‫الرئيسية‬ الأعداد السابقة الفلكلور والأزياء الشعبية في اليمـن شخصيات الفلكلور اليمني؛ تفاعلات مؤثرة وقصص ملهمة

شخصيات الفلكلور اليمني؛ تفاعلات مؤثرة وقصص ملهمة

 صوت الأمل – هبة محمد

في أعماق التراث اليمني، يزخر الفلكلور اليمني بشخصيات مميزة تحمل في طياتها قصصًا وتفاعلات ملهمة تأثرت بالأساطير القديمة والشخصيات التاريخية اليمنية، تجعلنا نتأمل في قوة الإرث الثقافي لليمن، ممّا يجعل رحلة استكشافها تجربة غنية بالمعرفة والجمال.

وتمثل شخصيات الفلكلور اليمني جزءًا لا يتجزأ من الثقافة الشعبية، وتشكل مصدرًا مهمًّا للثقافة والإلهام؛ إذ تسهم في الحفاظ على الهوية الثقافية لليمن، وتعرّف العالم بالثقافة اليمنية الغنية.

في هذا التقرير، سنأخذكم في رحلة ممتعة، نتعرف بها على شخصيتين أسهمتا في الحافظ على الفلكلور اليمني، وعلى قصصهما وتفاعلاتهما المؤثرة، وكيف أصبحا مشهورينِ في تمثيل الفلكلور الشعبي محليًّا ودوليًّا.

ملاطف حميدي؛ ملك البرع اليمني

في ربوع اليمن، بكلِّ تفاصيل حياته الشخصية وطموحاته التي جسدها بروح الأمل والتفاؤل، نشأ ملاطف شابًا طموحًا منذ صغره، في بيئة غنية بالقيم والتقاليد، الأمر الذي لم يمنعه في تحقيق حلمه؛ بأن يكون للبرع اليمني وجوده وقيمته داخل اليمن وخارجه.

ملاطف حميدي، الشاب اليمني ذو الروح الطيبة والإبداع الفذ، عاش حياة ممتلئة بالتحديات والتضحيات، لكنه استطاع أن يحوّل طموحه البسيط إلى حقيقة ملهمة؛ إذ ولد ملاطف في أسرة متواضعة في قرية حراز، محافظة صنعاء، وكان التراث الشعبي جزءًا لا يتجزأ من حياة قريته.

منذ صغره، كان ملاطف مفتونًا بصوت البرع، وهي آلة موسيقية تعدّ من التراث الشعبي اليمني، يقول الحميدي: “ما بين طفل يبلغ الثانية عشر من عمرة يرافق أباه الذي يعزف آلة المرفع في المناسبات والأعراس، إلى طفل موهوب يحب المسرح والاستعراض، وما جعلني شغوفًا لعزف آلة البرع اندفاعي لمعرفة السرعة الموسيقية المستخدمة في الآلة، وجعل منها مصدر صوت قوي مصاحب لآلة البرع إلى أن كبرت، فبدأت أدقُّ على (الطاسة)، وما كنت أتميز به أنّى أعيش أنغامها، وكل برعة أعطيها حقّها في النغم”.

ويشير إلى أنّه أخذ على نفسه عهدًا بأنّ للبرع مساحة من مستقبله، ومع مرور الوقت، بدأ في تعلم مهنة الطرق على الطبول على إيقاعات البرع اليمني، واستغرقت مسيرته التعليمية سنوات من الجهد والتفاني؛ إذ كان يتدرب لساعات طويلة يوميًّا، حتى أصبح ماهرًا في التحكم بالإيقاعات، وإخراج النغمات المتناغمة من آلته المفضلة.

لم تكن الحياة سهلة على ملاطف؛ إذ تعرض للعديد من الصعاب والتحديات، وكانت الظروف الاقتصادية الصعبة والصراعات السياسية تضغط على الوضع الثقافي في اليمن، ولكنه لم يستسلم أمام العقبات، بل استخدمها كحافز لتحقيق أحلامه.

شعوره بالفخر والرغبة في الحفاظ على تراثه الثقافي اليمني ساعده على الاستمرار في رسم مستقبله في العزف على الطبول؛ إذ بدأ يعزف في المهرجانات المحلية؛ إذ تمكّن من جذب انتباه الجماهير بأدائه الرائع وحركاته المميزة، وانتشر صيته بسرعة، وبدأت دعوات المشاركة تتوالى؛ من مهرجانات وحفلات في العديد من الدول العربية.

طموح ملاطف لم يقتصر فقط على إثبات نفسه على المستوى المحلي، بل بدأ يحلم بأن يجعل صوت البرع يتناغم في قلوب الناس حول العالم، ويتطلع إلى المشاركة في أكبر المهرجانات العالمية، وتوثيق البرع كآلة موسيقية عربية فريدة من نوعها.

أتقن ملاطف فنون الطاسة لأنواع البرع اليمني كافة، وبدأت شهرته في حفلات الأعراس مع كبار الفنانين اليمنيين، وله العديد من المشاركات الخارجية، منها تمثيل اليمن في برنامج المواهب للكبار ARABs GOT TALENT.

حكاية البرع اليمني تتجاوز الحدود وتصل للعالم

مع صوته القوي وإيقاعاته الحماسية، يتجاوز البرع اليمني الحدود، ويأخذنا في رحلة فنية لا مثيل لها، قام عازف البرع اليمني ملاطف حميدي، في مونديال قطر 2022م بتشجيع المنتخبات العربية بواسطة إيقاعاته الرائعة والحماسية على الطبول داخل المدرجات، معززًا هذا التراث الشعبي الرائع، وملهبًا الحماس في قلوب الجماهير.

كما قدّم ملاطف عرضًا مذهلًا، عبر دمج إيقاعات البرع اليمنية التقليدية مع مجموعة متنوعة من الإيقاعات العربية الأخرى، ولاقى تفاعُلًا قويًّا من الجماهير العربية وغيرها، وممّا شجع الحميدي أيضًا على الاستمرار في العزف على آلة البرع؛ قدرتها الفريدة في جذب انتباه الآخرين، وتفاعلهم مع التراث الشعبي اليمني.

ويقول ملاطف: “شاركت في مهرجان الطبول في جمهورية مصر، الذي جمع بين إيقاعات الطبول المختلفة، وكانت طاسة البرع اليمني تتميز عن باقي الإيقاعات بقوة صوتها وحماسها الذي يجذب الحاضرين”.

وأكد على أنّ مشاركة رقصة البرع في المهرجانات وحفلات الزفاف وحفلات التخرج لها تأثير كبير على تعزيز ثقافة الفلكلور اليمني بين أوساط المجتمع، وعلى الرغم من التحديات والصراعات التي تمرُّ بها البلاد، فإنّ هناك من يحافظ على التراث والثقافة بكل فخر، ويسهم على استمراريته وتطويره وتعزيزه.

علي المحمدي وإسهاماته في الفنون الشعبية

علي المحمدي، رجل يتحلّى بعدة مواهب ومسؤوليات تتعدّى مجرد تولية منصب مدير عام الفنون الشعبية وقيادته للفرقة الوطنية في وزارة الثقافة صنعاء، ويعد خبيرًا متميزًا وباحثًا ميدانيًّا حاصلًا على درجة الماجستير، وقد أثبت نفسه بأعماله المهمة والمعروفة، منها مغنٍّ في وادي سبأ.

علي المحمدي، يمتلك مسيرة فنية مذهلة ومتنوعة، بدأ تعليمه في الفنون الشعبية في المعهد العالي للفنون الشعبية في مصر، يحمل الماجستير في فن الباليه من الاتحاد السوفيتي سابقًا، وقضى ثلاث سنوات في المدرسة اليمنية الحديثة كمدرب رياضي وفني، وعمل في التلفزيون لمدة عشر سنوات متتالية في مسابقات الأطفال الرمضانية.

له العديد من الأعمال الفنية المميزة، بما في ذلك الأوبريت المغناة (صنعاء حَوَت كلَّ فن) و(مات الملك) و(المقهى نداء الضمير) وغيرها، كما قام بتنظيم العديد من الأعمال الفنية مثل اللوحات الاستعراضية الراقصة، والمسرحيات الاستعراضية التي تناولت قضايا مهمة، مثل رفض الإرهاب والفساد.

تجاوزت إسهاماته الفنية حدود اليمن؛ إذ شارك في العديد من الفعاليات والفرق العالمية، وانتقلت رؤيته الفنية ومهاراته إلى أماكن بعيدة، مثل الولايات المتحدة الأمريكية، وكوبا، وبلغاريا، وفرنسا، واليابان، وقد تأثر بفنان روسي عظيم يُدعى ألبرت تروفوزوكي، ممّا أضفى لمسة فريدة على أعماله، كما عمل على توثيق رقصات تقليدية نادرة في اليمن وإظهارها، وأسس العديد من الفرق الفنية التي مثلت اليمن داخليًّا وخارجيًّا.

قدّم المحمدي خلال السنوات الماضية والحالية أعمالًا فنية، منها لوحة استعراضية بعنوان (نجاح الحوار) 2014م، ولوحة استعراضية بعنوان (الكتابة بسيف) 2014م، ومسرحية استعراضية بعنوان (لا للإرهاب لا للفساد) 2015م، ومسرحية استعراضية بعنوان (مرزوق في دور إرهابي).

عمل المحمدي على إظهار رقصات وتوثيقها لم تكن معروفة لبعض المحافظات وخاصة القديمة، وتأسيس كثير من الفرق خلال مسيرته الفنية، التي قاربت أربعين عامًا، وعملت الفرق على تمثيل اليمن خارجيًّا وداخليًّا من خلال إحياء الفنون الشعبية.

ومن تلك الفرق التي أسسها المحمدي (فرقة السَّلام) الفنية للمهمشين، وتعدُّ أول فرقة تُعنى بهذه الشريحة المهملة من قبل المجتمع، التي أسسها في عام 2016م، وقدّمت أولى أعمالها على خشبة مسرح المركز الثقافي بعنوان (من قلب المُعاناة).

وكلل الفنان المحمدي مسيرته الحافلة بكتاب عن الفنون الشعبية ومظاهرها، وتعمق في الرقصات الشعبية ومسمياتها، متبوعة بنوتة موسيقية تكون هي المرجع لكل باحث، وضم الكتاب 14 محافظة و36 رقصة مدونة بأزيائها وحليها وآلاتها الموسيقية، كل هذا حصل خلال سبع سنوات من العمل الجاد والفردي؛ إذ لم تكن هنالك جهات داعمة له.

حاليًا، يشغل الفنان علي المحمدي منصب مدير عام الفنون الشعبية، وقائدًا للفرقة الوطنية للفنون الشعبية بوزارة الثقافة في صنعاء، ويعمل بجهد على تعزيز الفلكلور اليمني وتطويره.

البدايات

عن بدايات المحمدي في الرقص الشعبي يقول: “خرجت من الحجرية في محافظة تعز متجهًا إلى محافظة عدن للتعليم والدراسة، وبعد انسحاب الإنجليز من عدن، وصلت فرقة خبراء من الاتحاد السوفيتي إلى المدينة؛ بهدف تأسيس فرقة شعبية تجمع بين الفنون الشعبية في جنوب اليمن”.

ويكمل: “نُظمت مسابقة شيقة، واختير 70 فردًا من الذكور والإناث بعد الفرز، وبعد التصفيات، واختير 30 طالبًا لتدريبهم في اليمن في مرحلة أولية، ثم انتقلنا جميعًا إلى الاتحاد السوفيتي، وتحديدًا إلى مدينة لينينغراد، وقضينا 6 سنوات مليئة بالتحديات والصعاب”.

وأوضح أنّ تلك المدّة كانت دراسية وصعبة للغاية؛ إذ كانت اليمن بحاجة ماسة إلى خبراء في التراث الشعبي والفلكلوري، ورغم كل الصعاب تمكّن من تحقيق الحلم بالتخرج عام 1985م، وعاد إلى صنعاء محملًا بالمعرفة والخبرات الثمينة التي اكتسباها خلال رحلة التعلم.

وأضاف: “في تلك المدة، كانت هناك فرقتان وطنيتان للرقص في عدن، إحداهما تضم نساءً ورجالًا، والأخرى تشكلت من رجال فقط، ولكن بفضل الجهود التوعويّة التي بُذلت في الأوساط الثقافية في صنعاء، تمكّن من إحداث تغيير إيجابي في مشاركة فئات المجتمع في جميع الفنون”.

توحيد الرقصات الشعبية بين الشمال والجنوب

 أسهم المحمدي في الجمع والتناسق بين رقصات شمال الوطن وجنوبه؛ إذ أوضح: “في البداية، كان هناك تشابه بين رقصات شمال اليمن وجنوبه، وما قمنا به كان تأكيدًا وتطويرًا لهذا التلاقي؛ إذ قمنا بالعمل على تعزيز الرقصات؛ إذ كان هناك رقصات مميزة يعتمد عليها أبناء الشمال فقط، مثل رقصة (البرع) التي كانت مجهولة لدى أبناء الجنوب، لذا قمنا بتطويرها وتعديلها بأسلوبنا الخاص حتى أصبحت مقبولة ومحبوبة بين أبناء الجنوب، وبهذه الطريقة نجحنا في تسويقها وإثراء تراثنا الثقافي بالتنوع والتجديد”.

تأسيس أول فرقة شعبية في اليمن

كان المحمدي أول المؤسسين في اليمن للفرقة الوطنية الموحدة للرقص الشعبي، وعن مدّة التأسيس يقول: “في هذه المرحلة، سعيتُ جاهدًا لاستيعاب كل تفاصيل الرقص الشعبي، من خلال الدراسة الأكاديمية والتعاون مع الخبراء، وكنتُ أرافقهم وأتبعهم في جولاتنا التعليمية إلى عدد من محافظات اليمن، كما عملنا على توثيق الرقصات المحلية في تلك المحافظات، وكان هناك حماس كبير ينبض في قلوب الجميع لرفعة الرقص الشعبي في اليمن”.

ويواصل: “هناك تحديات يمرُّ بها واقع الفرقة الوطنية في الوقت الحاضر، يعود ذلك إلى عدة أسباب؛ أولًا: الفرقة الوطنية لا تجيد العزف الصحيح على النوتات الموسيقية، ومن جانب الرقص، فإنّه مهمّش بشكل كبير من قبل وزارة الثقافة اليمنية”.

 وأضاف: “هناك بعض الأعضاء في الفرقة لا يلتزمون بتدريبات الرقص اللازمة، ممّا يؤدي إلى فقدان بريق الفرقة ورونقها بسبب الكسل، وأصبحت الفرقة الوطنية مجرد أداة للتعاملات؛ إذ يأتي شخص من الخارج ويطلب أربعة راقصين للمشاركة في حفلة أو فعالية ما، دون التشاور معنا لاختيار الأشخاص المناسبين”.

ويطمح المحمدي لتحقيق كثير من المشاريع الفنية؛ كفتح معهد للفنون الشعبية في صنعاء، لكن ذلك الطموح تلاشى بعيدًا، يقول المحمدي: “كان لدينا أمل كبير بفتح معهد للفنون الشعبية في صنعاء، لكن هذا المشروع فشل تمامًا، في العام 1985م، وصل وفد عراقي إلى اليمن بهدف إنشاء المشروع ووضع حجر الأساس له، ومع ذلك، واجه المشروع تعثّرًا شديدًا حتى عام 2000م”.

وأكد أنّ في ذلك العام التزمت دولة قطر بإكمال البنية التحتية للمشروع، ونتيجة للأحداث الأخيرة التي شهدتها البلاد، تعثر المشروع مرة أخرى، ولم تبدِ وزارة الثقافة أي اهتمام أو تحرك يُذكر تجاه الأمر.

الرجاء تسجيل الدخول للتعليق.

‫شاهد أيضًا‬

96.3% من المشاركين في الاستطلاع يرون أن الأزياء الشعبية اليمنية تلعب دورًا مهمًا في الحفاظ على الهوية الثقافية للمجتمع اليمني

صوت الأمل – يُمنى الزبيري اليمن بلد يتميز بموروث شعبي غني ومتنوع. يعكس هذا الموروث ت…