‫الرئيسية‬ الأعداد السابقة هجرة الشباب اليمني الشباب في الهجرة؛ بين البحث عن فرص عمل ومواجهة التحديات

الشباب في الهجرة؛ بين البحث عن فرص عمل ومواجهة التحديات

أحمد باجعيمصوت الأمل

الهجرة إلى الخارج أصبحت فعلًا واحدة من أبرز الظواهر بين الشباب اليمني في الآونة الأخيرة؛ إذ تعود أسبابها بشكل رئيسي إلى التحديات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية التي تواجه البلاد، كما أنّ الصراع المسلح المستمر أدّى إلى تدهور الأوضاع الاقتصادية بشكل حادٍّ، ممّا أسفر عن توقف العديد من الأعمال، وارتفاع معدلات البطالة بشكل كبير؛ إذ يرى الشباب اليمني أنّ الفرص في الخارج توفر لهم إمكانية بناء حياة أفضل، وتحقيق طموحاتهم المهنية والشخصية.

وقد تبدو الهجرة بالنسبة للشباب اليمني حلًّا مؤقتًّا للهروب من واقع الأزمات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية، لكنها ليست خالية من التحديات الكبيرة التي تبدأ قبل مغادرة البلاد، وتستمر حتى بعد الوصول إلى الدول المستقبلة.

وتتمثل تلك التحديات بتكاليف الهجرة، والمعوقات القانونية المتعلقة بتأشيرات السفر والإقامة، وصولًا إلى التحديات الثقافية والاجتماعية التي يوجهونها في البلدان المستقبلة لهم، وفي هذا التقرير نستعرض أهم التحديات التي تواجه الشباب في هجرتهم.

كما يواجه الشباب اليمني المهاجر العديد من التحديات التي تنعكس على حياتهم الاجتماعية والاقتصادية والنفسية، مثل الشعور بالغربة والعزلة، خاصة عندما يجدون صعوبة في التكيف مع ثقافات جديدة، والتمييز العنصري، والتعامل معهم كمواطنين من الدرجة الثانية، بالإضافة إلى الاستغلال الوظيفي من قبل أصحاب العمل، والصعوبات القانونية والإدارية المتعلقة بتسوية أوضاعهم القانونية في البلدان المستضيفة، وصعوبات التأقلم الثقافي، والمشكلات الاقتصادية، وغيرها من التحديات التي تُشكّل ضغوطًا كبيرًا على الشباب اليمني في المهجر، وتجعل من مسألة التأقلم والبقاء في تلك الدول أمرًا معقّدًا، لكن رغم ذلك، يستمر العديد منهم في محاولة التغلب على هذه العقبات بحثًا عن مستقبل أفضل.

بداية الهجرة

فارس بازمول هو واحد من العديد من الشباب اليمنيين الذين اضطروا إلى الهجرة بحثًا عن حياة أفضل، بعد مواجهتهم واقع البطالة في بلادهم. بعد أن أكمل دراسته الجامعية عام 2020م، كان يأمل أن يجد فرصة عمل تتناسب مع مؤهلاته الأكاديمية، إلا أنّ الأوضاع الاقتصادية المتدهورة في اليمن جعلته عالقًا في مستنقع البطالة، وفي ظل هذا الواقع الصعب، قرر فارس في عام 2021م مغادرة اليمن متوجهًا إلى السعودية؛ إذ انضمَّ إلى موجة الهجرة الكبيرة للشباب اليمني إلى دول الجوار وأوروبا بحثًا عن أي فرصة عمل، بغض النظر عن مؤهلاتهم الدراسية.

فارس بازمول يروي تجربته مع التحديات التي واجهها منذ اللحظة الأولى في سعيه للهجرة، ويشير إلى أنّ الحصول على (الفيزا) أو شراءها يعدُّ أول عقبة كبيرة؛ إذ تبلغ تكلفتها آلاف الريالات السعودية، بالإضافة إلى التوجه إلى محافظة عدن لإكمال باقي إجراءات السفر، والحصول على الوثائق الرسمية، وهذا يكلف ماديًّا وبالنسبة للشباب اليمني، هذه المبالغ تعدُّ كبيرة للغاية، وغالبًا ما يصعب عليهم توفيرها، ممّا يدفع كثيرًا منهم إلى الاستدانة، وتحمُّل ديون تفوق قدرتهم على السداد.

أمّا بالنسبة للهجرة غير الشرعية، فيؤكد فارس أنّها تمثل مخاطرة كبيرة، واصفًا إيّاها بأنها أشبه باختيار بين (المرور أو الموت)، خاصة عند محاولة الوصول إلى دول الجوار مثل دول الخليج.

عبد الحكيم باوزير، الذي مرَّ بتجربة مشابهة لفارس بازمول؛ إذ انتهى به المطاف لمغادرة اليمن متجهًا للمملكة العربية السعودية للبحث عن فرصة عمل، يسلط الضوء على أحد أبرز التحديات التي يوجهها الشباب اليمني قبل اتخاذ قرار الهجرة. يقول: “إنّ من أصعب الأمور هو كيفية تجميع مبلغ التأشيرة أو الفيزا، وهي الخطوة الأولى والأساسية لأي شخص يرغب في الهجرة”.

ويذكر عبد الحكيم أنّ العديد من الشباب يفكرون بالسفر لتحسين ظروف حياتهم والبحث عن حياة كريمة ومستقبل أفضل، لكنهم يواجهون عائقًا ماليًا كبيرًا يتمثل في تكلفة التأشيرة، التي تتراوح بين خمسة آلاف إلى ستة آلاف ريال سعودي. نظرًا لهذه التكلفة العالية، يجد العديد من الشباب أنفسهم مجبرين على اتخاذ خطوات صعبة، مثل بيع ممتلكاتهم الشخصية، كسياراتهم أو مجوهرات والداتهم أو زوجاتهم، من أجل تأمين المبلغ المطلوب.

وأضاف تفاصيل بشأن التحديات الإضافية التي تواجه الشباب اليمني في محاولتهم للهجرة، تتمثل في صعوبة استخراج التأشيرات التي لا تقتصر على تكلفتها العالية فحسب، بل تتضمن أيضًا مخاطر التعرض للاحتيال، خاصة في ظل الأوضاع الراهنة في البلاد؛ إذ تقل الرقابة والإشراف على مكاتب الهجرة، وهذا يفتح المجال أمام العديد من الممارسات غير القانونية التي يقع ضحيتها الشباب الراغبون في الهجرة، ممّا يعني لا يمكن للشباب الوصول للهجرة إلا بشق الأنفس.

تحديات في المهجر

يرى بازمول أنّ هناك العديد من التحديات التي تواجه الشباب في بداية وصولهم للمهجر، تتمثل في التكيف مع البيئة الجديدة وقوانين البلد المضيف، كما أنّ أحد أكبر المخاوف التي تواجه الشباب عند وصولهم إلى الخارج، خصوصًا في السنة الأولى، هو صدمة الانتقال والقلق بشأن المستقبل؛ إذ يتمحور تركيز الشباب اليمني عند وصولهم إلى السعودية، على سبيل المثال، غالبًا في مسألة (نقل الكفالة) وتصحيح أوضاعهم القانونية في البلاد، وهو أمر يضعهم في مواجهة مع متطلبات جديدة ومعقدة، قد تكون مرهقة نفسيًا لسنوات طويلة.

وأكد أنّ العديد من الشباب خريجي الجامعات يعملون في غير تخصصاتهم، لهذا يجدون صعوبة في التكيف مع العمل، هؤلاء الشباب يشعرون بالخذلان بعد سنوات من الدراسة، ليتفاجؤوا بأنّ المستقبل المهني الذي حلموا به قد لا يتحقق، هذا الشعور بالخيبة يجعل من السهل عليهم نسيان دراستهم وتخصصاتهم، ما قد يدفعهم إلى العودة إلى نقطة الصفر في مسيرتهم المهنية.

وأضاف: “قد يواجه الشخص المغترب كثيرًا من التحديات والضغوطات سواء أكانت نفسية أم بدنية في بيئة العمل، وقد يختلف نوع الضغط من بيئة لأخرى حسب طبيعة العمل الذي يواجهه المغترب، ولكنّ هناك ضغطًا نفسيًّا مشتركًا يتمثل في الابتعاد عن الأهل والوطن، والاختلاف الثقافي والتنوع في الجنسيات في بيئة العمل قد يكون مصدرًا للضغط النفسي على المغتربين”.

تحول مهاجر غير شرعي

قصة (يزن) اسم مستعار، تمثل مزيجًا غير مألوف بين الهجرة الشرعية وغير الشرعية؛ إذ استغل فرصة العمل في مشروع مؤقت تابع للمؤسسة التي كان يعمل بها في إحدى الدول الأوروبية ليتحول إلى مهاجر غير شرعي، وذلك بعد الانتهاء من العمل المطلوب، وفي وقت كان فريقه يستعد للعودة إلى اليمن، قرر يزن التخلي عن العودة المقررة وفق التعهدات الرسمية، ورتّب مع مهربٍ للانتقال إلى مدينة أخرى، ثمَّ إلى دولة أخرى لم يذكر اسمها، طلبًا للجوء، واستقرَّ فيها.

وعلى الرغم من نجاحه في تحقيق ما كان يخطط له منذ البداية، تسببت هذه الخطوة في أضرار كبيرة للمؤسسة التي كان يعمل بها ماليًا وقانونيًا؛ إذ اضطرت لدفع غرامات مالية كبيرة بسبب فقدان أحد موظفيها.

قصة يزن تثير العديد من التساؤلات بشأن أخلاقيات الهجرة والتبعات القانونية والمالية التي تقع على المؤسسات التي تثق في موظفيها؛ إذ إنّ تصرُّف يزن قد يكون له تأثير سلبي طويل الأمد على فرص الشباب اليمني الذين يسافرون بشكل مؤقت للعمل أو الدراسة؛ إذ من المحتمل أن تفرض الشركات والمؤسسات الدولية شروطًا أكثر صرامة ومعقدة لضمان عدم تكرار مثل هذه الحالات.

ولمعالجة كل هذه التحديات يستوجب إعداد إستراتيجيات شاملة بخصوص هجرة الشباب، الأمر الذي يتطلب جهودًا تبدأ من مستوى السياسة الوطنية، عن طريق توفير دعم مجتمعي وفرص اقتصادية محلية للشباب، كما ينبغي تمكين الشباب من المهارات اللازمة للتكيف والاندماج في بيئات جديدة، إذا اختاروا الهجرة بشكل شرعي، بالإضافة إلى العمل على تعزيز الوعي بالتحديات، والبحث عن حلول مبتكرة ومستدامة تمنح الشباب فرصة للاستفادة القصوى من الهجرة، وتقليل المخاطر المرتبطة بها، سواء على المستوى الفردي أو على مستوى المؤسسات والمجتمع بشكل عام.

‫شاهد أيضًا‬

التدهور الاقتصادي والبحث عن فرص خارج الوطن

ياسمين عبدالحفيظ – صوت الأمل أحمد سالم (اسم مستعار) يعول أسرته المكونة من ثلاث شقيقا…