الفساد خطر يهدد الثروة الزراعية اليمنية
صوت الأمل – ياسمين عبد الحفيظ
عدَّ المركز الوطني للمعلومات في تقريره “الزراعة في اليمن” الثروة الزراعية من القطاعات الهامة المحركة لعجلة التنمية في البلاد، والقطاع الأهم في تعزيز الاكتفاء الذاتي، ويحتل المرتبة الأولى من بين المجالات الرئيسة في الاستحواذ على الأيادي العاملة في اليمن.
وذكر التقرير حجم الأرض الصالحة للزراعة والتي تبلغ 1539006 هكتارات، المزروعة منها 1241387 هكتاراً. مشيرًا إلى أصناف الإنتاج الزراعي في اليمن والمتمثلة في الإنتاج النباتي والإنتاج الحيواني.
في السنوات الأخيرة بات القطاع الزراعي في اليمن يواجه العديد من التحديات رغم ارتفاع أصوات المطالبين بإصلاحه ودعم استمراريته وتقدمه؛ كونه من المقومات الأساسية التي تدعم الاقتصاد الوطني، فإنه لم يشهد أي جهود رامية إلى تحسينه.
وباتت جهود المزارعين حاضرة بقوة، في مقاومة القطاع من السقوط، إلى جانب ذلك الكفاح، جهود المنظمات والقطاع الخاص في تشجيع استمراريته من خلال جملة من الخطط والبرامج الهادفة لتعزيز التنمية الزراعية في البلاد، وعدَّ كثير من المزارعين -الذين التقت بهم “صوت الأمل”- ذلك الدعم أنَّه العصا التي يتكئون عليها؛ لضمان بقاء مشاريعهم الزراعية دون توقف.
الفساد في القطاع الزراعي
بحسب موظف سابق في القطاع الزراعي، فإنَّ وضع الثروة الزراعية في اليمن تدهور للأسوأ، لا سيما في السنوات الأخيرة. معبرًا أنَّ سيل الفساد يجتاح القطاع، وهناك تخطيط ممنهج لتدميره؛ إذ أنَّ مراكز بحوث أُغلقت، وكوادر غادرت، وأراضي زراعية نُهبت وأخرى أُتلفت بعدما زُرعت بالألغام، وتعرض بعضها للتدمير، إلى جانب انقطاع رواتب الموظفين في القطاع.
مضيفًا أنَّ أحد الموظفين في القطاع فقد راتبه، وتعرضت زوجته لجلطة دماغية؛ فلم يستطع توفير تكاليف العلاج، إذ لم يكن أمامه إلا جمع تبرعات من الأصدقاء وأهل الخير لمساعدتها، قائلًا: “ما ذنب هذا الموظف الذي يعمل بتفانٍ وإخلاص، وكرس جزءاً من حياته في خدمة مؤسسته ليحل ما حل به”.
مؤكدًا “تتكرر نفس المعاناة عند الكثير من الموظفين في القطاع الزراعي في اليمن، الفساد الذي ينهش القطاع الزراعي لا يمكن حصره، ولا بد من إخماد الصراع، وتفعيل القوانين ودور الجهات الرقابية؛ لمحاربته”.
المَزارع تُعاني من قلة الاهتمام
يذكر المُزارع أحمد عوضه أنَّ الزراعة حرفة مهمة جدًا، لكنها تحتاج إلى اهتمام ورعاية، خاصة أنَّ اليمن تمتلك تربة خصبة، ومناخاً ملائماً، ومراعي خضراء، وجبالاً تتخللها الوديان، لكن ما ينقصها هو الدعم المفترض، مثل: توفير مراكز زراعية، وبذور محسنة، وعمل حواجز، وخزانات مياه، والاعتماد على منظومات الطاقة الشمسية، والغطاسات لرفع المياه إلى الأراضي الزراعية في الوقت الذي تشهد البلاد أزمة في المشتقات.
يضيف أحمد: “تتوفر كل المقومات الزراعية في البلاد دون جدوى، لم يحظَ المواطن اليمني بدولة ترعى القطاع الزراعي، نحن في اليمن أصبحنا ضحية للفساد، فمع أنَّ اليمن من أغنى دول العالم بثرواتها ليس -فقط- الزراعية، بل لديها الكثير من الثروات سواء المعدنية والسياحية والسمكية وغيرها، لكن هناك تعمد واضح من الداخل والخارج لإبقاء اليمن دولة فقيرة تابعة خاضعة”.
الألغام فساد يهدد الزراعة
جميلة حسن (مزارعة في منطقة ريفية في محافظة تعز) تشكو من زراعة مدرجاتها الزراعية بالألغام، وحرمانها من محصول الذرة الذي كانت تنتفع به بوصفه مصدر دخل لأسرتها.
مؤكدة أنَّ المدرجات التي كانت تزرع بها الخضروات في مناطق المواجهات باتت قاحلة؛ بسبب تخوف الأهالي من دخولها وزراعتها، إذ أنَّ الكثير من المحاصيل الزراعية التي كانت تنتجها المنطقة تراجع إنتاجها بعدما وصلت المعارك إليها، وتضررت المساحات الزراعية.
تقول المواطنة سوسن عبد الله والتي تسكن في محافظة الحديدة: “عندما أسافر لزيارة الأهل في محافظة تعز، تلفت انتباهي المساحات الشاسعة التي لو استُغلت وزُرعت سوف يُكتفَى بها ذاتيًا، وسيُصدر لدول العالم الكثير من الخير الذي تنتجه اليمن، لكن للأسف مساحات زراعية شاسعة يوجد فيها أعلاف للحيوانات فقط.
وتزيد عبد الله: “أمر محزن أن ننتظر وصول المساعدات الإغاثية، ونعاني من الاحتياج الغذائي، ونحن نمتلك هذه الأراضي التي يفترض أن تزرع بالقمح، وكافة أنواع الحبوب والفواكه والخضروات”.
الفساد الزراعي ليس مقترن بالصراع
يقول عادل حسن (أكاديمي شريعة وقانون) الفساد في القطاع الزراعي متواجد حتى قبل الصراع، والدليل تصدير أجود الخضروات والفواكه والثروة الحيوانية إلى دول الخارج وحرمان المواطن منها، كل ما هو متوفر في الأسواق المحلية أقل جودة من الذي يصدر.
ويضيف في حديثه لـ “صوت الأمل” أنَّ عدم استثمار بعض المحاصيل الزراعية في عملية التصنيع وجه من أوجه الفساد، فأحد المصانع في لحج -تحتفظ صوت الأمل باسم المصنع- لم يرى النور؛ بسبب عرقلة تنفيذه لمصالح خاصة، وهذا الفعل يتكرر في كثير من المناطق. العديد من المحاصيل الزراعية هي بحاجة لمصانع في القطاع الصناعي للنهوض بها، لكن هناك فساد ينخر في جسد الدولة اليمنية، ويعيقها من التقدم في عدة مجالات تنموية.
أشكال الفساد في القطاع الزراعي
رشاد غالب (خبير وناشط في المجال الزراعي) يوضح أنَّ أشكال الفساد في القطاع الزراعي تتمثل في الاستحواذ على المياه، وعدم المحافظة عليها، وذلك من خلال بناء السدود والحواجز المائية، إضافة إلى الحفر العشوائي للآبار الذي يؤدي إلى استنزافها وتضرر المحاصيل الزراعية؛ بسبب قلة المياه.
ويرى غالب أنَّ من أشكال الفساد الزراعي التحطيب الجائر؛ بهدف استخدام النبات في الوقود خاصة مع انعدام غاز الطهي، والذي يؤدي بدوره إلى التصحر، إلى جانب الزحف العمراني، والبناء في الأراضي الزراعية، فعلى الرغم من وجود قوانين تمنع البناء بها فإنَّها لا تُفعَّل ولا تُطبَّق، وعدم توفر وسائل تسويق للمحاصيل الزراعية شكل من أشكال الفساد، حد قوله.
الفساد في عدم التعاقد
يتحدث مهندس زراعي -طلب عدم ذكر اسمه- عن مصنع -تحتفظ صوت الأمل باسم ومكان المصنع- كان من ضمن إنتاجه صلصة “معجون الطماطم” أي أنَّ المادة الخام أو المادة الأساسيّة لإنتاجها هي الطماطم. مسؤول المصنع فكر في التعاقد مع المزارعين بزراعة الطماطم، فوفر للمزارعين البذور، وكان الاتفاق أن يُشترى الطماطم منهم بسعر محدد اتفق عليه الطرفان، أنتج المزارعون الطماطم وأحضروها للمصنع واستقبلها وبدأ خط سير المصنع في العمل بوتيرة جيدة.
لاحظ المصدر أنَّ المزارعين استمروا بإحضارهم المحصول حتى امتلأ المصنع، ولا يعلم هل خُزِّن الطماطم في برادات أم لا، لكن الملاحظ أنَّه يوم بعد يوم ازدادت كميات الطماطم بشكل كبير جداً؛ لذا لم يستقبل المصنع منهم إنتاجهم، وتراكمت أكوام الطماطم في حوش المصنع، حتى امتلأ ثم أمام بوابة المصنع الخارجية، وأخيراً وصلت الطماطم بكمياتها الكبيرة إلى الإسفلت (الطريق).
ويؤكد المصدر أنَّ المصنع لم يف بالتزاماته بشراء الطماطم؛ والسبب كان واضحاً جداً هو أنَّ الشخص الذي وزع بذور الطماطم، ليس له علاقة بالزراعة، حيث لا يدري بعلبة البذور وزن 500جرام كم تزرع من مساحة في الأرض الزراعية، ولا يعلم كم تنتج وحدة المساحة من الأرض؛ الأمر الذي جعل الطماطم تتعفن وتذهب عبثاً، ولم يحصل المزارعين على مستحقاتهم من ثمن الطماطم.
رداءة التخزين والتسويق للمحاصيل
فيما يرى يحي حضرمي (باحث زراعي) أنَّ من أشكال الفساد تعرض الكثير من المزارعين لخسائر فادحة بسبب إتلاف محاصيلهم؛ لعدم وجود المبيدات الزراعية المناسبة رخيصة الثمن، إلى جانب توزيع الدعم حسب الوساطات لمن لا يستحقونها.
ويرى حضرمي أنَّ من أشكال الفساد عدم انتباه الدولة للتسويق؛ حيث لا توجد ثلاجات مركزية تستقبل المحاصيل الزراعية حتى لا تتلف؛ لعدم استيعاب السوق لها، مضيفاً: “عند توفر المساعدات والمعونات لا يستعينون بذوي الخبرة في فحصها وتوزيعها بالشكل الأنسب، ولكن هناك أناس متنفذين لهم السيطرة التامة، والتصرف حسب أهوائهم الشخصية”.
أسباب الفساد الزراعي
ويرى حضرمي أنَّ من أسباب الفساد في القطاع الزراعي هو عدم الاهتمام بالقطاع الزراعي، من حيث إعطاء المزارع ما يحتاج إليه من لوازم مثل البذور المحسنة، وإعطائه ألواحاً شمسية بالتقسيط المريح، أو نوعاً من الدعم إلى جانب عدم وجود توعية للمزارع حتى يحصل على محصول وفير.
مؤكدًا أنَّ الكثير من مكاتب الزراعة مغلقة؛ بسبب عدم حصول موظفيها على رواتبهم منذ سنوات، وعدم وجود دورات توعيه زراعية تحدد لهم مواقيت الحرث والبذر.
فيما يرى رشاد غالب (الخبير الزراعي) في حديثه أنَّ من أسباب الفساد الزراعي عدم اهتمام الدولة بالقطاع الزراعي بشكل عام، سواءً من حيث الاستثمار في الزراعة، أو توفير الوسائل الحديثة لزراعة وري المزروعات، والتوعية بأهمية استخدامها.
مضيفًا “خاصة أنَّ الوعي لدى أغلب الفلاحين بالوسائل الحديثة متدن، فتُزرع الأرض بطرق تقليدية، وهو ما يؤثر سلبًا على المحصول؛ مما يضطر الكثير من المزارعين إلى عزوف عن العمل في الزراعة”.
من جهته يقول عبد الوهاب عطاء (المهندس الزراعي) أنَّ من أسباب الفساد في القطاع الزراعي غياب الإدارة العلمية السليمة، ومما لا شك فيه أنَّه سينعكس سلباً على جميع قطاعات الدولة، وفي مقدمتها القطاع الزراعي، الذي توليه الدول المتقدمة جل اهتمامها؛ كونه صمام الأمان للأمن الغذائي.
طرق مكافحة الفساد
يرى رشاد غالب (الخبير الزراعي) أنَّ من طرق مكافحة الفساد الحاصل في القطاع الزراعي الاستخدام الأمثل للمياه، وذلك من خلال الاستغلال الجيد لمصادر المياه، ومنها مياه الأمطار والآبار والسيول، وأهمية الحفاظ على هذه المصادر من خلال بناء السدود والحواجز المائية، وأهمية التوعية بترشيد استخدام المياه الجوفية.
مؤكدًا على ضرورة توفير وسائل الري الحديثة التي تقلل من استخدام المياه في القطاع الزراعي، وتوعية المواطنين بأهمية عدم الإسراف في استخدام المياه بالمنازل، والتوعية بأضرار الاستخدام السيئ للمياه وتلوثها وتلوث التربة ونتائجها الكارثية على مستقبل الزراعة، إضافة إلى الرقابة الحكومية على المبيدات الزراعية والأسمدة والبذور بشكل دائم.
ويؤكد غالب أنَّ توفير غاز الطهي بأسعار مناسبة للمواطنين والمزارعين بشكل خاص سوف يحافظ على الغطاء النباتي، والذي بات كثير من المواطنين يعتمدون عليه؛ كونه وقوداً للطبخ حتى في قلب المدن، والذي ساهم في اقتلاع الأشجار بشكل كبير وازدهار تجارة الحطب.
مشيرًا إلى ضرورة تشجيع الاستثمار الصناعي الذي يعتمد على المواد الخام الزراعية المنتجة محليًا والتي تتوفر بكميات كبيرة -خاصة في المواسم الزراعية-، وتوفير وسائل حديثة لنقل وحفظ المنتجات الزراعية.
الحلول ودور الجهات المعنية
ويرى عبد الوهاب عطاء (المهندس الزراعي) أنَّ رقعة الفساد في القطاع الزراعي تتوسع من حين إلى آخر؛ وذلك نتيجة التهاون في تطبيق القوانين المنظمة لهذا القطاع الهام من ناحية، وبسبب قصور في التشريعات التي من شأنها الحد من الفساد وقطع الطريق أمام الفاسدين من ناحية أخرى.
بينما يقول يحيى حضرمي (الباحث الزراعي): “يجب على وزارة الزراعة تشكيل لجان ميدانية للنزول الميداني والنظر عن قرب لما يحتاج إليه المزارع، وعلى الدولة إعطاء اهتمام أكثر للقطاع الزراعي وهيئة البحوث، من حيث اعتماد ميزانية مناسبة وقيام وزارة الزراعة وهيئة البحوث بإصدار النشرات الزراعية”.
يضيف حضرمي في حديثه: “أعمل في المجال الزراعي منذ أكثر من ثلاثين عاماً ولم يرد ذكر هيئة مكافحة الفساد لا من قريب ولا من بعيد” ويتابع مؤكدًا “هيئة مكافحة الفساد في المجال الزراعي لم نلمس لها أي دور بوصفنا مزارعين ومهندسين، ولكن نأمل مستقبلاً أن يكون له الدور الإيجابي والفعال في رفع العناء على المزارعين ومحاربة الفساد في القطاع بكافة أشكاله”.
استطلاع.. 95% يرون أنَّ استمرار الصراع في اليمن يؤثر على انتشار الفساد
صوت الأمل – يُمنى أحمد كشفت نتائج الاستطلاع الإلكتروني الذي أجرته وحدة المعلومات واستطلاع …