الرؤية المستقبلية للحد من انتشار ظاهرة حمل السلاح في اليمن
صوت الأمل – أفراح بورجي
يثقل انتشار ظاهرة حمل السلاح في اليمن كاهل المجتمع؛ إذ بات مشهدًا مألوفًا للصغير والكبير على حد سواء؛ نتيجة عدة دوافع، فمنهم من يحمل السلاح للدفاع عن النفس في ظل تزايد حوادث القتل والاختطاف بسبب الوضع غير المستقر في البلد، ومنهم من يرثه عن الأجداد رمزًا للرجولة والقوة، وآخرون يرون فيه وسيلة لحفظ الهيبة والمكانة الاجتماعية.
في هذا التقرير سنسلط الضوء على الرؤية المستقبلية المطروحة للحد من انتشار ظاهرة حمل السلاح في المجتمع اليمني، وهي تهدف إلى فرض سيادة القانون وضبط انتشار الأسلحة، ونشر ثقافة السلام ونبذ الأسباب الجذرية للعنف، مثل الفقر والبطالة، أو معالجتها من خلال برامج التنمية الاقتصادية والاجتماعية.
يقول الدكتور محمد خالد -أكاديمي في مجال الصحافة والإعلام-: “تعد ظاهرة حمل السلاح في اليمن إحدى أشد الظواهر تعقيدًا وتأثيرًا على نسيج المجتمع، ويرجع ذلك إلى التكوين القبلي للمجتمع اليمني، الذي يعد السلاح أداة للدفاع عن النفس وحماية القبيلة في ظل الصراعات والنزاعات المتكررة”.
وأوضح أن للتكوين القبلي للمجتمع اليمني دورًا مؤثرًا على بناء الدولة اليمنية ومدنيتها؛ إذ ارتبطت الدولة اليمنية بالقبائل ارتباطًا وثيقًا في تكوينها أو هدمها؛ فكانت كل شخصية سياسية تطمح إلى فرض سلطتها تتجه في البداية إلى دعم القبائل في مواجهة الأخطار؛ لذلك أصبحت ثقافة حمل السلاح راسخة في أذهان المجتمع خاصة في عملية بناء الدولة وتكوينها.
كما أشار إلى أن القبائل أيضًا لعبت دورًا مهمًا في إسقاط الدولة اليمنية على مر التاريخ، ففي كثير من الأحيان، ثارت القبائل ضد الدولة عندما لم تلبِّ طموحاتها ولم تسِرْ في المسار الذي يحقق لهم النفوذ والسيطرة. وفي ظل هذه الصراعات، اعتمدت القبائل على السلاح الذي تمتلكه كأداة رئيسية لإسقاط الدولة.
ويتابع خالد: “انطلاقًا من تلك العوامل فإن القبائل اليمنية تعد النسيج الرئيسي للشعب اليمني؛ كونها تمتلك جميع أنواع الأسلحة، من الخفيفة والمتوسطة إلى الثقيلة، وينظر إلى هذه الأسلحة كرمزٍ للقوة والسلطة، وأداةٍ للدفاع عن النفس وحماية القبيلة”.
ويكمل: “مع ذلك، فإن امتلاك القبائل للأسلحة بات يشكل عبئًا على الدولة والمجتمع؛ ففي ظل الصراعات الداخلية التي تشهدها اليمن حاليًا، انتشرت ظاهرة حمل السلاح بين المواطنين، مما أدى إلى تفاقم العنف والجريمة”.
منظور أكاديمي
وحول الرؤية المستقبلية للحد من انتشار ظاهرة حمل السلاح من المنظور الأكاديمي، يقول الدكتور الأكاديمي محمد خالد: “تعد ظاهرة حمل السلاح في اليمن جرحًا عميقًا في نسيج المجتمع، تتطلب علاجًا جذريًا وطويل الأمد، فالمجتمع اليمني اعتاد على حمل السلاح لقرون طويلة، وباتت هذه الظاهرة جزءًا من ثقافته وتقاليده. ولردم هذا العمق يتوجب السير في الخطوات التالية:
1_ إعداد مناهج وبرامج تعليمية لمختلف المراحل الدراسية تهدف إلى بناء أجيال ترفض ظاهرة حمل السلاح، بعدِّها ظاهرة غير حضارية تضر بالشعوب والأوطان وبناء المجتمعات.
2_توجيه الإعلام بمختلف وسائله التقليدية والحديثة للتوعية حول مخاطر هذه الظاهرة.
3_توجيه أعمال المنظمات والجمعيات غير الحكومية لتنفيذ برامج توعوية تهدف إلى الحد من انتشار هذه الظاهرة في أوساط المجتمع.
4_إيجاد أدوات مدنية لبناء الدولة، وتصحيح مسارها.
منظور قانوني
يرى المحامي محمد ناصر أن ظاهرة حمل السلاح في اليمن تعد ظاهرة معقدة ذات جذور ثقافية وتاريخية عميقة؛ فالمجتمع اليمني مجتمع قبلي اعتاد على حمل السلاح لقرون طويلة، وبحكم أنه مجتمع قبلي، تسوده خرافات وأساطير متوارثة عبر الأجيال، معززة بالعادات والتقاليد الداعمة لظاهرة حمل السلاح؛ إذ تؤدي بعض العادات والتقاليد، مثل الرقص بالسيوف، في ترسيخ ثقافة حمل السلاح، وأصبحت جزءًا من الزي اليمني.
ويتابع بالقول: “إن الثأر المتفشي في القبائل يعد ثقافة متأصلة في المجتمع اليمني؛ إذ تستخدم العنف للرد على القتل، سواء على الصعيد الفردي أو الجماعي”.
وأشار إلى أن الاختلافات المذهبية عززت من انتشار ظاهرة حمل السلاح في اليمن؛ فبعض أتباع المذاهب في اليمن يؤمنون أن حمل السلاح واجب ديني، وقد أدى هذا الاعتقاد إلى انتشار ظاهرة حمل السلاح بشكل مفرط.
وبالنسبة للرؤية المستقبلية للحد من انتشار ظاهرة حمل السلاح، أوضح المحامي محمد أن من الصعب الجزم بتقبل المجتمع اليمني الحد من حمل السلاح؛ فالمجتمع اليمني يعتمد على العادات والتقاليد الراسخة منذ قرون عدة، التي يعبِّر فيها حمل السلاح عن التفاخر والقوة، وقد أصبحت أيضًا جزءًا من تجارتهم، خاصة أن أكثر من 60 مليون قطعة سلاح موجودة في اليمن، وذلك حسب إحصائية 2011.
يقول المحامي محمد: “المعالجات التي يمكنها أن تحد من ظاهرة حمل السلاح كانت قد طرحت في مؤتمر الحوار الوطني، فقد كانت حكرًا على الدولة. وعمومًا نحن نحتاج إلى فرض سيادة الدولة والقانون على أرض الواقع، وتحويل المجتمع اليمني من مجتمع قبلي إلى مجتمع مدني، على الرغم من صعوبة تحقيق ذلك في الوقت الراهن”.
مخاطر حمل السلاح
وفي ذات السياق أضافت المحامية إشراق محمد أن اليمن مجتمع قبلي بطبيعة الحال، وأن المواطن اليمني يتباهى بحمله لمختلف أنواع الأسلحة حسب أعرافه وتقاليده، سواء في المناسبات الاجتماعية أو حتى عند قبر الميت؛ الأمر الذي يعد عرفًا قبليًا مضرًا وسلبيًا؛ إذ يؤدي إلى تفاقم ظاهرة الثأر والعنف في المجتمع، ويسهل ارتكاب الجرائم، ويعوِّق جهود الدولة في بسط سيادة القانون ونشر ثقافة السلام.
وأشارت إلى أن أغلب الجرائم التي ترتكب، سواء في المناسبات الاجتماعية أو غيرها، تحدث نتيجة استخدام الأسلحة بمختلف أنواعه وبطريقة عشوائية، فالمجتمع متضرر بشكل كبير بسبب هذه الظاهرة.
إن الحد من انتشار الأسلحة في اليمن مرهون بتضافر الجهود المحلية والدولية، مع الأخذ بعين الاعتبار التحديات الجسيمة التي تواجهها البلاد. وعلى الرغم من هذه التحديات، ثمة بصيص أمل في مستقبل خال من الأسلحة في اليمن؛ إذ تشمل الرؤية المستقبلية وقف إطلاق النار واتفاق سلام شامل، وجمع الأسلحة من جميع الأطراف، بما في ذلك المدنيون، وتعزيز سيادة الدولة، ومعالجة الأسباب الجذرية للعنف.
83.2%من المشاركين في الاستطلاع يعتقدون أن حمل السلاح في اليمن له علاقة وثيقة بالثقافة الشعبية اليمنية
صوت الأمل – يُمنى الزبيري منذ قديم الزمان، ارتبطت حيازة السلاح بالعادات والتقاليد ال…