هجرة الشباب اليمني بين التحديات وتحقيق فرص التعليم
أفراح بورجي – صوت الأمل
إنّ الوضع التعليمي الراهن في اليمن يشهد تدهورًا حادًّا نتيجة الصراع المستمر، ممّا جعل نظام التعليم شبه منهار، فالمؤسسات التعليمية تفتقر إلى المقومات الأساسية، مثل البنية التحتية، والموارد البشرية المؤهلة، والتمويل اللازم، كما أنّ العديد من المدارس توقفت عن العمل؛ بسبب الأضرار التي لحقت بها، أو بسبب غياب الكوادر التعليمية، ممّا أجبر كثيرًا من الأطفال والشباب على البقاء خارج نظام التعليم.
وباتت الهجرة وسيلة للهروب من الواقع التعليمي المرير في اليمن؛ إذ يسعى الشباب إلى الدول التي توفر بيئة تعليمية تشجع على الابتكار والبحث العلمي، وتتيح لهم الفرص التي تفتقر إليها اليمن حاليًا، وتعدُّ الهجرة للدراسة فرصة لبناء مستقبل أفضل، ولكنها تأتي بتحديات كثيرة، منها تكاليف السفر والإقامة، بالإضافة إلى الصعوبات النفسية والاجتماعية المرافقة للغربة.
محمد حسين الدباء (مدير عام الإدارة العامة للإعلام والنشر التربوي في وزارة التربية والتعليم) حذّر من التداعيات الكارثية التي سيواجهها مستقبل البلاد نتيجة هذا الانهيار في التعليم.
أكد الدباء في تصريح خاص لـ (صوت الأمل) أنّ المقارنة بين الوضع التعليمي الحالي والماضي تكاد تكون مستحيلة، فبعد أن كان التعليم يشهد تطورًا ملحوظًا في ظل استقرار سياسي واجتماعي، أصبح الآن يعاني من تدهور حادٍّ نتيجة للصراع، الذي أدّى إلى تدمير البنية التحتية التعليمية؛ إذ تعرضت آلاف المدارس للتدمير أو تضررت بشكل كبير، ممّا حرم الطلاب من أماكن آمنة للدراسة، إلى جانب نقص الكوادر التعليمية، وتوقف التوظيف في القطاع التعليمي منذ سنوات، ممّا أدّى إلى نقص حادّ في المعلمين المؤهلين.
وأوضح أنّ المعلمين يعانون من رواتب متدنية لا تكفي لتغطية احتياجاتهم الأساسية، ممّا دفع كثيرًا منهم إلى ترك المهنة، وهذا نتيجة تداعيات الصراعات الدائرة التي أدّت إلى النزوح والتشرد، وتوزيع غير متكافئ للطلاب على المدارس، وتدهور الوضع الاقتصادي، مما أثر سلبًا على جودة التعليم.
رحلة الموت لأجل التعليم
عزّ الدين العواضي (31 عامًا) خريج لغة عربية، يمثل نموذجًا حيًّا للشباب المكافحين الذين يطمحون إلى الحصول على فرص تعليمية رغم كل التحديات التي يواجهونها، عز الدين، الذي نشأ في ظل ظروف تعليمية صعبة في اليمن، أدرك مبكرًا أن تحقيق طموحاته التعليمية يحتاج إلى جهد كبير وتضحيات، حتى وإن كانت هذه الفرص تأتي بعد مشقة وتعب.
يلخص العواضي في حديثه واقعًا مؤلمًا يعيشه الشباب اليمني الطموح، سواء من الذكور أو الإناث، الذين يسعون لتحقيق أهدافهم الأكاديمية، لكنهم يصطدمون بواقع تعليمي يفتقر إلى المقومات الأساسية؛ إذ يقول: “إنّ التدهور الكبير في نظام التعليم في اليمن ليس بحاجة إلى تفسير مطول، بل يكفي أن ندرك أنّ هذا الواقع بات عائقًا كبيرًا أمام الشباب الذين يمتلكون رؤية وأهدافًا واضحة، إذ يحول بينهم وبين تحقيق طموحاتهم”.
ويرى أنّ الشباب اليمني يجدُ نفسه مجبرًا على التفكير في الهجرة كخيار بديل، ويظن هؤلاء الشباب أنّ مغادرتهم للبلد قد تفتح أمامهم آفاقًا جديدة تتيح لهم الوصول إلى التعليم الجيد والفرص التي لطالما حلموا بها، وأنّ هذا الحل غالبًا ما ينجح.
وأوضح أنّ المسار الذي يختاره الشباب للبحث عن التعليم في الخارج ليس طريقًا سهلًا ولا خاليًا من التحديات، ويطرح سؤالًا: “هل هذا الطريق ممهدٌ أم أنه مليء بالعقبات والصعوبات؟”.
كما أشار إلى بقية الدوافع والأسباب التي تجعل الشباب يفكرون في الهجرة، ومنها الرغبة في التعرف على ثقافات جديدة، والتعلم في بيئة تعليمية مختلفة، توفر لهم فرصًا لاكتساب مهارات أكاديمية وفنية جديدة، بالإضافة إلى تطوير قدراتهم الشخصية والمهنية.
البداية
قصة رحلة عز الدين العواضي من اليمن إلى ألمانيا هي حكاية مليئة بالتحديات والمغامرات التي خاضها في سبيل تحقيق حلمه الأكاديمي؛ إذ قال: “استمرت رحلتي من اليمن إلى ألمانيا، مرورًا بالعديد من الدول ومحطات التوقف، مثل ماليزيا، خمسَ سنواتٍ. واجهت فيها العديد من التحديات والصعوبات والمخاطر الكثيرة”.
بدأت فكرة الهجرة تلوح في ذهن عز الدين منذ عام 2009م، في البداية كأفكار عابرة أو (هلوسات) كما وصفها، لكنها تحولت إلى هدف جدي مع مرور الوقت، وبحلول عام 2014م، بدأ العواضي بالفعل في التفكير بشكل جادّ في الهجرة والسعي لتحقيقها، وكانت السعودية هي أولى محطاته، ولكنّه اضطرّ للعودة من منتصف الطريق لأسباب مختلفة، ربما تتعلق بالصعوبات أو الظروف المحيطة.
لكن عز الدين لم يستسلم، وظل يحاول دون يأس، حتى قرر في عام 2017م أن يسافر، مهما كانت التحديات التي تواجهه، وهذه الرحلة استغرقت منه كثيرًا من الوقت.
عز الدين العواضي يروي بتفاصيل مؤثرة مدى استعداده لخوض غمار الهجرة، (حتى لو كانت على حساب روحه ونفسيته وكل ما يملك) هذه الجملة تعكس مدى الإصرار واليأس في آن واحد؛ إذ كان مستعدًا للتضحية بكل شيء من أجل تحقيق هدفه في الهجرة، مدفوعًا بأسباب عديدة تجعله يرى أن البقاء في اليمن لم يعد خيارًا قابلًا للاستمرار.
وقال: “جاءت فرصة السفر إلى ألمانيا، وهي فرصة التهريب، وطبعًا أنا أسميها فرصة؛ لأني كنت معتادًا على المغامرة، ولأنني منذ زمن أطمح إلى أن تكون لديّ جنسية غير يمنية، ليس كرهًا في اليمن، إنما لأتمكن من الدخول للدول المتقدمة وما إلى ذلك. حينما جاءتني الفرصة قلت: لِمَ لا؟”.
ويروي هنا كيف أن وضعه في ماليزيا في مدّة كورونا كان مشابهًا تمامًا لوضعه في اليمن عندما قرر الهجرة، وكيف أثرت الجائحة عليه بشكل كبير؛ إذ فقدَ العديد من الأعمال التي كان يعتمد عليها كمصدر دخل في تلك المدّة، وانخفض دخله الشهري من نحو 1500 دولار إلى 300 أو 400 دولار، وهو مبلغ لم يكن يكفي حتى لتغطية تكاليف السكن، وهذه الأزمة المالية أعادته إلى نقطة الصفر من جديد، تمامًا كما كان حاله عندما قرر مغادرة اليمن والسفر إلى ألمانيا.
رحلة الموت
ويصف تجربته المؤلمة والمليئة بالخوف في حديثه عن (رحلة الموت) التي خاضها أثناء محاولته الهروب من وطنه بحثًا عن مستقبل أفضل؛ إذ يقول: “لم أتخيل يومًا أني سأوجه الموت بهذا القرب والوضوح، أو أني سأحكي عن هذه التجربة في يوم من الأيام، لقد كانت تلك الرحلة، أشبه برحلة إلى الجحيم، مليئة بالمخاطر والمعاناة، رحلة كادت أن تودي بحياتي، ولكنني تمسكت بالحياة، وتشبثت بأمل الوصول إلى بر الأمان”.
ويتابع: “كانت الغابات شاهدة على مأساتنا، على خوفنا، على جوعنا، على عرقنا الدامي، كنا نسير ليلًا ونهارًا، نخطو على جثث الأحلام الميتة، وعلى جثث من سبقونا ولم يحالفهم الحظ، وكل قطرة ماء كانت كنزًا، وكل نسمة هواء كانت نعمة، والموت كان يتربص بنا في كل مكان، في كل زاوية، في كل لحظة، ولكننا استمرينا، بدافع الأمل والبقاء”.
وأضاف: “وصلنا أخيرًا إلى ألمانيا، إلى أرض الأحلام، لكننا وجدنا أنفسنا في جحيم آخر، جحيم الانتظار والشك واليأس، كان مخيم اللاجئين سجنًا نفسيًّا لا يقل قسوة عن السجون الحقيقية، كل يوم يمر كان يزيد من معاناتنا، وكان يقربنا من اليأس”.
“بدأت بتعلم اللغة الألمانية بكل ما أوتيت من قوة، كنت أدرس ليلًا ونهارًا، أحاول جاهدًا أن أتكيف مع الحياة الجديدة، وكانت اللغة هي مفتاحي للنجاح، وجواز سفري إلى عالم جديد”. هكذا وصف عز الدين إصراره نحو تحقيق حلمه في التطوير العلمي.
بعد مدّة طويلة من الصبر والاجتهاد، تمكّن العواضي من تحقيق حلمه بالدراسة في ألمانيا، وكانت تلك لحظة انتصارًا بالنسبة له، لحظة أثبتت للجميع أنّ الإرادة القوية والعزيمة الصادقة قادرتان على تخطي أي عقبة.
الهجرة من منظور عز الدين
من منظور عزّ الدين العواضي، الهجرة تحمل بين طياتها بُعدين متناقضين: (الحياة والموت في آن واحد)، ويرى أنّ الهجرة هي الحياة في مجالات معينة، مثل المجال العلمي والمهني، وأحيانًا المادي، بشرط أن يظل المهاجر مركّزًا على هذه المجالات دون أن يسمح للمشتتات، التي غالبًا ما تكون كثيرة، أن تسرق منه تركيزه.
لكن في المقابل، يصف الهجرة بأنها (الموت) في المجالات الاجتماعية والروحية والعاطفية، فالهجرة، على الرغم من أنها قد تفتح أمام الإنسان أبوابًا جديدة من الفرص، فإنها في الوقت ذاته قد تجلب له شعورًا بالغربة والعزلة، وقد تُسلب منه كثيرًا من المبادئ والقيم.
ويوضح العواضي أنه لا يدعو إلى التشاؤم أو الإحباط، بل ينبه الشباب المهاجرين إلى ضرورة التركيز والعمل الجاد، كما يدعو المهاجرين، سواء كانوا قد هاجروا أو يخططون لذلك، إلى أن يتذكروا السبب الذي دفعهم لترك وطنهم وأهليهم، وهو تحقيق أهدافهم الشخصية والمهنية.
التحديات
أشار الصحفي عاصم الخضمي إلى العديد من التحديات التي يواجهها الطلاب اليمنيون في مسارهم التعليمي والمهني، سواء في الداخل أو الخارج؛ إذ أوضح أنّ أحد أبرز هذه التحديات هو انتشار الوساطة والمحسوبية في الحصول على فرص الدراسة في الخارج، وهو ما يحرم كثيرًا من الطلاب المؤهلين من هذه الفرص، وهذا بدوره يؤدي إلى عدم توفر معلومات دقيقة وكافية بشأن الفرص التعليمية في الخارج، لا سيّما في البلدان التي تعتمد لغات غير الإنجليزية.
وأضاف: “أنّ هناك مشكلة أخرى تتمثل في تعرض العديد من الطلاب للخداع من قبل جهات غير موثوقة؛ إذ يتم إغراؤهم بفرص عمل وهمية في الخارج، ما يعرضهم للاستغلال والمشكلات المالية والحقوقية”.
وفي ختام حديثه، لفت الصحفي إلى أن المواطن اليمني الذي يدرس في الخارج يواجه صعوبة شديدة في العثور على عمل بعد تخرجه، وعلى الرغم من حصولهم على مؤهلات علمية عالية، فإن الخريجين اليمنيين يعانون من صعوبة في التأقلم مع متطلبات سوق العمل في الخارج، وهذا يعود إلى عدة أسباب، منها عدم تطابق المهارات مع ما يتطلبه سوق العمل، بالإضافة إلى غموض المهارات العملية واللغوية التي يعدُّها كثير من أصحاب العمل ضرورية.
وبصورة عامة، فالهدف الأساسي للهجرة التعليمية التي يقوم بها الشباب اليمني التطوير الشخصي والعلمي والمهني، والانفتاح على العالم بأوسع أبوابه، في محاولة لتحقيق أحلامهم الأكاديمية والإسهام الفعّالة في بناء مستقبلهم ومستقبل مجتمعهم.
الشباب في الهجرة؛ بين البحث عن فرص عمل ومواجهة التحديات
أحمد باجعيم – صوت الأمل الهجرة إلى الخارج أصبحت فعلًا واحدة من أبرز الظواهر بين الشب…