‫الرئيسية‬ الأعداد السابقة هجرة الشباب اليمني شباب يمنيون في المهجر.. تحديات وفرص للتمكين

شباب يمنيون في المهجر.. تحديات وفرص للتمكين

هبة محمدصوت الأمل

في عالم يشهد تحولات سريعة وتحديات متعددة، يبقى الشباب اليمني في بلاد الغربة عنوانًا للتصميم والإصرار، ويعيشون تجارب متنوعة، انطلاقًا من قرارات هجرة شرعية أو غير شرعية، يخوضون فيها رحلة البحث عن الاستقرار وتحقيق النجاح في بيئات جديدة تحمل تحديات لا يُستهان بها.

تعزيز قدرات هؤلاء الشباب، وتمكينهم ليكونوا ركيزة قوية في مجتمعاتهم المضيفة، يعدُّ مهمة لا تقل أهمية عن تحقيق أحلامهم الشخصية، وبجهود حكومات محلية ومنظمات مجتمع مدني، تُنظم ورش عمل ودورات وندوات تهدف إلى تعزيز الجوانب الاقتصادية والثقافية والاجتماعية لهؤلاء الشباب، ليكونوا عنصرًا فاعلًا في بناء مجتمعاتهم وتطويرها.

ومع ذلك، فإنّ التحديات التي تواجه الشباب اليمني في بلاد الغربة لا تقتصر على اللغة والثقافة، بل تتعداها إلى مجالات متنوعة تشمل التوظيف، والتعليم، والاندماج الاجتماعي، وهذه التحديات تمثل بوابات تتطلب تدخلًا شاملًا لضمان تحقيق طموحات هؤلاء الشباب.

 واقع الشباب اليمني في بلاد الهجرة

بين الوطن والغربة، يتجلى واقع شباب اليمن المهاجرين، يحملون في قلوبهم بستان الأمل وحنين الوطن، ويعبرون عن تحديات الهجرة بكل شجاعة وصمود، باحثين عن قطرة أمان في بحر اللاجئين، هكذا تمتزج حكاياتهم بين الهم والأمل، بين البحث عن الحياة والانتماء، في رحلة لا تنتهي لاكتساب الحرية والكرامة في بقعة جديدة تناديهم بالوجود.

يقول البروفيسور الدكتور أيوب الحمادي (أستاذ الذكاء الاصطناعي في جامعة مجدبورج الألمانية): “يُرجع معظم الشباب اليمني إقبالهم الكبير على الهجرة بشتى الطرق الشرعية وغير الشرعية إلى تحسين الفرص الاقتصادية، والهروب من عدم الاستقرار والصراع السياسي، وبعضهم يهدف إلى السعي وراء تعليم أرقى، وهناك من يبحث عن وطن بديل بسبب فقد الأمل والإحباط المجتمعي، والقاسم المشترك بين الجميع هو العاملان الاقتصادي والأمني، ولذا فهناك استعداد نسبة من الشباب لا يستهان بها للمخاطرة بالسفر دون أوراق رسمية أو التهريب للوصول للغرب”.

ويرى الحمادي أنّ الشباب ينظرون إلى واقعهم فيجدون كل مؤشرات الفشل أمامهم داخل اليمن، وأكبر عقبة أمام تحقيق أحلامهم الشخصية واستمتاعهم بحياة أفضل، وهذا هو طرف المعادلة الأولى، أما الطرف الآخر، فهو نجاح الشباب في موطن الهجرة بعد الوصول إليها، ومدى أهمية السير وراء الخطة المرسومة، هنا تظهر المعاناة والجهد والتعب، فلا يقطف الشباب ثمار الاغتراب إلا إذا فهموا الموطن الجديد وأدواته.

من جهته أيضًا يشاركنا الحديث الصحفي أنور دهاق (مهاجر يمني ورئيس منظمة Youth of Peace) بالقول: “استنادًا إلى التجارب التي عاشها الشباب اليمنيون في بلاد المهجر، يمكن التعرف على اختلافات كبيرة في الأوضاع بناءً على الدولة التي يعيشون فيها، على سبيل المثال، الشباب الموجودون في الدول العربية قد لا يواجهون صعوبات في التواصل باللغة، لكنهم قد يجدون صعوبة في الحصول على فرص عمل مناسبة، أو دعم ماليّ كافٍ لتلبية احتياجاتهم الأساسية”.

 ويكمل: “في المقابل، الشباب الذين استقروا في بعض الدول الأوروبية غالبًا ما يحظون بدعم اجتماعي واقتصادي يساعدهم على الاندماج بشكل أفضل، هذا الدعم قد يشمل برامج تعليمية وتدريبية، وفرص عمل ملائمة، ودعمًا نفسيًّا لمساعدتهم على تجاوز التحديات التي قد تواجههم”.

 وبشأن هجرة الشباب اليمنيين -أيضًا- يقول مصطفى نصر (رئيس مركز الدراسات والإعلام الاقتصادي): “حقيقةً، هجرة الشباب تمثل استنزافًا لطاقات البلد وموارده، وعقول الشباب بشكل خاص، خاصة الذين يتمتعون بالمؤهلات أو بمستوى متوسط أو عالٍ من الكفاءة والمهنية ويغادرون اليمن، هذا الاستنزاف يشبه استنزاف رحيل رؤوس الأموال إلى الخارج نتيجة الصراعات”.

مضيفًا أنه على الرغم من وجود فوائد جزئية للهجرة، مثل تأهيل جزء كبير من هؤلاء الشباب الذين يغادرون إلى أوروبا، أو أمريكا أو كندا؛ إذ توفر هذه الدول فرصًا كبيرة للتأهيل وبناء القدرات، إلا أنّ الإشكالية تكمن في عدم عودة هذه الكفاءات والقدرات إلى اليمن. وحتى في حال استقرار الأوضاع، فإن نسبة العودة تكون ضئيلة، وفقًا للخبرات التاريخية.

وأشار إلى أنه على الرغم من وجود جوانب إيجابية في التحويلات المالية، فإنّ كل هذه الفوائد لا تقارن بمسألة فقدان اليمن لهذه الكفاءات في الخارج نتيجة لخروج الناس بشكل قسري، هذا يمثل خسارة كبيرة لليمن، ويعكس تحديات جسيمة تواجهها البلاد جراء هذا الاستنزاف الذي يؤثر سلبًا على تطورها ونموها.

الشاب حِمير الجعفري أحد اليمنيين الذين غادروا وطنهم تحت ظروف قاسية، ليحط رحاله في دولة الصين لمدّة مؤقتة، التي حقق فيها بعض أحلامه. فقد بدأ رحلته في عام 2013م عندما غادر اليمن متجهًا إلى الصين، بسبب الاضطرابات السياسية والاقتصادية والصراعات المستعرة في بلاده بحثًا عن الأمان وفرص التعليم.

لم تكن الحياة سهلة هناك، كل شيء مختلف؛ البيئة، واللغة، والثقافة، إلا أنه كان سريع البديهة في التعلم والتأقلم، ليثبت قدرته كشاب يمني يترك أثرًا جميلًا أينما حلَّ وارتحلَ، وبعد ذلك، انتقل إلى كندا في عام 2023م، بعد تحديات كثيرة وصعوبات جمّة، مثل صعوبة التكيف مع لغات جديدة واختلافات ثقافية، وقد استطاع التكيف وتعلم اللغتين الإنجليزية والصينية بشكل رائع.

أكمل دراساته العليا بتميز، فكان فعّالًا في خدمة المجتمع الذي يقطنه في غربته، ليركز على أهم المشاريع التنموية، لا سيّما التي تخص الطفل والمرأة، والعمل على تحسين مهاراتهم؛ كونهم العنصر الأهم في أي مجتمع.

فقد استمرّ في مسيرته التعليمية في الصين وحقق نجاحًا باهرًا؛ إذ عمل في مجال إدارة الأعمال وتبوأ منصبًا مرموقًا في إحدى الشركات العالمية المتخصصة ومقرها في هونج كونج، وبفعل التشجيع الكبير والتحفيز المثمر الذي حصل عليه هناك أصبح من الشخصيات المهمة والمُسهمة في التنمية الخدمية المجتمعية، في حين أنّ الشباب في موطننا اليمني لم يجدوا أية فرصة لإظهار قدراتهم وإمكانياتهم في خدمة المجتمع لأسباب كثيرة يفتقرها البلد.

أسس منظمة خيرية تهدف إلى تقديم الدعم التعليمي والاجتماعي للفئات المحرومة، وتوفير برامج تدريبية متعددة اللغات والتعليم الحاسوبي، بالإضافة إلى تقديم منح دراسية في الجامعات للفئات المحتاجة.

وقد كُرّم حمير بجائزة (روح هونج كونج الشبابية) لعام 2020م نظير جهوده البارزة، كما اختيرَ ضمن قائمة الشخصيات البارزة تحت سن 30 عامًا لعام 2019م، وعمل كمدافع نشط عن حقوق الإنسان، ونظّم محاضرات لزيادة الوعي بقضايا المساواة العرقية، وفي عام 2023م قرر الانتقال إلى كندا برفقة عائلته بحثًا عن الأمان والفرص الواعدة، كما يشغل منصبًا مهمًّا في منظمة مدنية ممولة حكوميًا في خدمة المهاجرين الجدد إلى كندا، مُسهمًا في خدمات إعادة التوطين والدعم الاجتماعي للمجتمع.

تمكين الشباب وأهم الفرص المتاحة

عن الخدمات المتاحة للشباب اليمنيين في بلاد المهجر لدعمهم في تحقيق أهدافهم الاقتصادية والاجتماعية، يؤكد الحمادي بالقول: “لا يوجد من يقدم لك شيئًا إلا إذا سعيت أنت بنفسك لذلك العالم، ولا توزع أوراق يانصيب، فإذا نجحت فهذا جهدك، وإذا فشلت فيعود عليك؛ لأنك لم تفهم الأرضية والأدوات، لذا يجب أن تحدد ما تريد، وأول خطوة إذا كنت في الغرب هي تعلم اللغة بشكل متقن؛ لأنّها مفتاح الأبواب لكل فرصة، وبعد اللغة ستجد فرصًا للتدريب والتأهيل، فلا تتردد، حتى وإن كان العائد المالي غير ملموس”.

ويكمل: “بناء ذاتك سيصنع لك فرصة حقيقية لتتقن شيئًا مهمًا وتبني مهنة ذات معنى، حتى إذا عاودت إلى وطنك، ستكون قد استثمرت وقتك في تطوير نفسك كرأس مال، أما إذا كنت تهاجر لكي تكون غنيًا وتحمل مالًا دون الأهداف المذكورة، فأنت كمن يطلب من السمك أن يتسلق الشجرة، يجب أن يكون هدف الهجرة إلى الغرب هو التمكين وبناء الذات، في حين أنّ المنطقة العربية قد لا تكون فرص التأهيل متاحة فيها، لذا قد تكون الأعمال الحرة خيارًا أفضل”.

وعن فرص تمكين الشباب المهاجرين، يوضح الحمادي أن هذه الفرص توفّر عن طريق المؤسسات الحكومية والبرامج المختلفة والشركات، التي تسعى لاختيار الأشخاص المناسبين للتأهيل الفني والمهني، براتب شهري يبلغ نحو 1100 يورو لمدة ثلاث سنوات، بعد هذه المُدّة، تتحسن الظروف المالية نظرًا لامتلاك الشاب مؤهلًا.

 مضيفًا: “أنه عن طريق ذلك يمكن للكثير تحويل حياتهم إلى الأفضل ببناء مشروعهم الخاص، سواء في مجال الكهرباء أو السباكة أو الميكانيكا أو غيرها، وهي حاليًا من المهن الفنية الرابحة، ويمكن للأجانب بعد ذلك أن يتألقوا في السوق بمفردهم، لكن دون إتقان اللغة، يبقى الأمر بلا معنى، ولن يتمكنوا من السيطرة على فرص العمل أو التقدّم في المهنة”.

فيما يرى دهاق أنّ الخدمات المتاحة للشباب اليمنيين في بلاد المهجر تتباين بشكل كبير اعتمادًا على الدولة التي يقيمون فيها؛ ففي الدول العربية يواجه الشباب المهاجرون تحديات كبيرة؛ إذ تفتقر هذه الدول إلى برامج متكاملة لدعمهم.

 مشيرًا إلى أنّ هناك بعض الدورات التدريبية التي تقدّمها منظمات دولية، مثل مشروع الهجرة الدولية التابع للأمم المتحدة؛ إذ تركز غالبًا على تقديم مهارات أساسية، لكنها لا توفر برامج شاملة لتحقيق اندماج كامل، أو دعمًا اقتصاديًّا قويًّا، حسب قوله.

ويواصل: “على النقيض، تتمتع الدول الأوروبية بوضع مختلف؛ إذ تقدّم مجموعة واسعة من الخدمات التي تهدف إلى دعم المهاجرين في تحقيق أهدافهم الاقتصادية والاجتماعية، تشمل هذه الخدمات تعليم اللغة المحلية، التي تعدُّ أساسيًا للاندماج الناجح، بالإضافة إلى برامج تدريبية تهدف إلى تأهيل الشباب لدخول سوق العمل”.

وذكر أنّ صديقًا له خريجًا في مجال تقنية المعلومات (IT) واجه صعوبة في إيجاد عمل بسبب حاجته لتعلم لغة البلد الجديد، وبعد تعلم اللغة، أُتيح له تدريب متخصص لمدة عام وثلاثة أشهر ساعده على تحديث مهاراته بما يتناسب مع التطورات في مجاله، وبفضل ذلك، حصل على وظيفة مستقرة ولم يعُد بحاجة إلى المساعدات الحكومية.

 مؤكدًا أيضًا أنّ هناك العديد من الجهات والمؤسسات في الدول الأوروبية التي تهتم بتمكين الشباب المهاجرين، بما في ذلك اليمنيون، بالتعليم والتدريب، هذه الجهات تركز على إدماج المهاجرين في المجتمع بدءًا بتعليم اللغة المحلية، ومِن ثَمّ تأهيلهم للدراسة الجامعية أو التدريب المهني.

وعن السياسات والبرامج التي تتبعها الحكومات لدعم الشباب اليمنيين في المهجر، ذكر الحمادي أنّ الفرص المالية والتحفيزية متاحة للجميع، إلّا أنّ هناك الكثيرين الذين لا يستفيدون منها بالشكل المطلوب، فقد تمضي السنوات ويبقى بعضهم بلا لغة ولا مهنة، ويعيشون حياة دون تقدُّم يُذكر، وكأنهم يدورون في دائرة مغلقة؛ إذ إنّ حياة الرفاهية المنشودة تبدأ بالتعلم والاكتساب، ومِن ثَمّ يمكن للفرد بهذه القاعدة بناء مستقبله.

ويرى -أيضًا- دهّاق أنّه بالنسبة للمنظمات غير الحكومية التي تعمل في المجتمعات المهاجرة، فإنّ عددها قليل وبرامجها تقتصر غالبًا على خدمات أساسية، مثل تعبئة الأوراق، أو ترجمة الرسائل الرسمية، وإنّ هذه الخدمات، رغم أهميتها، لا ترتقي إلى مستوى التمكين الذي يحتاجه الشباب لتحقيق أهدافهم المهنية والاقتصادية، بمعنى آخر، الدعم المتاح يظل في كثير من الأحيان غير كافٍ لمساعدة الشباب على بناء مستقبل مستدام، أو الاندماج بفاعلية في المجتمع الجديد.

وأكّد أنّ هناك حاجة ماسّة لبرامج أكثر شمولًا وتنوعًا تستهدف الشباب اليمنيين في المهجر، من حيث التعليم، والتدريب المهني، وتوفير فرص العمل، وليس فقط تقديم خدمات أساسية مؤقتة.

ولفت الحمادي إلى ضرورة أن تقدم المنظمات برامج تحفيزية وتعليمية شاملة، تساعد الشباب على اكتساب المهارات الضرورية للنجاح في بيئة جديدة، والتركيز على تقديم حلول جذرية تساعد الشباب على الاستقلالية والتطور المهني.

 تحديات عامة

يقول حمود الصباحي أحد المهاجرين في الدول الأوربية: “كثير من المهاجرين سواء من اليمن أو من دول أخرى، لم تكن هجرتهم مجرد قرار سياحي، بل كانت سعيًا للرزق وتلبية احتياجات من تركوهم في الوطن، وإن رحلاتهم مليئة بالألم والديون والالتزامات، فطبيعة الإنسان تدفعه نحو الأمن والطمأنينة، وعندما يفقدها يتحول إلى آلة هدم، لكن هؤلاء قرروا أن يكونوا قوة بناء”.

ويكمل: “لقد تركوا ساحات الصراع والكراهية والعنصرية، وتخلوا عن أموالهم وعقاراتهم وعلاقاتهم، مملوءة بالمشاعر والذكريات، وإن فئة المهاجرين واللاجئين ليست مجرد مجموعة، بل هي نخبة الشعوب وضمير الأمة التي تشتّتَ قواها”.

الصحفي علي الصباحي (مؤسس رابطة الاتحاد العام للمهاجرين) يرى أنّ كثيرًا من المهاجرين يعانون مشاكل كثيرة في جانب الإقامات في عدد كبير من الدول، وأنّ عددًا كبيرًا منهم يعانون من حالات نفسية؛ بسبب سلب حقوقهم والنصب عليهم، وهناك عشرات القضايا.

ولفت الصباحي إلى أنّ هناك تجاهلًا من قبل السفارات اليمنية للمواطن اليمني، وتوظيف أجانب بدلًا من إعطاء الأولوية لليمني، وكذلك المنح التي تقدّمها الدول عن طريق السفارات للأسف يُتلاعب بها وتُوزع بشكل غير منصف.

وذكر أيضًا أنّ هناك عددًا ليس بالقليل تعرضوا لحالات اختطاف من قبل مافيا التهريب، وبعضهم فقدَ حياته في الغابات والبحار والأنهار ولا أحد سأل عنهم.

‫شاهد أيضًا‬

الشباب في الهجرة؛ بين البحث عن فرص عمل ومواجهة التحديات

أحمد باجعيم – صوت الأمل الهجرة إلى الخارج أصبحت فعلًا واحدة من أبرز الظواهر بين الشب…