تأثير المنظمات الدولية والمحلية في فهم تحديات هجرة الشباب اليمني
هبة محمد – صوت الأمل
إنّ هجرة الشباب اليمني أصبحت قضية محورية تواجه المجتمع بشكل عام؛ إذ تتشابك فيها الأبعاد الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، وهذه الهجرة لا تنعكس فقط على مستقبل الأفراد، بل تطال تأثيراتها المجتمع بأسره، مما يزيد من تحديات إعادة بناء الدولة وتحقيق الاستقرار، ومن هذا السياق، تبرز أهمية تدخل المنظمات المحلية والدولية كشريك حيوي في وضع حلول مستدامة تحدّ من الأسباب الجذرية للهجرة التي تؤثر على المجتمع.
وفي ظل التحديات العديدة التي يواجهها الشباب اليمني في هذه المرحلة، والتي تدفعهم نحو البحث عن حياة أفضل خارج حدود بلادهم، تأخذ قضية هجرة الشباب اليمني أبعادًا اجتماعية وإنسانية مهمّة، وتتداخل معاناة الشباب اليمنيين المهاجرين مع جهود المنظمات الدولية التي تسعى جاهدة لتقديم الدعم والمساعدة في هذا السياق الصعب.
تقول الدكتورة نادية السقاف (وزيرة الإعلام السابقة، باحثة في الشؤون السياسية والعمليات الديمقراطية في الشرق الأوسط): إنّ للمنظمات المحلية والدولية دورًا كبيرًا في تسليط الضوء على قضية هجرة الشباب اليمني خاصة في هذه المرحلة، وذلك عبر نشر التقارير والأبحاث التي توضح حجم هذه الهجرة وتأثيرها”. مشيرة إلى أنه ما يزال هناك نقص في التركيز المستمر على هذه القضية مقارنة بقضايا أخرى، مثل الإغاثة الإنسانية.
وتكمل: “يتطلب الأمر تفعيل دور العديد من المنظمات في خلق منصات حوارية وبرامج توعوية تسلط الضوء على هذا الموضوع، وتقديم حلول مبتكرة للتحديات التي يواجهها الشباب، فالشباب اليمني يواجه العديد من التحديات التي تؤثر على حياتهم”.
فيما يرى مصطفى نصر (رئيس مركز الدراسات والإعلام الاقتصادي) أنّ دور المنظمات الدولية عادةً محدودٌ في المرحلة الأولى؛ إذ يتمثل بتوفير اللجوء والإقامة، في حين تقدّم الدول فرص التعليم للشباب المهاجر بشكل أساسي، ويكون التعليم مجانًا في كثير من الدول الأوربية، وبرامج الدول الأجنبية تلعب دورًا أكبر في توجيه الشباب المهاجر نحو التعليم والفرص الأخرى، وتكون هذه الفرص متاحة ومدعومة.
ويكمل حديثه: “بالمقابل، تبرز المشاكل في بعض الأنظمة؛ إذ تعمل على توجيه الشباب المهاجر نحو مجالات محددة دون تحقيق النجاح الكامل في الوسط الاقتصادي، وأنّ دور المنظمات قد يكون ثانويًّا في الدول التي تتمتع بمؤسسات قوية ومنظمة؛ إذ قد لا تكون هناك حاجة كبيرة للدعم الخارجي”.
من جهته أيضًا أشار الدكتور رزق الجابري أستاذ جغرافية السكان جامعة حضرموت إلى أن الجهود الدولية غير الحكومية لتمكين الشباب اليمني المهاجر مهمة لأن الظروف التي يعيشها الوطن من صراعات وانتهاكات للحقوق تسبب في حدوث مشاكل نفسية واجتماعية، وهذا يتطلب تدخلات من المنظمات الدولية غير الحكومية في بلاد الاستضافة.
ولفت إلى أنّ الواقع قد لا يساعد على تدخل المنظمات بشكل كبير؛ لأنّ قوانين بعض البلدان وأنظمتها تحدُّ من التدخل المطلق للمنظمات الدولية، وهذا يمسُّ بالسيادة الوطنية خصوصًا إذا ما استغلت بعض المنظمات الدولية المسيسة هذه الظروف.
وأكّد أنّ المنظمات التي تعمل على تمكين الشباب، رغم محدودية نطاقها، توفّر منصات للتعبير عن آرائهم والمشاركة في صنع القرار، وأنّ إشراك الشباب في خطط السلام في اليمن يعدُّ خطوة مهمة ومحورية؛ لأنّ الشباب هم القوة الدافعة للتغيير، ولديهم القدرة على لعب دور حاسم في صناعة السلام والتنمية المستقبلية، ورغم ذلك هناك بعض المنظمات قد عملت على تمكين الشباب، ولكن بصورة محدودة، بإشراك الشباب ضمن خطة السلام في البلاد، وتعدُّ هذه الخطوة مهمة ومؤثرة؛ إذ إنّ الشباب يعدون أدوات مؤثرة لصناعة السلام، ولا بُدَّ أن تكون هذه الجهود شاملة وأكثر تنسيقًا مع الجهات المعنية كافة؛ لضمان توفير الفرص الكافية للشباب في بناء قدراتهم ومهاراتهم، مما يمكّنهم من لعب أدوار قيادية في بناء مجتمع مستدام.
الكاتبة ميسون الشجاع أشارت إلى أنّ هناك عددًا من المنظمات المحلية والجمعيات في بلاد المهجر ساعدت المهاجرين اليمنيين، منها منظمة (مبادرة)، التي نشأت في مدّة أزمة فيروس كورونا، وتُقدّم خدمات متعددة للاجئين اليمنيين، تتضمن هذه الخدمات: التدريب لتحصيل فرص عمل، والدعم النفسي والاجتماعي على نحو مماثل، وقد قامت دار أروقة للنشر اليمنية، التي أسست في القاهرة عام 2010م، بتوسيع نطاق نشاطاتها ومنتجاتها، مع تركيز متزايد على اليمن، مستفيدة من زيادة حضور الكتاب والمثقفين اليمنيين في مصر.
في سياق مشابه، تأسست (مؤسسة سبأ للثقافة والفنون) في مصر بعد اندلاع الصراع؛ إذ أنشأت مكتبة خاصة بالكتب اليمنية منذ عام 2015م، مع التركيز على دعم الفنانين والحرفيين اليمنيين المستقرين في مصر، هذه الأمور تكشف عن قلة المنظمات اليمنية في المجتمع ونطاق نشاطها المحدود بسبب القيود في البيئة المصرية.
وأوضحت الكاتبة ميسون في دراستها (ديناميات تعبئة الشتات) أنّ منظمة (مبادرة) تعمل دون تصريح رسمي بسبب تكاليف التسجيل المرتفعة، لكنها تنفذ أنشطتها تحت مظلة منظمة (أحلام) السودانية أو المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، وهذه الإستراتيجية تُستخدم بشكل واسع من قبل الجمعيات اليمنية نظرًا لصعوبة الحصول على تصاريح للنشاطات المدنية.
وحسب تلك الدراسة أيضًا تأسست جمعيتان يمنيتان ذات أهمية كبيرة منذ عام 2015م؛ الأولى (جمعية الجالية اليمنية) التي تنظم اجتماعات توفر عن طريقها خدمات اجتماعية للمقيمين اليمنيين، أما الثانية فجمعية (اتحاد الطلاب اليمنيين) التي تتخذ من إسطنبول مقرًا لها، وتمتلك ثمانية فروع في مدن متنوعة، وقد تأسست هذه الجمعية بعد اندلاع الصراع والزيادة الكبيرة في عدد الطلاب اليمنيين، وتلعب دورًا فعّالًا في تنظيم الفعاليات الثقافية والاجتماعية وتقديم الخدمات للطلاب اليمنيين.
تقارير وإحصائيات
تقول السقاف: “إنّ هناك بعض التقارير التي أعدتها منظمات دولية ومحلية، مثل تقارير الهجرة الصادرة عن منظمة الهجرة الدولية (IOM)، ومفوضية اللاجئين (UNHCR)، وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي (UNDP) بشأن هجرة الشباب، لكن لا تزال الحاجة قائمة لزيادة عدد البرامج التي تركز بشكل مباشر على هذه الظاهرة، خاصة تلك التي تربط بين الهجرة والتنمية الاقتصادية والاجتماعية، والأنشطة التي تعزز الوعي بفرص العمل والتمكين الاقتصادي للشباب داخل اليمن، والتي يمكن أن تكون مهمة جدًّا للحدّ من الهجرة”.
وحسب المفوضية السامية لشؤون اللاجئين – جيبوتي في يناير 2019م هاجر ما يقرب من 11153 يمنيًّا، بين عامي 2015 و2019م، نتيجة الأزمة الاقتصادية والاجتماعية التي سببتها النزاعات، أكثرهم غير قادر على الحصول على وثائق السفر، إنما سافروا بحرًا، بطرق غير قانوني على الأرجح، باتجاه جمهورية جيبوتي الواقعة على بعد 30 كيلومتر من الساحل اليمني.
من جهتها أيضًا تؤكد المنظمة الدولية للهجرة على التزامها تجاه المهاجرين والحكومات والمجتمعات المستضيفة في الخليج، وتقدّم المنطقة إستراتيجية ونهجًا سريع الاستجابة يقوم على الحقوق ويركز على الإنسان.
وحسب ما نشره موقع المنظمة الدولية للهجرة عن إستراتيجية المنظمة في دول الخليج للعام 2021- 2024م أكد حسن مصطفى عبد المنعم (المستشار الخاص للمدير العام لمنطقة الخليج)، أنّ إستراتيجية المنظمة الدولية للهجرة تعكس التزامها الدائم بالتعاون والعمل الشامل في دول الخليج، وتسلط الضوء على أهمية قضايا الهجرة في تلك البلدان.
ولفت إلى أنّ المنظمة منذ عقود، تعمل على توسيع حضورها في هذه المنطقة الحيوية، وتحدد هذه الإستراتيجية رؤية المنظمة في التعاون مع الشركاء لدراسة أنظمة الهجرة الحالية وتقييمها، ووضع منهجيات عمل تركز على الجوانب الإنسانية ومواجهة التحديات المرتبطة بالهجرة، محولة إياها إلى فرص جديدة.
الهجرة الدولية
بحسب بوابة بيانات الهجرة وإدارة الشؤون الاقتصادية والاجتماعية للأمم المتحدة في عام 2020م، بلغ عدد المهاجرين الدوليين الذين يعيشون في دول الخليج، أكثر من ثلاثين مليون مهاجر هذه الدول تشمل البحرين، السعودية، الكويت، قطر، وعمان، والإمارات.
وفي تقرير حديث للمنظمة الدولية للهجرة الصادر في 7 مايو 2024م، أكد ارتفاع التحويلات المالية الدولية بنسبة 650% من 128 مليار دولار أمريكي عام 2000م، إلى 831 مليار دولار أمريكي عام 2022م.
وأوضح التقرير أنّ لتدفقات التحويلات المالية للمهاجرين دورًا أكبر من الاستثمار الأجنبي في تعزيز إجمالي الناتج المحلي للدول النامية، وأنّه مع وجود ما يقدر بنحو 281 مليون مهاجر دولي في جميع أنحاء العالم، ارتفع عدد الأفراد النازحين بسبب الصراعات إلى رقم قياسي بحلول نهاية عام 2022م ليصبح 117 مليون نازح ونازحة، مما يؤكد الحاجة الملحة لمعالجة أزمات النزوح.
تحديات الهجرة غير الشرعية
الهجرة غير الشرعية للشباب اليمنيين تشكل تحدّيًا كبيرًا نظرًا للظروف الصعبة التي يوجهونها في بلدهم؛ إذ يبحث العديد من الشباب اليمنيين عن فرص أفضل للعيش والعمل خارج اليمن، ويختار بعضهم اللجوء إلى الهجرة غير الشرعية كوسيلة أسهل لتحقيق ذلك.
هنا تلعب المنظمات الدولية دورًا مهمًا في معالجة قضايا الهجرة غير الشرعية للشباب اليمني، عبر توفير المأكل والملبس والمسكن، وكذلك خدمات التعليم والتدريب المهني لزيادة فرص العمل وتحسين ظروف الحياة لهم.
وأوضح نصر أنه بالرغم من عدم توفّر البيانات والإحصاءات الدقيقة والموثوقة بشأن عدد اليمنيين الذين هاجروا إلى خارج البلاد بطرق شرعية أو غير شرعية في مدّة الصراع، فإنّ أخبار وفيات اليمنيين أثناء رحلات الهجرة تأتي بانتظام، ويبدو أنّ الأغلبية منها تحدث عند الحدود بين روسيا وبولندا.
قصص معاناة المهاجرين
في عمق اليمن، وسط مأساة الفقر وظلم البطالة، عاش الشاب اليمني عمر الأحمدي البالغ من العمر 30عامًا، محاطًا باليأس والفقر، وكانت حياته مليئة بالتحديات والمخاطر، ولكنه رفض الاستسلام لظروفه القاسية.
لم يجد سبيلًا سوى الخروج من محافظة إب والسعي نحو بلاد جديدة، بحثًا عن فرصة لحياة أفضل قد تمحو آثار البؤس، بعد أن باع هو وأسرته كل ما يملك، شرع عمر في رحلة خطيرة عبر القارات، مرورًا بعقبات الهجرة غير الشرعية والمخاطر الجسيمة التي تنتظره في طريقه نحو الأمل.
من مطار سيئون في حضرموت، انطلق عمر في رحلة شاقة عبر مصر وتركيا وروسيا البيضاء، بحثًا عن مقصده الأخير في هولندا؛ إذ تتجلى فرصة جديدة تنتظره لبناء حياة جديدة بعيدًا عن ألم الصراعات وجحيم البطالة.
وبعد تفكير دام ثلاثة أعوام، استقر عمر على فكرة الهجرة واستعان أخيرًا بسماسرة التهريب، الذين وصفهم بأنهم لا يهتمون بقيم الحياة الإنسانية بل بالأموال التي يحققونها، دون مبالاة تجاه معاناة الناس، بمبلغ يفوق ثمانية آلاف دولار.
وقال: “في رحلتي الشاقة نحو الهجرة التي استمرت لأكثر من ستة أشهر، تخللتها رحلات جوية وبرية مضنية، ومسيرات طويلة على الأقدام في أيام شاقة، كانت مليئة بالمخاطر والتحديات كادت تكون نهايتي، كما كانت نهاية العديد من رفقائي الذين فقدوا أرواحهم في هذا الطريق المليء بالمخاطر والمجهول على حدود بولندا وروسيا”.
في أراضي روسيا البيضاء، قام الشاب بدفع مبلغ إضافي يبلغ300 دولار، ومع ذلك، تعرض لحالة احتيال؛ إذ لم يُنقل مع رفاقه المهربين إلى الجهة الأخرى من الحدود البولندية كما وعدوه، لذا اضطرَّ إلى دفع مبلغ مماثل مرة أخرى لضمان نقله بأمان إلى المناطق الأكثر أمانًا عند الحدود.
شهر من الانتظار، فقد عمر ثلاثة من رفاقه في المناطق الأكثر خطورة على الحدود مع بولندا؛ إذ قطعوا المسافة سيرًا على الأقدام في أنهار متجمدة وغابات مظلمة، وتعرضوا إلى ملاحقات من قبل شرطة الحدود الهولندية.
ويشير عزيز عبد الجبار أحد الشباب المهاجرين إلى الصين أنّ التحديات التي يواجهها المهاجرون في البلاد الجديدة هامشية مقارنة بالمعاناة التي يتحملها الفرد اليمني داخل حدود اليمن؛ إذ يكافح مع الفقر والخوف والصراع ونقص الفرص وتكلفة المعيشة المرتفعة، وبسبب هذا، تزداد نسبة الشباب المهاجرين بشكل كبير، فضلًا عن العائلات اليمنية التي تعبر الحدود بحثًا عن حياة أفضل خارج حدود بلادها.
ويشدد على ضرورة أن تسعى المنظمات المحلية والدولية إلى تعزيز التوعية بشأن مخاطر الهجرة غير الشرعية، والبحث عن حلول أخرى قانونية وآمنة للشباب اليمنيين، وتعمل على تعزيز التعاون الدولي وتبادل المعلومات للحدّ من هذه الظاهرة، وضمان سلامة الشباب الذين يختارون الهجرة بحثًا عن حياة أفضل.
الشباب في الهجرة؛ بين البحث عن فرص عمل ومواجهة التحديات
أحمد باجعيم – صوت الأمل الهجرة إلى الخارج أصبحت فعلًا واحدة من أبرز الظواهر بين الشب…