المرأة اليمنية في تكنولوجيا الاتصال.. صلاحيةٌ تحدِّدُها المعايير المجتمعية
صوت الأمل – علياء محمد
استطاعت وسائل التواصل الاجتماعي أن تحظى باهتمامات واسعة من قبل فئات المجتمع في الآونة الأخيرة، وأوجدت هذه المواقع مساحة فعالة ونشطة، حتى أنها أصبحت وسيلة من وسائل التواصل والتقارب مع الأسر والأصدقاء؛ الأمر الذي عمل على زيادة نسبة مستخدميها من الفئات كافة.
في اليمن تحمل صلاحية استخدام المرأة لوسائل التواصل الاجتماعي جانبين؛ جانبًا مشرقًا يتقبل ذلك، وجانبًا مظلمًا يُعِدُّ استخدام المرأة لمنصات التواصل الاجتماعي خروجًا عن المألوف وتحدّيًا للعادات والتقاليد.
استطاعت ن.ع.م أن تنشئ حسابًا خاصًّا على الفيسبوك وباسم مستعار؛ خوفًا من أن يعلم أحد من أسرتها أنّ لها حسابًا على أحد منصات التواصل الاجتماعي، نتيجة رفضهم القاطع أن تمتلك الفتاة حسابًا في هذه المنصات؛ بسبب نظرتهم لهذه الوسائل أنّها أداة في الانفتاح والانحراف الأخلاقي.
تقول ن.ع.م: “لم يُسمح لي إلّا باستخدام تطبيق الواتساب، حاولت مرارًا وتكرارًا أن أقنع أسرتي بإنشاء حساب على منصات التواصل الاجتماعي، لكنّ طلبي قُوبل بالرفض، فاضطررت إلى أن أنشئ حسابًا باسم مستعار”.
مضيفة: “تتحكم أسرتي بماذا أنشر من قصص عبر تطبيق الواتساب، ولا أجد حريتي المطلقة في ذلك، فأضطر إلى استخدام خاصية الإخفاء لهذه القصص حتى لا يرونها”.
سلمى محمد هي الأخرى تواجه صعوبة في إقناع من يتابعها من الأهل تقبُّلَ نشر يومياتها على وسائل التواصل الاجتماعي، إذ تقول: “ما زال هناك كثير من الفوارق في مضمون المحتوى الذي ننشره على وسائل التواصل الاجتماعي؛ فمجتمعنا يسمح للرجل أن يقوم بنشر كل ما يريد، أمّا بالنسبة لنا نحن النساء يُحظَر علينا التعبير عن آرائنا”.
وأفادت ريهام الدجة (ناشطة حقوقية): “أنّ اليمن شهدت في المُدّة الأخيرة تطورًا كبيرًا في استخدام وسائل التواصل الاجتماعي، وبالرغم من ذلك ما زالت المرأة اليمنية تواجه تحديات خاصة في استخدام هذه المنصات؛ بسبب القيود المجتمعية والثقافية”.
مضيفة: “تختلف نظرة المجتمع للمرأة المستخدِمة لوسائل التواصل الاجتماعي بناء على الثقافة والعادات والتقاليد؛ فهناك من يؤيد ذلك ويعدُّه أمرًا طبيعيًّا، وهناك مَن ينظر إلى مستخدِمات منصات التواصل الاجتماعي بنظرة دونية، ويربطون استخداماتها بالانفتاح”.
وتشير في حديثها إلى زيادة بعض القيود الأسرية؛ بسبب الجرائم الإلكترونية التي انتشرت مؤخرًا، مثل انتهاك الخصوصية، وتعرض كثير من الفتيات للاختراق وتداول الصور والمعلومات دون إذنها. بالإضافة إلى انتشار جرائم الابتزاز والتحرش الإلكتروني، وغيرها من القضايا الشائكة؛ الأمر الذي يؤثر على سلامتهنّ النفسية، ويعرضهنّ للاستغلال والتهديد.
وفي سياق متصل، تؤكد الإعلامية، سحر الخولاني، أنّ صلاحية استخدام المرأة اليمنية لوسائل التواصل الاجتماعي تُعطَى للمرأة بنسب ضئيلة؛ نتيجة للعادات والتقاليد والقيود المجتمعية في اليمن، التي تقيّد المرأة في استخدام منصات التواصل.
مضيفة: “برزت نشاطات كثير من الإعلاميات والناشطات في وسائل التواصل الاجتماعي، ولكن تظل هذه المشاركات محدودة، وما زلنا نواجه كثيرًا من التحديات والانتقادات بمجرد أن ننشر صورنا الشخصية على منصات التواصل، كالفيسبوك، والإنستغرام، ولم تكن الانتقادات في مضمون المنشورات، وإنّما انتقادات شخصية لا مبرر لها، وتتركز على شكل الفتاة ومظهرها بدلًا من المحتوى المعروض”.
المنصات الأكثر استخدامًا من قبل النساء
أشارت الباحثة اليمنية سهام البدجي في دراستها التي تناولت فيها نسبة استخدام وسائل التواصل الاجتماعي بين النساء اليمنيات، ومدى تفاعلهم مع القضايا المجتمعية عبر وسائل الإعلام الجديدة أنّ منصة (فيس بوك) هي الأكثر استخدامًا وفاعلية، فيما جاء تطبيق (واتساب) في المرتبة الثانية، يليه تطبيق (اليوتيوب) وتطبيق (تويتر) وتطبيق (إنستغرام) وتطبيق (تِلِجرام).
تقدّم وسائل التواصل الاجتماعي خدمات متنوعة، وتتيح الفرصة للتفاعل بين الأشخاص وتبادل المعلومات والآراء والأفكار في مجتمعات افتراضية، ويختلف الغرض من استخدام هذه المنصات من امرأة إلى أخرى، إذ تضم منصات التواصل الاجتماعي كثيرًا من المواضيع والاهتمامات المختلفة لكثير من المجالات الصحية والاجتماعية والثقافية والتعليمية وغيرها.
وقد تستخدم المرأة وسائل التواصل الاجتماعي للحديث عن قضاياهنّ، وإيصال أصواتهنّ بحرية، وبعضهنّ يُكرسنَ أوقاتهنّ للتعلم، والبحث عن فرص عمل مختلفة، بالإضافة إلى توسيع دائرة التعارف والصداقة، وبناء جسور التواصل، وتحسين العلاقات الاجتماعية.
أُم عمرو محمد إحدى النساء اللاتي يقضين أكثر من خمس ساعات يوميًّا في وسائل التواصل الاجتماعي، وتعدُّ منصة الفيس بوك من أكثر المنصات تفاعلًا واستخدامًا. وحول الغرض من استخدام هذه المواقع تقول: “أستخدم منصات التواصل الاجتماعي لمتابعة الأخبار المختلفة، بالإضافة إلى أنّى مشتركة في عدد من المجموعات التي تقدّم عددًا من النصائح الصحية والأسرية، كذلك أقوم بالاطّلاع على تجارب كثير من المشاركين وأتبادل المعلومات والمعارف حول قضايا متعددة، بالإضافة إلى الترفيه والتسلية”.
ويرى على العجربي (متخصص في الشبكات وتقنية المعلومات) أنّ الواتساب من أكثر المنصات انتشارًا واستخدامًا بين النساء؛ نظرًا لسهولته ومعرفة الأشخاص الذين تتواصل معهم، فضلًا عن سهولة معرفة الاهتمامات، كالطبخ والتجميل والمهن والصحة وغيرها، بالإضافة إلى أن الواتساب يمتلك خاصية التسجيل الصوتي، التي تسهّل عملية التواصل لمن لا يستطعنَ الكتابة.
مضيفًا: “لو تحدثنا على أكثر منصات التواصل الاجتماعي استخدامًا وانتشارًا بين النساء سنرى أنّ هناك عدة تطبيقات تستخدمها هذه الفئة، وهي على الترتيب الآتي: واتساب، انستغرام، تيك توك، فيسبوك، سناب شات”.
فروقات مضامين وسائل التواصل الاجتماعي.
أكد أنور الهلالي (مسوق إلكتروني) على اعتماد مضامين وسائل التواصل الاجتماعي على مجموعة متنوعة من العوامل، مثل: العمر والثقافة والحالة الاجتماعية والاقتصادية وأنماط الاستخدام الفردي وتفضيلاته.
ويقول في حديثه: “تستخدم كثير من النساء منصات التواصل الاجتماعي في مشاركة تجاربهنّ ومعلوماتهنّ وآرائهنّ، وقد تستخدم النساء منصات التواصل بشكل سلبي، ويقدمنَ من خلاله مضمونًا غير لائق يعرضهنّ لكثير من الانتقادات”.
مضيفًا: “تؤثر العادات والتقاليد على ما تقدمه المرأة اليمنية من محتوى على وسائل التواصل الاجتماعي؛ فهناك توجهات اجتماعية تتحكم في نوعية المحتوى الذي يتم نشره على وسائل التواصل الاجتماعي، ومن الممكن أن تكون هناك فروقات في المضامين التي يتم اختيارها والطرق التي يعبرنَ عنها”.
من جانب آخر تقول سارة الخولاني: “المرأة اليمنية تواجه تحديات كبيرة عند قيامها بالحديث عن القضايا السياسية، وتُقابل مشاركتها بالرفض؛ بِعدِّها امرأة ولا علاقة لها بمثل هذه الأمور، فضلًا عن أن المنصات تضم فئات متعددة من المجتمع؛ متعلمين وغير متعلمين، ومثقفين وغير مثقفين؛ الأمر الذي يعرض المرأة لتعليقات إيجابية وسلبية في نفس الوقت”.
وتتابع القول: “يجب أن يعي المجتمع أنّنا في زمن أصبح يعتمد على وسائل التواصل الاجتماعي بشكل كبير جدًّا، وأصبح كثير من الناس يقضون ساعات طويلة في تصفح هذه المنصات، التي أتاحت فرصة للتعبير عن الرأي، ومشاركة المعارف والمعلومات، ومعرفة الأخبار”.
وتضيف: “لا بُدَّ أن يكون للمرأة وجود ومشاركة واضحة في منصات التواصل الاجتماعي؛ للتعبير عن آرائها، والحديث عن القضايا المرتبطة بها، والمشاركة في الحوارات العامة”.
ومن وجهة نظر فاطمة السياغي (مقدمة برامج إذاعية) أنّ النظرة المجتمعية التي تعيب ظهور المرأة وتقديمها لمحتوى على هذه المنصات شكّلت ضغطًا على اختيار النساء للطريقة التي ستقوم بتقديمها لتتناسب مع المعايير المجتمعية، التي تفرض صورة معينة يجب أن تتماشى مع القيم والمعتقدات؛ وهذا عمل على وضع رقابة على منشوراتهنّ؛ ليتجنبنَ التعليقات التي من الممكن أن تؤثر على نفسياتهنّ”.
وترى أن المرأة اليمنية وصلت إلى مراحل متقدمة ومتطورة في استخدام وسائل التواصل الاجتماعي، ولا يجب أن تكون هناك فروقات بين ما يقدمه الرجل والمرأة من مضامين، طالما كانت متزنة ويستفيد منها المتابع.
مشيرة في حديثها إلى أنّ النساء اليمنيات استطعنَ أن يجعلنَ من وسائل التواصل الاجتماعي منصات للمشاركة في تقديم عدد من البرامج التعليمية والتوعوية والتثقيفية بالإضافة إلى أن هذه الوسائل تعمل على تمكين المرأة في المشاركة الفعالة في الحياة العامة. ويبقى وعي المرأة وإدراكها بما تقدمه في وسائل التواصل الاجتماعي هو المتحكم بتغيير نظرة المجتمع لصلاحية استخدامها منصات التواصل الاجتماعي ويجب ان تضع المرأة اعتبارا للوقت عند استخدامها لمثل هذه المنصات بالإضافة إلى اختيار المواقع الأكثر فاعلية والتي تقدم محتوى مفيد مع ضرورة وضع عددا من الضوابط الأخلاقية عند النشر وعند المشاركة حتى تحافظ على استقرارها الأسري والاجتماعي.
98.1% من المشاركين يرون أن مواقع التواصل الاجتماعي تلعب دورًا كبيرًا في تمكين الشباب اليمني
صوت الأمل – يُمنى الزبيري تشغل مواقع التواصل الاجتماعي اليوم جزءًا كبيرًا من حياتنا اليومي…