‫الرئيسية‬ الأعداد السابقة هجرة الشباب اليمني هجرة المرأة اليمنية؛ التحديات ونظرة المجتمع

هجرة المرأة اليمنية؛ التحديات ونظرة المجتمع

علياء محمدصوت الأمل

تواجه المرأة اليمنية تحديات متزايدة نتيجة الأزمات المتواصلة التي تمرُّ بها البلاد، والتي أسهمت في تعميق الضغوط الاقتصادية والاجتماعية على مختلف فئات المجتمع، وخاصة النساء. هذا الوضع دفع العديد من الفتيات والنساء لاتخاذ قرار الهجرة، بحثًا عن فرص أفضل للتعليم والعمل، ممَّا أدّى إلى زيادة ملحوظة في معدلات هجرة النساء اليمنيات إلى الخارج في السنوات الأخيرة.

تثير هجرة المرأة اليمنية جدلًا واسعًا في المجتمع، ففي الوقت الذي ينظر فيه بعضهم إلى الهجرة كحق مشروع للمرأة لتحسين حياتها والإسهام في دعم أسرتها، يعدُّها آخرون تحدّيًا للقيم الاجتماعية والثقافية التي تضع قيودًا على حرية حركة المرأة، كما تختلف الآراء بين الفئات المجتمعية؛ ففي حين تدعم الأجيال الشابة هذا التوجه وتراه ضرورة للتغلب على التحديات الاقتصادية والتعليمية، تعبِّر الأجيال الأكبر سنًّا عن تحفظاتها، معتبرة أنّ هجرة المرأة قد تعرضها لمخاطر أو تؤثر على سمعة العائلة.

رحلة من اليمن إلى الهند

(سمية يحيى) إحدى الفتيات اليمنيات اللواتي اخترنَ الهجرة بعد عام 2014م، سعيًا لتحسين ظروفها التعليمية التي تدهورت بسبب الصراع المستمر؛ إذ قررت التوجه إلى الهند لمواصلة دراستها، رغم التحديات الاجتماعية والنفسية التي واجهتها في رحلتها.

تقول سمية: “لم يكن قرار هجرتي وسفري بالشيء السّهل، بالرغم من موافقة والدي ووالدتي، فقد واجهت تحديات وصعوبات بعدم تقبل أقاربي لهذا القرار، وعدّوا هجرة الفتاة بمفردها خارجًا عن إطار العادات والتقاليد اليمنية، ولكني تمسكتُ بقراري وأصررتُ على تنفيذه”.

بدأتْ رحلتها من صنعاء إلى عدن برًا، ثم من عدن إلى جيبوتي بحرًا، وصولًا إلى الهند جوًا، وكانت الرحلة مليئة بالصعوبات، خاصة أنّها كانت تُسافر بمفردها، متجاوزة الحدود الجغرافية والاجتماعية للوصول إلى هدفها.

أضافت: “رغم إصراري على الهجرة والسفر للبحث عن مكان أفضل للتعليم، شعرتُ بالخوف كوني سأخوض تجربة جديدة في حياتي، ولا أعلم ماذا ينتظرني آخر المطاف، ولكن كان إيماني بقدرتي على تحدي الصعاب لتحقيق حلمي أكبر من مخاوفي”.

بعد أيام من التنقل، وصلت سمية أخيرًا إلى وجهتها، وبدأت مرحلة جديدة من حياتها التعليمية، وتحولت مخاوفها الأولى إلى إصرار على النجاح وتحقيق أحلامها، لتثبت أنّها قادرة على تجاوز العقبات وتحقيق أهدافها رغم الصعوبات.

بين التغيير والقيود التقليدية

يُعرف المجتمع اليمني كواحدٍ من أكثر المجتمعات المحافظة في العالم العربي؛ إذ لا تزال القيم التقليدية تُهيمن على تصورات العديد من أفراده بشأن دور المرأة ومكانتها، وتعدُّ هجرة المرأة اليمنية للدراسة أو العمل قضية جدلية تثير النقاش بشأن مدى تقبلها في ظل هذه القيم التي تضع المرأة غالبًا ضمن إطار الأسرة ومسؤولياتها التقليدية.

وترى بعض الأُسر أنّ هجرة المرأة للعمل أو الدراسة في الخارج تتعارض مع القيم الثقافية والدينية؛ إذ يُنظر إلى دور المرأة على أنّه محصور في إطار الأسرة، وتعدُّ هذه النظرة خروج المرأة قد يؤدي إلى تغيير الأدوار الأُسرية ويعرضها لمخاطر تهدد سمعتها وأمنها في بلاد المهجر.

(لينا قيس) طالبة جامعية، ترى أنّه على الرغم من بعض التغيرات الإيجابية التي طرأت على دور المرأة في الآونة الأخيرة، فما زال المجتمع اليمني يحتفظ بنظرته التقليدية التي تُقيد المرأة. وتقول: “ما زلنا نواجه فئات من أفراد المجتمع ينظرون للمرأة نظرة تقليدية ونمطية تحصر دورها في الأسرة ومسؤولياتها”.

 وتضيف: “بعض من الأسر ترى أنّ هجرة النساء اليمنيات إلى الخارج تحدٍّ صارخ للقيم الثقافية والدينية والاجتماعية، ويفضلون أن تظل المرأة في المنزل نتيجة قلقهم على سمعتها وأمنها في بلاد المهجر، اعتقادًا منهم بأنها ستواجه كثيرًا من المخاطر بمفردها”.

كما تشير إلى أنّ النساء اللواتي يرغبنَ في الهجرة يواجهنَ تحديات كبيرة في الحصول على دعم أسرهنّ؛ إذ يؤدي هذا الرفض إلى صراعات داخل الأسرة تعوق النساء عن اتخاذ خطوات نحو الهجرة، وتظل هذه الصراعات حجرًا عثرة أمام المرأة اليمنية التي تسعى لتحقيق ذاتها في ظل مجتمع تحكمه تقاليد وأعراف متجذرة.

التوقعات الاجتماعية والتغيرات المستقبلية

تواجه النساء اليمنيات ضغوطًا اجتماعية كبيرة تتعلق بدورهنّ؛ إذ تُحدِّد توقعات المجتمع غالبًا أدوارهنّ ضمن إطار الأسرة، ممَّا يُعزز فكرة أنّ التعليم والعمل يجب أن يخدم تحسين وضع الأسرة فقط، وليس تحقيق الذات، ويؤدي هذا الضغط إلى تقييد طموحات المرأة وتحديات إضافية أمام خياراتها الشخصية والمهنية.

وتمثل توقعات المجتمع عائقًا كبيرًا أمام هجرة النساء؛ إذ تُسبب خللًا بين القيم الثقافية التقليدية والتغيرات الحديثة، وعلى الرغم من أنّ الهجرة قد تُشكل فرصة لتحسين مستقبل أفضل للجميع، فإنّ هذه الفرصة تُواجَه بانتقادات تُركز على تهديد القيم الثقافية، ممَّا يُقلل من تقبلها.

مع ذلك، تحمل هجرة المرأة انعكاسات إيجابية يمكن أن تُسهم في تغيير المجتمع نحو الأفضل، منها تحسين الاقتصاد المحلي؛ إذ تسهم النساء المهاجرات في تعزيز الاقتصاد المحلي عبر ما اكتسبنه من خبرات ومعارف، ونقل التجارب الناجحة في الخارج للمجتمع، ممَّا يُحسّن الوضع العام، ويُعزّز الوعي بشأن أهمية تمكين المرأة، بالإضافة إلى تغيير النظرة الاجتماعية التقليدية تجاه دور المرأة، ممَّا يدفع نحو تقبل أكبر لدورها في التنمية.

ويشكل قبول المجتمع اليمني لهجرة المرأة خطوة أساسية لتحقيق المساواة والعدالة الاجتماعية، هذا التغيير في التوقعات يُساعد في بناء مستقبل أفضل للمرأة، ممَّا يعود بالنفع على المجتمع ككل، ودعم المجتمع لدور المرأة في التعليم والعمل داخل الوطن وخارجه سيعزز من إمكانياتها، ويُتيح لها الفرصة لتقديم إسهامات حقيقية في بناء مجتمع أكثر شمولية وتقدُّمًا.

 التجارب الشخصية

تتباين تجارب النساء اليمنيات في الخارج بين النجاحات الكبيرة والتحديات المتنوعة، ففي حين تُحقّق بعضهنّ إنجازات ملموسة في مجالات التعليم والمهن المختلفة، يواجه بعضهنّ الآخر صعوبات تتعلق بالتكيف مع بيئات جديدة وثقافات مختلفة، ومع ذلك، تُعدُّ هذه النجاحات مصدر إلهامٍ للكثيرات، ممَّا يشجع المزيد من النساء على اتّخاذ خطوات مماثلة في سبيل تحقيق طموحاتهنّ.

ولا يزال تغيير النظرة التقليدية بشأن هجرة النساء اليمنيات ضرورةً مُلحة لتحقيق الدعم الكافي لهنّ. ويُعدّ هذا التغيير من أكثر الوسائل فاعلية لضمان حصول النساء على فرص تعليمية ومهنية تُسهم في بناء مستقبلهنّ، وتحقيق أهدافهنّ خارج الوطن.

ولتحقيق ذلك، يجب تثقيف المجتمع اليمني وتوعيته بفوائد هجرة النساء، بما في ذلك دورهنّ في تعزيز التعليم والتطور المهني، وتأثير ذلك إيجابيًّا على الأسرة والمجتمع، والعمل على تقديم برامج دعم نفسي واجتماعي للأُسر التي تشعر بالقلق تجاه هجرة بناتهنّ، مع مشاركة قصص نجاح نساء يمنيات في الخارج لتقليل المخاوف، وإعداد برامج تدريبية وتعليمية وتطويرها لتُساعد النساء على اكتساب المهارات المطلوبة في مجالات معينة، ما يُعزز فرصهنّ في العمل خارج اليمن، والعمل على تغيير السياسات وتعديلها لضمان حقوق النساء في الهجرة والعمل في الخارج.

من جانب آخر، وجب العمل على إنشاء آليات فعّالة توفر الحماية القانونية للنساء المهاجرات، والتي تشمل: توفير بيئة آمنة أثناء الهجرة وبعدها، وحماية النساء من أيِّ انتهاكات قد يتعرضنَ لها في بلاد المهجر، وتقديم دعم نفسي واجتماعي يُساعدهنّ على التكيّف مع التحديات التي يواجهنَها، وتعزيز التعاون بين الجهات المختلفة. ويتطلب تحقيق هذه الأهداف تعاونًا بين المجتمع المحلي، ومنظمات المجتمع المدني، وأُسر النساء، وتغيير النظرة المجتمعية تجاه دور المرأة، ممَّا يُسهم في تحقيق تقدُّم اجتماعي شامل.

وبالتالي، فإنّ تمكين النساء اليمنيات من الهجرة والعمل بأمان يُعدُّ استثمارًا في مستقبل أفضل، خاصة في هذه المرحلة الصعبة التي تمرُّ بها البلاد، ليس فقط للمرأة بل للمجتمع كله.

‫شاهد أيضًا‬

الشباب في الهجرة؛ بين البحث عن فرص عمل ومواجهة التحديات

أحمد باجعيم – صوت الأمل الهجرة إلى الخارج أصبحت فعلًا واحدة من أبرز الظواهر بين الشب…