تاريخ الأغنية التراثية اليمنية.. ماضٍ حافل وحاضرٌ مغيب
صوت الأمل – حنين الوحش
تقوم الحضارة وتنهض على مجموعة من الروافع الثقافية والفنية بمختلف ألوانها وتقاسيمها. وفي اليمن ثمة تنوع باهر للحضارات المتنوعة تربطها جميعًا حضارة فنية كاملة قامت على السلالم الموسيقية للأغنية التراثية الفريدة من نوعها.
“ولأن الأغنية أزلية ولا تعرف بداية محددة في جميع الأقطار، فإن الأغنية التراثية في اليمن قديمة قدم الإنسان نفسه، باعتبار أن اليمن المهد الأول لعدد غير قليل من الحضارات في مختلف الأصقاع، هذا ما اتفقت عليه مختلف الأبحاث”، وهو ما يؤكده المختص في الأغنية التراثية اليمنية، محمد سلطان اليوسفي.
يقول اليوسفي لصحيفة (صوت الأمل): “المصادر والمراجع التي تهتم بفن الغناء والموسيقى نجدها لا تشير إلى تاريخ محدد عن نشأة فن الغناء، إلا أن معظمها يشير إلى أن الغناء قديم قدم الإنسان اليمني ووجوده على ظهر هذه الأرض، فالإنسان بطبيعته بحاجة إلى التعبير عن خلجات نفسه، ومشاعره وتصوراته. وذلك التعبير لا يتجسد إلا من خلال ممارسة الفنون، ومنها فنون الغناء والرقص والشعر والرسم وغيرها، التي تتيح للمرء إخراج ما بداخله من مشاعر إيجابية أو سلبية، وتساعده في التخلص من أي ضغوطات تواجهه”.
عراقة الغناء في اليمن
يؤكد اليوسيفي: “كثير من الشواهد تشير إلى عراقة الغناء في اليمن وقدمه وتميزه. وما نلحظه من ثراء وتنوع -على مستوى اللحن والكلمة- بالنسبة للغناء الشعبي في مختلف مناطق اليمن يعد خير دليل على قدم فن الغناء في اليمن؛ إذ إن هذا الثراء اللحني، المتمثل بالأهازيج الشعبية وأغاني العمل، دليل على توارث هذه الألحان منذ القدم، وقد صارت تشكل مخزونًا كبيرًا تتناقله الأجيال، محافظة على إرث ثقافي غني يعبر عن هوية اليمن وتاريخها”.
ويشير اليوسفي إلى ما يحمله التراث الغنائي اليمني في طياته من صور زاهية الألوان عن عادات الإنسان اليمني وتقاليده، وما يجسده الغناء الشعبي من تفاصيل الحياة بأفراحها وأتراحها؛ ففي الغناء الشعبي نجد تنوعًا في موضوعات الأغنية، فهناك أغاني الأعراس وأغاني الزراعة والمناسبات الدينية والاجتماعية. ونجد غناء شعبيًا يجسد قضايا اجتماعية كثيرة، كفن المُلالاة والمهاجل (نوع من أنواع التراث الغنائي) على سبيل المثال. وهذه الفنون الغنائية تمثل الأساس المتين للأغنية التراثية اليمنية التي نسمعها اليوم، التي يتوارثها المؤدون جيلاً بعد آخر ولا يعرف من هو مبدع لحنها”.
سمات الأغنية اليمنية التراثية
تمتاز الأغنية التراثية في اليمن بمميزات وخصائص فنية مختلفة مكنتها من الصمود طوال مختلف المراحل التي تعددت خلالها فنون الغناء وأنواعه؛ إذ أصبح لكل جيل أغنيته الخاصة. إن للأغنية اليمنية التراثية قدرة عالية على التفاعل والامتزاج بالجديد، مما جعلها -رغم أقدميتها- حاضرة في كل مسرح، خصوصًا المسرح الخليجي الذي أخذ من الفن اليمني ما أخذ.
ويتفق باحثون مهتمون في تاريخ الأغنية اليمنية على أن تلاقح ألوان التراث الغنائي اليمني وأخذ الأغاني من بعضها، وامتزاجها بالطبيعة، هو ما مكنها من البقاء طويلًا رغم اليتم الذي تعيشه غالبيتها، إذ بقي الشاعر والملحن مجهولي المصدر؛ الأمر الذي يعطي الأغنية التراثية بعدًا تاريخيًا طويلاً، ويعود بها إلى ما هو أبعد من اكتشاف الكتابة، ولهذا بقيت الأغنية اليمنية حملاً على الشفاه، لا على الورق.
ويعد الاتحاد بالطبيعة أحد أبرز هذه السمات، الأمر الذي يؤكده الباحث محمد سلطان اليوسفي، إذ يقول: “يتسم الغناء في اليمن بكثير من السمات، سواء كان ذلك على مستوى البناء اللحني والخصوصية المقامية والإيقاعية أو على مستوى مضامين هذا الإرث الغنائي وموضوعاته المختلفة؛ فالخصوصية المقامية والإيقاعية تنشأ عادة من عدة أمور، أهمها: بيئة العمل الفني، وفلسفة المؤدي، وتعامله مع الآلات الموسيقية التي تتجاوب مع إمكانياته الصوتية”.
ويجد اليوسفي في الموشحات اليمنية تفسيرًا لذلك، فيقول: “ففي الموشحات ذات الألحان المتوارثة نجد هوية لحنية، معها يشعر المستمع أن هذه الألحان معجونة بالطبيعة اليمنية. وموسيقانا اليمنية لا تبتعد عن مقامات الغناء العربي المعروفة، فنجد مقام البَيَات ومقام الراست ومقام الهُزام ومقام الحجاز، وغيرها من المقامات التي يؤديها الفنان اليمني بإحساسه وانطباعه”.
ألوان الأغنية التراثية
في الوقت الذي يقسم فيه مختصون الأغنية اليمنية التراثية إلى الصنعاني، واللحجي، واليافعي، والحضرمي، والتعزي، والتهامي؛ فإن باحثين في تاريخ الأغنية اليمنية يصفون هذا التقسيم بالخاطئ، ويرون أن الأغنية التراثية اليمنية عاشت حالة من النمو داخل بعضها بعضًا. ويأخذهم هذا الاعتقاد إلى تقسيم الأغنية اليمنية وفقًا لـ”الغناء الشعبي” و”الغناء المَديني”.
ويعطون للأرياف اليمنية تراثها الغنائي الخاص والمستقل بطابعها الطربي الذي يُؤدَّى على آلات موسيقية منفردة وبسيطة. وتعد الفنانة (نبات أحمد) واحدة من رواد هذا الفن في المراحل المتقدمة منه، وقد بدأت مسيرتها الفنية حين غنت للمرة الأولى على خشبة مسرح قصر سبأ في مدينة تعز، مطلع السبعينيات من القرن الماضي.
تنحدر نبات أحمد، التي لُقِّبت بـ”سلطانة العود اليمني”، من أسرة تعزية أخذت بيدها إلى الغناء حين كان حكرًا على الرجال، وواكبتها آنذاك شقيقتها (روضة) والفنانة (تقية الطويلية) والفنانة (منى علي).
وتحفل الأغنية التراثية اليمنية بالكثير من الأسماء الفنية، ممن واكبوا ما وفرته التقنية للفن، واستطاعوا في مرحلة مهمة تصدير الأغنية التراثية إلى السطح الفني. وأبرز تلك الأسماء: علي الآنسي، أحمد بن أحمد قاسم، السنيدار، نبيهة عزيم، رجاء باسودان، فتحية الصغيرة، منى علي، تقية الطويلية، عفراء هزاع، فرسان خليفة، عبدالرحمن الحداد، محمد حمود الحارثي، بدوي زيد، محمد بن محمد باسويد، إبراهيم محمد الماس، علي أبوبكر باشراحيل، أحمد عبيد قعطبي، وأسماء كثيرة لا يتسع المقام لذكرها.
ولعل الغناء الصنعاني يأتي في مستهل ألوان الأغاني الشعبية، ولعل أهميته بين الألوان الغنائية اليمنية الأخرى دفعت اليونيسكو إلى إدراجه ضمن روائع التراث العالمي اللامادّي، بحسب باحثين مختصين.
73.2% من المشاركين يعتقدون أن التراث الغنائي في اليمن يعكس الهوية الثقافية اليمنية بشكل كبير
صوت الأمل – يُمنى الزبيري يعد الفن الغنائي واحدًا من أقدم الفنون في التاريخ وأكثرها …