أصوات نسائية تناهض ظاهرة الزواج المبكر في اليمن
صوت الأمل – ياسمين عبد الحفيظ
(مريم علي -38 عامًا) تعيش في إحدى الحارات الشعبية في مدينة الحديدة، وهي أم لثمانية أبناء (سبع بنات، وولد) ذهب زوجها للعلاج في إحدى المدن اليمنية، ولطول فترة علاجه من المرض؛ قررت مريم العمل في منازل الأغنياء وفي المؤسسات والمراكز؛ من أجل توفير احتياجات أبنائها.
تقول مريم: “زوجت بناتي وهن قاصرات، لم يكن بوسعي إلا أن أجد لهن بيوتًا آمنة، فكان بيت الزوجية هو الاختيار الأفضل، فماذا عسى -إن لم أفعل ذلك- أن يوفر لهن جهدي وتعبي ودخلي المتواضع؟!، خفت عليهن من الجوع والضياع؛ ففضلت لهن الزواج -حتى وإن كن قاصرات-، الفقر لا يرحم والجوع يقتل”.
يختلف السبب الذي جعل أمة الله علي (اسم مستعار حسب طلبها)، -وفقاً له- تقرر تزويج بناتها وهن قاصرات أيضًا، أمه الله تعيش في مدينة تعز وهي أم لطفلتين وولد، زوجت بناتها قبل أن يتجاوزن ميلادهن الخامس عشر، على رجُلين يكبرانهن في السن بكثير.
تقول أمة الله لـ “صوت الأمل” أنَّها قررت تزويج بناتها؛ خوفًا من أن يفوتهن قطار الزواج؛ فيصبحن عوانس، وكذلك والدهن الذي قرر تزويجهن لذات السبب، -خاصة- بعدما أصبحوا يشاهدون فتيات من المنطقة التي يعيشون بها، تقدمن في السن؛ بسبب أنّ أهاليهن كانوا يرفضون تزويجهن، وهن في سن صغير.
تختلف الدوافع التي تجبر الآباء على تزويج الفتيات دون السن المناسب للزواج، فهناك من يرجعها لأسباب اجتماعية، و من أرجعها إلى العادات والتقاليد، وآخر بسبب المعتقدات والأفكار السائدة في المجتمع اليمني والتي يؤمن بها الكثيرون.
ومع اختلاف الأسباب وراء انتشار الظاهرة، ووقوع مئات الفتيات اليمنيات في شباك الزواج المبكر، ظهرت الكثير من الأصوات المدافعة عنهن، وعن حقوقهن، ودعت إلى ضرورة محاربة الظاهرة، وحماية أمهات المستقبل من البؤس والظلم، -لا سيما- الأصوات النسوية التي ناضلت، ولا تزال تناضل من أجل حياة أفضل للفتيات.
الحركة النسوية
“تُعرّف الحركة النسوية، بأنَّها الحركة السياسية والاجتماعية والثقافية الداعية إلى المساواة بين الرجل والمرأة على الصعيد الاقتصادي والسياسي والاجتماعي، ومحاربة جميع أنواع التمييز الجندري، وهي لا تشمل –فقط- النضال الحقوقي المباشر، بل أيضًا الفلسفة النسوية التي تؤمن بالمساواة والتي تُلهم النساء حول العالم للدفاع عن حقوقهن”، بحسب موقع مجتمع الأكاديمية بوست.
لم يعد مفهوم “الحركة النسوية” أمرًا معيبًا أو خطيرًا في المجتمع اليمني -كما كان من قبل-، لقد تغير الحال عن ما كان عليه، بل انطلاقًا منه ظهرت مسميات أبلغ وأشمل مثل: تمكين المرأة، مناصرة المرأة، حقوق المرأة.
واستطاعت المرأة اليمنية من خلال تحركاتها وأنشطتها ومطالباتها، أن تغير من واقعها، كمحاولة الخوض في اتخاذ بعض القرارات والمشاركة السياسية، ومكافحة الواقع المرير في البلاد الذي تحكمه العادات والتقاليد والثقافات المغلوطة –بحسب مواطنات-، وحاولت أن تتفاعل مع قضايا مهمة داخل المجتمع سواءً من خلال الدفاع عن الحريات بشكل عام، أو من خلال بناء السلام والتنمية وغيرها.
دافعت المرأة اليمنية عن قضيتها، وطالبت بحقوقها، ومارست أنشطة مختلفة في سبيل الحصول على الحقوق ومناصرة قضايا الفئات المستضعفة في المجتمع، ومن أجل النهوض بوطنها؛ برزت في كثير من المحافل والمؤتمرات والمسابقات والندوات.
آخر حراك نسوي يمني كان في العام 2022م، وهي حملة نسوية تدعو إلى إلغاء التمييز ضد المرأة في مصلحة الجوازات اليمنية، وإلغاء شرط حضور ولي أمر المرأة من أجل حصولها على وثيقة سفر، والتي لاقت رواجًا، وتفاعل معها كثيرون من رواد مواقع التواصل الاجتماعي.
الحركة النسوية وزواج الصغيرات
استطاعت ندى الأهدل أن تثير قضية الزواج المبكر في البلاد، وتلفت أنظار المنظمات الدولية والعالمية والمحلية العاملة في مجال الحقوق والحريات؛ لمحاربة الظاهرة، كما نجحت في التحرر من القيود التي فرضتها العادات والتقاليد في المجتمع، عندما فرت من أهلها تجنبًا للزواج القسري، وهي في ميلادها الحادي عشر، حدث ذلك في العام 2013م.
لاقت قضيتها تفاعلًا في وسائل التواصل الاجتماعي، وتصدرت عناوين الصحف والمجلات والأخبار، بعد نشرها مقطع فيديو تتحدث فيه عن قصتها، مما أدى إلى حدوث ضجة إعلامية، وتعرف عليها الكثيرون، فأصبحت تمتلك جمهورًا ومتابعين يناصرون مبدأ القضاء على الزواج المبكر.
أصبحت ندى الأهدل من أبرز الناشطات اليمنيات المدافعات عن حقوق الفتيات، ترأَّست مؤسسة ندى لحقوق الطفل، كما رشحت لجائزة نوبل للأطفال في 2018م، ألفت كتاباً (ندى الصباح) وشاركت في الفلم “أنا نجود بنت العاشرة ومطلقة”، بحسب بيانات الموسوعة الحرة.
كما ساهم اتحاد نساء اليمن في محاربة ظاهرة الزواج المبكر في البلاد، من خلال الأنشطة والفعاليات التوعوية للمجتمع حول الظاهرة وتداعياتها على الفتيات، ومن أبرز الفعاليات التي نظمها اتحاد نساء اليمن، مسرحية “معاناة سلوى” وتتناول المسرحية التوعية بمخاطر الزواج المبكر، أيضاً الفعالية التي نظمها اتحاد نساء اليمن بمشاركة منظمات دولية ضمن مشروع “وصال” التابع لاتحاد نساء اليمن، ومشروع ضمن الحملة العالمية لمناهضة العنف ضد المرأة تحت شعار “من السلام في البيت إلى السلام في العالم .. لنتحدى النزعة المسلحة ولننهي العنف ضد المرأة”، -وفقًا لوكالة الأنباء الرسمية سبأ-.
شاركت الكثير من النساء في المطالبة بحل قضية الزواج المبكر، وحازت مطالبهن بالتأييد والتفاعل، روثنا بيغم (باحثة هيومن رايتس ووتش المعنية بحقوق المرأة في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا)، في تقرير أممي بعنوان: (اليمن – يجب حماية حقوق المرأة في الدستور) أصدر في 8 سبتمبر 2011م، أكدت على ضرورة ضمان حماية حقوق النساء كاملة في الدستور، وضمان قدرتهن على عيش حياتهن في معزل عن التمييز والعنف.
في العام 2007م، انطلقت أبرز الحملات اليمنية التي هدفت إلى التوعية بأضرار الزواج المبكر وتداعياته على مستقبل الفتاة، استهدفت الحملة كلّأً من محافظتي حضرموت والحديدة، نظمت الحملة الشبكة اليمنية لمناهضة العنف ضد المرأة (شيماء)، ومن أهداف الضغوطات والاحتجاجات التي مارستها الحملة ضرورة دعم مشروع التعديلات القانونية الخاص بتحديد سن قانوني للزواج، بحيث يحدد (18عامًا)سناً آمناً للزواج.
الحركة النسوية لمناهضة زواج الصغيرات لم تتوقف عند هذه الحملة، بل شهدت صنعاء في العام 2010م مسيرة نسائية تؤيد تشريع قانون يحدد السن الأدنى للزواج في البلاد، ويمنع المتاجرة بالفتيات ويحفظ كرامتهن حتى لا يستطيع أحد التلاعب بحقوقهن، وقد ذكرت مواقع ووسائل إعلامية ما تعرضت له هذه المظاهرة من انتقادات ومهاجمة؛ لأنَّ ما خرجن من أجله يعدُّ مخالفًا للقيم والدين –حسب وجهة نظر المعارضين في الرأي-.
وقفة احتجاجية أخرى لمئات اليمنيات أمام البرلمان اليمني في نفس العام وبالتحديد يوم 2010/3/21 م، هدفها الحد من ظاهرة الزواج المبكر؛ وقد دعت الكثير من الأصوات النسوية التي خرجت للتظاهر إلى ضرورة تشريع قانون يجرّم زواج الصغيرات.
ومع استمرار ظاهرة الزواج المبكر في اليمن، -خاصة- في ظل الصراع، لا تزال الكثير من الأصوات النسوية تناضل؛ لمكافحة الظاهرة وحفظ حق المرأة في التعليم والمشاركة في اتخاذ القرارات.
المرأة اليمنية والطهي.. قَدَرٌ منذ الولادة أم مجرد مهارة؟
صوت الأمل – حنين الوحش في مجتمع غلب عليه طابع الحكم على أساس الموروثات والعادات والتقاليد …