دور المرأة في إنعاش الموروث الشعبي اليمني
صوت الأمل – ياسمين عبدالحفيظ
تشكل المرأة اليمنية عنصرًا فعّالًا في الحفاظ على الموروث والفلكلور الشعبي في مختلف المحافظات اليمنية، إذ تلعب دورًا مهمًّا في نقل التراث من جيل إلى آخر، من خلال عدد من الأدوار التي تقوم بها، تتضمن القصص والحكايات الشعبية التي تغرس القيم والأخلاقيات لدى الأبناء، وتداول الأغاني والأهازيج الشعبية في المناسبات الاجتماعية، والأمثال والحكم، بالإضافة إلى المشاركة في صناعة الحرف اليدوية التي تعبر عن الفلكلور الشعبي في مختلف أنواع الملابس والإكسسوارات المزينة بالنقوش والرسومات الجميلة، وحتى في الأدوات المنزلية المصنوعة من الفخار.
هناك نساء يشاركنَ بشكل فعّال في مختلف الفعاليات والمهرجانات التي تقام للاحتفال بالموروث والفلكلور الشعبي في العديد من المحافظات اليمنية، إذ يقدمنَ عروضًا فنية ورقصات تقليدية تعكس ثقافة المجتمع اليمني.
الهوية اليمنية
وبمناسبة (الهوية اليمنية) نفّذت مجموعة من النساء اليمنيات حملة إلكترونية عبر وسائل التواصل الاجتماعي في يناير 2023م، تناولت نشر صور العديد من الفتيات والنساء يرتدينَ الزي الشعبي المتنوع من مختلف المدن والمناطق اليمنية، الذي يمثل الزي الفلكلوري الشعبي لكل منطقة يمنية، مثل القميص التعزي والصنعاني والتهامي والدرع العدني، وغيرها من الأزياء التراثية التي تزخر بها جميع المحافظات اليمنية.
وحول مفهوم الهوية اليمنية وعناصرها وأهميتها، أوضح الدكتور خالد عجلان في تقرير له أنّ الهوية اليمنية تعدُّ مجموعة من العقائد والمبادئ والخصائص التي تجعل أمة من الأمم أو شعبًا من الشعوب مميزًا بها عن غيره؛ إذ تقوم على عناصر رئيسية، أهمها: (الأرض، والدين، واللغة، والتاريخ، والتراث، والعادات والتقاليد)، وبموجب هذه العناصر تتشكل ملامح هُوية المجتمعات في أي زمان ومكان.
كما أشار في التقرير إلى أهمية الهوية اليمنية التي تحافظ على الفرد من الانجراف أو الذوبان في تيارات الفكر المغيّرة للهوية اليمنية؛ إذ يحرص المعتز بهويته على الثبات على أصالتها، وعدم الانسلاخ من قيمها ومبادئها مهما طرأت عليه الظروف، كما أنّها تثمر في البعد الوطني على محبة الأفراد لوطنهم والاعتزاز به، والحرص على أمنه واستقراره ونسيجه الاجتماعي، والولاء له.
مشاريع نسائية تنعش التراث اليمني
في سبتمبر 2023م نظمت الفنانة التشكيلية اليمنية سحر اللوذعي، المعرض التشكيلي (سمفونية الثقافات) في إحدى أهم كنائس منهاتن، بمدينة نيويورك، في الولايات المتحدة الأمريكية، ضمَّ أعمالًا فنية متنوعة تحاكي التراث والفلكلور اليمني، والهوية اليمنية، وجمال التاريخ اليمني وأصالته، وذلك بمشاركة 12 من المبدعين اليمنيين الذين عكسوا في أعمالهم جماليات التراث اليمني في جميع الجوانب.
ويأتي هذا المعرض ضمن مشروع قمرية الدولي للفنون، وتسعى الفنانة التشكيلية من خلاله نشر تراث اليمن الثري بالجمال والأصالة والتاريخ العريق، وتقوّي جسر التواصل الثقافي بين الدول المختلفة، وتعزز مكانة اليمن فنيًّا في الساحة العالمية؛ إذ نفّذت العديد من المعارض في مدن أوروبية وأمريكا ودول عربية مختلفة، إلى جانب مشاركتها في العديد من المعارض الفنية داخل اليمن.
تقول سحر اللوذعي لصحيفة (صوت الأمل): “تعدُّ المعارض الفنية وسيلة قوية ومهمة لتعزيز الوعي الثقافي، الذي أبرز الهوية الوطنية عبر استخدم الفن، والمعارض تعدُّ وسيلة لتسليط الضوء على التراث الفلكلوري الشعبي اليمني وثقافته الغنية بالتنوع في مختلف المجالات، وتعزز التحاور الثري بين الثقافات المختلفة”.
وتُضيف “أنّ مثل هذه الفعاليات تُسهم في تقوية التواصل بين الحضارات المختلفة، والتعريف باليمن وفنونها، والاحتفاء به على مستوى دولي، بالإضافة إلى دعم الفنان التشكيلي اليمني، وتعزيز دوره، وحصوله على الظهور الذي يستحقه؛ ليروي قصته، ويوصل صوته من خلال فنه”.
وتشير اللوذعي إلى أنّ المرأة اليمنية قامت بدور مهم في إنعاش التراث الشعبي والمحافظة عليه، والتعريف بثقافتها وتراثها وعاداتها عبر عدة طرق بصرية وسمعية بقالب عصري.
إنّ الدور البارز للمرأة اليمنية في إنعاش التراث الشعبي في اليمن لا يتوقف عند جهود سحر فقط؛ إذ في عام 2021م، شاركت عشر طالبات من قسم الفنون التشكيلية في كلية الآداب جامعة تعز في رسم لوحة فنية ملونة فلكلورية على أحد جدران الكلية، من بقايا الزجاج في مدة زمنية استمرت شهرين.
وتضمنت اللوحة الزي الشعبي في منطقة صبر، إلى جانب الزي الصنعاني، كما أظهرت جانبًا من الفن المعماري اليمني، وهدفت إلى إبراز التنوع الثقافي في اليمن بين الزي والعمارة والفن؛ إذ أُشير إلى اللوحة بآلة العود، كما تكونت اللوحة من امرأة ترتدي الزي الصنعاني المعروف بـ(المصون)، وامرأة أخرى تقابلها تلبس الزي التعزي (الصبري) ويتوسطهما آلة العود.
تقول منال الزريقي (إحدى الطالبات المشاركات في إعداد اللوحة): “إنّ أبرز التحديات التي واجهتهنّ عند التجهيز، عدم وجود خلفية سابقة عن التعامل مع الزجاج، وكيفية تجسيد الفكرة التي كانت في مخيلة الفنانين وإبرازها للجمهور”.
ولا يختلف الدور الذي قامت به أم تركي عن سابقاتها في الحفاظ على التراث الشعبي، وذلك من خلال الاهتمام بأحد أنواع التراث في اليمن المتمثل في الأزياء الشعبية؛ إذ عملت على تنفيذ مشروع يحافظ على بقاء الزي الشعبي، كما قامت بجمع العديد من الأزياء الشعبية من مختلف المناطق اليمنية، من خلال رحلة بحث استغرقت عشر سنوات، وإضافة بعض اللمسات العصرية للأزياء الشعبية.
من خلال هذا الدور استطاعت أم تركي أن تفتتح مشغلًا يدويًّا خاصًا بالأزياء الشعبية التي تشتهر بها مختلف المحافظات في اليمن، مستعينة بالعديد من الأيادي العاملة، من خياطين ومطرزين ماهرين ومجموعة من النساء، وذلك للإسهام في الحفاظ على الإرث الحضاري والفلكلوري النادر الذي تتميز به اليمن.
دراسات نسوية حول التراث الشعبي
في دور مختلف للمرأة اليمنية في إنعاش التراث الشعبي والفلكلوري وكيفية الحفاظ عليه، نفذت العديد من النساء دراسات تخدم التراث الفلكلوري المتنوع، منها الدراسة التي قامت بها فوزية قحطان محمد، التي حملت اسم (حماية الموروث الشعبي في المجتمع اليمني؛ المعوقات والإمكانات)، وتناولت أهمية الحفاظ على التراث الشعبي والواقع الذي يمر به، لا سيّما مع استمرار وجود عوامل عديدة تهدد باندثاره، بالتزامن مع ضعف الدور الذي يقع على المجتمع والجهات المختصة للحفاظ عليه.
كما تضمنت الدراسة التي نشرت في 2013م تقسيمات التراث اليمني، وشرح كثير من المفاهيم والمصطلحات التي تندرج ضمن التراث الشعبي، إلى جانب التطرق إلى الإمكانيات المتوفرة للحفاظ على ما تبقى من موروث شعبي قاوم الاندثار والإهمال.
وأشارت الدراسة إلى نماذج من النساء اليمنيات اللاتي أسهمنَ في الحفاظ على التراث الشعبي، من خلال إنشاء مؤسسات تتولى توثيق أنواع متعددة من التراث الشعبي اليمني وأرشفتها، ومنها ما قامت به الناشطة اليمنية أروى عثمان، في إنشاء ما يسمى (بيت الموروث الشعبي)، وهو عبارة عن مركز يقوم بأرشفة العديد من الأزياء الشعبية والإكسسوارات الفضية الفلكلورية.
وذكرت الدراسة أهمية المركز الذي أرشف بالصوت والصورة العديد من الفنون التراثية القديمة، مثل الأهازيج الشعبية الفلكلورية، والعديد من الرقصات الشعبية التي تختلف من منطقة إلى أخرى.
وتطرقت الدراسة إلى تناول جهود أمة الرزاق جحاف، التي قامت بإنشاء العديد من المؤسسات التي تهدف إلى أرشفة أنواع من الفنون الشعبية في الدار الصنعاني، ومركز بيتنا للتراث، ومركز تنمية المرأة للفنون؛ إذ يتمثل دور المراكز في جمع الأزياء الشعبية والحرف الفلكلورية وتوثيقها، بالإضافة إلى تنفيذ العديد من الدورات التدريبية في مجال صناعة الحرف اليدوية التي تمتاز بها بلادنا، بهدف الحفاظ عليها.
كما ذكرت الدراسة واقع الأزياء الشعبية في مختلف المحافظات اليمنية، والعوامل الذي تنذر باندثارها، وأهمية الحفاظ عليها، من مختلف الجهات المعنية والمجتمع، كونها إرثًا تاريخيًّا وحضاريًّا وجبَ حمايته من الضياع.
معالجات للحفاظ على الموروث الشعبي
وحول المعالجات التي من شأنها الحفاظ على التراث الشعبي والفلكلوري اليمني، أكدت الدراسة على أهمية إنشاء معاهد؛ للتدريب على الحرف والصناعات التقليدية الشعبية، ومراكز لتوثيق كل ما يتعلق بالموروث الشعبي بكل أنواعه؛ المادي والفكري والاجتماعي، وإقامة معارض وأسواق (بازار)، تبرز الصناعات الشعبية الفلكلورية لبيعها والتشجيع على انتشارها.
كما أشارت الدراسة إلى أهمية الإسراع في حصر المأثورات الشعبية وتسجيلها تسجيلًا ميدانيًا، لمعرفتها والحفاظ عليها، والقيام بعملية مسح شامل له في جميع المحافظات، وإنشاء مركز خاص بالفلكلور، يعمل على دراسة التراث الشعبي، وإعداد البحوث عنه، وتأسيس مجلة خاصة بالتراث الشعبي؛ لنشر الأبحاث المتخصصة من قبل باحثين مهتمين بالتراث للتوعية المجتمعية، وإصدار التشريعات التي تكفل حماية الممتلكات الثقافية المحلية والمعالم التاريخية والأثرية، ووضعها في متاحف متخصصة بذلك، واستعادة الممتلكات الثقافية المسروقة، وتسميتها وتسجيلها في السجل الوطني.
أهمية دور المرأة في التراث الشعبي
منال الشرجبي (باحثة ومصممة أزياء يمنية) تقول لصحيفة (صوت الأمل): “إنّ المرأة اليمنية لها دورٌ فعّالٌ في إنعاش وازدهار الزي اليمني والتراث الشعبي بشكل كبير، من خلال الاهتمام بإظهاره من جديد في المناسبات الاجتماعية والأعياد والمعارض والمهرجانات، وأيضًا في المدراس؛ إذ كان بصدد الاختفاء والاندثار؛ بسبب الإهمال والاتّجاه لمغريات الموضة الحديثة، وإهمال الجانب الشعبي الجميل”.
وأوضحت أنّ بعض النساء في الآونة الأخيرة قُمنَ بالبحث عن الأزياء القديمة من القرى، وإعادة تصميمها وعرضها من خلال المهرجانات الشعبية، وجلسات التصوير والاحتفالات، ممّا شكّل دورًا كبيرًا في إبرازها وإظهارها للمجتمع في الداخل والخارج.
كما أضافت: “أنّ النساء واجهنَ صعوبات كثيرة في البحث عن كثير من الأزياء اليمنية، إذ إنّ اليمن غنية وثرية بأنواع عديدة حسب كل منطقة، الأمر الذي شكّل عبئًا ثقيلًا في البحث والتنقل من مكان لآخر”.
وترى أنه ينبغي للسلطات المحلية ومكاتب الثقافة في كل محافظة أن تقوم بتهيئة السبل التي تساعد المرأة اليمنية في تخطي الصعوبات، وتفعيل الفلكلور اليمني وإنعاشه ونشره، عبر تنظيم فعاليات ومهرجانات في الداخل اليمني وخارجه، وتسهيل دور المرأة في تنفيذ مؤسسات تتعلق بالتراث والفلكلور الشعبي والاهتمام به.
يقول محمد شجون (فنان شعبي): “إنّ المرأة اليمنية لعبت دورًا في عملية استمرارية التراث الشعبي وإنعاشه بشكل عام، لا سيّما فيما يتعلق بالمهاجل الزراعية، وما يسمى بالمدالبة (الغناء للطفل عند المنام)”.
وأضاف: “أنّ هناك موروثًا شعبيًّا في محافظة تهامة، تقوم النساء بترديد أهازيج شعبية في مناسبة تسمى (الأربعينية)؛ أي يوم الأربعين من وضع المرأة لطفلها، التي تعدُّ مناسبة معروفة في ثقافة تهامة، كما تقوم النساء بعزف آلات بدائية مصاحبة لغنائهم أثناء الرعي، التي تسمى (المروص الإيقاعي)، الذي يكون أيضًا مرافقًا لغنائهن في طقوس الأفراح النسائية أو الزيارات للأولياء الصالحين في بعض الأعياد والمناسبات الدينية، مثل زيارة قبر الشيخ يونس، الذي يقع على شاطئ مدينة الحديدة”.
ويشير شجون في حديثه إلى نماذج من النساء اليمنيات اللاتي لعبنَ دورًا مهمًا في نشر التراث الشعبي في مناطقهنّ التي تتميز بعاداتها وخصوصيتها، مثل الفنانة نبات أحمد، وتقية الطويلية، من صنعاء، ونورا سالم النجار، من لحج، والعديد من الأسماء النسائية التي اشتهرت بإظهار التراث الشعبي في تعز وعدن وإب وحضرموت، وباقي المدن اليمنية الأخرى.
وتهدف إسهامات الفتيات والنساء في اليمن، المتمثلة في إنعاش التراث الشعبي بكل أنواعه، إلى توثيق التراث في اليمن وإبراز جمالياته، والحفاظ عليه من الطمس والاختفاء، كل ذلك يحتاج إلى دعم من الجهات الداعمة الحكومية والدولية والمجتمعية.
96.3% من المشاركين في الاستطلاع يرون أن الأزياء الشعبية اليمنية تلعب دورًا مهمًا في الحفاظ على الهوية الثقافية للمجتمع اليمني
صوت الأمل – يُمنى الزبيري اليمن بلد يتميز بموروث شعبي غني ومتنوع. يعكس هذا الموروث ت…