‫الرئيسية‬ الأعداد السابقة التراث الغنائي في اليمـن تحديات الأغنية التراثية اليمنية من الماضي إلى الحاضر

تحديات الأغنية التراثية اليمنية من الماضي إلى الحاضر

صوت الأمل – حنان حسين

تُعد الأغنية التراثية اليمنية جناحًا من أجنحة اليمن التراثية وهويته، ويشكل هيكل ثقافة المجتمع اليمني وإرثًا غنيًّا من القيم وتاريخه الأصيل، ونبضًا حيًّا لثقافته على مر العصور، ولكن واجهت الأغنية التراثية في اليمن الكثير من التحديات، خاصة خلال مدّة الصراع المسلح الذي أثّر على كل مناحي الحياة، فقد أدّى إلى تدهور الفن التراثي بشكل ملحوظ، وأثّر في وجوده واستمراره؛ إذ إنّه قبل اندلاع النزاع، كانت الأغنية التراثية حاضرة في مختلف المناسبات، وتتمتع بمكانة مرموقة في المجتمع اليمني.

تتنوع ألوان الأغنية التراثية اليمنية ومواضيعها بين الحب والغزل والبطولة والوصف والرثاء، وتتميز بإيقاعاتها المختلفة العذبة وكلماتها الشعرية الجميلة المميزة، ولكل محافظة إيقاع ولهجة مختلفة، نجدها في المناسبات الاجتماعية والاحتفالات الرسمية.

يقول الفنان والناقد الفني جابر علي أحمد: “التراث الغنائي اليمني ينقسم إلى نوعين رئيسيين “الغناء الشعبي”، الذي يعد روح المجتمع اليمني، ويغنى في المناسبات والحرف والأغاني الفئوية، و”الغناء التقليدي”، الذي يعد في اليمن غناء الموشحات اليمنية بشكل رئيسي، وهو غناء معقد يتطلب مهارات عالية من المُغنينَ المحترفين أو الهواة الماهرين، وهذا الغناء ما زال يحتل مكانًا طيبًا في المشهد الغنائي اليمني”.

ويضيف: “نجد أنّ الأغنية سابقًا حظيت باهتمام واسع وكبير من قبل المجتمع والجهات المعنية، مثل المنظمات والجهات الحكومية المعنية متمثلة في وزارة الثقافة والسياحة وغيرها، لكن فيما بعد تراجعت مكانتها بشكل هائل؛ بسبب الأوضاع العسرة التي تعيشها اليمن، وانشغال المواطنين بهموم الحياة اليومية حتى باتت الموسيقى والفنون من الكماليات، فضلًا عن تعرض العديد من المواقع الأثرية والتاريخية التي كانت تُقام فيها الفعاليات الموسيقية للتدمير”.

تراث غنائي منهوب

كما يقول عبد الناصر ردمان، مدير ملكية فكرية في أبو غزالة للملكية الفكرية ــــ مكتب اليمن: “الأغنية التراثية اليمنية عانت من النكران، وخاصة في الفضاء الغنائي الخليجي، فكثير من كلمات الأغاني الخليجية وألحانها تعدُّ تراثًا يمنيًّا أصيلًا، لكن شركات الإنتاج الغنائية تكتفي بكتابة عبارة “من التراث” أو “من الفلكلور الشعبي” دون نسبته إلى اليمن، ناهيك عن السرقات الواضحة لبعض الألحان أو الكلمات أو كلاهما، ونسبها إلى شعراء وملحنين آخرين”.

فنانون يمنيون ودور بارز

يرى الباحثون أنّ الفنانين التراثيين كان لهم دور بارز في نقل الثقافة اليمنية والتاريخ إلى الأجيال الجديدة عن طريق البعثات وإقامة الحفلات الخارجية؛ لهذا حظيت الأغنية اليمنية حينها بدعم كبير من قبل الدولة والمجتمع، عن طريق إقامة عدد من الفعاليات والمهرجانات الموسيقية، لكن فيما بعد اغترب العديد من الفنانين التراثيين إلى الخارج بحثًا عن فرص أفضل، خاصة مع تدهور الوضع المعيشي في اليمن نتيجة الصراعات المتواصلة في مختلف المحافظات اليمنية.

الصعوبات

مع اندلاع النزاعات في اليمن، واجهت الأغنية التراثية تحديات جمة، ممّا أدى إلى تراجعها بشكل كبير، وهناك مجموعة من المهتمين والمختصين تحدثوا عن أبرز تلك التحديات.

رفيق العكوري (مدير عام مركز التراث الموسيقي اليمني سابقًا) يقول: “تعرضت الأغنية اليمنية في مراحلها المختلفة إلى السطو والسرقة والضياع؛ إذ قام بعض الفنانين بسرقة لحن تراثي ونسبه إلى نفسه، أو قيام بعضهم بأداء أغنية تراثية دون ذكر أصل الأغنية”.

وأضاف “هناك بعض الأغاني وإن لم تكن تراثية لكنها نُسبت إلى غير صاحبها بدون قصد، مثل أغنية “صبوحة” وأغنية “واساري سرى الليل”؛ إذ اشتهرت وانتشرت في بعض الدول العربية، وغُنيت من قبل الجميع، ومن كثر انتشارها في أوساط المجتمع اعتقد بعضهم أنّها تراث لتلك الدولة، في حين هي من التراث اليمني الأصيل”.

ويوضح الناقد الفني جابر أحمد علي أنّ الغناء اليمني يعاني من مصاعب متعددة لعلّ أبرزها انتشار الأمية الموسيقية التي قادت إلى استخدامات مصطلحية أضرت به كثيرًا، وترديد الغناء من قبل محترفين تنقصهم الدراية العلمية الموسيقية بأسرار هذا الفن العظيم، كذلك ندرة الدراسات التحليلية والتاريخية للفن التراثي القديم، وبالتالي بات ضحية أقاويل مقايل القات أو جلسات ممتهنين ينقصهم الكثير لكي يتمكنوا من تصدر المشهد الغنائي على النحو المطلوب”.

ويضيف: “أنّ من ضمن الصعوبات غياب مراكز البحث والدراسة التي من شأنها القيام بآليات المسوحات الميدانية والجمع المسحي، اللذينِ من شأنهما القيام بما يلزم لتجنب التراث المخاطر التي يعاني منها اليوم من سرقات”.

وأشار جابر إلى أنّ السرقة تعدّ ظاهرة تكاد تكون عالمية، وأنّ المشكلة لدينا تتمثل في أنّ الدولة أعفت نفسها من مواجهة هذا الأمر، وهنا مكمن الضرر الكبير، ولا ننسى التحدي الأكبر الذي يتمثل في الصراعات العنيفة، خاصة عندما تأخذ طابعًا أهليًّا يكون تأثيرها مضاعفًا على مكونات الهوية الثقافية.

هذا ويرى باحثون أنّ التطرف الديني وتحريمه للغناء يعدُّ أكبر محارب للأغنية التراثية اليمنية، بالإضافة إلى التحديث والتجديد الكبير للأغاني التراثية الذي يعد مهددًا لاستمرار الرتم التراثي بنمطه المعتاد؛ ممّا يشوه الأغنية التراثية ويضيع ملامحها، بالإضافة إلى قلة الوعي بأهمية الأغنية التراثية لدى بعض أفراد المجتمع، مما يُهدد هويتها ووجودها، وصعوبة الوصول إلى المواد والأدوات الموسيقية المطلوبة، وشحة الحصول على فرص العمل للفنانين، وقلة الوعي بأهمية الأغنية التراثية لدى الجيل الجديد.

النزاع المسلح والتراث

يوضح رفيق العكوري تأثير النزاعات بشكل عام على التراث، قائلًا: “في حالة الصراعات المسلحة تأثّر الفن بشكل عام سلبًا وإيجابًا، بما في ذلك الفن الغنائي، فمن ناحية تؤدي الصراعات إلى تدهور الأوضاع الأمنية والاقتصادية في البلد، ممّا يؤثر سلبًا على الإنتاج الفني وانتشاره، كما تحاول الجماعات المتصارعة تشويه فنون الجماعات الأخرى أو طمسها، وبالمقابل تحاول الجماعات أن تتمسك بهويتها الثقافية، وبما في ذلك الفنية، بأضيق الحدود، عبر تنظيم فعاليات فنية تعبّر عن ثقافتها وتاريخها”.

كما يشير الفنان جابر أحمد إلى أنّ سبب انتشار الأغنية التراثية بشكل كبير خارج اليمن يعود نتيجة سلوك غير منضبط من بعض الفنانين، سواء أكانوا خليجيين أم يمنيين؛ إذ إنّ هذا الانتشار يكون نتيجة لاستخدام تكنولوجيا الصوت والآلات التي توفر أعلى قدر من النقاء والإبهار الجاذبين للمستمع، وما يزيد الطين بلة غياب أيّ دور مؤسسي للحدِّ من ذلك”.

تجارب ناجحة

في سبيل الطرق للحفاظ على التراث الغنائي في اليمن قام نشطاء يمنيون في تخصيص “يوم الأغنية التراثية”، واعتماده في الأول من يوليو من كل عام، وذلك بهدف تجديد التراث الغنائي والحفاظ عليه، والقيام بعدّة مهرجانات وفعاليات في الداخل والخارج، ونشر الأغنية اليمنية التراثية بأنواعها وإيقاعاتها المختلفة للعالم.

قوانين للحفاظ على التراث الغنائي

في إطار القوانين التي تضمن الحفاظ على التراث وحمايته، ذكر عبد الناصر ردمان مجموعة من القوانين التي نصت على حماية التراث اليمني؛ إذ يقول: “لقد نصَّ قانون حق المؤلف اليمني رقم (12) الذي صدر في العام 2012م على حصرية ملكية الأغاني التراثية اليمنية للدولة اليمنية، فقد نصت المادة (56) على أن المأثورات الشعبية أو تعابير الفلكلور تعدُّ ملكًا عامًّا للدولة، وتباشر الوزارة حمايتها واستغلالها وتطويرها ودعمها بكل السبل والوسائل القانونية”.

فيما تنص المادة (57) على أن “تباشر الوزارة ممارسة الحقوق الأدبية على المأثورات الشعبية أو تعابير الفلكلور وحمايتها من أي تشويه أو تحوير، وذلك بالتنسيق مع الجهات الأخرى ذات العلاقة، كما أضاف نص القانون”.  “ويجب على من يستعمل أو يستغل المأثورات الشعبية أو تعابير الفلكلور أن يذكر المصدر بالطريقة المناسبة وفقًا لما تحدده اللائحة”. كذلك شددت المادة (58) “لا يجوز استغلال المأثورات الشعبية أو تعابير الفلكلور إلّا بترخيص صادر عن الوزارة”.

المعالجات

رفيق العكوري يرى أنّ هناك مجموعة من المعالجات والنظريات للحفاظ على الأغنية التراثية؛ إذ يقول: “الأغنية التراثية منتشرة في اليمن بشكل كبير، وما زالت تنتقل من جيل إلى جيل ولها جمهورها العريض، وللحفاظ عليها يجب أولًا القيام بعملية توثيق الأغاني وأرشفتها، ومن ثم عمل قائمة حصر رسمية لضمان حقوق الملكية لدى الجهات الدولية”.

أمّا نزار غانم (مهتم بالمجال التراثي الغنائي) فيشير إلى أنّ هناك مجموعة اقتراحات من شأنها أن تساعد في حفظ التراث الغنائي، ومنها تضافر الجهود من قبل الجهات المختلفة، بالإضافة إلى المنظمات الدولية لإنقاذ الأغنية التراثية من الاندثار، كما يجب تشكيل لجنة لدعم الأغنية التراثية، وتحديد احتياجاتها، ورسم خطة عمل للحفاظ عليها.

ويضيف: “يجب دعم الفنانين وتمكينهم وتشجيعهم ماديًّا، والعمل على نشر الوعي بأهمية التراث الغنائي، خاصة لدى الأجيال الجديدة، كما يجب توجيه الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي لنشر التوعية حول الأغنية التراثية وتاريخها وثقافتها بالنسبة لليمنيين ككل”.

عبد الناصر ردمان، يوضح أهمية الحفاظ على الملكية الفكرية للتراث الغنائي في اليمن؛ إذ يقول: “يجب على وزارة الثقافة القيام بحصر جميع الأغاني التراثية اليمنية (ألحان وكلمات)، وإعلانها للعامة كجزء من التراث اللامادي لليمن، من خلال إنشاء قواعد بيانات أو مستودعات شاملة للأغاني التقليدية، بما في ذلك معلومات عن أصولها وكلماتها وألحانها وتنوعاتها المعروفة. كما يمكن أن تكون قاعدة البيانات بمثابة نقاط مرجعية لتحديد حالات النسخ وتتبعها، أو النسخ دون الإسناد المناسب”.

ويضيف: “من المهم بناء قدرات الموارد البشرية في الوزارة في مجال الملكية الفكرية، ووسائل إنفاذ حقوق الملكية الفكرية وخاصة في الفضاء الرقمي، واتخاذ التدابير القانونية والإجراءات القضائية ضد المنتهكين داخل اليمن وخارجه، ووضع آليات لرصد حالات النسخ وكشفها أو النسخ غير المصرح به للأغاني التقليدية”.

“العمل مع وكالات إنفاذ القانون ومكاتب حقوق الطبع والنشر والسلطات ذات الصلة لإنفاذ الأحكام القانونية، واتخاذ الإجراءات المناسبة ضد الأطراف غير اليمنية المتورطة في مثل هذه الممارسات. وقد يتضمن ذلك إصدار إخطارات بالتوقف والكف، أو متابعة الإجراءات القانونية، أو طلب التعاون الدولي للإنفاذ عبر الحدود”. حسب ما صرح ردمان.

وكما ذكر ردمان أنّه يجب القيام بحملات توعية بحقوق الملكية الفكرية للمأثورات الشعبية والتعابير الفلكلورية اليمنية في الأوساط الثقافية والفنية والشعبية، وتعزيز الوعي بين الجمهور والموسيقيين حول أهمية احترام أشكال التعبير التقليدية والاعتراف بها. كذلك تنظيم حملات تثقيفية وورش عمل وبرامج تدريبية لتشجيع ثقافة احترام الأغاني التقليدية، وتعزيز فهم حقوق الملكية الفكرية فيما يتعلق بالمعارف التقليدية والتراث الثقافي.

وأشار إلى أهمية التعاون مع المنظمات الدولية والبلدان المجاورة وأصحاب المصلحة المعنيين لتعزيز التعاون في حماية أشكال التعبير التقليدية وإدارتها، وتبادل الخبرات وأفضل الممارسات والأطر القانونية لضمان اتباع نهج منسق لحماية الأغاني التقليدية عبر الحدود.

تواجه الأغنية التراثية في اليمن في الوقت الحالي مواجهات صعبة ومعوقات هائلة، على الرغم من ذلك ما زالت قادرة على مواجهة الظروف الصعبة بكل صلابة للحفاظ على تراث شعب عريق وتاريخه وحضاراته المتعددة، كان لها طقوس أفراحية ومناسباتية مختلفة، ومع ذلك ما زالت تحتاج إلى الدعم المتواصل لإنقاذها والحفاظ عليها من الاندثار، من خلال تضافر الجهود من الجميع شعبًا ودولة ومنظمات ثقافية.

الرجاء تسجيل الدخول للتعليق.

‫شاهد أيضًا‬

73.2% من المشاركين يعتقدون أن التراث الغنائي في اليمن يعكس الهوية الثقافية اليمنية بشكل كبير

صوت الأمل – يُمنى الزبيري يعد الفن الغنائي واحدًا من أقدم الفنون في التاريخ وأكثرها …