آراء مجتمعية تلخص حلولَ مكافحة ظاهرة الزواج المبكر في اليمن
صوت الأمل – ياسمين عبد الحفيظ
تعد ظاهرة الزواج المبكر من المشاكل التي تهدد مستقبل البلدان، بل تعد معضلة حقيقية تؤرق الدول، وخاصة الفقيرة منها؛ كونها تقضي على مستقبل الأطفال، وتفجر ازدحامًا سكانيًا يشكل ضغطًا كبيرًا على الدول التي تقف عاجزة عن احتواء الزيادة السكانية؛ فهي عادة تفوق قدرتها على تقديم الخدمات للمواطن في شتى المجالات.
حسب مراقبين، فإنَّ السنوات الأخيرة شهدت توسعًا كبيرًا لظاهرة الزواج المبكر في اليمن، لا سيما أثناء الصراع وتوسع رقعة الفقر، وتفاقم الوضع الإنساني ودمار البنية التحتية، وارتفاع معدل البطالة والتدهور الاقتصادي الذي لحق بكثير من الأسر التي دفعها الحال إلى تزويج الفتيات قبل السن القانوني للتخلص من إعالتهن. وقد ساهمت قلة التوعية في الظهور اللافت للظاهرة بعد تراجعها في كثير من الوسائل التوعوية المختلفة وتغييبها عن المجتمع والأفراد. وأرجع مراقبون سبب ذلك إلى انشغال تلك الوسائل بفوضى الصراع والخطاب السياسي، والحملات الإغاثية والإنسانية، سواء كانت وسائل إعلامية ومنظمات محلية أو خطبًا وندواتٍ في المساجد.
مكافحة ظاهرة الزواج المبكر مشروط بتحسن الاقتصاد
يعد الوعي المجتمعي والأسري بظاهرة الزواج المبكر الحل الرئيس لمشاركة المجتمع في مكافحة الظاهرة والحد من توسعها، أحمد القرشي (رئيس منظمة سياج لحماية الطفولة حول الوعي الأسري والمجتمعي) يقول: “يمكننا الجزم بأنَّ أغلب المجتمع اليمني يرى أنَّ الزواج المبكر أمر إيجابي، كونه يحصن المجتمع من الانحرافات السلوكية، ويؤمن كافلاً للفتاة (معيل) يتحمل مسؤوليتها ونفقاتها في ظل الفقر الشديد الحاصل في اليمن، وآثار النزاعات وارتفاع معدلات العنف والاستغلال الجنسي ضد الأطفال، وهذه القناعات تشمل مختلف مكونات المجتمع بمستوياتها التعليمية والثقافية مع تفاوت طفيف من الناحية العملية في التعاطي مع الظاهرة”.
القرشي في حديثه عن الوعي الأسري والمجتمعي يرى أنَّه رغم التحسن في الوعي؛ نتيجة حملات التوعية والمناصرة التي قامت بها منظمات غير حكومية ومؤسسات حكومية خلال العشر سنوات الماضية، فإنَّ الواقع على الأرض كان يأتي بنتائج معاكسة غالبًا، مؤكدًا أنَّ انهيار الاقتصاد والتعليم في البلد وزيادة الفقر والنزوح وضعف آليات الحماية والمناصرة للضحايا، إضافة إلى الموروث الثقافي والقبلي من أهم أسباب ممانعة وإجهاض أي تقدم في الحد من تزويج الصغيرات وخاصة اللواتي تقل أعمارهن عن 15 عاماً.
أحمد القرشي (رئيس منظمة سياج لحماية الطفولة) حول الوعي الأسري والمجتمعي يؤكد لـ”صوت الأمل” أنَّ جهود التصدي لظاهرة الزواج المبكر ستثمر في حال تحسن الوضع الاقتصادي، وبات الحق في التعليم ميسرًا ومجانيًا ومتاحًا للفتيات في الريف والمدينة، وأصبحت منظومة العدالة والحماية والإنصاف للأطفال قادرة على القيام بدورها.
منابر وسائل الإعلام حل
فيما توضح علياء الحامدي (رئيسة الدائرة القانونية لاتحاد نساء حضرموت – المكلا) أنّ كثيراً من منظمات المجتمع المدني اشتغلت على ظاهرة زواج القاصرات منذ العام 2010م، و2012م من ضمن هذه المنظمات اتحاد نساء اليمن بكافة فروعه في كل المحافظات وأنَّ الاتحاد من ضمن مؤسسات المجتمع المدني الذين أسسوا (شبكة شيماء) وهي شبكة خاصة بمناهضة زواج الصغيرات.
وفي حديثها عن الشبكة تقول الحامدي: “فعلًا كان العمل جاداً من قبل أعضاء الشبكة، وكانت تقارير ربعية تتم في صنعاء عن ما تم إنجازه في موضوع توعية الأسر والمجتمع بخطورة زواج الصغيرات على كافة المستويات الصحية والإنسانية والمجتمعية، وأيضًا انعكاس ذلك على مواصلة الفتيات تعليمهن وتمكينهن الاقتصادي بحصولهن على فرص عمل في المستقبل”.
وتواصل علياء حدثيها أنَّ التوعية عن طريق الاتحاد، والوسائل الإعلامية وخطباء المساجد ساهمت في تراجع زواج الصغيرات وباتت الظاهرة تقل، وترى أنه في الوقت الحالي الذي تعيشه البلاد مع الصراع والوضع الاقتصادي الصعب بدأت بعض مظاهر زواج الصغيرات تعود من جديد.
مشيرة إلى أنَّه في مجال الوعي المجتمعي والأسري، عمل الاتحاد على التوعية بخطورة الزواج المبكر في تجمعات النساء في محافظة حضرموت، وأنَّ اتحاد نساء اليمن في حضرموت عمل على إحياء المناسبات التي تخص المرأة، مثل يوم 8 مارس و(16 يوم مناهضة العنف ضد المرأة)، وفي تلك الاحتفاليات تُقدَّم مشاهد توعوية عن طريق المسرحيات بخطورة زواج الصغيرات، ورغم تلك الجهود فإنَّ استمرار الصراع يضيعها.
ترى علياء الحامدي أنَّ من المهم جدًا تدريس موضوع الزواج المبكر ومخاطره ضمن المناهج الدراسية على الأقل من الصف السادس إلى تاسع؛ من أجل توعية الأجيال بمخاطر الزواج المبكر وتأثيره على مستقبلهم وعلى بلدانهم.
البروفيسور صلاح الدين الجماعي يؤكد أنَّ الوعي المجتمعي حول الزواج المبكر، تفتقر إليه اليمن؛ لذا يجب أن تُعمل دورات تدريبية للقضاء عليه، كما يجب تجسيد دور خطبة الجمعة في التوعية، ودور الإعلام من خلال عمل “قفشات إعلانية” عن خطورة الزواج المبكر وعمل برامج توعوية.
ويشير الجماعي في حديثه إلى أنَّه كلما قل العلم زاد الزواج المبكر، وأنَّ المرأة هي الأكثر تضررًا من هذا الزواج، مؤكدًا على ضرورة نشر الوعي في المجتمعات الريفية، والمناطق النائية وتفعيل القوانين الرادعة لمحاربة الزواج المبكر وتطبيقها على الواقع.
التوعية ركيزة أساسية
من جهته يقول الصحفي مكين العوجري: “من وجهة نظري فإنَّ الوعي المجتمعي ركيزة أساسية للتخفيف من ظاهرة الزواج المبكر سواء كان للإناث أو حتى للذكور، فالأمر يستهدف شريحة في سن معين والآثار المباشرة لذلك تلحق بالقصر سواء كانوا ذكوراً أو إناثاً، لذلك من الطبيعي أن يلعب الوعي دوراً هاماً في مواجهة الزواج المبكر”.
وعن الوعي الأسري بظاهرة الزواج المبكر يرى العوجري أنَّ الوعي المجتمعي كان قبل الصراع موجوداً بشكل ضعيف، ومع الصراع تراجع الوعي بزواج القاصرات أو صغار السن، وأرجع السبب إلى الأوضاع الاقتصادية والمعيشية وعملية النزوح.
نظرة الرجل وتطويع المرأة
فيما يرى الدكتور عبد الكريم غانم (مختص في علم الاجتماع بمركز الدراسات والبحوث اليمني) أن اتجاهات الوعي المجتمعي والأسري نحو الزواج المبكر في اليمن لا تزال سلبية، مستشهدًا: “لا تزال نظرة الكثير من الرجال الذين هم في سن الزواج لمن تخرجت من الجامعة أنها فتاة يصعب تطويعها لتكون زوجة صالحة، فهي – من وجهة نظر الكثيرين- فتاة متعالية وسقف طموحاتها مرتفع، وهي في أحسن الأحول لن تقبل بالتراتبية بين الذكر والأنثى، ولن تتخلى عن نديتها للرجل، الأمر الذي لا يتمناه الزوج في المرأة التي يطلبها للزواج”.
وعلى الصعيد الأسري، يذكر غانم أنَّ الوعي بدوافع الزواج المبكر ومخاطره يبدو متدنيًا والاحتياج الأسري لاستمراره قائمًا، كما يرى أنَّ القليل من الأسر في اليمن تُعَول على استكمال أبنائها (ذكورًا وإناثًا) للتعليم في ظل الصراع وانهيار الدولة وضعف القدرة على استيعاب مخرجات التعليم، الأمر الذي يجعل القبول بالزواج المبكر من قبل الآباء قائمًا، ويجعل رفضه من جانب الإناث متدنيًا في ظل ما تواجهه بعض الفتيات من عنف أسري.
الحد من العنف الأسري
ويضيف غانم في حديثه أنَّ كثيراَ من الآباء يتعاملون بقسوة مع أبنائهم وبناتهم المراهقين، لذا كثيرًا ما يتعزز الاستعداد للزواج المبكر، ليس لدى الفتيات فقط بل لدى المراهقين من الجنسين؛ حيث إنَّ الزواج المبكر في هذه الحالة يصبح مخرجًا للانعتاق من قسوة الأسرة.
موضحًا أنَّ من العوامل التي تسهم في استمرار هذه الظاهرة عدم وجود قانون يحدد الحد الأدنى لسن الزواج، إلى جانب الحاجة الاقتصادية لزواج الإناث، للتخفيف من الأعباء المعيشية التي تعاني منها أغلبية الأسر.
ويزيد: “إنَّ من المبادرات الرائعة التي كانت قد ظهرت قبل الصراع، قيام بعض المدارس بأخذ تعهد على ولي أمر الفتاة بعدم تزويجها قبل إكمالها الثانوية العامة، وهو إجراء – رغم عدم إلزاميته- فإنه يلفت عناية الأسرة لمخاطر الزواج المبكر، ويعطي الأب عذرًا لرفض زواج ابنته في سن مبكر كما يجعله أمام التزام أخلاقي تجاه ابنته؛ حرصًا على عدم الإساءة لصورته عند مخالفته للوعد الذي قبل به”، مضيفًا: “ومن الجيد أن تظهر مثل هذه المبادرات في ظل هذه الظروف التي تغيب فيها الدولة وتطغى أولويات الإغاثة؛ لإنقاذ الأرواح على صعيد قضايا النوع الاجتماعي وتحسين حاضر ومستقبل النساء”.
أما رأي سامية الأغبري (الناشطة الإعلامية والأكاديمية)؛ فيتمحور حول أنَّ الوعي الأسري والوعي المجتمعي بشكل عام مرتبط بالموروث الثقافي والاجتماعي، إذ أنه ينظر للفتاة عندما تبلغ عشر سنوات، أو 12 عاماً بوجوب تزويجها؛ لغرض العفاف والستر والحافظ عليها.
تقول الأغبري في مقابلة مع صحيفة “صوت الأمل”: “حتى وإن وجد الوعي المجتمعي -وهو قد بدأ ينتشر بالفعل- بأهمية تأخير زواج المرأة، وأهمية إكمال تعليمها وضرورة تزويجها بعد السن القانوني وما إلى ذلك، فإن ذلك الوعي سيصطدم بالوضع الاقتصادي والصراع وتدهور الحالة الاقتصادية بشكل عام، وهو ما يدفع الكثير من الآباء والأمهات إلى تزويج بناتهم في وقت مبكر رغم توعيتهم وقناعتهم بأنَّ الزواج المبكر له مخاطره وسلبياته”. مستدركة أن من الأسباب في انتشار الظاهرة عدم وعي الطفلة نفسها بخطورة الظاهرة وأضرارها.
وترى سامية أنَّ الوسائل الإعلامية لا تقوم بدورها في التوعية بظاهرة الزواج المبكر عن طريق الدراما أو الأفلام والبرامج من خلال تناولها لأحداث ووقائع حدثت في الواقع وأدت إلى طلاق الكثير من الفتيات أو وفاتهن أو أصبحن أمهات قبل الأوان وغيره.
المعتقدات الاجتماعية المغلوطة بحاجة للتصحيح
وتستفرد الأغبري في حديثها بالقول: “العقل الجمعي للمجتمع لا يزال يعد الزواج من الفتاة الصغيرة أفضل بكثير من الزواج من امرأة كبيرة وناضجة، لا يزال المجتمع بحاجة إلى المزيد من حملات التوعية الإعلامية والاجتماعية، إنَّ التعبئة المغلوطة اتجاه زواج المرأة في سن مبكر له دور في توسع الظاهرة”.
علي الحواني (مدير عام إذاعة مأرب) تحدث عن المراحل التي مر بها الوعي المجتمعي اليمني حول أضرار الزواج المبكر، وصنفها إلى ثلاث مراحل أولها مرحلة الاستغراب والرفض، ووضحها بقوله: “إنَّها مرحلة أواخر التسعينات حيث كان البعض من أبناء المجتمع اليمني يعتقد أنَّ الزواج المبكر أمر طبيعي وجائز عرفًا حتى أحس المجتمع بخطورة ذلك وأصبحت آثاره تصل إلى أغلب البيوت مما جعل الطبقات المتعلمة والمثقفة تقوم بحملات توعية بخطورة الزواج المبكر وآثاره النفسية والصحية والمجتمعية على الطرفين ذكورًا وإناثًا”.
ويضيف الحواني أنَّ تلك الحملات الداعية تبنت استنكار الزواج المبكر، بمساندة أغلب الوسائل الإعلامية والخطباء والصحفيين والمرشدين والكتاب مما جعل الناس يدركون خطورة الظاهرة وآثار الزواج المبكر وعدِّه جريمة في حق الأبناء والبنات، هذا أدى بدوره إلى تقلص الحالات وتناقصها وقد شعر المجتمع بتراجع عدد حالات الزواج المبكر نوعًا ما حينها.
أما عن المرحلة الثانية من مراحل الوعي المجتمعي اليمني يقول علي: “للأسف الشديد ساهمت الحالة المعيشية والاقتصادية لبعض الأسر –خصوصًا في المناطق الوسطى من اليمن- في اضطرارها للعودة إلى هذه العادة وتزويج القاصرات طمعًا في المال، وبالذات لبعض القادمين من دول الجوار، لكن المجتمع تنبه لخطورة هذه الظاهرة مرة أخرى، وبدأت التوعية وتقلصت مرة أخرى”. وحول المرحلة الثالثة يرى علي الحوائي بأنَّ ظروف الصراع الحالية ونزوح الكثير من الأسر قلل الوعي لدى المجتمع؛ لذا فإنَّ التوعية المجتمعية بخطورة هذه الظاهرة بحاجة إلى تكثيف في هذه المرحلة من حياة المجتمع اليمني، والتي تعد من أخطر المراحل، وهي مرحلة النزاع الذي أثر على عدد كبير من الأسر وتسبب في نزوحها وعليه فإنَّ واجب الشخصيات الإعلامية والثقافية أن تضاعف جهودها في توعية المجتمع بخطورة ظاهرة الزواج المبكر، والبحث عن الأسباب التي أدت إلى ذلك ومعالجتها.
الفتيات اليمنيات أكثر عرضة لخطر الزواج المبكر من الفتيان
صوت الأمل – يُمنى أحمد أوضحت نتائج استطلاع إلكتروني أجرته (وحدة المعلومات واستطلاع الرأي) …