ الشعر الشعبي اليمني يعدُّ إرثًا ثقافيًّا غنيًّا يثري المكتبة العربية والعالمية على حدٍّ سواء، ويجسد روح الشعب اليمني وإبداعه، ويستحق هذا الشعر المزيد من الاهتمام والدراسة من قبل الباحثين والأكاديميين، لكي يتم الحفاظ عليه ونقله للأجيال القادمة.

الرجاء تسجيل الدخول للتعليق.

‫شاهد أيضًا‬

90.2% من المشاركين في الاستطلاع يرون أن للشعر دورًا حيويًّا في الحفاظ على الهوية الثقافية اليمنية ونقلها عبر الأجيال

إعداد: يمنى الزبيري يعود تاريخ الشعر اليمني إلى عصور ما قبل الإسلام؛ إذ كانت القبائل اليمن…