تأثير هجرة الشباب على واقع المرأة اليمنية وحياتها
أفراح بورجي – صوت الأمل
تتأثر المرأة اليمنية بشكل كبير نفسيًّا واجتماعيًّا وصحيًّا عند هجرة زوجها أو من يعولها خارج البلاد، خاصة في ظل الظروف الصعبة التي تعيشها البلاد؛ إذ تعيش المرأة مشاعر الوحدة والانتظار الطويل لعودة الزوج أو العائل، ما يخلق حالة من القلق والتوتر المستمر بشأن سلامته وظروفه في المهجر، وهذه التأثيرات تُظهر عدة جوانب سلبية وأخرى إيجابية، وتؤثر على حياتها بطرق مختلفة.
من جانب آخر هناك آثار إيجابية محتملة تتعزز لدى المرأة، وتتمثل في تنمية الاستقلالية لديها؛ إذ في بعض الحالات، قد تتحسن قدرة المرأة على إدارة شؤون الحياة بمفردها، مما يعزز شعورها بالاستقلالية، ويزيد من ثقتها بنفسها، كما تجد المرأة نفسها مضطرة لاتخاذ قرارات مهمة تتعلق بحياتها وحياة أسرتها، ما يمكن أن يعزّز من قدرتها على تحمُّل المسؤولية وتطوير مهارات جديدة.
نساء في محطات الفراق
تروي أسمهان يحيى، الأم اليمنية، قصة معاناة أسرتها جراء هجرة زوجها وابنها الأكبر بحثًا عن فرص عمل ودراسة أفضل، فرحيل عائلها ــــ كما تصف ــــ ترك فراغًا كبيرًا في حياتها وحياة أطفالها الصغار، وحولها إلى امرأة وحيدة تكافح العادات والتقاليد المجتمعية الصارمة في بلدها.
تقول أسمهان: “لم أتخيل أنّ غيابهم سيترك أثرًا بالغًا علينا، فجأة، وجدت نفسي أتحمل مسؤوليات الرجل والمرأة معًا، أذهب إلى المستشفى وحدي، وأتسوق لأدوات المنزل، وكل ذلك في مجتمع يمنع خروج المرأة بمفردها”.
وتضيف بمرارة قائلة: “كنّا عائلة متماسكة، لكن الهجرة شتتنا، وأصبحنا حديث الناس، والألقاب تلاحقنا، مثل: (العائلة التي لا تملك رجلًا)، كلُّ هذا بسبب ظروف اقتصادية قاسية أجبرت زوجي وابني على المغادرة لتحقيق أحلامهم”.
تتساءل أسمهان: “هل كان عليّ أن أختار بين استقرار أسرتي وبين تحقيق أحلام أبنائي؟”. وتؤكد أنّها تشعر بالأسى الشديد؛ لأنهم تركوها تواجه هذه التحديات بمفردها.
قصص واقعية
كانت الأسرة تعيش حياة هادئة ومستقرة في اليمن، الأب والأم يعملان في مؤسسة حكومية، والأطفال يلعبون في شوارع الحي، ولكن مع اندلاع الصراع، تغير كل شيء، فقدَ الأبُ عمله، وتراكمت الديون، وازدادت المعاناة يومًا بعد يوم؛ الأطفال الذين اعتادوا على اللعب والمرح، أصبحوا يعانون من آثار الصراع النفسية، وشهدوا مشاهد مروعة لا تنسى.
بعد تفكير طويل، قرر الأب اتخاذ قرار صعب، وهو الهجرة إلى بلد آخر بحثًا عن حياة أفضل لأسرته، كان الهدف هو الهروب من جحيم الصراع، وتوفير حياة كريمة لأطفاله. ولكن الهجرة لم تكن سهلة، فقد واجهوا العديد من الصعوبات والتحديات في بلد جديد؛ إذ اللغة والعادات والتقاليد مختلفة.
في البداية، قرر الأب الهجرة إلى المملكة العربية السعودية، التي كانت وجهته الأولى بحثًا عن فرص عمل أفضل، وقضى عامين هناك يعمل أعمالًا حرّة، وبذلَ جهدًا كبيرًا؛ بهدف جمع المال الكافي لإدخال أطفاله إلى السعودية والعيش معهم. لكن، كما صرّح الأب، حدثت تغييرات في القوانين المتعلقة بالعمالة الأجنبية في السعودية؛ إذ رُفعت رسوم الإقامات على الأجانب، ممّا جعل الأمور أصعب بكثير على العائلات الوافدة.
نتيجة لهذا التغيير، أدرك الأب أنّ إدخال أطفاله للعيش في السعودية لم يعد خيارًا ملائمًا من الناحية المالية أو العملية. وبالتالي، قرر أن يغير مسار هجرته والتوجه إلى دولة أخرى، على أمل العثور على فرص أفضل تتيح له توفير حياة كريمة لأسرته في مكان أقل تكلفة وأكثر استقرارًا.
وجهة ثانية.. فرحة لم تكتمل
بعد مدّة من العمل في السعودية، قرر الأب الهجرة إلى مصر، وتمكنت العائلة من الالتحاق به أخيرًا، وأصبحت الأسرة مكتملة مجددًا، وبدأت الحياة تتيسر بعد أن اجتمع الأب بأطفاله وزوجته، وأصبح الوضع أكثر استقرارًا، وابنتهم الكبرى بدأت دراستها الجامعية، في حين أكمل الأطفال تعليمهم الابتدائي وبدأوا مرحلة التعليم الإعدادي. ومع هذا، بدأت مصاريف الأسرة في الارتفاع بشكل ملحوظ بسبب تكاليف التعليم والنفقات الأخرى، وأيضًا تحولت فرحة اللقاء إلى ضغوطات في الحياة؛ بسبب رفع سعر الاقامات في مصر حاليًا للأجانب (اليمني المقيم).
تحدثت الابنة الكبرى عن المعاناة المالية التي تواجهها العائلة، وخاصة في ظل الظروف الاقتصادية المتدهورة، وارتفاع الرسوم المختلفة. كما أشارت إلى أن رسوم الإقامات وزيادة الرسوم الجامعية قد أثّرت بشكل كبير على حياة الأسرة، وعلى سبيل المثال، كانت ورقة إثبات كونها طالبة في الجامعة ملزمة لتجديد الإقامة بمبلغ 200 جنيه، لكن الآن أصبحت الجامعة تطالبها بدفع 50 دولارًا. وأيضًا، أصبح من الضروري دفع 100 دولار للحصول على بطاقة دخول الجامعة، وهو ما لم يكن يتوقعه أحد.
كل هذه القرارات والتكاليف الجديدة أثقلت كاهل الأسرة، وجعلت الابنة الكبرى تشعر بثقل الهموم على قلبها؛ لأنها كانت تحلم بتكملة دراستها وتحقيق أهدافها الأكاديمية، لكنها الآن تواجه تحديات مالية قد تعوق تحقيق تلك الأحلام.
وأضافت أنّ رسوم الإقامات أيضًا قد شهدت زيادة كبيرة؛ إذ كانت 70 دولارًا في السابق، لكنها ارتفعت الآن إلى 150 دولارًا حتى على الأطفال وكبار السن، الذين هم معفون من رسوم الإقامة سابقًا، كما أعربت عن استيائها من أنّ القرار الذي يفرض الإقامات على هؤلاء الأشخاص كان من المفترض أن يُطبق فقط بعد صدور القرار، وليس بأثر رجعي؛ إذ فُرضت غرامات على الأيام التي كانوا فيها معفين، وهو ما سبب عبئًا إضافيًا على العائلات التي كانت تعيش في مصر لمدة طويلة دون هذه التكاليف.
التأثيرات الاجتماعية
الأكاديمية المتخصصة بعلم الاجتماع رغد السامر تشير إلى أن الهجرة تؤدي إلى زيادة الأعباء المنزلية على المرأة اليمنية؛ إذ تصبح مسؤولة عن إدارة المنزل ورعاية الأبناء بمفردها في غياب الرجل، هذا العبء الإضافي ينعكس بشكل مباشر على حياتها الاجتماعية والمهنية، ويؤثر على فرص عملها وإسهامها في الحياة العامة.
وأضافت: “أنّ هجرة الشباب قد تؤدي إلى تغير الأدوار الاجتماعية للمرأة؛ إذ تضطر إلى تولي أدوار كانت تقليديًا حصرية للرجل، مثل تحمل المسؤولية المالية للأسرة، أو اتخاذ قرارات مصيرية كانت تعتمد على وجود الزوج أو العائل، وأنّ هذا التغير يحمل تأثيرًا سلبيًّا على نفسية المرأة بشكل عام، لأنّ هذه الأدوار الجديدة قد تتجاوز طبيعتها التقليدية وقدرتها العاطفية والذهنية”.
وأشارت الأكاديمية إلى أنّ هجرة الشباب قد تدفع بعض الأسر إلى تزويج بناتهنّ في سنٍّ مبكرة، وذلك كإجراء وقائي خوفًا من المشاكل الاجتماعية التي قد تواجهها المرأة في حالة كونها أرملة أو مطلقة.
كما أوضحت أن غياب الحماية التي يوفرها الرجل قد يؤدي في بعض الحالات إلى تعرض المرأة للعنف الأسري أو المجتمعي، وفي ظل غياب الزوج أو الأخ أو المعيل، تصبح المرأة أكثر عرضة للاستغلال أو سوء المعاملة، سواء من داخل الأسرة أو من المجتمع المحيط، وهذا العنف قد يكون نفسيًا أو جسديًا.
التأثيرات النفسية
توضح المختصة النفسية وفاء صالح أنّ التأثيرات النفسية الناتجة عن هجرة الشباب تظهر بشكل تدريجي مع مرور الوقت، في البداية، قد لا يكون الأثر النفسي واضحًا، لكن مع طول مدة الهجرة وغياب الرجل لمدّة طويلة، سواء كان الابن أو الزوج أو الأب، يبدأ التأثير النفسي في الظهور بشكل أكثر وضوحًا.
وتبيّن أنّ المرأة تجد نفسها مضطرة لأخذ دور الرجل داخل البيت، وفي التعامل مع المشكلات الأسرية، وهذه المسؤوليات الجديدة تدفعها إلى الانسحاب تدريجيًّا من دورها الأساسي كأُم، أو زوجة، أو أخت؛ إذ تبدأ في التحول نحو معترك الحياة بمسؤوليات جديدة لم تكن معتادة عليها.
وتتابع وفاء صالح: “أنّ المرأة، مهما بلغت قوتها، لا تستطيع أن تلعب دور الرجل بكفاءة تامة، وقد تظهر قوية في مواجهة تحديات الحياة، لكنها تخسر نفسها من الداخل وتتصدع حقوقها؛ إذ تتعرض لضغوط نفسية تؤثر على صحتها الجسدية والعاطفية”.
وتذكر صالح في قولها: “لبدنك عليك حق”، مشيرة إلى أن تحمل الأعباء الزائدة دون مراعاة الصحة النفسية والجسدية للمرأة قد يؤدي إلى تصدع حقوقها الذاتية والإجهاد المستمر.
وتبين أن المشكلة تتفاقم بشكل خاص عندما يكون في الأسرة أبناء مراهقون، فغياب الأب في هذه المرحلة الحرجة يشكل خللًا في بنية الأسرة؛ لأنّ المراهقين يحتاجون إلى متابعة مستمرة واحتواء عاطفي، فالمراهقة هي المرحلة التي يبدأ فيها المراهق التخلي عن الطفولة والدخول في مرحلة الشباب، وهي مدّة تتميز بتقلبات مزاجية شديدة، وجود الأب يكون مهمًّا لتوفير التوجيه والدعم، والتعامل مع التحديات النفسية والاجتماعية التي يواجهها المراهقون، دون هذا الدعم، قد تجد المرأة صعوبة في التعامل مع هذه المتغيرات، مما يزيد الضغط على الأسرة ككل.
وأشارت المختصة وفاء إلى أنّ عودة الرجل إلى المنزل بعد مدّة طويلة من الهجرة تخلق فجوة داخل الأسرة الذين اعتادوا على نمط حياة معين في غيابه، ومع عودته، يحدث تغيير في نظام البيت، وتبدأ المشاكل في الظهور، والعديد من الأشخاص الذين سُئِلُوا عن مشاعرهم أكدوا أنهم شعروا أحيانًا بالرغبة في عدم عودة الأب؛ لأنّ الوضع يزداد تعقيدًا عند عودته.
اختتمت وفاء حديثها والغصة ظاهرة في ملامحها بقولها: “الغربة هي بلاء لكل أسرة”؛ إذ إنّها تسبب اختلالًا في النظام الأسري وتوزيع الأدوار، ورغم أنّ الرجل قد يحقق نجاحًا اقتصاديًّا من الهجرة، فإنه يدفع ثمنًا نفسيًّا كبيرًا له ولأسرته.
هجرة النساء، لأجل الحرية
تقول المهندسة صفاء الشرعبي: “إنّ هجرة النساء من اليمن جاءت نتيجة لعدة أسباب وعوامل رئيسية، مثل الصراع الذي يعدُّ السبب الأول والرئيسي لهجرة كثير منهن؛ إذ أصبحت الهجرة طلبًا للأمان من آثار الصراع الدائر في البلاد، بالإضافة إلى ذلك، أدّى تدهور الوضع الاقتصادي إلى دفع النساء للبحث عن فرص عمل خارج اليمن، بعد أن أصبحت الحياة في الداخل صعبة للغاية”.
وأشارت إلى أنّ البحث عن العلم كان من دوافع الهجرة أيضًا، خاصةً في ظل الظروف التعليمية المتردية في اليمن؛ إذ لم تعد هناك فرص كافية لمواصلة الدراسة، مما دفع العديد من النساء للسفر طلبًا للتعليم، كما أنّ بعض النساء يهاجرنَ من أجل الحصول على اللجوء، في ظل تزايد فرص فتح باب اللجوء في دول عدة. إلى جانب ذلك، فإنّ النساء المهاجرات يبحثنَ عن حرية أكبر في ممارسة الأنشطة الحقوقية، خاصة في المناطق المتأثرة بالصراعات؛ إذ يصبح من الصعب العمل والتعبير عن الآراء بحرّية.
اختتمت الشرعبي حديثها بقولها: “الأزمات والصراعات والاضطهادات التي تتعرض لها المرأة وغيرها من الأسباب كلها دفعت المرأة إلى الرحيل بحثًا عن الأمان والحرية والاستقلالية”.
بشكل عام، إنّ هجرة الشباب اليمني أثرت بشكل كبير على حياة المرأة اليمنية، مما جعلها تواجه تحديات جديدة، سواء كانت اقتصادية أو اجتماعية أو نفسية، ولكن عن طريق التعاون المجتمعي والدعم الحكومي وتطوير البرامج الاجتماعية، يمكن تخفيف آثار هذه الهجرة وتحقيق استقرار أكبر للنساء وأسرهنّ.
الشباب في الهجرة؛ بين البحث عن فرص عمل ومواجهة التحديات
أحمد باجعيم – صوت الأمل الهجرة إلى الخارج أصبحت فعلًا واحدة من أبرز الظواهر بين الشب…