دور وسائل الإعلام في حراسة التراث الشعبي اليمني للأجيال القادمة
صوت الأمل – ياسمين عبدالحفيظ
تلعب وسائل الإعلام اليمنية دورًا مهمًّا في الحفاظ على الفلكلور الشعبي اليمني، وذلك عبر عملية توثيق مختلف جوانب الفلكلور الشعبي، مثل: الأغاني، والرقصات، والعادات والتقاليد، والحرف اليدوية، والقصص الشعبية، كما تساعد في نشر الفلكلور الشعبي وتعريفه للجمهور كقيمة ثقافية وجب الحفاظ عليها من الاندثار، داخل اليمن وخارجها، وتعليم الأجيال القادمة الفلكلور الشعبي تاريخيًّا وثقافيًّا كجزء من هوية اليمن، التي تعزز الوحدة الوطنية بين اليمنيين.
في الرابع والعشرين من ديسمبر عام 2022م، أطلقت منصة (ريشة) كوسيلة إعلامية تهدف إلى توثيق الفن بمختلف أنواعه، بهدف الحفاظ عليه من الاندثار وإعادة إحيائه.
وتعدُّ منصة (ريشة) إنجازًا فريدًا في ظل الظروف الصعبة التي تواجه اليمن؛ إذ تقدّم المنصة منذ انطلاقها العديد من البرامج التي تناولت الغناء الشعبي في مختلف المحافظات اليمنية، كما تطرقت إلى مناقشة خصائصه ومميزاته، عبر نشر كل ما بتعلق بالفن اليمني وتاريخه.
كما تتطرق المنصة إلى عرض حياة العديد من الفنانين والأدباء، الذين أثروا الساحة الثقافية اليمنية بالتراث الغنائي بطريقة مشرفة ونقلوه للعالم؛ إذ عُرف التراث الغنائي اليمني بأصالته وتاريخه العريق، وتفرّده عن غيره من الفنون الغنائية في العالم، وميسرته الغنائية الحافلة بالنجاحات؛ إذ تتيح منصة (ريشة) للجمهور فرصة التعرف على حياة الفنانين والأدباء اليمنيين عن قرب، والتعرف على إبداعاتهم وتأثيرها على المجتمع اليمني.
إلى جانب ذلك فقد تناولت في برامجها عرض أنواع عديدة من الغناء الشعبي في اليمن، ومنها التصميم (الانفجرافيك) الذي أعدّه الإعلامي محمد المخلافي، أحد العاملين في المنصة، تناول الغناء التهامي، والصنعاني، والعدني، والتعزي، والحضرمي واللحجي.
يقول محمد المخلافي لصحيفة (صوت الأمل): “اكتسب الفن اليمني بمختلف أنواعه شهرة عالمية واسعة، كما تؤكد ذلك المصادر التاريخية والثقافية، ولكنه في الوقت الراهن لم يأخذ قدره الكافي من التناول”.
ويرى أنّ هناك العديد من الألوان الغنائية اليمنية نالت استحسان الجميع، سواء في الوسط المحلي أو العربي، قديًما أو حديًثا، وقد حققت شهرة واسعة، واكتسبت مكانًا مرموقًا بين الفنون العربية؛ إذ تربعت أسماء يمنية كثيرة في عرش الفن منذ القدم، وشكلت مدارس فنية مختلفة، من الصعب إيجاد مثلها اليوم.
وأكد المخلافي في حديثه أنّ الفن اليمني شبه مغيّب عن وسائل الإعلام نتيجة انشغالها بالصراع القائم في البلاد، لذلك انطلقت (ريشة) التي تسعى إلى إعادة إحياء التراث الفني اليمني وتقديمه للجمهور، عبر تغطية دقيقة وموضوعية، من خلال نشر مواضيع في مختلف الفنون الصحفية.
دور وسائل الإعلام
وحول أهمية دور وسائل الإعلام في نشر الفلكلور الشعبي بأنواعه المختلفة، يقول محمد عبد الوهاب الشيباني (رئيس تحرير منصة خيوط الإعلامية): “إنّ الوسائل الإعلامية المختلفة ( المرئية، والمكتوبة، والمسموعة) تلعب أدورًا متقدمة في التعريف بالفلكلور الشعبي، والمساعدة في استدامة استحضاره دائمًا، والحفاظ عليه من الاندثار والنسيان، والعمل على الأرشفة المأمونة للمادة العلمية لموضوعات الفلكلور؛ من رقصات وموسيقى وملابس وكل ما يتصل بذلك، التي تعدُّ الأداة المثلى للحفاظ عليه، والأهم أيضًا الدعوة إلى تنظيم فعاليات وأنشطة موسمية لاستدامة حضوره”.
ويتابع: “إنّ أبرز التحديات أمام وسائل الإعلام تتمثل في عدم وجود برامج دائمة تساعد على حفظ الفلكلور بالشكل المطلوب، بعد أن تحولت اهتمامات أغلب الوسائل الإعلامية إلى قضايا أخرى؛ بسبب تعاطي المجتمع مع موضوعات مرتبطة بحياته اليومية”.
وأوضح الشيباني أنّ الموروث الشعبي في الثقافات المختلفة يعدُّ واحدًا من مفاتيح التعريف بهويات الشعوب وذاكرتها الجمعية، لهذا لم تتخلَّ البلدان شديدة التطور عن عاداتها الثقافية في المأكل والملبس والموسيقى والفنون والتفاصيل الصغيرة الأخرى، فتقيم المهرجانات لإحيائها، وتُنشئ المتاحف للحفاظ على موروثها المادي وغير المادي؛ لتعريف الأجيال الجديدة والعالم بأهمية الحفاظ على التاريخ والثقافة. وأبرز النماذج دولة اليابان التي لم تتخلَّ عن إرثها الثقافي في قمة تأثيرها الصناعي في العالم.
نوعية البرامج
هناك العديد من البرامج اليمنية التي تناول العديد من أنواع التراث الشعبي في اليمن، أبرزها برنامج (فرسان الميدان)، الذي يعدُّ أشهر البرامج التلفزيونية الرمضانية في اليمن، قدمه الإعلامي الراحل يحيى علاو؛ إذ تناول البرنامج في فقراته المتعددة الألعاب الشعبية والعادات والتقليد الفلكلورية التراثية، التي تشتهر بها جميع المحافظات اليمنية، والتي تختلف من منطقة إلى أخرى، والتعرف على العديد من المعالم والأماكن الأثرية والتاريخية التي تزخر بها بلادنا.
كما أنّ هناك برنامج (صور من بلادي)، الذي يعدّ من البرامج اليمنية الشعبية القديمة، على قناة اليمن الفضائية، ويتناول أنواع الرقص الشعبي، من خلال زيارته إلى مختلف المدن والمناطق اليمنية التي تتمتع بالتنوع في الرقصات الفلكلورية الشعبية المميزة. كما تناول نماذج مختلفة من العمارة اليمنية، وإبراز جمالياتها المختلفة؛ من نقوش وزخرفات وطريقة البناء، وغيرها من الجوانب المتعلقة بالفن المعماري اليمني.
يقول عبد الرحمن الشامي (أستاذ بقسم الإعلام في جامعة قطر): “إنّ البرامج الثقافية تمثل الحضانة الرئيسية لإبراز الفلكلور الشعبي اليمني سواء في الإذاعة أو التليفزيون، ويمكن تخصيص برامج خاصة بهذا الفلكلور، كما يمكن إدماجها ضمن فقرات أخرى في برامج أخرى، وايضًا إدماجها ضمن الأعمال الدرامية، بالإضافة إلى ابتكار قوالب أخرى؛ كون العمل الإعلامي عملًا يخضع للابتكار والتجديد بشكل مستمر”.
ويرى أنّ هناك تأثيرات عديدة يمكن إحداثها فيما يتعلق بمستقبل الفلكلور الشعبي اليمني، بدءًا من تعريف الأجيال الجديدة بهذا التراث المتميز، ومرورًا بنقله إلى الجمهور الخارجي في إطار التعريف بالثقافة اليمنية بوجه عام، فضلًا عن المحافظة على التراث من النسيان والاندثار.
وأضاف: “أنّه يمكن لوسائل الإعلام أن تقوم بدور مهم فيما يتعلق بإحياء التراث الفلكلوري اليمني، وذلك في إطار وظيفتها التثقيفية، وهناك أمثلة كثيرة وتجارب عديدة يمكن الاستفادة منها في هذا المجال، سواء ما يتعلق بإشاعة الثقافة الفنية بوجه عام، أو بإحياء التراث الفلكلوري على نحو خاص، الأمر يتطلب في كل الأحوال وجود توجه لدى القائمين على الوسائل الإعلامية للقيام بهذه الوظيفة التثقيفية، وأن يقوم عليها أشخاص متخصّصون”.
من جهتها تقول صباح الخيشني (أستاذ مساعد بقسم الصحافة، كلية الإعلام، جامعة صنعاء): “إنّ تخصيص برامج إعلامية تسلِّط الضوء على الفلكلور اليمني والتراث الشعبي يساعد على أحيائه بشكل كبير داخل الوطن وخارجه، كما تعمل على استمراره، لا سيّما أنّ هناك من أنواع التراث إن لم يكن قد اندثر فهو في طريقه للاندثار”.
وترى الخيشني أنّه يمكن تسليط الضوء على تناول التراث الشعبي من خلال أنواع كثيرة من البرامج، مثل البرامج الجماهيرية التي تسعى لإبراز التراث عبر مسابقات ميدانية تترك تأثيرًا على المجتمع بأهمية هذا التراث.
مكين العوجلي (صحفي) يقول: “يمكن لوسائل الإعلام التقليدية والحديثة أن تخصّص مساحة كافية لتسليط الضوء على مخزون ثقافي وفني شعبي كبير، كان له دور في مراحل اجتماعية متعاقبة، وتغطية كل ما يتعلق بالفلكلور الشعبي، مثل تنفيذ فعاليات وأنشطة تتناول التراث اليمني وتغطيتها إعلاميًّا”.
كما يشير إلى أنّه يجب أن يكون هناك تناول إعلامي للتراث الشعبي بمختلف أشكاله، وكل ما يتعلق بثقافة المجتمع اليمني منذ القدم، عبر ارتداء المذيعين أو المذيعات أزياء فلكلورية شعبية ترمز لكل منطقة في اليمن.
ويتابع: “بالطبع أيّ أعمال أو أنشطة إعلامية سيكون لها أثر في ترسيخ البعد الثقافي والعمق التاريخي للبلد في أذهان الشباب والجيل الجديد، كما يكرس لثقافة وطنية وهوية، من خلالها تُحفَظ قيمٌ مجتمعيةٌ مهمةٌ، وتحافظ على تاريخ الإنسان اليمني”.
دور وسائل الإعلام في إنعاش التراث الشعبي
وعن أهمية دور وسائل الإعلام في إنعاش التراث الثقافي في اليمن يقول العوجلي: “يفترض أن تلعب وسائل الإعلام بشكل عام دورًا مهمًّا في إحياء التراث الشعبي بجميع أنواعه، لكن للأسف الشديد دورها ما زال ضعيفًا لعدة أسباب، أبرزها أنّ القائمين على وسائل الإعلام أو الممولين ليس من اهتماماتهم الفلكلور الشعبي، والتوجه العام لأغلب وسائل الإعلام اليمنية ينحصر في الملف السياسي فقط، وإهمال التراث الشعبي، الأمر ساعد في اندثار الموروث الثقافي أو تلاشيه لفترة زمنية معينة”.
من جهته يقول عبده حسين أحمد الأكوع (أستاذ الصحافة الرقمية والاستقصائية المساعد بجامعة صنعاء): “يعدُّ الفلكلور أحد دعائم الثقافة الوطنية اليمنية، ونحن كيمنيين معنيون أكثر من غيرنا بالحفاظ عليه وتدوينه ودراسته وتحليله ونشره؛ لأنّ التعرف على تراثنا وثقافتنا وإحيائهما والتشبث بكل لوحة وكل رسم وكل موّال وأغنية ولحن ونقوش أثرية ومومياوات – يعزِّز ارتباطنا بالأرض والحضارة والتاريخ العريق”.
وأضاف أنّ اليمن بلد غني وزاخر بالفلكلور الشعبي والموروث الثقافي الفني المتنوع على مستوى المحافظات، الأمر الذي يحتم على وسائل الإعلام؛ الرقمية والمرئية والمسموعة والمكتوبة، تسليط الضوء على هذا التنوع الفريد من الموروث، من خلال وضع خطط برامجية دورية دائمة لإنتاج محتوى فلكلوري، يعزز معارف ومعلومات الجمهور اليمني بالموروث الشعبي والثقافي والحضاري الغني والفريد للوطن، ويحييه في أذهان النشء والشباب”.
ويتابع حديثه لصحيفة (صوت الأمل): “على الرغم من أنّ معظم الفلكلور الشعبي يتصل بالماضي، فإنّه يخضع بدوره لمواكبة التطور الحالي؛ لأنّ فاعليته الحقيقة في الحاضر؛ إذ تقوم على الاختيار النسبي، وليس من المعقول استحضار الشعوب للماضي بكامل تفاصيله وعثراته، ولكن يمكن تطويع بعضها وتجميلها والاستفادة منها في صناعة فنون شعبية، تعطي انطباعات وأفكارًا وتطلعات ثقافية زاخرة ومعبرة عن عظمة الإنسان اليمني وحضارته”.
يواصل: “أنّه وبناء على ذلك، يجب أن تكون قضايا التراث الفلكلوري اليمني في صدارة تداولات الصحافة الرقمية، والشبكات الاجتماعية، والقنوات التلفزيونية، والمحطات الإذاعية، عبر برامج البودكاست، والفيديو، والصور، والبرامج الحوارية، والمناقشات الإذاعية، والندوات المستديرة، والبرامج المنوعة والوثائقية والتسجيلية، والمجلات المكتوبة والمسموعة، وكذلك البرامج الإخبارية، والإذاعة المدرسية على المستوى الوطني المركزي، وعلى المستوى المحلي بالمحافظات والمديريات”.
تحديات وسائل الإعلام لتناول التراث
يقول الأكوع: “تتمثل التحديات التي تمرُّ بها وسائل الإعلام، في غياب الخطط البرامجية، وضعف التمويل، إن لم يكن انعدامه لدى بعض الوسائل الإعلامية، إضافة إلى غلبة المحتوى السياسي والعسكري على القضايا الإنسانية والاجتماعية، وحتى الاقتصادية، وفي مقدمتها التراث الثقافي والموروث الفلكلوري الغني، الذي يعدُّ المدخل لتعزيز السياحة داخليًّا وخارجيًّا”.
وأوضح أنّ السياحة الثقافية تعدُّ أحد أهم روافد الاقتصاد الوطني؛ إذ تسهم في تنمية المجتمعات المحلية، وخلق فرص العمل، وجذب الاستثمارات، كما يمثل الموروث الفلكلوري عنصرًا مهمًا في السياحة الثقافية، وجب على الوسائل الإعلامية التركيز عليه بشكل كبير.
ويتابع: “إضافة إلى التحديات، غياب الحاضنات الفلكلورية، والمهرجانات الوطنية الدائمة التي تتناول التراث والفلكلور، وعدم تشجع المواطنين والطلاب والشباب على الاهتمام به في المدارس والجامعات والمعاهد المهنية والتقنية”.
ويؤكد أهمية العمل المشترك مع الجهات المعنية كافة، والمجتمع، ووسائل الإعلام في عموم المحافظات اليمنية، وتسليط الضوء على كل ما تحمله اليمن من إرث ثقافي وفلكلوري متنوع، وتصويره وتوظيفه.
معالجات مقترحة
تقول عصماء الكمالي (صحفية ومعيدة في كلية الآداب جامعة تعز): “إنّه لا بُدَّ من توفير التمويل والدعم الكافي لوسائل الإعلام من قبل الجهات المعنية؛ لتمكينها من إنتاج برامج تناول الفلكلور الشعبي بجودة عالية وتفاعلية، والعمل على تعزيز التدريب والتأهيل في تقديم برامج تدريبية وورش عمل للعاملين في وسائل الإعلام حول كيفية تناول الفلكلور الشعبي بشكل مبتكر ومبسط؛ ليصل إلى الجمهور بشكل فعّال”.
وأكدت على أهمية تشجيع التعاون بين وسائل الإعلام والمؤسسات الثقافية والفنية المحلية لإنتاج محتوى يعكس الفلكلور الشعبي بشكل شامل ودقيق، واستخدام التكنولوجيا الحديثة بشكل إبداعي، مثل الوسائط الرقمية والتواصل الاجتماعي في تناول الفلكلور الشعبي بأسلوب مبتكر وجاذب للجمهور الشاب؛ إذ عملية تشجيع المشاركة المجتمعية في إنتاج الفلكلور الشعبي وتناوله، وإقامة الفعاليات المحلية، تسهم بدرجة كبيرة في الحفاظ على التراث الشعبي”.
يرى ناشطون في مجال التراث الشعبي أنّ من الوسائل المهمة للحفاظ على التراث الفلكلوري الشعبي واستمراره، المؤسسات الإعلامية المختلفة، وذلك من خلال تخصيص مساحات كافية لتناوله؛ إذ يعدُّ بمثابة ترويج وأرشفة لهذا الإرث التاريخي المهم.
96.3% من المشاركين في الاستطلاع يرون أن الأزياء الشعبية اليمنية تلعب دورًا مهمًا في الحفاظ على الهوية الثقافية للمجتمع اليمني
صوت الأمل – يُمنى الزبيري اليمن بلد يتميز بموروث شعبي غني ومتنوع. يعكس هذا الموروث ت…