‫الرئيسية‬ الأعداد السابقة هجرة الشباب اليمني هجرة الشباب اليمني بين الدراسات والواقع

هجرة الشباب اليمني بين الدراسات والواقع

ياسمين عبدالحفيظصوت الأمل

تعدُّ قضية هجرة الشباب اليمني من أبرز التحديات التي تواجه اليمن في ظل الظروف الصعبة الراهنة التي تعيشها البلاد؛ إذ تظهر فجوة كبيرة تكشف عن حجم المعاناة والاضطرابات التي تدفع الشباب إلى البحث عن حياة أفضل خارج وطنهم.

هناك العديد من التقارير الصادرة عن المنظمات الدولية والمحلية تتناول الأسباب العديدة التي تقف خلف هجرة الشباب اليمني، ومن أبرزها الصراعات التي أسهمت في ارتفاع معدلات الهجرة بشكل كبير؛ بسبب تدهور الأوضاع الأمنية والسياسية والاقتصادية وأيضًا الاجتماعية، وتفاقم البطالة بشكل كبير، وتدهور الأوضاع المعيشية، وانهيار البنية التحتية.

وفقًا لتقارير الأمم المتحدة والمنظمات الدولية، مثل المنظمة الدولية للهجرة، تشير الإحصائيات إلى أن آلاف الشباب اليمني غادروا البلاد إلى دول الجوار أو أوروبا عبر طرق هجرة شرعية وغير شرعية، ما يعرضهم لمخاطر الاعتقال أو الغرق.

تقارير ودراسات

تقرير بشأن مراحل تطور هجرة اليمنيين إلى جيبوتي – مركز صنعاء للدراسات الإستراتيجية 2022م، يستعرض تطور هجرة اليمنيين إلى جيبوتي منذ بدء تنفيذ سياسة استقبالهم في عام 2015م، ومع تدهور الأوضاع في اليمن نتيجة الصراع المستمر، أصبحت جيبوتي ملاذًا لآلاف اليمنيين الذين فرّوا من الحرب والاضطرابات.

وبحسب التقرير، ذكرت المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، الصادرة 2019م، أن هناك 4,916 لاجئًا يمنيًا مسجلين في جيبوتي، وهو رقم يعكس التدفق المستمر لليمنيين الباحثين عن الأمان. ومع ذلك، يتطلب الوضع مزيدًا من التنسيق والدعم لضمان استدامة هذا الدعم في ظل الظروف المعقدة التي يعيشها اليمنيون في الداخل والخارج.

من جانبها تناولت منظمة الهجرة الدولية في تقرير لها بعنوان: (الهجرة المختلطة في اليمن؛ الوضع الحالي والسياسات) الهجرة اليمنية على مرِّ العصور إلى دول مختلفة من العالم، لعدة أسباب؛ اقتصادية وسياسية وأمنية واجتماعية وتجارية ودينية.

وبيّن التقرير مفهوم الهجرة المختلطة التي تعرَّف بأنّها: “حركة البشر عبر الحدود الدولية، يستخدم المهاجرون واللاجئون نفس الطرق ووسائل النقل للوصول إلى وجهتهم النهائية، وأحيانًا تسمى هذه التدفقات بـ(تدفقات الهجرة المختلطة)، وإذا فشل هؤلاء الأشخاص الذين يشكلون التدفقات المختلطة في الدخول إلى بلد معين بشكل نظامي، فإنهم غالبًا ما يوظفون خدمات مهربي البشر، ويشرعون في رحلات خطيرة عبر البحر أو البر، التي يتعرض فيها الكثيرون للخطر من أجل البقاء على قيد الحياة”.

واستعرض التقرير بعض التقديرات التي تبيّن التفاوت الكبير في حجم المهاجرين اليمنيين، خاصة إلى دول الخليج؛ إذ وصلت منذ 2013م إلى 2023م، ما بين 923,253 إلى 1,800,000 مهاجر يمني، وذلك ضمن تقديرات الأُمم المتحدة (منظمة الأسكوا)، وتقديرات محلية ودولية.

كما ذكر التقرير أنّ مكتب الإحصاء السعودي أكد في تقرير له عام 2023م أنّ عدد المهاجرين اليمنيين في السعودة بلغ 1.8 مليون مهاجر إلى عام 2022م، وذلك حسب نتائج التعداد السكاني في السعودية، ويمثل هذا الرقم ما يقارب 6% من سكان اليمن، و10% من إجمالي سكان السعودية.

كما ذكر التقرير أنّ الحكومة اليمنية قدّمت رؤية في السياسة الوطنية للسكان (2001-2025م)، أكدت أهمية تأهيل المهاجرين اليمنيين بما يتناسب مع متطلبات سوق العمل في الدول الخليجية.

وذكر التقرير -أيضًا- “أنّه بعد أحداث 2014م دخلت اليمن في الحراك السكاني؛ إذ بيّنت أنّ هناك هجرة للقوى العاملة اليمنية إلى الخارج، ولجوء كثير من أبناء اليمن مع أسرهم إلى العديد من دول المنطقة، وبالذات إلى السعودية ومصر وتركيا والأردن، ولا توجد إحصائيات وبيانات بشأن حجم المغادرين من البلد، إلَّا أنّ هناك توقعات قدّرت أنّ عدد اليمنيين المغادرين إلى دول الجوار عام 2016م بلغ 177.314 مغادرًا إلى السعودية وعمان وجيبوتي والصومال وإثيوبيا والسودان”.

كما بيّن تقرير بعنوان: (الهجرة غير النظامية للسعودية؛ واقعها، ومخاطرها، وآليات التعامل معها – سبتمبر 2023م) أنّ عدد المتسللين الذين ضُبطوا أثناء عبورهم الحدود إلى داخل المملكة عام 2021م بلغ 116.930 متسلّلًا، وصل نسبة اليمنيين منهم 43%.

واقع صعب

عبد الرحمن الشميري هو مثال حي للشباب اليمني الذي طمح إلى مستقبل واعد في مجاله، لكنه اصطدم بالواقع الصعب الذي يواجهه كثيرون في اليمن، رغم دراسته للإعلام في جامعة الحديدة ورغبته في أن يصبح مصوّرًا مرموقًا، اضطرَّ للبحث عن فرص خارج بلاده؛ إذ أنه لم يجد في وطنه الفرصة لتحقيق أحلامه.

عبد الرحمن الشميري وجد نفسه في موقف لا يسمح له بتحقيق أحلامه في وطنه؛ إذ لم يكن أمامه سوى اتّخاذ قرار السفر إلى المملكة العربية السعودية بحثًا عن فرصة عمل، حتى وإن كانت خارج مجاله. من وجهة نظره، الوضع الاقتصادي الصعب في اليمن جعل الشباب يقبلون بأي وظيفة متاحة خارج البلاد، ليس طموحًا بحدِّ ذاته، بل وسيلة لتأمين احتياجاتهم واحتياجات أسرهم.

الشميري يسلط الضوء على الواقع الاقتصادي المؤلم في اليمن؛ إذ يشير إلى أنّ الشاب الذي يحالفه الحظ ويحصل على وظيفة لا يتجاوز راتبه 150 ألف ريال يمني، وفي ظل ارتفاع الأسعار وغلاء المعيشة والأزمات المتفاقمة، يصبح هذا الراتب غير كافٍ لتأمين احتياجات الحياة الأساسية، ويرى أنّ الهجرة أصبحت حلمًا لكل شاب يمني تقريبًا؛ إذ يشعرون بأنه لا يوجد أي أمل في تحسين أوضاعهم المعيشية داخل البلاد.

ورغم الصعوبات التي يواجهها الشباب في دول الاغتراب، مثل العمل في وظائف لا تتناسب مع مؤهلاتهم أو طموحاتهم، فإنّ عبد الرحمن يُفضل مواجهة تلك التحديات على العودة إلى اليمن، إذ يرى أنّ الفرص هناك شبه منعدمة، وأنّ الاستمرار في الخارج يمثل خيارًا أفضل رغم كل التحديات.

قصص الشباب المهاجرين

هياف الخليدي شاب من مديرية مقبنة بمحافظة تعز، يمثل صوتًا من داخل اليمن، يعبّر عن الأسباب التي دفعت كثيرًا من الشباب إلى الهجرة، مشيرًا إلى أنّ الصراعات المستمرة هي السبب الرئيسي وراء موجة الهجرة الحالية، وأنّه في ظل الصراع والدمار، أصبح الشباب يشعرون بانعدام الفرص والأمل داخل البلاد، سواء أكانت دوافعهم اقتصادية أم سياسية أو تعليمية.

هذا الوضع يدفعهم للبحث عن مستقبل أفضل في دول أخرى، وخاصة في أوروبا؛ إذ يتطلعون للحصول على الأمان والاستقرار بعيدًا عن العنف والفقر.

وأوضح أنّ غلاء المعيشة وازدياد الفقر بين الأسر اليمنية أصبحَ من أبرز الأسباب التي تدفع الشباب إلى البحث عن حياة أفضل لهم ولعائلاتهم، وأنّ الصراع المستمر في اليمن أجبر العديد من الشباب على الهروب بشتى الوسائل؛ إذ أصبحت أولويتهم النجاة بأنفسهم ومحاولة مساعدة أسرهم إن استطاعوا ذلك.

ويضيف: “أنّ الأمان الذي كان مفقودًا في البلاد بسبب الانقسامات الطائفية والجماعات المتصارعة دفع بالشباب إلى الدخول في صراعات داخلية، وجرى استغلالهم في الاقتتال والاغتيالات، وأنّ هناك آخرين فقدوا وظائفهم ومصادر رزقهم، في حين حُرم العديد من الشباب من إكمال تعليمهم، مما جعل الهجرة الخيار الوحيد الذي يرونه متاحًا لهم للخروج من هذا الوضع الصعب”.

 محمد علي (شاب من محافظة تعز) يروي تجربة مريرة في هجرته إلى إحدى الدول الأوروبية، ويصف الرحلة بأنها كانت مليئة بالمخاطر والمصاعب؛ إذ واجه هو ومجموعة من الشباب والجماعات المختلفة مواقف صعبة؛ مثل الجوع والعطش، والتعرض للضرب والاضطهاد، والتعامل مع ظروف طبيعية قاسية؛ مثل الغابات المخيفة والأنهار الغزيرة.

محمد يؤكد أنّ الهجرة لم تقتصر على الشباب غير المتعلمين، بل شملت أكاديميين وأطباء ومهندسين، وغيرهم ممن اضطروا للهروب من الوضع المأساوي في اليمن، بعد توقف رواتبهم وعجزهم عن مواجهة الظروف الاقتصادية الصعبة، كما أنّ الهدف الأساسي لجميع هؤلاء هو الهروب من صراع اليمن والبحث عن الأمان والحياة المستقرة.

تحييد القطاع الاقتصادي

ماجد الداعري، الصحفي الاقتصادي، يرى أنّ ظاهرة هجرة الشباب اليمني قد تزايدت بشكل كبير نتيجة للأزمة المستمرة في اليمن، التي خلّفت العديد من الآثار السلبية، ومن أبرز هذه الآثار استمرار الصراع الذي يرهق البلاد، ويعطل الخدمات الأساسية، بالإضافة إلى انهيار معظم المؤسسات، وغياب الاستثمار والفرص الاقتصادية، كما أنّ انهيار العملة وقلّة فرص المشاريع الصغيرة أسهم في دفع الشباب للتفكير في الهجرة بحثًا عن حياة أفضل ومستقبل أكثر استقرارًا.

ويوضح أنّ هذه المشكلات المتراكمة جعلت من اليمن بيئة طاردة لأيّ فرص عمل أو استثمار، بالإضافة إلى تقليص فرص التعليم والتأهيل واكتساب المهارات التدريبية، ونتيجة لذلك، أصبح العديد من الشباب اليمني يشعرون بأنّ الهجرة هي الخيار الوحيد المتاح لهم، سواء للبحث عن الرزق، أو من أجل الحصول على التعليم والتأهيل الذي لم يعد متاحًا في وطنهم، كما أنّ الأمان والاستقرار أصبحا من أهم الأسباب التي تدفعهم للتفكير في الهجرة، بعدما أصبحت البلاد تخلو من تلك المقومات الأساسية.

ويؤكد أنّ الحل الأمثل لإيقاف ظاهرة هجرة الشباب اليمني يكمن في توقف الصراع الدائر في البلاد، وتحقيق استقرار سياسي، إضافة إلى ذلك، يرى أنّ تحييد القطاع الاقتصادي، وإعادة تفعيل المؤسسات الحكومية وأجهزة الرقابة ستسهم بشكل كبير في تحسين الوضع الاقتصادي والاجتماعي، وإنّ إيجاد تسوية سياسية شاملة يمكن أن يكون الخطوة الأساسية لإعادة بناء اليمن، وتوفير بيئة مستقرة وجاذبة للشباب، ممّا يقلل من دوافع هجرتهم.

‫شاهد أيضًا‬

الشباب في الهجرة؛ بين البحث عن فرص عمل ومواجهة التحديات

أحمد باجعيم – صوت الأمل الهجرة إلى الخارج أصبحت فعلًا واحدة من أبرز الظواهر بين الشب…