‫الرئيسية‬ الأعداد السابقة هجرة الشباب اليمني بين الطموح والتمسك.. فكرة الهجرة في عيون الشباب اليمني

بين الطموح والتمسك.. فكرة الهجرة في عيون الشباب اليمني

علياء محمدصوت الأمل

في ظل الأوضاع المتردية التي يعيشها اليمن جراء تدهور الأوضاع الاقتصادية والأمنية الصعبة، تُعدُّ ظاهرة الهجرة، وخاصة هجرة الشباب اليمني، من القضايا الملحة التي تواجه الشباب اليمني اليوم، وباتت من المواضيع المهمة التي تشغل أذهان كثير من الشباب وتفكيرهم، وما بين من يسعى لتحقيق حلمه في حياة أفضل، يفضل آخرون البقاء في بلدانهم والعمل على تحسين الظروف.

ومن الواضح أنّ آراء الشباب تتباين بين من يرى الهجرة كفرصة للهروب من واقع صعب، وبين من يعتقد أنّ الحل يكمن في البقاء والعمل على تحسين الوضع، وفي النهاية، ما يجمعهم هو الأمل في تحقيق مستقبل أفضل، سواء أكان ذلك في الداخل أم الخارج.

عوامل اجتماعية واقتصادية

يشهد اليمن ارتفاعًا كبيرًا في معدلات البطالة، إلى جانب انهيار الخدمات الأساسية كالتعليم، والرعاية الصحية، والأمن، هذه الأوضاع تسببت في تفاقم معاناة المجتمع؛ إذ بات الحصول على الوظائف وسبل العيش المستقرة أمرًا صعبًا للغاية خاصة للشباب، وفي ظل هذه التحديات، أصبح الخيار المتاح لكثير من الشباب اليمني هو الهجرة بحثًا عن فرص عمل تتيح لهم كسب أجور أعلى، وتحقيق مستوى معيشي أفضل.

 ويرى الشاب (أنور علي غالب) أنّ قضية هجرة الشباب اليمني قضية معقّدة، تتأثر بالعديد من العوامل الاجتماعية والاقتصادية والسياسية.

ويقول: “الحياة الكريمة تتطلب مجموعة من المعايير الاجتماعية والاقتصادية، مثل الاستقرار الأمني، ووجود الخدمات الأساسية من تعليم، وصحة، وفرص عمل؛ إذ إنّه في ظل الأوضاع التي تمرّ بها اليمن أصبحت الحياة صعبة لدى كثير من أفراد المجتمع، بسبب الضغط الاقتصادي الذي يوجهونه من ارتفاع في تكاليف المعيشة وانخفاض الرواتب”.

كما أشار إلى أنّ الهجرة أصبحت خيارًا يبدو أكثر واقعية وأقل مخاطرة للشباب اليمني، وذلك في ظل انتشار البطالة وغياب فرص العمل محلّيًّا؛ إذ يجد كثير من الشباب أنفسهم مضطرين للبحث عن حياة أفضل في دول أخرى، توفر لهم فرص عمل تمكنهم من تحسين أوضاعهم المعيشية، وتخفيف عبء الفقر الذي يرزح تحته الكثيرون.

توافقه الرأي (خولة الصالح) إعلامية وناشطة؛ إذ تقول: “الأحداث التي عصفت باليمن وتداعيات الصراع التي طالت العديد من القطاعات الحيوية أثّرت بشكل كبير على حياة الشباب ومستقبلهم في مختلف المجالات، وأصبح الشاب عاجزًا على تحقيق طموحاته وأحلامه من استقرار وظيفي واجتماعي، نتيجة تداعيات الصراعات التي خلفت تدهورًا في الأوضاع الاقتصادية، وغياب الدولة في توفير الخدمات الأساسية لمواطنيها”.

مضيفة: “تشهد اليمن ارتفاعًا هائلًا في نسبة البطالة، وانعدام فرص التوظيف، وتدهور الخدمات الأساسية، بالإضافة إلى غياب الكوادر الطبية، وضعف الخدمات المطلوبة في المرافق الصحية والتعليمية بشكل كبير، وغياب الأمن وحرية الرأي، الأمر الذي دفع كثيرًا من الشباب إلى الهجرة بحثًا عن فرص عمل أفضل وأجور أعلى تضمن لهم حياة كريمة”.

الدور الإيجابي للهجرة

كما أشارت الصالح بوضوح إلى الدور الإيجابي الذي لعبته الهجرة في دعم الاقتصاد المحلي اليمني؛ إذ يعدُّ المغتربون والمهاجرون المصدر الأساسي لإدخال العملة الصعبة إلى البلاد عن طريق الحوالات المالية التي يرسلونها إلى أسرهم، وهذه الحوالات تشكل شريان حياة للعديد من الأسر التي تعتمد عليها لتلبية احتياجاتها اليومية، خاصة في ظل انهيار الاقتصاد المحلي وتدهور قيمة العملة الوطنية.

وأوضحت أنّ الرغبة في الحصول على فرص تعليمية أفضل وتطوير مهاراتهم المهنية تعدُّ دافعًا رئيسيًا يدفع كثيرًا من الشباب، بما فيهم هي وأصدقاؤها، إلى اتخاذ قرار الهجرة، والبحث عن بيئة توفر لهم التعليم والفرص الوظيفية التي تفتقر إليها اليمن في الوقت الحالي.

هذا ما أكد عليه محمد العريفي؛ إذ يقول: “يعاني الشباب اليمني من واقع محبط للغاية، ويؤسفني القول إنّ بلادنا أصبحت غير قابلة للعيش، نتيجة تردّي الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والأمنية، الأمر الذي أدّى إلى زيادة في نسبة الهجرة لدى الشباب في الآونة الأخيرة”.

 وفي سياق متصل، ترى هدى الشبيبي (فنانة تشكيلية) أنّ الهجرة تعدُّ الطريق الوحيد نحو مستقبل أكثر إشراقًا، وتقول: “هناك كثير من الحقوق الضائعة في بلادنا، وأبسط حق لنا لا نستطيع الحصول عليه، لا تعليم مجاني، ولا صحة، ولا غيرها من المقومات التي تجعلنا نتمسك في العيش هنا، لذا نجد نحن الشبابَ الطموحَ الهجرة طوق النجاة للحصول على حقنا الضائع في بلادنا”.

تحقيق الذات والعيش حياة كريمة

“أنتَ لستَ شجرة، ويجب عليكَ التنقل”، بهذه الكلمات أكّد (عبد الله حارس)، أحد الشباب الذي اختار الهجرة إلى تركيا، تأييده للهجرة؛ إذ قال: “إنّ الهجرة تعدُّ فرصة مناسبة للشباب يحققون فيها طموحاتهم المهنية، وإنّ الانتقال إلى بيئة جديدة يوفر لهم فرصًا أكبر للتعلم والتطوير والاستقلالية”.

وأضاف: “تلعب الهجرة دورًا فعّالًا في تعزيز تقدير الذات لدى الشباب المهاجر، فعندما يقرر الشخص ترك بلده والانتقال إلى بيئة مختلفة عن التي يعيشها، فإنه يظهر قدرًا كبيرًا من الشجاعة والإرادة والقدرة على المخاطرة والتكيف، وهذا يعزز ثقته بنفسه، ويرفع من تقديره لذاته في مختلف المجالات والتخصصات”.

 وأشار إلى أنّ الشباب اليمني يعيش واقعًا مريرًا في مختلف الجوانب الحياتية، وتُعدُّ الهجرة في كثير من الأحيان وسيلة لتحقيق الآمال في العيش الكريم، الذي لا يقتصر على الاستقرار المالي والأمني فقط، بل يصل إلى أكبر من ذلك، وهو البحث عن الذات، والتقدير والاحترام، والحصول على الرفاهية، وفرص عمل هادفة تتماشى مع شغفهم وتطلعاتهم.

في سياق متصل، أكد الشاب أحمد الباشا (موظف حكومي)، تأييده لهجرة الشباب بحسب الفرص المتاحة، فإذا كانت الفرصة قادرة على تغير الحياة والوضع للأفضل، فلمَ لا؟ وعلى الرغم من التحديات والصعوبات التي يواجهها الشباب اليمني المهاجر فإنّ كثيرًا منهم يسعى للاستمرار في هجرتهم كبديل مناسب لحياة أفضل، من حيث الظروف المعيشية، والحصول على فرص تعليمية مناسبة مقارنة بالفرص المتوفرة في اليمن، ومن المهم أن نفهم تجاربهم وندعم جهودهم للاندماج في المجتمعات الجديدة.

ويؤيد دليل الشميري (رئيس نقابة موظفي وزارة الصحة العامة والسكان) القول بأنّ هجرة الشباب إلى بلدان أفضل توفّر لهم فرص عمل جيدة، وترفع من قدراتهم التعليمية والتأهيلية في مختلف المجالات التي تواكب التطورات واحتياجات سوق العمل.

وأضح أنّ الصراع والنزاع القائم في البلاد تسبّب في تدمير البنية التحتية والاقتصادية، ممّا زاد من معاناة الشباب، وأنّ انعدام الحريات وغياب السياسية والمدنية شجّع الشباب اليمني على الهجرة بحثًا عن الأمان والسلام في بلدان تحترم حقوق الإنسان، وتسمح لأفراد المجتمع ببناء مستقبلهم وممارسة حقوقهم بشكل أفضل.

آراء معارضة

على الجانب الآخر، يعارض بعض الشباب فكرة الهجرة، ويرون أنّها تُفقد الشباب هويتهم وانتمائهم لوطنهم.

علي الدبيش (أحد الناشطين المجتمعين المعارضين لفكرة الهجرة) يرى أنّ ظاهرة هجرة الشباب اليمني ازدادت بشكل كبير ومخيف، نتيجة الصراع القائم في البلاد والظروف المعيشية الصعبة. ويقول: “يعيش شبابنا ما بين سندان الطموح ومطرقة الغياب عن الأسرة في بلاد المهجر، وهذا من أصعب الأمور التي يواجها المهاجر”.

مؤكدًا حديثه أنّ الهجرة ليست الحل الوحيد والمناسب، خاصة في مثل هذه الظروف التي توجب علينا أن نعمل بشكل تشاركي على تحسين أوضاعنا وأوضاع بلادنا هنا بدلًا من الهروب.

 ويضيف: “يعيش الشباب المهاجرون أوضاعًا نفسية صعبة خارج أوطانهم، نتيجة تركهم أُسرهم وأصدقاءهم، كما يشعرون وكأنّهم في أماكن غير أماكنهم، وبيئة غير بيئتهم، فلا مكان أفضل من العيش داخل الوطن”.

من جهة أخرى، تشير منال محمد (طالبة جامعية) إلى المخاطر التي قد تواجه المهاجرين، مثل الاستغلال الوظيفي، والتمييز العنصري. 

وتقول: “هناك كثير من الشباب لا يدركون التحديات التي يمكن أن يوجهها عند الهجرة، مثل التعرض للاعتداءات، والاستغلال من قبل المهربين، إضافة إلى صعوبة الاندماج في المجتمعات الجديدة، بسبب الحواجز اللغوية والثقافية والاجتماعية”.

مضيفة: “أنّ هجرة الشباب المتعلمين والمؤهلين تُسهم هي الأخرى في فقدان البلاد الكفاءات والطاقات الشبابية التي يمكن أن تعمل على تنمية البلاد، وعليه يجب على الحكومة اليمنية والمجتمع الدولي العمل على معالجة الأسباب الجذرية لهجرة الشباب”.

وفي الختام تظل الهجرة قضية معقدّة تحمل في طياتها آمال الشباب وتحدياتهم، وتبقى معالجة الأسباب الجذرية للهجرة السبيل الوحيد لتقليل هذه الظاهرة، وضمان مستقبل أفضل للشباب في اليمن.

‫شاهد أيضًا‬

الشباب في الهجرة؛ بين البحث عن فرص عمل ومواجهة التحديات

أحمد باجعيم – صوت الأمل الهجرة إلى الخارج أصبحت فعلًا واحدة من أبرز الظواهر بين الشب…