‫الرئيسية‬ الأعداد السابقة الفلكلور والأزياء الشعبية في اليمـن الصناعات التقليدية هوية وطنية في الفلكلور الشعبي تحاكي مكانة اليمن التاريخية

الصناعات التقليدية هوية وطنية في الفلكلور الشعبي تحاكي مكانة اليمن التاريخية

صوت الأمل – أحمد باجعيم

تشتهر اليمن بأصالة تاريخها وعمق ماضيها الزاخر بالإبداع والمهارة الحرفية عالية الدقة والإتقان؛ إذ تمتاز بصناعات تقليدية مزجت الماضي بالحاضر، وتسير إلى المستقبل عبر توارث الآباء من الأجداد وتخليدها للأبناء، لتحاكي للأجيال القادمة قصصًا عن حضارة وثقافة لم تقوَ العقود والسنون المتعاقبة أن تزيحها عن الواجهة.

 فمن الخيوط أُحيكت المنسوجات والأزياء بدقة فائقة، ومن الفضة والذهب نحت منها الحلي وزينت الخناجر و(الجنابي)، ومن الطين صُنعت الأواني الفخارية، ومن سعف النخيل تكونت السِّلال والحصائر والبيوت، هذه الصناعات التقليدي اليدوية التي إلى اليوم ما زالت تُصنع، ارتبطت ارتباطًا وثيقًا بالفلكلور التراثي اليمني.

ومن خلال هذا التقرير، يمكننا التعرف على تاريخ اليمن وأهمية ما تشكله الصناعات التقليدية فيه من إرث ثقافيّ، يعبّر عن هوية البلد العريق وتاريخه وثقافته المتنوعة، وعن أسرار الصناعات التقليدية المتنوعة، ودورها في الحفاظ على تراث اليمن والفلكلور الأصيل، الذي انفرد به اليمن عن باقي البلدان العربية والعالمية. وعن أهم الصعوبات التي جعلت العديد يعزفون عن الاستمرار في ممارسة تلك الصناعة، الأوضاع الاقتصادية التي تعاني منها البلاد.

تاريخ الصناعات التقليدية

يمتد تاريخ الصناعات التقليدية المتعلقة بالتراث الفلكلوري في اليمن إلى مئات السنوات، منذ أن احتاجها الإنسان، وحسبما ذكر المركز الوطني للمعلومات أنّ البدايات الأولى لصناعة الفخار ترجع إلى ما يقارب (2600) عام وفقًا للاكتشافات التي عملتها البعثة البريطانية. وتعدُّ من أقدم المِهن اليمنية التي امتهنها الإنسان، ولا تزال مهنة متجددة إلى اليوم، أمّا عن باقي الصناعات التقليدية اليمنية لا توجد دراسات دقيقة تبيّن تاريخ بداية تصنيعها، وتعدُّ صناعات تحاكي العصور والثقافات القديمة منذ وطأ الإنسان بقدميه اليمن، مثل: العقيق اليماني، والفِضِّيَّات، والجنابي، وحياكة المنسوجات والخوص، التي تعدُّ منسوجات نباتية، وأيضًا النحاسيات والبخور والآلات الموسيقية.

وفيما يتعلق بالزي اليمني القديم الذي يعدُّ جزءًا مهمًّا من التراث الثقافي اليمني، يصعب تحديد تاريخ ظهور الزي القديم اليمني بشكل دقيق؛ إذ تشير بعض الأدلة إلى أنّ الزي ظهر منذ آلاف السنين؛ إذ عثر على نقوش ورسومات تظهر أشخاصًا يرتدون زيًّا مشابهًا للزي اليمني القديم في حضارة مأرب القديمة.

هناك تنوع في الأزياء من محافظة إلى محافظة بين الرجال والنساء، ولا يزال إلى الوقت الحاضر يحتفظ اليمنيون بالأزياء ويرتدونها في المناسبات الاجتماعية، على الرغم من قدمها، وتسارع الحياة نحو التطور؛ إذ تتميز كل منطقة عن أخرى بزخارف وخيوط وتصاميم معينة تضفي عليها جمالية متفردة.

أنواع الصناعات

عبد الله باني يعمل في ورشة لصناعة الفخار بمديرية تريم في محافظة حضرموت، ورث الورشة من أجداده؛ إذ يعمل على صناعة الأواني الفخارية، مثل (التنانير) و(الزير) الذي يستخدم لحفظ الماء وتبريده، و(الجرة) وبعض الأواني التي تستخدم لطهي الطعام، وفناجين القهوة، وكثير من الصناعات اليدوية من الأواني الفخارية، التي تعدُّ أحد أركان التراث الفلكلوري اليمني القديم؛ إذ إنّ العديد منها، ومنذ الوهلة الأولى لصناعتها، لا تزال تستخدم إلى اليوم في البيوت اليمنية، وبعضها الآخر تستخدم بالمناسبات الاجتماعية والدينية وغيرها.

وقال الصانع نائف باقطيان (مالك ورشة صناعة الفِضِّيَّات في مدينة المكلا): إنّ عائلة آل باقطيان توارثوا المهنة منذ عشرات السنين، ويمارسون المهنة في بعض المحافظات اليمنية (حضرموت وشبوة وعدن)؛ إذ تُصنع أنواع متعددة من الفِضِّيَّات التي بعض أنواعها استُبدل بنوع آخر، وبعضها إلى الوقت الحاضر تُستعمل، سواء للرجال أو النساء؛ إذ تدخل قطع من الفضة في مهور الزواج حاليًا في بعض المناطق اليمنية، ومن أنواع الفضة صناعة الجنابي والخناجر، التي تتميز كلّ محافظة عن الأخرى بتشكيلة مغايرة، كذلك الأحزمة التي تستخدمها النساء، وتعدُّ عديدة ومتنوعة، ويختلف لبسها من مناسبة إلى أخرى”.

وأشار باقطيان إلى أنواع الأحزمة التي تصنع، منها: (الحنشيات – الحيدريات – المناجد)، بالإضافة إلى بعض الأنواع تكون (محملًا)؛ أي يضاف لها سلاسل وحِلق بالأجزاء السفلية، وتُدعى باللهجة الدارجة بحضرموت (مرتّين محمل) (ومرتّين جرد) و(المرتّين) بتشديد التاء، ويقصد بها الأحزمة، أمّا الجرد فيعني غير المحمل، وهو المتجرد. ويعد من الفُلكلور اليمني القديم، وتشتهر به العديد من المناطق اليمنية، كما تُصنع البزغ والأساور والخواتم النسوية، وكذا الخواتم الرجالية. كل المصنوعات الفضية تعدُّ جزءًا كبيرًا من المصنوعات التقليدية المعاصر المتعلقة بالتراث الفلكلوري اليمني القديم، وجزءًا مهمًّا من الثقافة المحلية التي تتفرد عن باقي الثقافات.

إلى ذلك أوضح أحمد بازار (مالك محل في سوق المكلا القديم لبيع أنواع متعددة للصناعات الحرفية التي ارتبطت بتراث الفلكلور اليمني) أنّ هناك إقبالًا جيّدًا على اقتناء المصنوعات التي غالبًا ما تكون تحفًا مصغرة من أنواع الخوص (سعف النخيل)؛ كسُفَر للطعام، و(مقيش) التي تستخدم للتنظيف، ومراوح، وغيرها من المنسوجات النباتية. وكذا الآلات الموسيقية التي تشتهر بها اليمن، وبعض أنواع الأواني الفخارية الشهيرة، التي يستخدمها الناس لغرض الهدايا والزينة؛ سواء في البيوت أو المكاتب أو السيارات، كما أنّ المصنوعات تعرض في المؤتمرات والمهرجانات والمناسبات الوطنية أحيانًا؛ لكونها تعبّر عن تراث البلاد.

تحدّيات العاملين

ذكر عبد الله باني عدة تحديات تواجه صانعي الأواني الفخارية التراثية؛ أبرزها: صعوبة الحصول على المواد الأولية، وزيادة سعرها المادي؛ إذ كان في السابق يحصل العاملون في صناعة الفخار على المواد الأولية، التي هي عبارة عن (طين) يعدُّ نوعية خاصة من التراب، بشكل مجاني، قبل أن يستولي على الأرض بعضُ المستثمرين في مديرية تريم بوادي حضرموت؛ لهذا فإنّ شراء مادة الطين شكَّلت عائقًا ماديًّا كبيرًا أمام العاملين في المهنة؛ إذ إنّ صناعة الفخار تمرُّ بمراحل متعددة، قبل أن تصل إلى شكلها الأخير، والعائد المادي يعدُّ ضعيفًا جدًّا، ولا يقارن بالعمل على امتداد مراحل التصنيع وشراء المواد.

وأشار إلى أنّ الظروف المعيشية تسببت في عزوف كثير من صانعي الأواني الفخارية التراثية، ولجأ بعضهم إلى البحث عن مهنٍ أخرى، تحسّن من حياتهم المعيشية، كما أنّ إقبال حركة الشراء على الأواني تراجع بشكل تدريجي، ولا تُستَذكَر إلَّا في المواسم والمناسبات، مثل شهر رمضان؛ إذ تعدُّ هناك حركة شرائية ملحوظة على بعض الأواني والمصنوعات الفخارية، بالإضافة إلى ضعف الاهتمام من قبل الجهات المعنية والمسؤولة بالتراث الحضرمي واليمني بصورة عامة.

 تمثل مهنة صناعة الفخار عمق الثقافة المحلية والعربية وفلكلوره الشعبي القديم، ومع ذلك ما زال العاملون يواجهون فيها تحديات تتضمن: ثبات سعر المصنوعات الفخارية، وتدهور العملة المحلية؛ ممّا فاقم معاناة العاملين اقتصاديًّا. هذا ما أوضحه عبد الله باني.     

 من جانبه أشار نائف باقطيان إلى أنّ هناك تحديات كبيرة تقف أمام ملاك صناعة الفضة وممتهنيها، تتضمن كثرة الورش المصنّعة، وعدم الالتزام بالمعايير المطلوبة؛ الأمر الذي أثّر على جودة الفضة، والمضاربة بالأسعار بين الورش المصنعة بسبب خلط مادة النحاس مع الفضة، ويعدُّ ذلك غشًّا دخيلًا على صناعة الفضة اليمنية؛ نتيجة غياب هيئة المواصفات والمقاييس وضبط الجودة، وهو ما يؤثر سلبًا على صناعة الفِضِّيَّات المحلية في الأسواق الخارجية، ويتسبب بنتائج عكسية على المهنة في البلاد؛ إذ تُفحَص السلع في الخارج.

المعالجات

عبد الله باني يؤكد على أهمية دور الجهات المعنية والمنظمات الدولية المهتمة بهذا المجال؛ من خلال تقديم الدعم اللازم للعاملين بالمهن التراثية، وتقديم التسهيلات المطلوبة في توفير المواد الأساسية لصناعة الفخار، أبرزها مادة (الطين) وسهولة الحصول عليها بشكل مجاني، حتى يتمكن العاملون من القيام بمهامهم وأعمالهم التي تعد جزءًا رئيسيًا في إحياء التراث والثقافة الوطنية ومقاومة اندثارها، منوهًا على أنّ العمل في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة التي تمر به اليمن يعدُّ خدمة وطنية يقدمها العاملون في هذه المهن في سبيل التمسك بالتراث اليمني القديم والحفاظ علية، بالإضافة إلى ضرورة إقامة معارض ومؤتمرات لعرض الصناعات التقليدية، وتعريف المجتمع المحلي والخارجي بالفلكلور اليمني.

وعدّد صانع الفِضِّيَّات نائف باقطيان مجموعة من المقترحات لتحسين جودة الصناعة والرقي بها، منها توفير أجهزة لضبط جودة المقاييس والمعايير، ونوعية الفضة المصنوعة للحفاظ على جودة الصناعة اليمنية، ومكافحة (الغش) الذي وصفه بالكبير؛ إذ تبلغ نسبة الغش في المواد المصنوعة نصف الكمية؛ إذ يُصهر كيلو من الفضة ويُمزج مع كيلو من مادة النحاس، ويباع على أنه (2 كيلو) من الفضة الخالصة، الأمر الذي يقلّل من جودة الصناعة المحلية التراثية التي تعدُّ في الماضي من أجود الصناعات على المستوى العربي، لهذا فإنّ توفر أجهزة ضبط الجودة سيقضي على حالة الغش.

وأكد على أهمية توحيد الأسعار بين الورش المصنِّعة للفِضِّيَّات، وعدم المضاربة في الأسعار؛ ممّا يضرُّ بالصناعات التقليدية وجودتها ككل، وتشجيع ملاك الورش من قبل الجهات الرسمية؛ من خلال منح قروض ميسرة، وإقامة بازارات لعرض الفِضِّيَّات والمصنوعات التقليدية، التي لها علاقة بالتراث والفلكلور اليمني القديم، والعمل على تقييم دوري من قبل الجهات المعنية للصناعات التقليدية؛ كصناعة الفِضِّيَّات، وتقديم دورات تأهيلية للعاملين في المهن، وتشجيع المجتمع على اقتنائها.

 تعد الصناعات التقليدية المتعلقة بالفلكلور اليمني جزءًا مهمًّا من التراث الثقافي الغني لهذا البلد العريق؛ إذ إنّ الحرف تعكس تنوع الثقافة الشعبية، وتعبّر عن الهوية الوطنية، كما أنّ إتقان الصناعات التقليدية وحفظها يُسهم في الحفاظ على تاريخ اليمن، ويعزز التواصل الثقافي بين الأجيال المختلفة. وأخيرًا يجب دعم هذه الصناعات من قبل الجهات المعنية والرسمية، وتشجيع الحرفيين والفنانين اليمنيين على المحافظة عليها وتطويرها لتبقى جزءًا حيويًّا من ثقافة الوطن.

الرجاء تسجيل الدخول للتعليق.

‫شاهد أيضًا‬

96.3% من المشاركين في الاستطلاع يرون أن الأزياء الشعبية اليمنية تلعب دورًا مهمًا في الحفاظ على الهوية الثقافية للمجتمع اليمني

صوت الأمل – يُمنى الزبيري اليمن بلد يتميز بموروث شعبي غني ومتنوع. يعكس هذا الموروث ت…