وسائل التواصل الاجتماعي في اليمن؛ نافذة على التأثير
صوت الأمل – الدكتور منصور القدسي
رئيس مركز مرايا الإعلام للتنمية (MDC)
(مستشار عدد وسائل التواصل الاجتماعي في اليمن)
بدأت خدمة الإنترنت في اليمن منتصف تسعينيات القرن المنصرم بواسطة مشغل حكومي واحد (تيليمن – يمن نت)، وكانت مكلفة واستخدامها محصور على مؤسسات وأفراد في المدن الرئيسية خصوصًا في صنعاء. ثم انتشر استخدامها مع ظهور شركات اتصالات خاصة لتشغيل الهواتف الذكية مزودة لخدمة الإنترنت، إضافة إلى الشركة الحكومية.
تقديرات إحصائية لمواقع التواصل الاجتماعي في اليمن
تذهب التقديرات الإحصائية إلى أن عدد المستخدمين قفز من 420,000 مستخدم في العام 2010 إلى أكثر من 7,000,000 مستخدم في العام 2018، أي بنسبة تقارب 24% من إجمالي السكان. ويُعزِي كثيرون الزيادة الملحوظة في انتشار الإنترنت في اليمن بعد العام 2010 إلى الأحداث التي وقعت عام 2011 في العالم العربي، ومنها اليمن، وقد شكلت علامة فارقة في انتشار الإنترنت واستخدامه في أوساط اليمنيين، وخصوصًا الشباب الذين يمثلون أكثر من نصف المجتمع اليمني. وقد نجح الشباب اليمني في توظيف مواقع التواصل الاجتماعي، وعلى رأسها منصة الفيسبوك، في طرح مواضيع مختلفة.
وكشف تقرير اقتصادي حديث أن عدد مستخدمي الإنترنت في اليمن وصل إلى 8,700,000 مستخدم حتى نهاية العام 2022، أي بزيادة 5.6% عن العام السابق 2021م. كما وصلت نسبة مستخدمي الإنترنت في اليمن لـ27% من إجمالي السكان في اليمن المقدر عددهم -بحسب أحدث إحصائيات البنك الدولي- بأكثر من 33,700,000 نسمة. ويستخدم نحو 11% من السكان شبكات التواصل الاجتماعي، وفي مقدمتها: موقع فيسبوك، بأكثر من 3,200,000 مستخدم، بنسبة 83% من الذكور مقارنة بنسبة النساء التي تصل إلى 17% فقط.
من جانبها، أظهرت دراسة أجرتها مؤسسة (منصة) في وقتٍ سابق أن 95% من اليمنيين يحصلون على الأخبار والمعلومات من مواقع التواصل الاجتماعي، ويتصدر الفيسبوك المرتبة الأولى بالنسبة لاهتمامات اليمنيين واستخدامهم بنسبة 98.7%، وتطبيق الواتساب بـ92.7%، ثم موقع إكس (تويتر سابقًا) بـنسبة 59%، يليه التيليجرام بنسبة 45.7%، ثم اليوتيوب بـنسبة 38.3%، والإنستجرام بنسبة 34%، وأخيرًا المدونة “Blog” بـ15.3%.
لا يقتصر استخدام هذه المواقع على متابعة أخبار فقط؛ إذ وظفها اليمنيون لممارسة العديد من الأنشطة وتشغيل مجالات تتجاوز حدود التواصل، وتعد عنصراً مؤثرًا وفاعلاً بشكل مباشر في مختلف القضايا العامة والخاصة على السواء. وسنركز في هذه المقال بشيء من التفصيل عن أهم الاستخدامات الاجتماعية لتلك المواقع في اليمن؛ للخروج برؤية نقدية للإيجابيات والسلبيات الناجمة عنها.
الاستخدامات الاجتماعية لمواقع التواصل الاجتماعي
يقال إن اليمنيّين من أبرع شعوب العالم في التواصل الاجتماعي، فهم يقضون وقتهم في مجالس جماعية شبه يومية، ما بين أربع وثماني ساعات يمضغون فيها القات ويتبادلون الأحاديث والمعارف حول كل القضايا، ويعالجون جميع مشاكلهم الاجتماعية التي تأخذ نصيب الأسد في جلساتهم، خاصة في المناطق القبلية التي تحكمها الأعراف والعادات أكثر من القوانين الرسمية، وزادت أهميتها بعد الصراع في ظل انهيار مؤسسات الدولة.
ومع انتشار استخدام مواقع التواصل الاجتماعي، خاصة في السنوات الأخيرة، أصبحت النقاشات المتبادلة في تلك المجالس تتضاءل بفعل ارتباط من يتشاركون الجلوس في غرفة واحدة بالعالم الافتراضي خارج الغرفة، حد تعليق أحدهم ذات مرّة ممازحًا رفاقه: “عفواً، سأخرج إلى أقرب مقهى إنترنت للتواصل معكم”؛ وذلك لانهماك كل واحد منهم بهاتفه الجوال، مبحرًا في عالم مواقع التواصل الاجتماعي دون أدنى اهتمام بمن حوله. فيما نشر آخر في صفحته بالفيسبوك صورة لهواتف زملائه وقد وضعها في زاوية من مجلس قات يجمعهم، وعلق مازحًا أنه أول مرة يتعرف عن قرب بزملائه بعد اشتراطه في المقيل عدم استخدام أجهزتهم ومواقع التواصل الخاصة بهم؛ إذ إن تلك المجلس من المفترض أن تنقل مشاكل الناس اليومية بسبب الظروف المعيشية القاهرة، والأهم من ذلك مناقشتهم لكثير من القضايا والمشاكل الاجتماعية التي تؤرق المجتمع أو الأفراد، وكانت تحظر العادات والتقاليد خروجها للفضاء العام، خاصة إذا كانت متعلقة بالنساء أو حقوقهن.
إيجابيات مواقع التواصل الاجتماعي
أسهمت مواقع التواصل الاجتماعي في توطيد العلاقات الاجتماعية وتعزيزها بين اليمنيين، والاهتمام بتطوير حياتهم الشخصية من خلال تلاقح أفكارهم وثقافاتهم مع الآخرين، وتجاوز سلبيات العادات والتقاليد المقيدة لهم في الواقع، ولا تتناسب مع الانفتاح الهائل في هذا العصر؛ فهناك العديد من القضايا الاجتماعية في اليمن كان يصعب الحديث فيها، بسبب عادات وتقاليد قديمة، أصبحت اليوم متاحة بفضل مواقع التواصل، كالحديث عن العنف ضد المرأة من حيث الإكراه على الزواج، وزواج القاصرات، وحالات الاغتصاب، وحجاب المرأة، وما شابه ذلك، وكذلك قضايا الثأر وقضايا الإرث وخاصة للمرأة، وقضية تعليمها ومشاركتها في جميع المجالات. كل هذا يشير
إلى أهمية الدور الذي لعبته وسائل التواصل في المجتمع اليمني على الصعيد الاجتماعي.
ونجحت مواقع التواصل الاجتماعي في اليمن بكشف مختلف الانتهاكات الاجتماعية، سواءً القائمة على الدوافع السياسية أو النوع الاجتماعي أو العرقي وغيرها، وخصوصًا تلك التي تطال الفئات المهمشة أو الصامتة في المجتمع كالنساء أو الأطفال. ويوجه كثير من المستخدمين والمؤثرين في اليمن مواقع التواصل الاجتماعي للحشد والضغط على الجهات المعنية لإحقاق العدالة أو القصاص في قضايا تخاذلت فيها السلطات عن إحقاق العدالة وإنصاف ضحايا انتهاكات حقوق الإنسان التي طالت النساء والأطفال. ففي عام 2021، أثارت قضية الطفلة أسماء رمزي محمد هاشم مواقع التواصل الاجتماعي في محافظة تعز، إذ تم تداول لقطات صورتها كاميرات المراقبة عن قيام رجل بخطفها من الشارع، الأمر الذي دفع بالأجهزة الأمنية إلى التحرك الجاد والقبض على الخاطف في مدينة عدن، وإعادة الطفلة المختطفة إلى أسرتها.
كما دفعت الحملات الإلكترونية في تلك المواقع صناع القرار إلى اتخاذ إجراءات معينة تحت الضغط الإلكتروني، وتحريك ملفات وقضايا شكلت فيها عنصر ضغط على السلطات الضبطية والقضائية، كما هي الحال في جريمة قتل الطفلة مها التي دفعت حياتها ثمنًا بمقاومة محاولات الجاني باغتصابها، وأسهم ذلك الغضب الرقمي في دفع القوات الأمنية في مدينة عدن إلى عقد “محاكمة مستعجلة” للجاني “الجار” الذي دفن جثتها في قبو منزله ليوم كامل بعد قتلها بطريقة وحشية.
كما يطلق مستخدمو مواقع التواصل الاجتماعي في اليمن حملات “وسوم/ هاشتاقات” لمناصرة ضحايا العنف المنزلي والعنف ضد المرأة، والضغط من أجل محاسبة مرتكبي تلك الانتهاكات. وعلى ما في الأمر من إيجابية يمكن أن ترسي قيم الرفض الشعبي ورفد قيم العدالة، فإن ما يلحظ هو تناول بعض القضايا بتلقائية جماهيرية لا تخلو من العشوائية التي تدفعها العاطفة الجارفة والضخ المتوالي بالمعلومات إلى الوصول إلى مرحلة “الأكثر تداولاً/ الترند” نحو اتخاذ إجراءات قد تؤثر في سير العدالة.
سلبيات مواقع التواصل الاجتماعي وتحدياتها
وفي خضم تفاقم الأزمات الاجتماعية والإنسانية التي تواجه اليمنيين بسبب الصراع، تصدرت قضايا التكافل الاجتماعي والعمل الإغاثي مواقع التواصل الاجتماعي التي مثلت الوسيلة الأبرز للجهات الإغاثية للتواصل مع الضحايا والوصول إلى المستفيدين بعد أن قطع الصراع أوصال المناطق اليمنية، وباعدت بينها جراء قطع الطرقات في مداخل المدن الرئيسية، كما أسهم التفاعل الكبير بنجاح الكثير من حملات المناصرة المجتمعية، سواء تلك التي تأتي من المجتمع أو من المساهمين والمؤسسات الخيرية والداعمة لإغاثة الفئات المستحقة. غير أن مواقع التواصل في ظل الوضع الإنساني الكارثي الذي تشهده اليمن دفعت بكثير من النشطاء إلى نشر كم هائل من الصور ومقاطع الفيديو التي يتم تداولها بشكل مستمر للحالات الإنسانية المختلفة؛ ليحظوا بكثير من المتابعات لحساباتهم الشخصية، على حساب سمعة وكرامة الآخرين واحترام خصوصيتهم، ودون الاكتراث بالأخلاقيات المهنية التي تخضع لها عملية النشر والتناول في مواقع التواصل الاجتماعي. وهي بطبيعة الحال من تصل إلى مرحلة جرائم النشر لدخولها ضمن باب الإضرار بسمعة الشخص الذي تم تصويره والتشهير به، على الرغم من أن الناشطين يبررون ذلك بأن الحالات الإنسانية تعمل على استعطاف الآخرين وخاصة المغتربين اليمنيين بالخارج الذين يبادرون إلى تقديم الدعم والمساعدات للمحتاجين داخل البلد.
وقد وظفت منظمات المجتمع المدني اليمنية مواقع التواصل في مشاركة أخبار ومقاطع فيديو وصور للتعريف بأنشطتها، وإجراء دراسات واستطلاعات لمعرفة آراء الجمهور اليمني حول كثير من القضايا الاجتماعية والتنموية المراد إبرازها، التي كانت قبل مدة زمنية سابقة يمنع اجتماعيًا وثقافيًا مناقشتها؛ الأمر الذي أسهم في تجاوز حاجز الخوف تجاه بعض القضايا وأصبح الحديث عنها مقبولًا.
ووفرت مواقع التواصل الاجتماعي في اليمن وسيلة تواصل سريعة وقوية بين قيادات الدولة، والمواطنين خصوصًا في ظل امتلاك الطرفين لحسابات شخصية على هذه المواقع، خاصة موقع إكس (توتير سابقًا)؛ إذ بات بمقدور المواطن أن يكتب عن معاناته، أو يتناول قضايا فساد، وينشرها في أكثر من منصة إلكترونية، لتصل إلى آلاف المتابعين. وكذلك بوسعه إرسالها إلى الجهات المسؤولة في ذات الوقت، ويرى كثير من اليمنيين أن هذه الوسائل تشكل وسيلة ضغط سريعة على الدولة والجهات المعنية، إذ استطاعوا بواسطتها فرض إرادتهم على الدولة، وإثنائها عن إصدار قرارات، وإلغاء أخرى.
على الرغم من كل ما تقدم، هناك ردود فعل متباينة بين اليمنيين في تقييم مواقع وسائل التواصل واستخداماتها؛ فهناك من يرى أن هذه المواقع تخدم التظليل بترويج الشائعات والأخبار الكاذبة، ومنهم من يرى أنها مصدر مهم لمعرفة الحقائق التي تم توثيقها من قبل شهود عيان موجودون في أماكن الأحداث لحظة وقوعها.
وبغض النظر عن هاتين الرؤيتين، تبقى مواقع التواصل الاجتماعي ذات حضور قوي في مختلف الأحداث التي يعيشها العالم، واليمن خصوصًا. وهي تقدم فوائد عظيمة لجل مستخدميها كالتعلم، والحصول على الأخبار، والمعلومات، تنمية الوعي والتأثير في الرأي العام والدفاع عن قضايا الحريات العامة، إلا أنها حولت لنقمة بعد الإساءة لاستخدام حرية تدفق المعلومات فيها وتسخيرها لإثارة الفوضى ونشر الشائعات المروجة للعنف والكراهية لتهديد وحدة النسيج الوطني، ونسف كل قيم التعايش والتماسك الاجتماعي التي يتحلى بها اليمنيون منذ أمد بعيد، بالنظر إلى عدم وجود قوانين رادعة لضبط المحتوى المنشور في تلك المواقع، واستغلال بعض التنظيمات المتطرفة لذلك؛ لنشر الأفكار الهدامة والعنيفة.
ويعد الشباب أهم شريحة تستهدفها الشائعات الإلكترونية لتزيف وعيها واستغلالها بوصفها الشريحة الاجتماعية الأوسع سكانًا والأكثر حيوية وتأثيرًا. هذا من جانب، ومن جانب آخر كونها الشريحة الأكثر ارتيادًا واستخدامًا ونشاطًا في مواقع الوسائل الإلكترونية، إذ يقع العشرات من النشطاء والصحف الإلكترونية وغيرها من وسائل الإعلام ضحايا ذلك الكم الهائل من الشائعات والمعلومات غير الصحيحة، فيتلقفوها بسرعة البرق ويقومون بمشاركتها دون التأكد من صحتها، ثم وتستكمل دورة انتشارها في وسائل الإعلام الأخرى والمجالس وأماكن التجمعات الاجتماعية. وما زاد من خطورة تأثير هذه المضامين –كما يجمع الخبراء والمحللون- أنها أسهمت، وبشكل كبير، في توسيع الأزمات داخل البلاد على المستوى المجتمعي والسياسي، وساعدت في تعميق الشرخ الاجتماعي وتفتيت النسيج الوطني، الذي يجب على كل الجهات المعنية تنظيم عمل وسائل التواصل الاجتماعي واتخاذ الإجراءات اللازمة ضد من يعمل على نشر أخبار وشائعات غير صحيحة تثير الشارع اليمني.
مقترحات لتحسين دور مواقع التواصل في اليمن
يمكن لوسائل التواصل الاجتماعي أن تلعب دورًا مهمًا في إحداث تغيير إيجابي في اليمن وتحسين حياة المواطنين، من خلال ضمان حرية التعبير على منصات التواصل، وحماية المستخدمين من المضايقات والاعتداءات، وتعزيز المشاركة المدنية، وتشجيع المواطنين على المشاركة في صنع القرار، ونشر الوعي حول حقوق الإنسان، وحماية حقوق المستخدمين.
ولعل من أهم التوصيات المقترحة:
– تعزيز البنية التحتية، عبر توسيع نطاق تغطية الإنترنت، وتوفير باقات إنترنت بأسعار مناسبة، وتحسين جودة الخدمة، والعمل على فتح باب الاستثمار في تقنيات الاتصالات المتنقلة، وتطوير البنية التحتية للشبكات.
– نشر الوعي المجتمعي، من خلال تثقيف المجتمع حول استخدامات وسائل التواصل الاجتماعي بطرق إيجابية وبشكل مسؤول، وتدريب الشباب على مهارات استخدام الإنترنت وإنشاء المحتوى، وإدارة وسائل التواصل الاجتماعي.
– العمل على خلق بيئة آمنة للحوار وتبادل الأفكار على منصات التواصل الاجتماعي دون رقابة أو تقييد من قبل أطراف الصراع، وتعزيز التفاعل بين مختلف فئات المجتمع لمختلف القضايا المهمة، مثل التعليم والصحة والبيئة.
– استخدام وسائل التواصل الاجتماعي بطريقة سليمة لمراقبة أداء المؤسسات الحكومية والخاصة بكل شفافية، ودون اتهامات أي طرف.
– وضع قوانين صارمة لمكافحة خطاب الكراهية والتحريض على العنف، والعمل على نشر الوعي حول مخاطر الأخبار المزيفة، وتطوير تقنيات للكشف عنها.
98.1% من المشاركين يرون أن مواقع التواصل الاجتماعي تلعب دورًا كبيرًا في تمكين الشباب اليمني
صوت الأمل – يُمنى الزبيري تشغل مواقع التواصل الاجتماعي اليوم جزءًا كبيرًا من حياتنا اليومي…